• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

وتمرد القلم ( الجولة الثانية )

وتمرد القلم ( الجولة الثانية )
محمد صادق عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/11/2013 ميلادي - 23/1/1435 هجري

الزيارات: 5730

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وتمرد القلم

(الجولة الثانية)


كانت تباشير التمرد قد بدت تلُوح، وروائح التقاعس قد طغت لتفوح على صفحات وعَرَصات الكتابة، سواءٌ التقنية منها والأولية، وبِفِرَاسةٍ مني ليست بالعالية، قطعت بأنها أعراض تمرد جديد، لكني هذه المرة كنت أكثر ثقة من سابقاتها؛ إذ تعلمت من حوارنا السابق أن القوي من يمتلك الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، التي تقطع على الناقد سبل ومنافذ النقص، فلا يجد بُدًّا من الإقرار بالكمال، وبالرغم من تلك الثقة اعتلى القلم منصةً ليتها منصة الناصح، أو الكاتب وفقط، كانت أهون، لكنه ارتقى منصة القضاء، وبالطبع صرت أنا المتهم، فعليه السؤال، وحَرِيٌّ بي الإجابة.

 

فويل للآمنين، فمن حيث ظننت أن الباب مُوصد، وإدراكه مُحال، كان الطَرْقُ أوقع، والدنيا سِجَالٌ: سلب، ونوال.

 

وما كان للقلم أن يكون في كل الأوقات مطواعًا، ولا أن تُطَابِق أحباره أفكاري؛ إذ لما أبدى السماحة في المقال السابق (وتمرد القلم) كان من باب فض الاعتصام - الاشتباك - أو منعًا لدواعي الارتباك، أو إثارة الحفيظة عندي، وبالرغم من ذلك كنت حَذِرًا من مباغتة القلم لي بالتمرد ثانيةً، أو أن يستجمع من كل كاملة لدي مواضع نقص، ومواطن قلة؛ فيشيع بها، وعندها لا أجد المفر من الإقرار بأنه الأدهى والأمَرُّ.

 

ولما كنت على وشْك الانطواء عنه بأسراري، متَّخذًا من أفكاري أستاري، لا أُماريه ولا يماري، خطرت لي فكرة المحاباة والمجاملة، فلربما كانت وسيلة عابرة لاستجداء الوفاق والاتفاق؛ فمن الناس من لو رأيت منه تحاملاً عليك، واصطيادًا لزلاَّتِكَ، فاعلم أنه ربما مُحِقٌّ، أو يريد نوالاً وحاجة، أو يبتغي تعويضًا لنقص حط من وضعه ومقامه؛ ففرضت الأسوأ، لكني ما تذكرْتُ أن الظن السيئ يحيق بأهله.

 

فأسمعته مأثورًا في كتابٍ يقول: "قالوا عن القلم: القلم أنف الضمير، إذا رَعُف أعلن أسراره، وأبان آثاره، وسئل أعرابي: ما القلم؟ فقال: لا أدري، فقيل له: توَهَّمْ؛ أي: تخيَّلْ، فقال: "هو عودٌ قُلِّمَ من جانبيه كتقليم الأُظْفُور، فسُمِّيَ قَلَمًا".

 

ومن حيث لا أحتسب كانت الضربة الأولى من القلم، فما هي إلا لحظة حتى وجدْتُني رهينَ المحبسين: قفصِ الاتهام، وعثرةِ الإفهام، فسبحان من فهَّم نبيه ابن داودَ سليمانَ، وعندها اتخذ القلم موضع القاضي لا الكاتب، فكلما ازددت علمًا وفهمًا، علت المراتب.

 

تذكرت مقالة القائل:

العلم يرفع بيتًا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والكرمِ

 

لم أصَرِّح به؛ حتى لا يغتر، أو يأخذه الزهو فينشط فيُشْطِط في الحكم والرد.

 

فقال في وَجَل، مُدَّعيًا الخجل:

1- الركون للماضي:

ألا ترى أنك من بعيد، أو قريب، أو قصة، أو مقال، لا تستشهد إلا بالسابقين من الرجال وجوه بني العباس، والأمويين، والفاطميين؟ ثم غمز بمكرٍ قائلاً:

ألا يوجد في الدولة الحديثة من لهم سبق واستباق في الاستشهاد بهم، والوقوف على جحافل أعمالهم وإنجازاتهم؟!

علمت ساعتها أن مكري في مطلع الكلام بذكر محاسن القلم، ومداهنة القاضي، كانت مدعاة للنقد، لا رجاء الوفاق.

 

أمهلت رأسي بعض الوقت تُفَكِّر في الرد؛ فما تنبغي المباغتة إلا لمن كانت له حكمة بالغة، عندها سأقتص من ذي الأحبار المكَّار.

 

أسندت ظهري لكرسيٍّ كنت عليه ثاويًا، وكأني قد اقتطفت عنقودًا من عنبِ الجنة أستسيغه، وقلتُ في ثبات:

يا عزيزي القلم، ولما كان انقضاضك عليَّ من حيث مدحتك، فلا تتوقع مني غير الذم.

 

فقال زاجرًا: غير مقبول في الجلسة يا صاحِ، فكلنا عيوب، فالزم منطقة الأدب في الكلام وإلا......

 

وقبل أن يُصْدِر حكمًا تراجعْتُ، وذكَّرْتُ نفسي أن سريع الغضب المقتضب من يضَيِّع حقه، ولربما منح أهل الباطل منحة الاستعطاف، وذلك دأب الماكرين في إثارة حوافظ أولي الحق، والاستشهاد بأنهم أكثر حِلْمًا، وعلى غضبة غيرهم صابرون؛ فأسبغت على نفسي وابلاً من صبر أيوب - عليه السلام -:

إن الاستشهاد بالسابقين عزةٌ وولاءٌ، والاقتداء بهم واجب، ألاَ تذكر حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "من كان مستنًّا، فليستن بميت؛ فإن الحي يُخشى عليه الفتنة"؟ صدقت يا معلم الأولين والآخرين، ومنقذ الحيارى التائهين، يا نبي الله!

 

وأصاب الشاعر قديمًا حين قال:

فتشبَّهُوا إن لم تكونوا مِثلَهم
إن التشبُّهَ بالكرامِ فلاحُ

 

(لشهاب الدين السهروردي).

 

سكت القلم، أقصد القاضي، وارتشفت بعضًا من رحيق النصر، والقول الفصل؛ تعمدت إخفاءه لا أُظْهِرُه، فهو قلمي أعرفه، وعجمت عوده؛ متى رآني في انتشاء وارتياح، أرَّق عليَّ مضجعي، وافترش عباءة السواد يُذَكِّرني بزلاتي، ولا أنعته بالحاسد... معاذ الله! لكنه بمثابة الصادم.

 

ثم عقب قائلاً: هذا لا يُعفيك من مخاصمة الواقع، والانزواء لذاكرة الماضي، ثم بَرَّر ادعاءه: مَثلك مَثل الراهب العاكف في محراب النور، يرى الناس في الأسفل في سَفَهٍ ومجون، ينظر إليهم مقتًا، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [النساء: 63]، فهمًا منقوصًا غير صحيح - ولربما - مغلوطًا، وما علم أنه مسؤول ما دام قد حوى عِلمًا برأس، وحِكمة بعقل، فتوجَّب عليه النشر والنقل، والتنبيه والتأثير.

 

نظرت إليه أعاتبه بغير لسان، وهو يعلم لسان حالي وما أريد: وهل الواقع المعاصر ليس بالأليم؟ شباب اليوم كسحاب خاوٍ، وفؤاد رانٍ، ثم قلت له: رجال الأمس كانوا أئمةً، وعلى صروف الدهر خيرة الأعوان.

 

قال معارضًا غير متفق: لم أقتنع، ولم أنْسَقْ لما انساقتْ إليه أفكارُك؛ فلقد وضعتَ حديث المصطفى في حيزٍ ضيق، وذكَّرْتَني بمن تهاجمهم أنت، وتنعتهم بضَيِّقِي الأفُقِ في الفهم والرؤية، إن الدين الإسلامي بحر كبير، عذب رقراق، مناسب لكل زمان ومكان، وحديث النبي - صلى عليه ربي وسلم - مدعاة لمنع الفتن، لا تحريض على ترك الاقتداء بالمعاصرين.

 

يا قلمي، أثرت غضبي عليك، وما من حق لديك للخوض في الفقه والسُّنة، ما دمت لا تدري غير القشور، أيها الأظفور.

 

ابتسَمَ القلم، فابتسمت، ورسم قلبًا بسهم، فرسمت، لكنه سرعان ما استجمع هيئة وهيبة القاضي، فقلت في نفسي: لقد انتصرت عليه، وما صَمَتَ إلا لمَّا بُهِت بالرد، وصُدِم بالحقيقة.

 

فَجأة، ودون تريُّث ولا تأنٍّ، قلت له مهاجمًا: يا صاح، من أنبأك يا ناكر المعروف أني لم أتطرق لشباب ورجال اليوم؟

ألا تذكر قصتي (حَدث في المدينة) تلك الرائعة التي صوَّرَت شابًّا من شباب اليوم، ينزوي لحاله قابعًا وقانعًا بمكتبته الرائعة الزاخرة، ثم سرعان ما يهبط، ويحيا بين أصحابه، يشاطرهم الحياة، ويستجدي منهم الصلاح، ويندم في النهاية مُقرًّا أنه مهما اعتلا، ومهما اعتزل، فهو فرد في المجتمع، منوط به المشاركةُ في التعبير والتغيير، أنسيتَ؟! أم أن ذاكرة العفو عندك صارت لا تُرى، وما تجد لصاحبك غير زلاته؟ وهذا - والله - ما قَوَّضَ عروش تلك الأمة المرفوعة قدرًا في القرآن، المنعوتة بالوسطية والتسامح.

 

ابتسم القلم، وقال: وهل كان عَلِيٌّ صاحبُ القصة مُحقًّا في انزوائه وانطوائه؟ إذ لما وقع المحظور وجد نفسه في السفينة مع من سيغرقون، إن لم يردوا لأمْر رُشْد وتُقى، ثم استنجدت بحديث المصطفى: (( إن قومًا استهموا على سفينة)).

 

قلت: بالطبع لا، وقد بينت ذلك صراحة في نهاية العمل.

 

صمْتٌ رهيب لهُنَيْهَة من الوقت أسترِقُ منه النظرة، ويتوق للأخرى، فقال

 

التشويه والتنزيه

القلم: نظرًا لما تمر به البلاد والعباد، وجديد الأخبار؛ الكاذب منه، والصادق الملفق بالأكاذيب، والمزَرْكَش بالأقاويل، والعالق بشيء من الصدق، يشوبه التهويل، تخوض مع من يخوضون فيمن ليسوا بأتباعك، تُشَوِّه من تُبْغِض، وتُنَزِّه مَنْ فيهم ترغب.

 

أنت متهم بعدم الحياد والنزاهة، والوقوف على أرض رِخوة غير ثابتة من الحقيقة، مساندًا فريقًا أنت تحبه، مقللاً دومًا من شأن آخر، ولست بالصغير ذي الميعة والحداثة، حتى نلتمس لك حُجَّة عدم الفهم؛ إذ أنت في مرحلة النضج من الفكر والتعبير، فلا ينبغي هذا إلا للصغير، فما قولك؟

 

لم أملك غير التقاط الأنفاس المحبوسة بترَقُّب؛ خشية أن يظن بي القلم أنه قد انتصر، فيطلق صافرة انتهاء الجولة، ولا تصير لي بعدها معه صولة، وأنا من أنا؟ وهو من هو؟

 

فقلت ملتمسًا العطف، مرتديًا عباءة الوَجَل والخشية: ألا تبصر حال الناس والأحزاب؟ كُلٌّ يَرى أنه الأصلح، وغيره الأقبح، لا يريدون أن يقفوا على مسافة من الاتفاق، تُحَقِّق الوفاق، لا يردعهم رادع عن الخوض في الأعراض، والتلصص على العيوب، وفتح الصغائر، وما أمر الله به أن يستر، وكأنها حرب ضَرُوس، مُباح فيها شتى الوسائل والسلاح؛ الفائز فيها من يشهِّر بالآخر، ويشوه الصورة، ونسوا جميعًا أنهم موقوفون، وعند ربهم مسؤولون، من كان مناصرًا للغابر يستجدي زلات اللاحق، ويَشِينُ المليح من أقواله وأفعاله، ينتقد الإصلاح للجديد، ويظهر مفاتن الفتنة، ومشاعل الشياطين.

 

ولو ترى إذ كانوا مع من يحبونهم رحماء، يلتمسون لهم الأعذار في عدم النهوض بالبلاد، والانقياد لمطامح بعض البطانة؛ ظنًّا منهم أنهم الأولياء.

 

تراهم اليوم على مسافة من الاعتراض على القائم، لا تَقِلُّ طولاً ولا عرضًا عن تلك التي كانوا فيها على اتفاق مع السابق.

 

هل تراني بعد هذا أستطيع أن أدعم أو أناهض؟

نفر القلم نفورًا، وقال لي: وَيْحَك! ألم تكتب بأن (الصمت ملاذ العالمين)، وأن الصمت في زمان الفتن أفضل لأهل الفِطَن؟ أم أنها أحبار تسكبها على الورق، ترتجي منها القيل والقال، والمخيلة والخال، من ذويك والأقران، تداهن بها الناشرين، وتماري بها المعارضين؟!

 

أسرفَ القلم في التصريح، فقلت:

قاتلك الله! أنا تصفني بهذا، معاذ الله، معاذ الله أن أكون ممن يقولون ما لا يفعلون، ساء الفعل، وكبُر المقت.

 

حقيقةً، اعتذر القلم، وعاد ثانية يرسم قلبًا يغشاه القلم.

 

فلم أجد بُدًّا من قبول اعتذاره، وهو القاضي، وأنا رهين المحبَسَيْن.

 

قال: مهادنة؟ قلت: حنانيك، عليَّ بها.

 

ولما كنا في صمت أنا وهو، راجعت حكمة الصمت عندي، فنفرت من غضبٍ، لا يَرُدُّ علي ضالَّةً، ولا يُعيد حقًّا، وكنت أراقبه، وأنظر لأحباره التي تسيل علي سيل الشواظ من النحاس والنار، فتحرق دمي، وتذهب برجاحة عقلي، فأقع في مجاهل الغضب والخطأ؛ وتُنزَع عني كُنية الأديب الموقَّر.

 

قلت في أدب ووقار: هل فَرَغَتْ جَعْبَة القاضي "القلم" من الاتهامات؟

القاضي القلم: ليس بعدُ.

 

قلتُ: فلمَ الصمت؟ أطْلِقْ أعيرتك النارية، صوِّبْها على صدري، تجدها تُطْفَأُ في التو.

 

فابتسم ساخرًا: هل صار بصدرك بحرٌ، أو مجرًى لنهر عذْب، يُحِيل الحارق بردًا وسلامًا؟

 

فقلت له: تخيَّل ذلك.

 

القلم القاضي: تخيلت، كأنك ذلك، ثم أردفني الضربة الثالثة.

 

جوامع الكَلم

قل لي يا صاح، أيها البحر ذو الشُّطآن الملأى بصنوف الحكمة، ومناقب الفصحى، ما حملك على كتابة مقال (الإفلاس) الذي كشفتَ فيه عن تعرضك لنوبة من الإفلاس الفكري، ونقص حاد بمعجمك اللغوي؟ مما حدا بك إلى الإسراع للاطلاع من جديد، والانطواء على معاني الكلمات، ومنافذ العربية الرائعة.

 

أنت موجَّهٌ إليك تهمة الحقد على من تراهم أعلى منك بلاغةً وبيانًا، وما صار لديك من جديد تلفت به الأنظار، وتستجدي به الأحبار.

 

لم أُصدَم بتهمة الفقر والإفلاس اللغوي قدر ما حزنْتُ لوصفي بالحاقد على من هُم أفضل وأمثل، ولما كنت واصفًا نفسي وصدري ببحر، لا تعكره سقطات الغضب، ولا جور الظالمين؛ قلت بثبات، ولدَيَّ من القناعة الكافية، والرجاحة العالية، التي ستجعل هذا القلم المتمرد المعتلي عرشًا ليس له، ومنصِبًا أنا من وضعته فيه بصدق حدْسي، ونقاء سريرتي - يتنحى وعن طيب خاطر:

أيها القاضي، هل تسمح لي بسؤال؟

فقال: عجبًا، سؤال بسؤال؟ ثم قال: تفضَّل، لكن لا تخرج عن دائرة الموضوع؛ فهو ديدنك في الهروب من الرد متى صارحك الناس بأخطائك.

 

وتلك تهمة أخرى لفَّقها لي قلمي، فقولوا لي: بماذا أنعته؟ متمرد يبغي الإصلاح، أم أن التمرد لأجل الظهور، وتنكيس الأعلام؟ سامحه الله.

 

بالكاد كنت مهذبًا في الرد، وقبول الآخر؛ فلديَّ من البرهان الساطع ما سيُحبطه الآن.

 

كررت: هل تسمح لي بسؤال؟

فقال: تفضل.

 

قلت: من أُوتِي جوامع الكَلم؟

فقال بلا توانٍ: عليه الصلاة والسلام، سيد الخلق، ورسول الحق، القائل: ((إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسِحْرًا)).

 

ولما جرى الذكر عن الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - قلت له: أتذكر يا قلمي القائم مكان القاضي قول أديبنا الكبير - رحمة الله عليه - "مصطفى صادق الرافعي" واصفًا البلاغة النبوية لسيدنا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: "هذه هي البلاغة الإنسانية التي سجدت الأفكار لآياتها، وحسرت العقول دون غاياتها، لم تُصنع، وهي من الأحكام كأنها مصنوعة"، فذكَّرَني ببقيةٍ مما ترك الكاتب الجليل - رحمه الله - في شأن البلاغة النبوية مستزيدًا: "وكأنما هي في اختصارها وإفادتها، نبض قلب يتكلم، وهي في سموها وإجادتها، مظهر من خواطره صلى عليه ربي وسلم"[1].

 

وإنك لترى الرجل يمتلك المسمار والخشب والمنشار، وكل ما يُطلب في صنع مِنضدة مثلاً، ومع ذلك لا يدري كيف يبدأ؟ ولا من أين سيقطع؟ وغيره قد اغتنم الفكرة الرائعة الأكثر إبداعًا وتجديدًا، لكنه لا يمتلك الأدوات السالف ذكرها، كلاهما منعوت بالنقص؛ فالبلاغة تراكيب من كلمات، والبارع الرائع هو من يُطَوِّع الكلمات لخدمة العبارة؛ لتخرج أكثر بهاءً ورونقًا، هذا على سبيل المثال.

 

وأما عن اتهامك الأخير الموجَّه المصوب بالحقد على من هم أفضل مني في الكتابة والبيان، فأُشْهِد الله أني لست كذلك، وإنْ نما لنفسي بعض شيء من ذلك، تذكرتُ أن غيري يُعْوِزُه ما لديَّ، ويُعْوِزُني ما لديه، وما أوتي جوامع الكلم إلا نبي، هل سمعت بكاتب لم تنله يد النقاد، وأعين الصياد؟!

 

لا أصف لكم كيف هوى القلم ذلكم المتمرد مِن على عرش القضاء، ومكانة الحكماء، وانزوى على قارعة طريق الرجاء، يلتمس العودة ثانية إلى المنحة المسلوبة منه، وقد أخذتني العزة والكِبْر، ويحي! لم أتعلم إذ قال لي بلهجة الزاهد فيما سُلب منه، وخُلِع عنه:

هل ما تكتبه تبتغي به وجه الإله، أم ترتجي نوالاً وتعليقًا يُعَوض نقصًا لديك؟

وكأن القيد الذي حررني منه آخِرُ جوابٍ قد ذهب بي إلى ساحة الانتشاء ملقيًا أسلحتي وعتادي، ففاجأني القلم بالطعنة النجلاء.

 

تماثلْتُ، وواريتُ الرهبة من مُحَيَّايَ، وقلت في ثبات: الله أعلم بالسرائر، وما لك في تلك من سؤال تلقيه، ولا جواب تنتظره.

 

رضي القلم، وما علل، وجفف أحباره، وقبْلَ أن يرحل قال: لا تظنَّها الجولة الأخيرة؛ فإن النفوس بين هذا وذاك.

 

ويح القلم! ضَيَّع علَيَّ حلاوة النصر، وبهجة الفوز؛ فالله حسبي إليه أدعو وإليه متاب.

 

والحمد لله رب العالمين



[1] مجلة الوعي الإسلامي، العدد 255، 1406هـ، من مقال: قرأت لك، ص34.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وتمرد القلم ( الجولة الأولى )
  • البريء والجميلات
  • ثلاثية الآحاد الأولى
  • وتمرد القلم ( الجولة الثالثة )
  • وتمرد القلم ( الجولة الرابعة )
  • قلق القلم بين الشبكة والورقة

مختارات من الشبكة

  • لا تحرمهم من قلمك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القلم في ديوان عناقيد الضياء للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القلم ودوره(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بين القلم الجاف والقلم الرصاص (تصميم)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • القلم الطيب والقلم الخبيث(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • القلم معنى يتوسع مع الزمن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نفحات قرآنية في سورتي القلم والمعارج(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • أنا القلم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قلم الإصلاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوحيد في سورة القلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- والفضل ما شهدت به النقاد
محمد صادق عبد العال - مصر 22-01-2014 04:05 PM

شكرا للإخوة الأفاضل حين علقوا على مقالي وتمرد القلم الجولة الثانية وبعون الله ليست بالجولة الأخيرة فإن ضوابط النفس تمنع الأقلام من الانزلاق لمهاوى الخطأ
وأقول لسيدي حيدر عيدروس علي - السودان
آسف لزلتي فيما قال سيدنا عبدلله بن مسعود حين نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كل فضل إلى نبي الله ينسب
وما أعنيه أنكم قد عزّزتم مما وفقني له الله في هذا المقال حين جادلت صديقي القلم بشأن جوامع الكلم التي لم تكتمل إلا لنبي؛
فما مر على خطئه استوفته انت بذاكرتك ومعرفتك والله المستعان
نعم المولى ونعم النصير
محمد صادق عبد العال
الألوكة الإليكترونية
مصر دمياط

2- في انتظار تمردٍ آخر !!!
دكتور خاطر الشافعي - مصر 27-11-2013 07:03 PM

مابين تمرديك سكن صدقك ...
كم أنت رائع أستاذ محمد ...
ومهما تمرد القلم تبقي أناملك تحكم الموقف بخبرة من أَلِفَ الحروف وأَلِفَته ...
في انتظار تمرد قلمك - الصادق - دائماً .

1- ما أقساه من تمرد
حيدر عيدروس علي - السودان 27-11-2013 02:58 PM

العنوان من العناوين الخلابة، فجزى الله الكاتب خيرا ، أما الحديث {من كان مستنًّا، فليستن بميت؛ فإن الحي يُخشى عليه الفتنة} صوابه (تؤمن) بدل (يخشى) وهو ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. أخرجه أبو داود في الزهد وأبو نعيم في الحلية، من طريق الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظ أبي داود{إن الأمر يؤول إلى آخره ، وإن أملك الأعمال به خواتمه ، وإنكم في خواتم الأعمال ، ألا فلا يقلدن رجل منكم دينه رجلا إن آمن آمن ، وإن كفر كفر ، فإن كنتم لابد فاعلين فببعض من قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة . قال أبو داود : رواه أبو معاوية ، وشجاع بن الوليد ، ورواه شيبان ، وشعبة بن عمارة ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله .}

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب