• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    روائع الأمثال للكبار والصغار
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الكنايات التي نحيا بها
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    واو الحال وواو المصاحبة في ميزان التقدير
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: إيجاز الكلام واختصاره

أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: إيجاز الكلام واختصاره
د. سعد الدين إبراهيم المصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/1/2015 ميلادي - 21/3/1436 هجري

الزيارات: 21918

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف

إيجازُ الكَلامِ واختِصارُهُ


يَأتِي فِي كَلامِ العربِ كثيراً حذفُ المضافِ وإقامةُ المضافِ إلَيهِ مُقامُهُ، ويُفيدُ مَعانيَ جديدةً يُستَغنَى بِها عنِ المحذُوفِ، والاختِصارُ هوَ جُزءٌ مِن الكَلامِ الَّذِي أُمكِنَ الاستِغناءُ عنهُ، فَمِن ذلِكَ قَولُهُ تَعالَى: ﴿ لِمَنْ كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ ﴾.[1] والمعنى لِمَنْ كانَ يرجُو لِقاءَ اللهِ بإيمانِهِ ويُصدِّقُ بِالبعثِ الَّذِي فيهِ جَزاءُ الأَفعالِ. وقِيلَ: أي لمن كانَ يرجُو ثوابَ اللهِ في اليومِ الآخِر. فذلِكَ اليومُ العَظِيمُ خَيرُ الأيَّامِ علَى المؤمنِ الذي اتخذ من رسولِ اللهِ أُسوة حَسَنة، وهو يرجُو رَحمةَ اللهِ وعفوِهِ، فَكانَ الاختِصارُ والإيجازُ في الكلامِ أبلغَ حِينَ أُقِيمَ المُضافُ إلَيهِ مُقامَ المُضافِ، فَأُعرِبَ بِإعرابِهِ.

 

فإقامة المضافِ إليهِ مُقامَ المضافِ لا يُصارُ إليهِ، ولا يُستَحسَنُ إلا إذا دَعتْ إلَيهِ ضَرورةٌ فنيَّة، مَفادُها على ما اختصَّت بِهِ العربيَّةُ من الإيجازِ وطرحِ فُضُولِ الكلامِ، والاكتِفاءِ باللحمةِ، وطلبِ الخفَّةِ واليسرِ ثمَّ من قبلِ ذلِكَ ومن بعدِهِ إمتاعُ الذِّهنِ بِما تذهبُ إليهِ النفسُ في تقديرِ المحذوفِ المطوي في ثنايا الكلامِ[2].

 

وفِي قَولِهِ تَعالَى: ﴿ إنَّ بُيُوتَنا عَورَةٌ ﴾[3] فالمعنى: سائِبةٌ ضائِعةٌ لَيسَتْ بحصينةٍ، وهِي ممَّا يَلِي العدوِّ. وقيل: مُمكِنةٌ لِلسرَّاقِ لخُلوِها مِن الرِّجالِ. ويُقالُ: دارٌ مُعوِرَة وذَاتُ عَورةٍ إذا كانَ يَسهُلُ دُخُولُها. ويُقالُ: عَوِرَ المكانُ عَوَراً فهو عَوِرٌ. وبُيوتٌ عَوِرةٌ. وأعورَ فهو مُعوِرٌ. وقيل: عَورةٌ ذاتُ عَورةٌ. وكُلُّ مَكانٍ لَيسَ بِممنُوعٍ ولا مَستورٍ فهو عَورةٌ. وقالَ أبو جعفر النحَّاس: "وهذا اسمُ فاعِلٍ من عَوِرَ يَعوَرُ عورَةً، ويَجُوزُ أنْ يكونَ مصدراً، أي: ذات عورةٍ[4]. فالحذْفُ هنا قدَّرناه لصحّةِ المعنى والإعرابِ معاً

 

فـ "عورةٌ " كما هو معلومٌ خبر " إنَّ "، وهو مصدرٌ في الأصلِ، وهو بمعنى: " بيوتنا ذاتُ عورةٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسمَ فاعِل، أصلُهُ عَوِرَةٌ، ثُمَّ أُسكِنَ تَخفِيفاً، ويجوزُ أنْ يكونَ مصدراً في موضِعِ اسمِ الفاعِلِ، كما تَقُولُ: رَجُلٌ عدْلٌ، أي: عادل[5].

 

والإيجازُ يَكثُرُ في مواضِعَ ليبيِّنَ أحياناً أنَّ الكلامَ جاءَ وفقَ المعنى العام، ووفق السياق الذي وَرَدَتْ بِهِ الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وأنذِرْهُم يَومَ الحسرةِ ﴾[6]. ويوم الحَسرةِ يومُ القِيامة، ورُويَ في التفسِيرِ أنَّه إذا كانَ يَومُ القِيامةِ، واستَقرَّ أهلُ الجنَّةِ فِي الجنَّةِ، وأهلُ النَّارِ في النَّارِ أُتِيَ بِالمَوتِ علَى هيئةِ كَبشٍ أملحَ، فيشرئِبُونَ إلَيهِ، فيُقالُ: أَتَعرِفُونَ هذا، فَيَقُولُونَ: نعم، فَيُقالُ: هذا الموتُ فَيُذبَحُ ويُنادَى بِأهلِ النَّارِ: خُلُودٌ لا مَوتَ بَعدَهُ، وكذلِكَ يُنادَى بأهلِ الجنَّةِ: خلُودٌ لا موتَ بَعدَهُ.[7]

 

فَجَاءَ الإيجازُ في هذِهِ الآيةِ الكريمةِ، والتقديرُ: وأنذِرْهُم خَبَرَ يَومِ الحَسرةِ إذ قُضِيَ الأمرُ، فَخَبَّرَ أنَّهُم مُعذَّبُونَ[8]. فجاء حذفُ المضافِ وإقامةُ المضافِ إليهِ يستدعِي معانيَ متعدِّدة، إمَّا لبيانِ النوعِ وهو الحسرة، وإمّا للخوفِ من العقابِ، وهذا الأمرُ يلحقُ كلَّ مكلَّفٍ، لذا قُدِّرَ المضاف: خبرَ أو عذابَ، إمَّا للتعظيمِ، وإمَّا للخوف.

 

ومن ذلِكَ قَولُهُ تعالَى: ﴿ والذَّارِياتِ ذَرواً ﴾[9]. الواو هنا واو القسمِ، وهي بدلٌ من الباء، و" ذرواً " مصدر، والتقدير: والرِّياحِ الذارياتِ. ويُقالُ: ذَرَتِ الرِّيحُ الشَّيءَ: إذا فَرَّقَتْهُ فهِيَ ذارِية، وأَذرَتْ فَهِيَ مُذرِية.[10]. ثم قيل: " والذَّارِياتِ " وما بعدَه أقسامٌ، وإذا أقسَمَ الرَّبُ بشيءٍ أثبتَ لَهُ شرف. وقيل: المعنى وربِّ الذاريات، والجواب إنما توعدون، أي: الَّذِي تُوعدُونَهُ مِن الخَيرِ والشَّرِّ والثَّوابِ والعقابِلَصادِقٌلا كَذِبَ فيهِ، ومَعنَى لَصادِقٌ لَصِدقٌ، وَقَعَ الاسمُ مَوقعَ المصدرِ. [11]

 

" فَالحَامِلاتِ " عَطفٌ علَى الذَّارياتِ، والتَّقديرُ: فالسَّحابِ الحَامِلاتِ المطرَ، وقِيلَ: الحاملاتِ السُّفنَ، وقِيلَ: الرِّياح، لأنَّها تَحمِلُ السَّحابَ، " فالجارِياتِ "، " فالمقَسِماتِ " عَطفٌ أيضاً، أي: فَالملائِكةِ المقسِّماتِ ما أُمِروا بِهِ أمراً. ﴿ والسَّماءِ ذاتِ الحُبكِ ﴾ الواو واو القسم حرف جرٍّ، والتقدير: وربِّ السَّماءِ، فقد أقامَ المضاف إليه مُقامَ المضاف في الآياتِ المذكورةِ، وأَخَذَ حُكمَها الإعرابِيَّ.

 

نجدُ في داخِلِ الآيات تماسُكٌ تِلقائِيٌّ، بواسِطةِ العناصِرِ البنائِيَّةِ المكوِّنةِ لَها، ونعني بِهِ الجانبَ النحويَّ أو الوظيفيَّ للتماسُكِ السياقِيِّ، كما أنَّنا الناحيةَ التعبيريَّة الجماليَّة في أنساقِ الخِطاب، فالقسَمُ بالواو، وبعدها المقسَمُ بِهِ لَهُ جانِبٌ دلالِيٌّ فيهِ جنِبٌ جمالِيٌّ، فالرابط بينَهما معنويٌّ، فنسقُ الآيةِ ومثيلاتها يترابطُ ترابُطاً معنويَّاً، وغايةُ ما في الأمرِ أنَّ وجهةَ هذا الترابطِ في تركيبِ الآياتِ، ففيها حَذْفُ مضافٍ، وإقامةُ مضافٍ إليهِ مُقامهُ، والكسرةُ في آخرِ الاسمِ المقسَمِ بِهِ لها إيقاعُ قوَّة.

 

وقد يَحِلُّ الاسمُ محلَّ الاسمِ، ويَأخُذُ حُكمَهُ الإعرابيَّ، وموقِعَهُ في التعيين، والإفراد والحكم، من ذلك قولُهُ تعالَى: ﴿ وكأيِّنْ مِنْ قَريَةٍ هِيَ أشدُّ قُوَّة من قريَتِكَ الَّتِي أخرَجَتْكَ ﴾[12]. فالإيجاز جاءَ على تقدير: وكأيِّن من أهلِ قَريَةٍ. وقالَ الفرَّاء (ت207هـ): في معنى: " التي أخرجَتْكَ " التي أخرجَكَ أهلُها إلى المدينةِ.[13]

 

ونخلصُ مِن هذهِ الآيةِ إلى أنَّهُ أُقيمَ فيهِا المضافُ إليهِ مُقامَ المضافِ، والتقدير: " التي أَخرجَكَ أَهلُها "، فحذَفَ الأهلَ، وقامَ ضَمِيرُ القريةِ مُقامَهُم، فصارَ ضَميرُ القريةِ مرفوعاً كما كانَ الأهلُ مَرفُوعيْن بـ " أخرجَ "، فاستَترَ ضَميرُ القَريةِ فِي " أخرجَ "، وجاءَتْ علامةُ التأنيثِ لِتؤنِّثَ القَريةَ، وهذا مِن بابِ الإيجازِ والاختِصارِ فِي الكَلامِ، ومِثلُهُ قولُهُ تَعالَى: ﴿ وَهُوَ واقِعٌ بِهِم ﴾[14]. فتقديرُ الكَلامِ: " وعِقابُهُ واقِعٌ بِهِم"، فقد حُذِفَ المُضافُ، وهو "العِقابُ"، وقامَ الضَّميرُ مُقامَهُ، فأَصبَحَ ضَميراً مَلفُوظاً بِهِ، ولم يَستتِرْ، لماذا؟ لأنَّ الواوَ معه.

 

وأيضاً لأنَّ الفِعلَ " أخرَجَتْكَ " لم يَكُنْ لِلعقابِ، فلم يَستَتِرْ ضَميرُ ما قامَ مُقامَ العقابِ في الفعلِ، واستتَرَ ضميرُ القريةِ في " أخرجَ "، لأنَّه كانَ فِعلاً لـ " الأهل "، فاستَتَرَ الضمير الذي قامَ مقامَ الأهل، في فعلِ الأهل، وجازَ ذلِكَ وحَسُنَ لِتقدُّمِ ذِكرِ القريةِ، ولأنَّ الفِعلَ في صِلةِ التي، و " التي " للقرية، فلم يَكُنْ بُدٌّ مِن ضَميرٍ يَعُودُ علَى " التي "، وضَميرُ المرفوع العائد على اسمي الموصول " التي، والذي " يَستَتِرُ في الفعلِ الذي في الصِّلةِ دائماً حينما يكون الفعل له.

 

ومن الإيجاز والاختصار الذي ورد قولُهُ تعالَى: ﴿ فإذا عَزَمَ الأمرُ ﴾[15]، أي عَزَمَ أَصحَابُ الأَمرِ، ثمَّ حُذِفَ المضاف " الأصحابُ " وأُقِيمَ المضافُ إليهِ مُقامَهُ. وذكر أبو جعفر النحاس أنَّ الأمرَ هنا مجازٌ، أي: أصحابُ الأمرِ، " فإذا عَزَمَ النبيُّ، صلَّى الله علَيهِ وسلَّمَ، على الحربِ ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ ﴾ في القتالِ ﴿ لكانَ خيراً لَهُم ﴾ من التَّعلُّلِ والهربِ، أي: لكانَ صدقُهُم اللهَ وإيمانُهُم بِهِ خيراً لَهُم "[16].

 

ومن الإيجاز الذي ورَدَ قولُهُ تعالى: ﴿ وكأينْ مِنْ قَريَةٍ عَتَتْ عن أمرِ رَبِّها ﴾[17]، والمعنى: وكم من أهلِ قريةٍ عَتَوا عن أمرِ ربِّهِم، ثم أُقِيمَ المضافُ إليهِ " قرية " مُقامَ المضافِ وهو " أهل "، وأخذ حكمه الإعرابي، ومحلَّهُ. وكذلكَ الشأنُ في الآية التي تلتها فإنَّنا نجد الإيجاز في قوله تعالى: ﴿ قد أنزَلَ اللهُ إلَيكُم ذِكراً رسولاً من اللهِ ﴾، قيلَ في تفسيرها، الذكرُ هو القرآنُ، والرَّسُولُ محمد، عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، والتقدير في العربيَّة على هذا ذِكراً ذا رسُولٍ، فحذَفَ المضافَ وأقامَ المضاف إليه مقامه، وهو مثل قوله تعالى: ﴿ واسألِ القرية ﴾[18]. وأقول: إنَّ ذكراً انتصب بـ " أنزل "، وانتصبَ " رسول " على أنَّه نعت " ذكر "، أو بدل، تقديره: (ذكراً ذا رسولٍ) فحذفَ المضاف " ذا " وأقامَ المضاف إليهِ " رسولاً " مُقامَهُ، وهذا أبلغُ في النفسِ وأَوقَعُ.

 

وفي الاختصار والإيجاز نجدُ سهولة في تذوق المعنى، وسرعة في فهم النصِّ، ويقودنا المقام إلى تحليل وحداتِ الكلام، وبيانِ وظائفها، فالمقامُ هنا يَضُمُّ المتكلِّمَ والسامِعَ والظروف والعلاقات الاجتماعيَّة، والأحداث الواردة في الماضي والحاضر، ولولا هذا المقام وما يُقدِّمُهُ العنصرُ الاجتماعيُّ من قرائنَ حاليةٍ حينَ يكونُ المقالُ موضوعاً للفهمِ، لما أمكننا أنْ نتذوقَ معنى الآية الكريمة: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خلائِفَ فِي الأرضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ ﴾[19].

 

فالخَلائِفُ جَمعُ خَليفةٌ، وكَونُ النَّاسِ خلائِفَ فِي الأَرضِ هُوَ قِيامُ كُلِّ لاحِقٍ مِنهُم مقامَ سابِقِهِ وسَلطتهِ علَى التَّصرُّفِ والانتِفاعِ، وهُم إنَّما نالُوا هذِهِ الخِلافةَ مِن جِهةِ نَوعِ الخُلقةِ. فالخلافةُ في الأرض نوعٌ من التَّدبِيرِ مرتبطٌ بِالخَلقِ غَيرُ مُنفكٍّ عنه، فقوله: ﴿ هُو الّذِي جَعَلَكُم خلائِفَ فِي الأرضِ ﴾ حُجَّةٌ علَى تَوحُّدِهِ - تعالى - في رُبوبيَّتهِ، وانتفائِها عن شُركائِهِم، فهو سبحانه- مَنْ جَعَلَ الخِلافةَ الأرضيَّةَ في العالمِ الإنسانِيِّ لأنَّه المدبِّرُ لأمرِهِم لا ينفكُّ عن نوعِ الخِلقةِ، فخالقُ الإنسانِ هو ربُّ الإنسانِ، لكنَّ الخالِقَ هو الله - سبحانَهُ - حتَّى عندَ الخَصمِ فاللهُ هو ربُّ الإنسانِ.

 

وقولُهُ: ﴿ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ ﴾، أي: فاللهُ - سبحانه - هو ربُّ الإنسانِ، فَمَنْ كَفَرَ وسَتَرَ هذِهِ الحقيقةَ ونسبَ الرُّبوبيَّة إلَى غيرِهِ فعلَى ضرِرِهِ كُفرُهُ. وهنا نجدُ أنَّ المضافَ إليهِ " كُفرُهُ " قد أُقيمَ مُقامَ المضاف، وهو " عقوبة " وأخذ موقعه وإعرابه، وجاء الإيجاز معبِّراً عن الموقف العام، فراعى المقام، وبيَّنَ الأحداث في الماضي ورَبطَها بالحاضر والمستقبل. والتقدير: فَمَنْ كفَرَ فَعَلَيهِ عُقُوبَةُ كُفرِهِ، وهو مثل قوله تعالى: (واسألِ القرية)[20]، وذهَبَ أبو إسحاق الزَّجَّاج (ت 311هـ) إلى تقدير: فَمَنْ كَفَرَ فعلَيهِ جزاءُ كفره، أي أنَّ المضاف إليه هو " كفره "، والمضاف المحذوف هو " جزاء".

 

وقولُهُ تعالَى: ﴿ مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فلَّلهِ العزَّةُ جميعاً ﴾[21]. نجد أنَّ النحويينَ يتجهون إلى توجيهِ إعرابهِم تَبعاً للمعنى، ويُفسِّرُونَ هذا المعنى ويذكرونَ آراء غيرِهِم، فالفرَّاء (ت 207هـ) يُقدِّرُ في هذِهِ الآيةِ: مَنْ كانَ يُريدُ عِلمَ العزَّةِ، وغيره من أهلِ العلم قالَ: مَنْ كانَ يُرِيدُ عِلمَ العِزَّةِ التي لا ذِلَّةَ مَعها، لأنَّ العِزَّة إذا كانَتْ تُؤدِّي إلَى ذِلَّةٍ فإنَّها هِيَ تُعرِّضُ للذُّلّةِ، والعزَّةُ التي لا ذِلَّةَ مَعَها للهِ جلَّ وعزَّ جميعاً علَى الحالِ. وقَدَّرَ أبو إسحاق معناه: مَنْ كانَ يُرِيدُ بِعِبادةِ الله - جلَّ وعزَّ - فإنَّ اللهَ يَعُزُّهُ في الآخِرةِ والدُّنيا[22].

 

وفي قولِهِ تعالى: ﴿ تَجعَلُونَهُ قَراطِيسَ ﴾[23] إيجازٌ واختصارٌ دلَّ علَيهِ المعنى الذي برز من سياق النصِّ، ومعنى الآية الكريمة: قُل مَنْ أنزلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وهُدى للنَّاسِ تَجعَلُونَهُ قراطِيسَ، أي في قراطيس يُبدُونَها ويُخفُونَ كثيراً هذا لليهودِ الذِينَ أخفَوا صِفةَ النَّبِيِّ، صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم، وغيرها من الأحكامِ. ونُقدِّر المضاف " ذا " أي ذا قراطيس، فقد أقامَ المضافَ إليهِ " قراطيس "مُقامَ المضاف.

 

وأشارَ العُكبريُّ (ت 616هـ) إلى أنَّ المضافَ إليهِ أُقيمَ مُقامَ المضافِ بناء علَى تقديرِ " ذا " أي: ذا قراطِيسَ.[24] فصارَ المعنى ذا قراطِيسَ أي مَكتُوباً فِي القَراطيسِ تُبدونَها، أي تُبدونَ مَكتُوبَها، والمعنى: ليسَ تخفُونَها إخفاءً كثيراً، ولكنَّ التَّقديرَ: تُخفونَ كثيراً مِن إنكارِ ذِي القَراطِيسِ، فَهُم - أي اليهود - يَكتُمُونَهُ ولا يُظهِرُونَهُ.

 

وقولُهُ تعالى: ﴿ والَّذِينَ آمَنُوا وعمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدخِلَّنَّهُم فِي الصَّالِحينَ ﴾[25] ومعنى ﴿ في الصَّالحين ﴾ في جملتهم. ويجوز أن يكونَ التقديرُ: في ثَوابِ الصَّالحِينَ، وهِي الجنَّةُ. ولمَّا ذَكَرَ تَعالَى ما أَعدَّهُ لِلمؤمِنينَ الخُلصِّ، ذَكَرَ حالَ المُنافِقينَ، الذينَ آمنُوا بِألسنتِهِم،فإذا آذاهُمُ الكفَّارُ، جَعَلُوا ذلِكَ الأذى، وهُو فِتنةُ النَّاسِ، صارِفاً لَهُم عنِ الإيمانِ؛ كما أنَّ عذابَ اللهِ صارِفٌ لِلمُؤمِنينَ عنِ الكُفرِ؛ وكَونُها نَزَلَتْ فِي المنافِقينَ [26].


فقد أقامَ المضافَ إليهِ " الصالِحينَ " مُقامَ المضاف إيجازاً، وقدّرَتْ " في مقامِ الصالِحِين "، وهذا حسنٌ في البيانِ والكلامِ. وقيلَ في زمرة الصالِحِينَ.

 

وفي قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنا الإنسانَ بِوالِدَيهِ حُسناً ﴾[27].حذفٌ وإيجازٌ، فالحذفُ بِتقدِيرِ: وَصَّيْناهُ بِوالِدَيهِ أمراً ذا حُسْنٍ، ثم أقامَ الصفة مُقامَ الموصُوفِ، وأقامَ المُضافِ إليه " حُسْن " مُقامَ المضافِ " ذا "، وهذا من الإيجازِ والاختصار الحسنِ الذي يعطي المعنى جمالاً وتحديداً وقوَّة في السَّبكِ.

 

وقَدَّر صاحبُ مشكل إعراب القرآن في الآية: " ووصينا الإنسانَ بوالديه أمراً ذا حُسنٍ " فأقامَ المضاف إليه مقام المضاف، وهو حسن "[28].



[1] الآية 21 من سورة الأحزاب.

[2] البرهان في علوم القرآن: الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1376هـ، 3: 104.

[3] الآية 13 من سورة الأحزاب.

[4] إعراب القرآن للنحاس 3: 306.

[5] مشكل إعراب القرآن: لأبي محمد مكيِّ بنِ أبِي طالبٍ القيسيِّ (ت437هـ)، تحقيق: محمد عثمان، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2009م، ص 380.

[6] الآية 39 من سورة مريم.

[7] معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3: 270.

[8] إعراب القرآن 3: 18.

[9] الآية 1 -4 من سورة الذاريات.

[10] إعراب القرآن للنحاس 4: 235.

[11] الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي القرطبي (ت671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1384هـ -1964م، 7: 29. والوقر: كل ما حُمِلَ على الظهر.

[12] الآية 13 من سورة محمد.

[13] إعراب القرآن 4: 182.

[14] الآية 22 من سورة الشورى.

[15] الآية 21 من سورة محمد.

[16] إعراب القرآن 4: 187.

[17] الآية 8 من سورة الطلاق.

[18] إعراب القرآن 4: 455.

[19] الآية 39 من سورة فاطر.

[20] إعراب القرآن للنحاس 3: 375.

[21] الآية 10 من سورة فاطر.

[22] إعراب القرآن للنحَّاس 3: 364.

[23] الآية 91 من سورة الأنعام.

[24] التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء عبدالله بن الحسين (ت616هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، القاهرة، 1976م، 1 : 518.

[25] الآية 9 من سورة العنكبوت.

[26] البحر المحيط: لأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي(ت745هـ)، تحقيق: عادل عبدالموجود، وعلي محمد معوض، وزكريا عبدالمجيد النوني، وأحمد النخول الجمل، ودار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 7: 143.

[27] الآية 8 من سورة العنكبوت.

[28] مشكل إعراب القرآن ص367.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملخص بحث: إقامة المضاف إليه مقام المضاف (أغراضه ووظائفه وصوره)
  • مقدمة في إقامة المضاف إليه مقام المضاف
  • أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: الاتساع والتجوز في الكلام
  • دلالة القرينة على المضاف إليه
  • أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: الحاجة إلى المعنى
  • هل يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه؟

مختارات من الشبكة

  • أغراض التشبيه مع الأمثلة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض تعلم العربية عند الناطقين بلغات أخرى(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض شعر ابن القم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • براعة الوصف في شعر ابن الرومي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عجز القراءات الحداثية عن تحقيق الغرض من تفسير القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطورة ظاهرة التصدي للفتوى من غير العلماء في مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض دنيوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم من يستغل الإسلام لأغراضه الشخصية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نحو تصنيف كتاب لتعليم العربية لأغراض خاصة وفق اللسانيات التطبيقية المعاصرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تعليم اللغة العربية لأغراض خاصة (إعلامية) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العلاج الجيني ونقل الخلايا الجسدية لأغراض الوقاية والعلاج(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب