• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

رواية " نابليون في الأزهر " لنجيب الكيلاني

نماذج إسلامية من القصص الروائي (1)
د. محمد بن سعد الدبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/2/2014 ميلادي - 11/4/1435 هجري

الزيارات: 16315

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رواية نابليون في الأزهر لنجيب الكيلاني

نماذج إسلامية من القصص الروائي (1)

 

من القصص الروائيِّ الرائع ما كتبه الأديب الدكتور نجيب الكيلاني من مثل قصته: "ليالي تركستان"، وقصته: "عمالقة الشمال"، وقصته: "طلائع النور"، وقصته: "نابليون في الأزهر" تلك التي سنخصُّها بالدراسة، لا على أن غيرها مما كتبه في القصة دونها، ولكن لبروز الملامح الفنية الإسلامية في كثير من فصولها وأفكارها وموضوعاتها.

 

وثمة خصوصية أخرى برزت في سياق هذه القصة الروائية مِن بدايتها إلى نهايتها، وتلك الخصوصية تتمثل في حشد طائفة من الأشخاص الحقيقيَّة والخيالية المتباينة سلوكًا ومظهرًا ومُعتقدًا، مما يُتيح للناظر الوقوف على قدرة هذا الكاتب الفنية التي مكنته من صياغة كل حدث بما يتلاءم مع هذه الشخصيات، على اختلافها في المظهر والمخبر، والنظرة إلى الحياة والأحياء.

 

ولقد اشتملت هذه القصة على أربعة وثلاثين فصلاً، في أربعة وخمسين ومائتي صفحة.

 

وإيراد نصوصها كاملة يفوت على الطلبة الدراسة والغاية منها؛ ولذلك سنَجتزئ نماذج من عدد من فصولها.

 

فمِن نصوص الفصل الأول يقول الكاتب "الكيلاني":

"بولاق في أواخر القرن الثامن عشر" والسفن ترسو بالميناء الشهير حاملة شتى أنواع البضائع مِن أنحاء الأرض، وقصور الكبار من رجالات القاهرة تقف شامخة كقلاع صغيرة، وأغلب هذه القصور يسكنها المماليك والأتراك، وعدد قليل من المصريين الأثرياء؛ كالتجار وأصحاب المناصب، وخلف تلك القصور الشامخة وحدائقها الشائقة تقبع البيوت الصغيرة الكثيرة؛ حيث يعيش أبناء الطبقة الدنيا، ومنهم أصحاب الحِرَف الصغيرة، والباعة المتجولون، وصغار تجار التجزئة، وفقهاء "الكتاتيب"، والخدم والخفراء وغيرهم.

 

والحركة في بولاق دائبة لا تكِلُّ، وأصداء أصوات الباعة تملأ الطرقات، والنسوة يَسرْن متَّشحات بالملابس السوداء، على وجوهِهنَّ خُمُر شفافة، تزيدهنَّ جاذبية ورقة، وعدد مِن الأطفال الحفاة يتخبطون ويسرعون هنا وهناك، ومِن آنٍ لآخَر تظهر عربة مُزركَشة محلاة بالمعادن الثمينة، تجرُّها الجياد المطهمة، يسبقها اثنان أو ثلاثة من العبيد المُهروِلين، وبداخلها مملوكي كبير المقام، أو تركي مِن عِلية القوم، ترتسم على وجوههم سيماء الكبرياء التي لا حدَّ لها، وقد يَخترق الشارع فارس من رجال مراد بك أو إبراهيم بك - قادة المماليك وحكام مصر - في رعونة وطيش دون أن يَخشى طيشًا أو عقابًا.

 

وفي مكان يبعد كثيرًا عن ترسانة بولاق الشهيرة، كان يوجد منزل الحاج "مصطفى البشتيلي" أحد كبار التجار، لم يكن منزله قصرًا منيفًا كباقي القصور، ولم يكن متواضعًا كبيوت الطبقة الكادحة، وإنما كان في مكانة بين الاثنين.

 

ويستمر الكاتب في سرد أوصاف منزل الحاج "مصطفى الشتيلي" أحد شخصيات وأبطال هذه القصة الروائية الإسلامية، حتى يلجَ إلى الغاية والدور الذي يؤديه هذا البطل قائلاً:

• "وفي حجرة الاستقبال الرئيسيَّة جلس الحاج مصطفى، وحوله عدد مِن الأصدقاء، فيهم الشيخ "علي الجنجيهي" مُقرئ القرآن وصاحب الصوت الرخيم، وفيهم العالم المتبحِّر الشيخ "إبراهيم سلامة"، و"أحمد المدبولي" صاحب الخِبرة في صناعة البارود والسلاح، والحاج "غمري" التاجر الصديق، وغيرهم من الشيوخ والشبان[1]".

 

ثم يمضي الكاتب في وصف الجلسة التي جمعت هؤلاء الأشخاص على هيئة معيَّنة من حيث وصف المكان والزمان وما عليه كل شخص من السمات والأوصاف التي تتلاءم مع الشخصية، والجودة في أداء مشاهد هذا الفصل؛ فمثلاً "الحاج مصطفى البشتيلي" شيخٌ وقور، مُطرق، دائم التفكير، يَعتمل في ذهنه وتتردَّد في خواطره وتُلامس شغاف نفسه "انفعالات شتى لا يعرف مِن خلالها كيف يتلقى الأمر، ولا كيف يزنه الوزن السليم، وكل شيء في هذا العالم مِن حوله مُضطرِب متناقِض "يَشعُر وكأن روحه سجينة مقهورة لا تستطيع التحليق والانطلاق لسَحقِ الرؤوس العَفِنة، وتحطيم كل القيم السخيفة، وكلما همَّ بمقاومة أعداء الدين والفضيلة والمجتمع المسلم وقفَت في طريقه ابنته "زينب"، وحرَمُه التي اعترضت طريقه في إصرار وحزم مُطلِقة عبارة قاسية شديدة: "لن تخرج مِن هنا إلا على جثَّتي".

 

ثم يَعرض الكاتب شخصية المُقرئ الشيخ "علي الجنجيهي"؛ إنها شخصية تتصنَّع البهجة والسرور، وتُداوي جراحها بالصبر والأناة، فتُطلِق العبارات التالية:

• "لا أسكتَ الله لك حسًّا".

• "أتنوي إقامة مأتم مِن أجل إشاعة كاذبة؟" كاذبة! أَفِق يا مولانا.

 

وهكذا يستمر الكاتب في عرض هذه الشخصيات وأوصافها حتى يُشكِّل مِن هذه الأوصاف وما يدور في خلدها من عبارات وآراء - عقدةَ هذا الفصل، وما ينبغي أن يُتَّخذ إزاءها من حلول تعيد الحق إلى نصابه.

 

ومن هنا نُدرك عقدة القصة بارِزة في سيادة خليط من الناس الغرباء على الأرض والعقيدة والمجتمع، إنهم سادة من المماليك والإنجليز، منهم كافر ومنهم مسلم، لكن لا حول ولا طول للمسلمين على الكفرة من الإنجليز.

 

وهنا يدور الحديث التالي ذو الصبغة الإسلامية في كيفية إيجاد الحل لهذه المشكلة، فيَنسج الكاتب "الكيلاني" خيوط العقدة والحل متخذًا من أبطال القصة موقفًا إزاء كل شخص، فيقول عن دور الحاج مصطفى:

احتقن وجه الحاج مصطفى، وبدرت نظرة الغضب مِن وجهه المستطيل النحيل، وبرقت عيناه في حدة وقام مهتاجًا:

• كلهم ملعونون، لكن نحن، ما مصيرنا؟ وإلى متى نظل ألعوبة في يد الغرباء والغزاة؟

 

هل خلقنا الله لنكون مطية يركبها كل قادم مِن وراء البحار؟ هل كُتب علينا أن تبقى حياتنا سلسلة متصلة الحلقات من الإذلال والضياع، قال الكاتب: ثم التفت إلى الشيخ "إبراهيم سلامة"، وكان يُجله ويحترمه، وقال:

• تكلم يا مولانا..

هزَّ الشيخ رأسه وتمتم: إن ما تقوله يا بشتيلي هو الصواب، لكن لا تنسَ أن الأتراك والمماليك مسلمون مثلنا، لكنَّ الفرنسيِّين شيء آخَر.

 

• هذا لا يهمُّ يا شيخ إبراهيم؛ أين نحن من هذا كله؟ وإلى متى نظل ألعوبة؟

• هذا قضاء الله يا بشتيلي، نسينا الله فوكَلنا إلى أنفسنا، ونحن تقاعسنا فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ومرت لحظة صمت قال الشيخ إبراهيم بعدها:

• ومع ذلك فأنا أشكُّ في المراكب الإنجليزية التي رسَت بشطِّ الإسكندرية ثم رحلت بعد أن أطلقت تلك الشائعة، لعلهم كانوا ينوون التهامنا، وأعتقد أن قوة الحكام العسكرية - على أسوأ الفروض - تستطيع أن تصمد أمام عدوان فرنسا المُحتمَل، وقد أكَّد إبراهيم بك ومراد بك ثقتهم الكاملة بالنصر.

 

ابتسم البشتيلي في غيظ وقال:

• إنه الغرور.. ألم تسمَعوا عن "نابليون" وتدويخه لأوروبا؟ ألم تسمعوا عن أسلحتهم الحديثة؟

• قال الحاج "غمري" التاجر: نحن وراءنا تركيا بأَسرِها؟ والسلطان لن يُفرِّط في شبر مِن مملكته.

 

رد البشتيلي:

• السلطان في حالة لا تسرُّ؛ إنه يعالج سكرات الموت مِن الضربات التي يكيلها له أعداؤه، ومع ذلك فأنا أفكِّر في اتجاه آخَر.

 

الجميع: نحن.. نحن.. كيف نتصرف؟

 

لقد ظل أحمد المدبولي صامتًا طوال الوقت يَستمع الحوار المحتدم ثم نطق أخيرًا فقال:

أما أنا ففي الانتظار، وما عليَّ إلا أن أضاعف مِن إنتاج السلاح والبارود، وسأبيع لمن يَشتري ما عدا الفرنساويِّين، وأظن أنه يكفينا نقاشًا، ولنستمع إلى الشيخ "الجنجيهي".

 

قال الكاتب:

تربع الشيخ الجنجيهي ووضع يمناه على يَمين وجهه، وتنحنَح، ثم استعاذ وبسمل، وأخذ يقرأ: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 9، 10][2].

 

وتنتهي أحداث الفصل الأول من هذه القصة الروائية الإسلامية، تنتهي بسياق آية من كتاب الله - سبحانه وتعالى.

 

ويعنى ذلك بروز الفنِّية الإسلامية عند الكاتب؛ فرُوحه مُشبَعة بهدي الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة.

 

وفي ذلك الختام لهذا الفصل تبدو سيطرة الفِكر الإسلامي في أيِّ لون من ألوان الأدب، الأمر الذي يعني أن مصادر الأدب الإسلامي - في الذِّروة منها كتاب الله - المعدن والمصدر الأول للتعليم والتوجيه والفِكر، وإن لم يكن كتابًا مُتخصِّصًا في الأدب؛ لأنه كتاب الله مصدر كل خير.

 

ولنقف على شيء من نصوص هذه القصة في فصلها السادس؛ حيث احتدمَت أفكار الكاتب حول الجهاد الإسلامي المظفَّر إزاء كل قوة تريد النَّيل من الأمة المسلمة وعقيدتها وأرومتها وسيرها في حياتها، ومناصبتها العدوان حسَدًا وضغينة.

 

ومِن هنا يسلسل الكاتب الكيلاني أفكار هذه القصة في موضوعات فصلها السادس، متَّخذًا من الفِكر الإسلامي نسيجًا مَتينًا مُحكمًا لإخراج هذا النصِّ القصصي وفق المعالم الفنية الإسلامية، فيمضي قائلاً:

• "قال أحمد المدبولي: رجال إبراهيم بك استولوا على كل ما عندي مِن بارود دون أن يدفعوا شيئًا، إن السلب والنهب لا يُفارقهم حتى في أوقات الحرج.

 

أسرع البشتيلي قائلاً:

ماذا في ذلك؟

 

لكنك أقمتَ الدنيا وأقعدتها عندما نهَبوا مَتاجِرك.

 

الوضع يَختلف يا مدبولي.

 

وما أطعم أولادي يا بشتيلي في هذه الأيام السوداء؟

 

الحرب تعني التضحية؛ فنعمَ ما فعَلوا!!

 

التضحية يا بشتيلي لا تكون سلبًا ونهبًا وقهرًا، والذي يُضحِّي ويترك أولاده خاوية بطونهم إنسان مجنون.

 

ابتسم البشتيلي، وقال:

لا تتكلم عن خواء البطون، فأنا أعرف الكنز الذي ترقُد فوقه.

 

بصراحة يا بشتيلي، وهنا قاطعه قائلاً:

تكلم، خير لنا أن نمشي حفاة عراة جياعًا ونحن أحرار، مِن أن نسكن القصور، ونرفل في الحرير والرفد ونحن عبيد للفرنسيِّين.

 

قال المدبولي:

الكارثة هي أني لا أؤمن بجدوى المقاوَمة بعد كل الذي سمعته، يجب أن تفتحوا أعينكم جيدًا.

 

إن مدافع الأعداء لا يقف في طريقها شيء.

 

وخبرتهم الحربية فوق التصوُّر.

 

واستعداداتهم لا مثيل لها.

 

دعوا الأوهام والحماس جانبًا؛ وفكِّروا بعقل.

 

أعرف أن كلامي قد يُضايقكم، ولعله يَصِمُني بالجبن والخيانة.

 

ليكن، فأنا رجل أُحكم عقلي، وقد علمتني التجارة أشياء كثيرة[3].

 

وبعد أن ينتقل الكاتب "الكيلاني" بأحداث هذا الفصل ضمن أسلوب قصصي فنِّي تَحكم إطاره عبارات حوارية بين أبطال مَشاهده، ما بين استفهام وتعجُّب، وعرض وإقناع ومشادَّة، حتى إذا شكل عقدة الفصل اتَّجه إلى أسلوب الحلِّ الناجع.

 

ومِن هنا يُدرك القارئ والمتلقي قدرة الكاتب على استكناه الغاية مِن القصة الإسلامية، وذلك بربطِها إلى التصور الإسلامي وشدِّها إلى مِحوَره؛ حيث تبرز نقطة الحل مِن نقطة الانطلاق إلى الجهاد الإسلامي، فيدور المشهد الأخير مِن هذا الفصل في ظلال الأسلوب التالي من قوله:

توتُّر الجو في منزل الحاج "مصطفى" بصورة لافتة للنظر، لقد كانت زوجته أطوعَ له مِن بناته؛ لم تسفِّهْ له رأيًا، أو تعترض على أمر من الأمور، إن زوجها هو سيدها، وهي تؤمن بأنه يعرف أكثر مما تعرف، وخبرته في الحياة أكبر من خبرتها، ثم إنه - أولاً وأخيرًا - رجل، هل تستطيع أن تنسى وضعها البديهي المعروف - كأنثى في منزله - التابع المُطيع.

 

لقد خرجت عن هذا الوضع المألوف فجأة، وأقامت الدنيا وأقعدتها، وخاصة عندما أعادت النظر في تصرُّفات زوجها، لقد رفض رأيها في الهجرة قبل أن تَقترب ساعات الخطر، لم تستطعْ أن تلحَّ عليه كثيرًا؛ لأنها تعلم الكثير مِن صلابة تشبُّثه وعدم تنازله بسهولة عن رأي ارتضاه.

 

لكنَّها فوجئت به يُجنِّد ابنه الوحيد، ويدسُّه ضِمن القوات المجاهدة، بل في الصفوف الأولى تحت إمرة إبراهيم بك الذي عسكر بجيشه عند بولاق.

 

ومعنى ذلك أن فرصة النجاة لولدها أصبحت نادرة الحدوث، ولم يَكتفِ الزوج بذلك، بل دسَّ نفسه ضمن القوات البحرية على إحدى السفن الراسية في الميناء.

 

وأكبر مِن ذلك أنه لم يرحم ابنته (زينب)؛ فقد اختطف خطيبها ودفعه إلى الميدان، بل واشترى شحنة هائلة من البارود والسلاح بمبلغ كبير من ماله ووزَّعه على القوات المُجاهِدة، وتخلَّص مِن معظم المخزون لديه مِن البضائع بأبخس الأثمان؛ كي يموِّل بها المُحاربين.

 

وعندما بدت الدهشة على وجه زوجته صرخ محتدًّا: أيتها الجاهلة، لقد استطاع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يجهز جيشًا كاملاً مِن ماله في صدر الإسلام، وما عند الله خير وأبقى، والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، لقد شغلتْك الدنيا عن كل معنى نبيل، إنك لم تفكِّري في شيء سوى أولادك والمال والخنوع للحياة الدنيا، يا للمهزلة! ومنذ متى كنت تعترضين مَشيئتي"[4].

 

وهكذا يمضي الكاتب في تصوير المشاهد وعرضها بأسلوب قصصي رائع، مُستلهَم مِن الفكر الإسلامي.

 

فيُصوِّر موقف الزوج والزوجة، حتى ينتهي الأمر بالإصرار على الجهاد، ويصور احتدام المعارك بين المجاهدين وأعدائهم مبينًا غاية المسلم من الجهاد، وأنها في إحدى الحُسنَيَين (النصر أو الشهادة)، ومِن هنا يصور الكاتب مشاهد المُجاهدين ما بين قتيل وجريح مضرَّج بالدماء، ويُصوِّر لوعات الأقارب وأحزانهم وصبرهم وبلاءهم، وكل ذلك لم يثنِ عزيمة أحد مِن هؤلاء أو هؤلاء؛ ليَقينهم أنهم أحياء مهما ماتوا، وليَقينهم بعِظَم الأجر والمثوبة، نُصروا أو هُزموا.

 

ثم يُضفي الكاتب على بقية فصول القصة مِن سحر بيانه ما يعالج به عددًا مِن قضايا الإسلام والمسلمين في حقبة ضَعُف فيها المدد، وقوي فيها الأعداء، ويُلحُّ في كل فكرة يَسوقها على أن قوة المجاهد المسلم لا تكون إلا بالإيمان لتكون كلمة الله هي العليا، وأن كل شيء هالك إلا وجهه.

 

وبعد، فلنتخيَّر بعض الجزئيات التي أدرجها الكاتب في تلك القصة التي سكَب قوالبَها في أربعة وثلاثين فصلاً لنتبيَّن أن كل فصل يُعبِّر عن مشهد تتنوَّع جزئياته مِن الأطر القصصية ذات الصِّبغة الفنيَّة ما بين مشاهد درامية في أسلوب حواري متكرِّر في عدد مِن أبطال القصة الذين يُسوِّقون أحداثها مِن خلال واقع مجتمع مسلم كادت تذهب ريحُه وتَنفلِت عُراه، وتقضي عليه زمرة الكفْر والإلحاد، لولا أن الله سلَّم وانتصر للحق، فهو الحق وحده لا شريك له، وهو وحده لا قوة ولا حول ولا طول لغيره.

 

وفيما أوردنا من نصوص الفصل السادس من فصول هذه القصة يلحُّ الكاتب على فكرة إسلامية تربط الناس بخالقهم كلما حزبهم أمر، يقول على لسان أحد أبطال القصة في هذا الفصل وكان تاجرًا سماه: أحمد المدبولي، مخاطبًا بطلاً آخر مِن أبطال القصة (البشتيلي):

• "رجال إبراهيم بك استولوا على كل ما عندي من بارود دون أن يدفعوا ثمنًا، إن السلب والنهب لا يفارقهم حتى في أحرج الأوقات وأدقِّها، أسرع البشيلي قائلاً: وماذا في ذلك؟ يرد التاجر أحمد المدبولي: لكنَّك أقمتَ الدنيا وأقعدتها عندما نهبوا متاجِرَك، وهكذا يستمر الحوار بين هذين البطلين حتى يقاطع التاجر بهذه العبارات عن معنى الجهاد والتفكير فيه بعقل وروية حتى لا يَنزلِق المُجاهدون ويرموا بأنفسهم إلى التهلكة، فلا بد مِن استعداد تام وقوة تقودها قوة الإيمان والضمير، يقول التاجر: "الكارثة هي أني لا أؤمن بجدوى مقاومة الأعداء بعد كل الذي سمعته، يجب أن تفتحوا عيونكم جيدًا، إن مَدَافع الأعداء لا يقف في طريقها شيء، وخبرتهم الحربية فوق التصور، واستعداداتهم لا مثيل لها، دعوا الأوهام والحماس جانبًا وفكِّروا بعقل، أعرف أن كلامي قد ضايقكم، ولعله يَصِمني بالجبن، ولكن ليكن ذلك، فأنا رجل أحكم عقلي، وهنا يسود الأبطالَ صمتٌ رهيب حتى يَخرج فيهم أحد أبطال القصة واسمه (إبراهيم)، فيَنفجِر غضبًا، لكن البشتيلي يقاطعه في هدوء ليرد على التاجر قائلاً: لك أن تفكِّر كيف شئت؟ وتصل إلى ما يُقنعك مِن نتائج، لكن الشيء الذي لا جدال فيه هو أن أيَّة أمة يعتدي عليها المعتدون لا بد أن تهُبَّ للدفاع عن ذاتها وحوزتها وعقيدتها، وهنا يعود الهدوء إلى نفس الشيخ إبراهيم، فيرد على التاجر قائلاً: دائمًا تنسى يا مدبولي حكمَ الله في مثل هذه الأمور البديهية؛ لأنك تفكِّر بعقل التاجر وأسباب التجارة، ناسيًا أو متناسيًا أن الجهاد شيء آخَر؛ فقد يخسَر الإنسان المجاهد ماله وحياته وأولاده، لكنه هو الظافر الرابح، مدبولي مقاطعًا: ولكن كيف؟ الشيخ إبراهيم: هكذا قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] إلى آخره مِن آيات الجهاد الكثيرة.

 

ويستمر الكيلاني في أحداث القصة حتى يَختم أحد مشاهدها بمشهد يتمُّ فيه تجنيد أحد الرجال ابنه الوحيد الذي لا ولد له ولا لأمه سواه، ويركِّز الكاتب على استجاشة عاطفة الأمومة نحو الولد، واستثارة روح الحماس مِن الأب، ويَنتهي المشهد بتغليب موقف الأب، فيَنخرط الابن في صفوف المُجاهدين، وتظل الأم واجمة النفس مُضطربة القلب، وخاصة عندما يشرد بها الخيال فتتخيَّل أن وحيدها قد لا يرجع إليها، وأن زوجها قد تقضي عليه رميَة طائشة، ولكن فجأة يعود الابن بعد أن أبلى في الجهاد بلاءً حسنًا، يعود ليرد إلى أمِّه شيئًا مِن البر بها؛ انطلاقًا من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ففيهما فجاهد)).

 

وهكذا تستمر أحداث هذه القصة الروائية الإسلامية بعد أن يترك الكاتب في آخِر فصل مِن فصولها ختامًا بين مصيرين؛ أحدهما: مصير الكفر بين موت وضياع، وثانيهما: مصير الإيمان بين حياتين كريمتَين في الدنيا والآخرة؛ فالأحياء من المؤمنين آوَوا ونصروا ونشروا العدل والسلام، والأموات أحياء عند ربهم يرزقون، ويترك هذا الكاتب الإسلامي على آخِر سطر من سطور قصته (نابليون في الأزهر) عبارة ماتَ برتلي، وعاش البشتيلي، على الرغم من بقاء (برتلي) في حياة بين الذل والضياع والهوان، وموت البشتيلي ملتحقًا بركب الشهداء والأولياء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

 

وفي حسنِ هذه الخاتمة تتجلى قيَم شعورية راسخة في قلب كل مسلم، وبخاصة المسلم الأديب؛ لشفافية روحه وصدقه، هذه القيم هي: الصدق، والإخلاص، والإنسانية.

 

فالصدق أول عنصر توحي به إنسانية القصة، صدق الإحساس وصدق التعبير؛ حيث لا صنعة ولا تزيُّد، والصدق في القصة الأدبية - وبخاصة القصة الإسلامية - لا بد له أن يعتمد على نفاذ البصيرة وألمعيَّة الفِكر؛ فإنه لا سبيل إلى الإحساس الصادق، والتعبير الصادق إلا إذا كان الكاتب مزوَّدًا بقوة الفهم للنفس الإنسانية وسَبرِ أغوارها، وبالحِذق في تصيُّد خوالِجِها الباطنة.

 

ومعلومٌ أن الصدق الشعوري والصدق الفني مِن خلال براعة التصوير لأحداث القصة وعرض موضوعاتها لمعالجة واقع اجتماعي ينبغي إصلاحه، إنما ذلك الإخلاص في العمل الأدبي، وأيُّ قصَّة أدبية تَحيد عن هذه القيَم، أو هذه الخصائص إنما هي "قصَّة لا يزيد طنينها على أن يَعبر الأسماع، ولا يُمكن أن يكون سلطانها إلا بارد الأثر، عاجزًا عن أن تستجيب له النفس".



[1] نابليون في الأزهر، ص: 5 وما بعدها، د. نجيب الكيلاني.

[2] المصدر السابق، ص: 8 وما بعدها.

[3] المصدر السابق، ص: 44 وما بعدها.

[4] المصدر السابق، ص: 47 وما بعدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قاعدة في معيار الحكم على أعمال الكاتب أو الأديب أو الروائي
  • حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية
  • محمد أنقار رائد مشروع الصورة الروائية في الوطن العربي
  • الصورة الروائية أو المشروع النقدي الجديد
  • إبادة المسلمين في تركستان الشرقية
  • ملخص رواية ( البيت الأعوج ) لأغاثا كريستي
  • الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني

مختارات من الشبكة

  • المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الرواية البوليفونية أو الرواية المتعددة الأصوات(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • صور الفروق بين روايات الأحاديث في الصحيحين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة إلى عبد الحميد الكاتب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مراجعة رواية قاتل حمزة لرائد الأدب الإسلامي د. نجيب الكيلاني رحمه الله(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نماذج من الرواية بالمعنى وحل الاختلاف فيها (8) خاتمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رواية أولاد حارتنا في ميزان التصور الإسلامي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بداية الانطلاقة الثانية لثاني البشائر وحدوث معوقات عالقة في طريق الانطلاقة الثانية(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • رواية الحديث بالمعنى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حديث كتاب الرضاع(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 


تعليقات الزوار
1- أين تلخيص رواية " ليالي تركستان ؟
هارون غزي المحامي. - مصر 16-10-2014 09:24 PM

رواية " ليالي تركستان " لنجيب الكيلاني عنوان المقالة أعلاه لايخص المقال المدرج تحته فالمقال خاص بقصة "نابليون في الأزهر" .
وقد بحثت عن تلخيص رواية " ليالي تركستان " لنجيب الكيلاني فعرض علي نتيجة البحث نفس هذه المقالة.
إذن هل يوجد علي الشبكة تلخيص رواية " ليالي تركستان " لنجيب الكيلاني؟ أم لا.

سكرتير التحرير:

شكرا للملاحظة وقد تم تعديل العنوان، ولا يوجد تلخيص لرواية ليالي تركستان على الشبكة.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب