القصر في علم البلاغة وأسئلة عليه

القصر في علم البلاغة وأسئلة عليه

شرح دروس البلاغة للشيخ محمد بن صالح العثيمين

تحقيق الأستاذ أشرف بن يوسف (10)

القصر (1): تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص.

وينقسم إلى حقيقي وإضافي:

(فالحقيقي) ما كان الاختصاص فيه بحسب الواقع والحقيقة، لا بحسب الإضافة إلى شيء آخر، نحو: لا كاتب في المدينة إلا علي، إذا لم يكن غيره فيها من الكتَّاب.

(والإضافي) ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين، نحو: ما علي إلا قائم؛ أي: إن له صفه القيام، لا صفة القعود.

وليس الغرض نفي جميع الصفات عنه ما عدا صفة القيام (2).

(١) انتبه أن القصر معناه الحصر؛ فهو يسمى حصرًا، ويسمى قصرًا؛ لأن الحصر قصر شيء على آخر، فهما بمعنى واحد.

(٢) يعني رحمه الله: أن القصر - وهو الحصر - حقيقي وإضافي: فإذا قلت: لا إله إلا الله،فالحصر حقيقي؛ لأن المقصود: لا إله حق إلا الله، وهذا حقيقي.

وإذا قلت: لا خالق إلا الله، فهو أيضًا حقيقي.

وإذا قلت: لا ملك إلا فلان، فهذا حقيقي؛ لأنه ليس هناك إلا ملك واحد.

وإذا قلت: لا معلم إلا فلان، وليس في البلد سواه، ولا كاتب إلا فلان، ولا كاتب سواه، فهو حقيقي.

أما القصر الإضافي فهو ما كان محصورًا بالنسبة إلى شيء معين، نحو أن تقول: لا جَوَاد إلا حاتم؛ أي: حاتم الطائي المعروف.

فهذا إضافي؛ لأنه يوجد أجواد كثيرون، لكن لا جَوَاد باعتبار المكان الذي هو فيه، أو باعتبار الزمان الذي هو فيه، أو باعتبار نوع من الجود.

فالإضافي ما كان الحصر فيه باعتبار شيء معين.

وقد مثل المؤلف رحمه الله للحصر الإضافي بقوله: ما علي إلا قائم.

فهذا إضافي؛ لأنه ضاحك، جائع، عطشان، باكٍ، له صفات كثيرة، غير قائم[1].

لكن هذا بالنسبة لهذه الصفة المعينة؛ يعني: أنه قائم، وليس بقاعد، وهذا ما نسميه حصرًا إضافيًّا.

والخلاصة الآن: أنه ما كان الحصر فيه باعتبار الواقع فهو حقيقي، وما كان الحصر فيه باعتبار شيء معين فهو إضافي.

وأيهما الحصر الذي يقصد عند الإطلاق؟

الجواب: الحقيقي؛ فالحصر عند الإطلاق يحمل على الحقيقي، فإذا تعذر الحمل على الحقيقي، قلنا: هذا إضافي.

وكل منهما ينقسم إلى قصرِ صفةٍ على موصوف، نحو: لا فارس إلا علي، وقصر موصوف على صفة، نحو: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾ [آل عمران: 144] فيجوز عليه الموت (1).

(١) تحدث المؤلف هنا عن قصر الصفة على الموصوف، والموصوف على الصفة:

فإذا كانت الصفة مختصة بموصوفها، فهو قصر الصفة على الموصوف، وإن كان الموصوف مقصورًا على الصفة، فهو قصر الموصوف على الصفة.

ومثَّل المؤلف لذلك بقوله: لا فارس إلا علي، فهنا قصر صفة الفروسية على علي.

أما كونه إضافيًّا أو حقيقيًّا، فإننا ننظر: إذا كان بالبلد فارس سواه، فهو إضافي، وإلا فهو حقيقي.

ومثال قصر الصفة على الموصوف أيضًا: أن تقول: لا قائم إلا محمدٌ.

ومثل المؤلف رحمه الله على قصر الموصوف على الصفة بقوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾ [آل عمران: 144]، فهذا قصر موصوف على صفة؛ يعني: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم موصوف بأنه رسول، لا أنه رب، ولا أنه ملك، ولا أنه سيخلد؛ لأن آخر الآية يدل على ذلك، وهو قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [آل عمران: 144]، وهذا واضح أيضًا.

ومثال قصر الموصوف على الصفة أيضًا: أن تقول: ما محمدٌ إلا قائم.

والقصر الإضافي ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام:

قصر إفراد: إذا اعتقد المخاطب الشركة.

وقصر قلب: إذا اعتقد العكس.

وقصر تعيين: إذا اعتقد واحدًا غير معين (1).

(١) القصر الإضافي سبق أنه هو ما كان القصر فيه بحسب حال معينة.

وهنا ذكر المؤلف أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

١- قصر إفراد: إذا اعتقد المخاطب الشركة.

فإذا قلت: لا قائم إلا محمد، تخاطب رجلًا يعتقد أن القائم محمد وعلي، فهذا القصر قصر إفراد؛ يعني: بعدما كان المخاطَب يتصور أن القائمين كثير، صار الآن لا يتصور إلا واحدًا.

٢- قصر قلب: ومثاله: هذا إنسان يعتقد أن عَمرًا هو الكاتب، فقلت: لا كاتب إلا علي،فهذا قصر قلب؛ لأن المخاطب يعتقد أنه لا كاتب إلا عمرو، فقلبت أنت الأمر عليه، وقلت: لا كاتب إلا علي أو محمد، فخاطبته بغير ما كان، وهذا يسمى قصر قلب؛ لأنك قلبت مفهوم المخاطب إلى ضده.

٣- قصر تعيين: وذلك نحو أن يسألك سائل، فيقول: يا فلان، هل عمرو هو الكاتب أو خالد؟ فقلت: لا كاتب إلا خالد، فهذا تعيين

وللقصر طرق، منها:

النفي والاستثناء، نحو: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31].

ومنها: (إنما)، نحو: إنما الفاهم علي.

ومنها: العطف بـ: "لا"، أو "بل"، أو "لكن"، نحو: أنا ناثر، لا ناظم، وما أنا حاسب، بل كاتب (1).

ومنها: تقديم ما حقه التأخير، نحو: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5] (2).

(1) ومثال "لكن": أن تقول: ما أنا حاسب، لكن كاتب، فتنزع "بل"، وتضع بدلًا منها "لكن".

(2) ذكر المؤلف هنا طرق القصر، فذكر النفي والاستثناء - وهو أعلاها - ومثل له بقوله تعالى: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31]؛ أي: ما هذا إلا مَلَك كريم[2].

وهذا الحصر - كما تعرفون - إضافي؛ يعني: أن النسوة قلن: ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31].

ثم ذكر المؤلف طريقًا آخر للقصر والحصر، وهو "إنما"، والفرق بين "إلا"، و"إنما" أن "إلا" يليها المحصور فيه، و"إنما" يليها المحصور.

ومثاله: إنما الفاهم علي، فالآن أنت حصرت الفهم في "علي"؛ لأن "إنما" يليها المحصور.

ومن طرق القصر أيضًا التي ذكرها المؤلف: العطف بـ: "لا"، تقول: القائم علي، لا بكر.

أو "بل"، تقول: ما القائم فلان، بل فلان.

أو "لكن"، تقول: ما القائم فلان، لكن فلان.

ومن طرق القصر أيضًا التي ذكرها المؤلف: تقديم ما حقه التأخير،وهذا عام؛ فكل تقديم لما حقه التأخير فهو مفيد للحصر، سواء كان مفعولًا، أو كان خبرًا، أو غير ذلك، كلما قدمنا ما حقه التأخير، فهو دليل على الحصر.

أسئلة على باب القصر:

الأسئلة: وضِّح نوع القصر، وطريقه في الأمثلة الآتية:

(أ) قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [النساء: 171].

(ب) قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 284].

(ج) لا إله إلا الله.

(د) قال تعالى: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾ [يس: 15].

(هـ) على الله توكلنا.

(و) عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

(ز) ليس اليتيم الذي قد مات والده = بل اليتيم يتيم العلم والأدب

(ح) ليس عار بأن يقال فقير = إنما العار أن يقال بخيل

(ط) إن الجديدين في طول اختلافهما = لا يفسُدانِ، ولكن يفسد الناس

(ى) سيذكرني قومي إذا جدَّ جِدُّهم = وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

الأجوبة عنها:

(أ) قصر إضافي باعتبار الواقع، موصوف على صفة باعتبار المقصور، إفراد باعتبار المخاطب، وطريقه "إنما".

(ب) قصر حقيقي، صفة على موصوف، وطريقه التقديم.

(ج) قصر حقيقي، صفة على موصوف، وطريقه النفي والاستثناء.

(د) قصر إضافي، موصوف على صفة إفراد، وطريقه النفي والاستثناء.

(هـ) قصر إضافي، صفة على موصوف، وطريقه التقديم.

(و) قصر إضافي، صفة على موصوف، وطريقه التقديم.

(ز) قصر إضافي، صفة على موصوف، وطريقه العطف بـ: "بل".

(ح) قصر إضافي، موصوف على صفة، وطريقه "إنما".

(ط) قصر إضافي، صفة على موصوف، وطريقه العطف بـ: "لكن".

(ي) قصر إضافي، موصوف على صفة، وطريقه: تقديم الجار والمجرور.