• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

المحاكمة ( قصة )

المحاكمة (قصة)
د. أسعد بن أحمد السعود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/12/2014 ميلادي - 15/2/1436 هجري

الزيارات: 4584

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المحاكمة


ودَّعتني وكيلة المدرسة بحرارة شديدة حينما أحكمتُ قبضتي على شهادة التخرُّج في الثانوية، وهي تؤكد علي وتحضنني بآنٍ واحد أن أتابع نشاطي في الكتابة، وأن لا أقطعها لأيِّ سبب كان، كما كررت علي: (أنت مبدعة)، حينها كانت النشوة تعتري مفاصل جسمي وفرحتي لم تسعها النحافة التي كنت متصفة بها، وهممت قائلة: أنا مبدعه بأي شيء؟ لست أدري سوى أنني تخلَّصت أخيرًا من المدرسة!

 

لم يكن في ذهني يومها كيف يكون شكل الإبداع ولا أعلم عن ماهيته أي شيء، وخاصة تلك التي يُطلقون عليها (جائزة نوبل) التي تعطى للمبدعين، (ولولا أن اسمها كان يردده الكثيرون لما سمعت عنها، ولمَّا أتعرف عليها بعد وقد تشبث تعليق الوكيلة في ذهني ولم يفارقني أبدًا: (أنت مبدعة) (عقبال نوبل)!!

 

كان أبي - ومن دون أمي - هو الشخص الوحيد الذي أجلس إليه وأفرغ بين يديه كلَّ ما يتجمَّع في جعبة ذاكرتي: كل شيء، أي شيء، ويومها كنت أكرِّر عليه مقولة الوكيلة ولا أراه إلا يبتسم ويهز برأسه ويقول: لنرى ما وراء هذه الكلمة يا (أستاذة ملك)، ودائمًا كان يلقِّبني ويناديني بالأستاذة ملك، أين الأستاذة؟ نادوا على الأستاذة، لقد ذهبَت الأستاذة، ها قد أتت الأستاذة، وهكذا، ولم أصل بعد إلى ما كان يرمي إليه هو الآخر!

 

وأراه يُغدق علي بالكتب والقصص والروايات، سواء كنت أطلبها منه أو لم أفعل ذلك، مع العلم أني نادرًا ما كنت أصحبه إلى المكتبات ودُورها، لكن اللافت منه دائمًا يسألني ويسمع ما أقول له عنها، وجاء اليوم الذي سمعت فيه - من طرف ثالث - كلمة: (أنت مبدعة) وكان صاحبها هذه المرة أستاذ الأدب المقارن في الجامعة، وعجبت من ذلك أشد العجب حينما دفعت إليه بـ (35) صفحة كتبتُ فيها ما جادت به قريحتي عن رواية بائعة الخبز وعن رواية شجرة اللبلاب، وكتبتُ وقلتُ فيها ما قلت وكان كلاما....! كنتُ خائفة أشد الخوف وحذرة من ردة الفعل التي أحسبها تهبُّ عليَّ من (الدكتور) بعد أن يطَّلع على الصفحات تلك، وأخذت أضرب الأخماس بالأسداس، وحَبَست نفسي في غرفتي وآثرت الانعزال وعدَم الاختلاط حتى مع عائلتي وإخوتي وخاصة مع أبي، وأذكر أنني انقطعت أكثر من أسبوع عانيت منه الوساوس الكثيرة – وفجأة لم أرَ إلا الرجلَ المقدام أبي يَقتحم عليَّ محبسي والابتسامة المعتادة منه تعت لي وجهه الأسمر المشرِق، وبادرني: كيف حال المبدعة ملك؟ هل انتهيتِ من إكمال البحث؟ سألتُه متلعثِمة: أيُّ بحث؟ قال: هذا.. وكانت تلك الأوراق الـ (35) في يديه وكان يُخفيها وراءَ ظهْرِه، صرختُ خائفة: بابا راكان!! أجاب: اقرئي ما كتَبَ لك الدكتور! وقد جلَبها بشخصه لمكتبي في الوزارة! مضَت أيام على تلك الحادثة وبناء على ملاحظات الدكتور أقمتُ أوَّل محاضرة على مدرَّج الكلية، الـ (35) صفحة كما هي مع بعض التعديلات وكانت باهِرة تمامًا.

 

• أخذت بالاستعداد للمرحلة التالية كما خطَّط لي الدكتور، وأخذتُ أبتلع ما أوصاني به كافكا والبير كامو كمثالين مضادين للأمثلة السابقة التي أوردتها في الـ (35) صفحة وغرقتُ بكلِّ ما كَتبا وما كُتب عنهما حتى غِبت تمامًا عن كل ما حولي.

 

• وفجأة: حدث ما لم يكن بالحسبان.

 

• ذاك الذي جاء يخطُبني وهو سعيد فرِح، لم يكن في ذهني يومها وأنا في العشرين ربيعًا أو سنة أو عامًا، ما هي مؤهلاتي ومن الذي أشار إليه وضخَّم له مواصفاتي، فذلك كان غائبًا عن عالمي تمامًا، ولربما كانت أمي أو أبي هما اللذين كان يقومان بذلك على طول السنين السابقة وهما يؤكدان أنني أصبحت مؤهَّلة للزواج، وأشُكُّ بأحدهما!

 

• وأسخر من نفسي في الحقيقة، وأردِّد عليها: أنا صاحبة هذه المؤهلات أو أمتلكها أو تتوفَّر في، لا أعرف عنها شيئًا أبدًا، هم يقولون ذلك؛ إذًا هم يعرفونها!

 

• دخلَت أمي متهلِّلة والبهجة تكلِّلها تبشِّرني بصاحب السعد.

 

• لقد وصل يا بنيتي.

 

• مَن؟ البير كامو!

 

• أقول لك: وَصَلَ ودخل مجلس الرجال وقال لي أبوك: إن اسمه فهد.

 

• آ آ.. إنه كافكا إذًا؟!

 

• بنت.. ماذا تقولين؟

 

• قلت لك يا أمي الحبيبة: إن لم يكن البير فهو إذًا كافكا!

 

• قلتُ لك: فهد جاء يخطبك، وتقولين هذا الذي اسمه نصراني!

 

• وهجمَت عليَّ مندفِعة، وأحسستُ أني تلقَّيت صفعة مبرحة على أذني اليسرى وعلى وجهي ولم أشعر أو أدرك ما الذي حصل بعدها عندما صحوتُ، لم أرَ سوى وجه واحد أمامي ابتسمتُ له وضحكتُ.

 

• بابا راكان!!

 

• أستاذة ملك، بالله عليك انهضي وعودي كوردةٍ كما كنتِ، وراحَ يجهش بالبكاء ويضمُّني إليه.

 

• كان يعرف كلَّ شيء وأحيانًا يقرأ معي بعض الشيء، وكثيرًا من الأحيان كان يمدُّني ويشجعني بالقراءة ويغمرني بمختلف المصادر.

 

• وزاد التعاون بيني وبين دكتور الأدب المقارن، ومنذ تلك الليلة وضعتُ النقاط فوق حروف حياتي، ووضعتُ حيثيات القضيَّة من جميع جوانبها، وازداد التعاون والتوجيه بيني وبين أبي من جهة، وبيني وبين الدكتور، واتفقتُ معه على أن أُطلق عنوانًا واحدًا محاكيًا وهو: "المحاكمة" على القضية المفترضة، وبناء على ما قدمته من تبريرات، أُجيز لي مشروعُ التخرُّج، وكان مبحثًا مستفيضًا عن حيثيات المحاكمة، وكنتُ مغتبطة وفرحة سعيدة، وكان كل من حولي يشاركني ما عدا أمي الوحيدة التي وقفت متحفِّظة على التفاصيل؛ فهي ذات الثقافة الأكاديمية لا تعرف الخلط ولا التهاون خاصة بأمور الحياة المصيرية كالزواج والعلاقات الأسرية.

 

• ورحت مع السنين أتلو ادعاءاتي وأقرؤها على منابر الندوات.

وفي القاعات العامة وفي مختلف الأمكنة المتاحة، وازددت ثراء أدبيًّا بعد ازدياد تفاعلي بالقضية مع عامة الناس.

 

• ففي الادعاء العام كما كتبتُه في المقدمة أوجزت الفكرة ثم أتيتُ بالتفاصيل وأضفتُ عليها الجديد عما سبقها، فهذا الذي جعل من بائعة الخبز ساكنة للأزقة والأماكن الخطرة والقذرة متخفِّيةً هاربة من شبح الغريب (خطيبِها) معرِّضة نفسَها وحياتَها للإهانة من كل من يملك ومن لا يملك من القيم الأخلاقية والشفاعة بالأحاسيس والمشاعر ومن كل الدرجات ومن كل الألوان، (صاحب بائعة الخبز) صنعَ تمثالاً لأنثى، وفرض عليها التخفِّي واستعارة اسم غير اسمها وكينونتها الحقيقية، ولمن كانت تبيع الخبز - (واهب) الشبع الوهمي - للجائعين المشرَّدين وللُّصوص والمرَدة والمرقة وشُذَّاذ الطرُق والمدن بالوقت الذي استبدل النجدة والآباء بالحزن والأسى والبكاء، وأين هم سادة وسدنة الأعراف العريقة؛ فهم يجوبون العالم بالزيْف والقتل والنهْب والسلب وانتهاك الوداعة المحميَّة من أدنى درجات الاحترام.

 

وفي حيثيات ادعاء آخر... قلتُ:

• أيما غريب هذا؟! وآخر يجعل من شجرة اللبلاب النابضة المورِقة بالحياة الرقيقة الباسقة إلى عنان الصفاء، نفاقًا للمشاعر بالأحاسيس كاذبة خادعة؛ فيحترف الابتزاز في البيوت الآمنة الخالية من حرَّاسها وأمنائها لقاء التمتُّع وسرقة دمعة وآهة أفَّاقة خرجَت من غير زمانها ومكانها، ثم فجأة ومن أجل الأنا المستبدة حُكم عليها بالموت بقطع ماء الحياة عنها.

 

• وتوالت الادعاءات ومرَّت السنون وظل الغريب يتنقَّل والمحاكمة تطارده بحيثياتها.

 

• كان صوتي هو الدالة الوحيدة علي، وأما باقي الدروب والآثار فهي مموَّهة ووعرة المسارات مغلَّقة ومحصنة نفسي خلفَ حجاب لا يخترقه ضوء ولا نظر، دفنتُ فيه كلَّ ما يمتّ بصلة إلى أنثى اسمها (ملك)، أفشلتُ كلَّ محاولات أمي لأن تُرجعني إلى عالم المفاتن بالرغم من قناعتي بامتلاك أوائلها، وكل سرِّي في ذلك هو أبي: راكان المخلص لزواجه الوحيد فقط من أمي الجوهرة هو مثالي فقط!

 

• لقد بذلتُ جهدًا بتجميع أطراف معادلة غير متجانسة الأركان بمراحل الادعاء، كان على شبح شخص كان يدَّعي أنه خطيب لي وكانت حيثيات المحاكمة التالية قد أعلنتها على منصة ندوة أدبية عامة، فأوردت أمثلة عديدة قلتُ: إنها واقعية وحدثت (لأشباح رجال) عاشوها كما كنتُ أنا، الآن أعيشها وأدت إلى نهايات سلبية كما سوف تنتهي حالتي وانتهت منذ زمن، مع هذا الذي اسمه رجل الأنا المتسلِّط ذي القناع الهشِّ أو ذي الوجهين، لا فرق بين هذا وذاك، المتَّهم بكل أشكال الازدواجية الأخلاقية، وأقفلتُ المحاضرةَ بكلمة بعد صمْت لربع دقيقه وقلتُ بعدها: فقط لأنه كان بطلاً مستبدًّا لقصر الشوق والسكرية وبين القصرين، والآن يعلن بكل تبجُّح ويعلن أنه لا يزال يخاطب ودِّي!

 

• رسمت خطوطًا متعرِّجة وأدخلت مستمعيَّ وقرائي كلَّهم بما فيهم ذلك الشبَح الغائب الغريب القابع بين الحضور دائمًا، والذي اختفت معالم وقسمات وجهه، ولم أعد أتذكَّرها حتى إنني وصلتُ إلى تأكيد حقيقي: أن ردود فعل كل أولئك قد اختفت نهائيًّا، وهذا يُعطيني مؤشِّرًا قويًّا وواضحًا أن حيثيَّات محاكماتي قد أتَت أُكلَها واقترب الوقتُ الذي سأصدر وسأعلن فيه قرارَ حكمي النهائي عليه!

 

• وكنتُ أتبع (الأميرَ) بالمناورة كما كتبَها لي دكتور الأدب المقارن صديقي وأستاذي القديم الذي رحل هو الآخر إلى مكان غريب لا أعرفه.

 

• عمدت إلى لباس الثوب الأدبي دائمًا وما بقي لي من يُشير عليَّ غير أبي المخلص راكان الذي تقدَّم بالسنِّ وأصبحتُ أطلق عليه الشيخ راكان، وأن الملكات التي أيقظها فيَّ هذا الشيخ الشايب أخذت تطفو على سطح إبداعاتي كما يقول لي تارة بالجمل الجميلة، وتارة بالأشعار الدافئة المتمرِّدة، وثالثة بأفكاري الصريحة وبدون مواربة، وهكذا وعلى أثر كل ذلك أخذ صندوق بريدي يتلقى سيولاً من الرسائل، كنتُ أُهملها جميعًا وما عدا تلك التي تتلفَّظ مؤشرات حادَّة وصريحة على حيثيَّات محاكماتي في القراءات كلها.

 

• ويومًا انفردت مع رسالة كانت تحمل ذات الاسم المستعار ومن ذات المصدر وبذات التعرُّجات والذبذبات في أحرف خطِّها تقول لي: قد تجاوزتِ الثامنة والثلاثين يا دكتورة، كل الحيثيات ممتعة؟ نعم لقد تجاوزتُ الثامنة والثلاثين، ولا زلتُ في أوْج عنفواني وغطرستي، ولا زِلْتُ أتحصَّن بحجابي الذي أَدين له بكل ما أنا فيه، كان حجابي صلدًا صلْبًا، فمنَحني كلَّ وسائل دفاعاتي وهجومي ومن ورائه كنتُ أرقبُ العيونَ والوجوه الانتهازية والمتصيِّدة، أين تطير وأين تحطُّ؟ لم أكن أعيش العُزْلةَ كما كانت رسائل بعض المهاجمين تتَّهمُني، كنتُ أدخل في المواجهات الحادَّة وكانت هجْمَتي قوية تزيد من رصيدي في مواصلة المحاكمة عن بُعْد، كنت سعيدة بأنني تملَّكتُ حبائلَ كافكا الخفيَّة، واستطعتُ ربْطَها بغريب البيدكامو إلى حدِّ أنني أصبحتُ أتلمَّس وبقوة أن نظريَّة المسافات في كل أشكال العلاقات مهما كانت صفتُها أصبحت واقعًا حقيقيًّا وليس افتراضيًّا! ها وقد لاحت بيارِق الفيسبوك والتويتر (وأخواتهما)!!

 

• وبعد مسافة من الزمن شاورتُ نفسي وحاورتُها، لا زالت لديَّ أوراقٌ أتلوها، وكانت تلك القاعة الأخَّاذة بمفاتن الديكور والأضواء كشَفَت عن كلِّ ألوان الطَّيْف الأخاذة، لاحظتُ أن فيها حركة غير ما عهدتُه من سابقاتها، وأن حضورًا أكثر من غيره ويكاد يكون كثيفًا وأن وجوها متنوعة متكاثرة متنافسة في الوجود هنا وهناك واللافت جدًّا والأكثر هو حضور النساء!

 

• التقت عيناي - من بين ما سمح لي به (خماري) - بعينيه! تزاحَمت الجملُ والمفردات وهي تتبختر خارجة من بين شفتيَّ لا تعبأ بصدود حجابي الأسود وغير عابئة بغير نبراتها أثناء مرورها من خلال ما يسمح به نسيجه الكتيم.

 

• تداعى الوقت مبكِّرًا وخيَّم الصمتُ الثقيلُ على الحضور وهم يُرهِفون السمعَ وقد التزَموا بما عودتُهم عليه: لا تصفيقَ لا تعليقَ لا مقاطعةَ حتى النهاية.

 

• كنتُ الوحيدةَ التي أسمع صوتي الأنثوي المتغطرس رغم قسوتي المتعالية ولكنه ذو نبرات جميلة ورنانة، ها هما والداي: أمي الجوهرة العجوز وأبي الشيخ الأشيب راكان، وأنا مُحدِّثتهما ابنتهما المبدعة (ملك) ننفرد بما لا ينفرد أيٌّ من الحضور الآخرين؛ لأنني أخاف عليهما مني، من صوتي الأنثوي فقط، وأصبح الشكُّ يقينًا عندما التقت عيناي مرة أخرى، وعلى بعد من الصفوف الأولى بعينين جامدتين لم يتحرَّك صاحبهما أبدًا ولم أرَ رأسه ولا يديه ولا حتى جسمه يتململ أو يتحرَّك، جاثمًا على مقعده مستسلمًا صاغرًا مُرهِف السمْع، أصبح جوُّ القاعة ضبابيًّا داكنًا، ولستُ أدري لماذا كنتُ أقتربُ من نهاية قراءة قصَّتي حوار المسافات، والتي أستوضح فيها آخر حيثيَّات المحكمة، وبعد استيفاء المرافعات وسماع الشهود من أبطال وبطلات الروايات السابقة، يصدر الحكم النهائيُّ الفُجائيُّ!

 

• وقبل أن أنطق الجملة الأخيرة وبالتوقيت الدقيق ذاته، وقف صاحب تلك العينين الجامدتين رافعًا يديه يشير إليَّ وهو يصرخ بصوت عالٍ:

• توقَّفي عن نطْق حُكْمك: ها هو أنا الغريب.

 

أنا المتَّهم، أعترف بجريمتي، تجاوزتُ مسافة عشرين عامًا وأنا أُحاكم عن بُعد، وتابع وهو يتقدَّم إلى الصفِّ الأوَّل حتى وقف أمام أمي العجوز الجوهرة وأبي الشايب الشيخ راكان ويقول: أمام كل هذا الحضور الذي لبَّى دعوتي بامتنان بالغ! أنا غريب روايتك!! أنا فهد!

أتقدَّم إليك أيَّتها الحاكمة القاضية وأخطبُك للمرَّة الثانية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملاك غائب (قصة)
  • فاطمة والمبشر ( قصة )
  • وقع السلسلة ( قصة )
  • إشكالية الاختصاص في المحاكم العامة

مختارات من الشبكة

  • خطبة الست.. المحاكمة..(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الإنصاف في المحاكمة بين الإسعاف والإتحاف(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المحاكمة بين السعد والجرجاني في اجتماع التبعة والتمثيلية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الداروينية .. إعادة المحاكمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي (WORD)(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي (PDF)(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • الفرار من المحاكمة!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • القضاء على الغائب (محاكمة الغائب)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة محاكمات على الكشاف(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- العدل
فادي - السعودية 02-04-2015 01:43 AM

جميل ان تنتهي القصة بالعدل عدل سماوي لفتاة لاحقت طموحها ورفضت أن تخذل أباها واضح من القصة الصلة القوية بينهما والدعم الذي جعلها تثبت قدميها وهي في طريقها إلى الأعلى إلى حيث أرادت وإلى حيث الراد والدها، جميل هو الثبات والاستمرار في الصعود وتحقيق أحلام الشخص وأحلام من رباه ولكن ليست كل فتاة تصمد تحصل على العدل فباب الابتلاء موجود والتخلف الاجتماعي قاتل ولكنها تبقى قصة تحمل للفتيات خيوط الأمل بالإنصاف مع كل الصور الجمالية التي استطاع الكاتب تسريبها كعادته فهو يكتب بطريقة أسميها أنا التسريب أو الشيفرة والشاطر من يفهم والفاهم من يقرأ وشكرا للكاتب فقد أمتعنا حقا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب