• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (8)

المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (8)
د. طه محمد الجندي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/8/2013 ميلادي - 28/9/1434 هجري

الزيارات: 32804

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المصدر المؤول

بحث في التركيب والدلالة (8)


الأسرار الدَّلالية للتراكيب المحولة: كيفية التحويل:

تَقتضي الأمانة العلميَّة في البَدء، أن أنسِبَ الفضل لأهله، وأُرجِعَ الخير لذَويه، وفي هذا الصَّدد ينبغي أن أُقِرَّ بأن فكرة هذا البحث تعود إلى ما قرَأته للإمام السهيلي في كتابه "نتائج الفكر"، من إبراز الجوانب الدَّلالية للمصدر المؤول من "أن" المصدريَّة مع الفعل، التي كانت سببَ العدول عن المصدر الصريح، مع أنه أخصرُ - على حدِّ قول السهيلي[1].

 

وكانت تلك القراءة هي الشرارة التي دَفَعتني للمُضي في البحث؛ إذ إنها صادَفت اقتناعًا سابقًا في نفسي، بضرورة ربْط المعاني النحْويَّة بمَدلولات التراكيب المختلفة، وهذا - فيما أرى - أساسُ نظرية النَّظم التي نادى بها الإمام عبدالقاهر الجرجاني، إلى جانب فكرة العدول عن الأصْل التي عوَّل عليها النُّحاة في تفسيرهم لكثيرٍ من التراكيب اللغويَّة، فإذا أُضيف إلى ذلك فكرة التحويل في النظريَّة التوليديَّة والتحويليَّة التي ركَّزت على الصِّلات المُتشابهة بين أشكال التعبير المُتماثلة، فيكون ثمَّة دافعٌ قوي للمُضي في هذا البحث، وقد ذكَر السهيلي ثلاثة أسباب تراءَت له للتحويل إلى المصدر المؤول من (أن) والفعل، فإذا أضَفتَ إليها ما تراءَى لي من خلال تأمُّلي للنصوص، وما اسْتَنْتَجته من أقوال نُحاتنا القُدامى، تبدَّت لنا تلك الأسباب في الآتي:

السبب الأول:

أنَّ التعبير بالمصدر صريحًا يدلُّ على الحدث مُجرَّدًا، "وليس في صيغته ما يدلُّ على مُضيٍّ ولا استقبالٍ، فجاؤوا بلفظ الفعل المُشتق منه مع (أن)؛ ليَجتمع لهم الإخبار عن الحدث مع الدَّلالة على الزمان، ويَعني ذلك القول بواضح العبارة أنَّ التحويل من المصدر الصريح إلى المصدر المؤول، إنما كان ليُفيد - إلى جانب الحدَث - الدَّلالةَ على الزمان؛ إذ إن المصدر المؤول من (أن) والفعل، يتركَّب إلى جانب الحرف المصدري من فعلٍ، والفعل يَحمل في بنيته الدَّلالة على الزمان، ومن خلال الفعل نتبيَّن الدَّلالة على زمنه، وقد سبَق أن أشَرنا إلى أنَّ (أن) المصدريَّة تدخل على أنواع الفعل الثلاثة، فإن كان الفعل ماضيًا، دلَّ على أنَّ حدَثه قد أُنْجِز فيما مضَى، وإن كان مضارعًا أو أمْرًا، مَحَّضتْه للدَّلالة على المستقبل، ولنتأمَّل دخولها على المضارع في خبر (عسى) في قوله تعالى: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ﴾ [المائدة: 52]".

 

فمن الواضح أنَّ هذا التركيب القرآني مكوَّن من الفعل (عسى) + اسمه (الله) + خبره (أن يأتي بالفتح)، وبأدنى تأمُّلٍ للخبر، نتبيَّن أنه مكوَّن من رُكنٍ إسنادي مُكوَّن من الأداة (أن) + مسند (يأتي) + مسند إليه هو الضمير المستتر (هو)، يُمكن تمثيله بالمشجر التالي:

هذا الرُّكن الإسنادي يُفسَّر في بِنيته التحتيَّة بالمفرد هكذا: عسى الله إتيانه بالفتح، وقد تَمَّ تحويلٌ إجباري من هذه البِنية الإفراديَّة إلى البِنيَة الإسناديَّة، وذلك بالطبع راجعٌ إلى النظام القاعدي في العربيَّة، الذي يَجعل خبرَ هذا الفعل وإخوته رُكنًا إسناديًّا مُكوَّنًا من فعلٍ مضارعٍ مع فاعله، أمَّا لماذا تَمَّ هذا التحويل الإجباري، فيُوضِّحه قول ابن الأنباري: "لَمَّا كانت "عسى" موضوعةً لمقاربة الاستقبال، و"أن" تُخلص الفعل للاستقبال، ألْزَموا الفعل الذي وُضِع لمقاربة الاستقبال (أن)، التي هي علَمُ الاستقبال"[2].

 

إنَّ السرَّ الدَّلالي من وراء التعبير بـ(أن) في الآية، هو تخليص الفعل للدَّلالة على المستقبل؛ حتى يكون بينها وبين (عسى) - التي وُضِعت لمقاربة المستقبل - اتِّفاقٌ في الهدف الدَّلالي؛ مما يدلُّ على أنَّ اختيار العناصر اللغويَّة لِما يُجاورها، لا يَرِد اعتباطًا أو عشوائيًّا، بل إن كلَّ عنصرٍ له هدفٌ دَلالي لا يقوم إلاَّ به، ودليل ذلك يُوضِّحه عبدالقاهر عندما عقَد موازنة بين: عسى زيد أن يَخرُج، وقارَب زيدٌ الخروجَ، فيقول: "يوضِّح ذلك أنَّك إذا قلتَ: قارب زيدٌ الخروجَ، لَم يكن في اللفظ دليلٌ على أنَّك تُريد خروجًا فيما يُستقبل، ألا ترى أنَّك لو قلتَ: قارَب زيدٌ أمس الخروجَ، كان جائزًا، فلو قلتَ على هذا: عسى زيدٌ الخروج، لَم تتَّضِح الدَّلالة على أنَّك تُقرِّب المستقبل"[3].

 

لكن كيف تَمَّ التحويل في مثال عبدالقاهر من المعنى التحتي إلى الملفوظ السطحي؟ لنوضِّح أولاً الأصل التحتي، وهو مركَّب من فعل (عسى) + اسم (زيد) + خبر (الخروج)، بالمشجر التالي:

 

وقد حدثت عدة عمليَّات تحويليَّة إجباريَّة، حتى انتهى إلى بِنْيَته السطحيَّة، هي:

1- إدخال مورفيم (أن) المصدريَّة؛ للدَّلالة على حدوث الفعل في المستقبل.

 

2- تحويل مورفولوجي بتغيير بِنْيَة المصدر إلى بِنية (يفعل)؛ حتى يتَّسِق مع النظام القاعدي للفعل (عسى) في اللسان العربي، الذي يَمنع الإخبار باسم الحدث الأُحادي الدَّلالة عن أفعال المقاربة، ومنها بالطبع (عسى).

 

فصار التركيب: عسى زيد أن يخرجَ، يُمكن تمثيله بالمشجر التالي:

وقد تَمَّ التحويل - كما ذكَرنا - ليتمَّ الاتِّفاق بين الفعل (عسى) الموضوع لمقاربة الاستقبال، و(أن) المصدريَّة التي هي علَمُ الاستقبال.

 

والأمر كذلك إذا شغَل المصدر المؤول وظيفةَ الفاعل في حال استعمال الفعل (عسى) تامًّا، يُشير إلى هذا قول الإمام عبدالقاهر: "اعلَم أنَّك إذا قلتَ: عسى أن يَخرج زيد، كان بمنـزله قولك: قَرُبَ أن يَخرج زيدٌ، لِما ذكَرنا من أنهم قصَدوا ألاَّ يتجرَّد اللفظ من علَمِ الاستقبال، ولَم يُحتَجْ هنا إلى خبرٍ، كما احْتِيجَ إلى ذلك في قولك: عسى زيد أن يخرجَ؛ وذلك أنَّ الغرض تقريبُ الخروج، لا تقريب زيدٍ"[4].

 

وإذًا؛ فالمعنى التحتي لقولنا: عسى أن يخرجَ زيدٌ، هو عسى خروج زيدٍ، يُمكن تمثيله بالمشجر التالي:

 

ثم تَمَّ التحويل تحويلاً إجباريًّا بنفس القاعدتين التحويليَّتين السابقتين، بإدخال العنصر المصدري (أن)؛ لئلاَّ يتجرَّد اللفظ من علَمِ الاستقبال، ثم بتحويل بِنْيَة المصدر إلى بِنْيَة (يفعل)؛ حتى يتَّسِق مع النظام القاعدي لفعل (عسى) في اللسان العربي.

 

ثم إنَّ السياق قد يُوجِب تحوُّلاً دَلاليًّا للفعل (عسى)، فتَجنح صوبَ الدَّلالة المُعجميَّة للفعل (كاد)، في إفراط تقريب الشيء من الحال؛ مما يَجعلها تَنِدُّ عن الدَّلالة في المستقبل إلى الدَّلالة الحاليَّة، فيأتي التركيب معها خاليًا من (أن) لهذا التحوُّل الدَّلالي الذي تَبوَّأته.

 

وقد نصَّ على ذلك النُّحاة؛ يذكر ذلك الأنباري، فيُبيِّن أن (كاد) من أفعال المقاربة، كما أن (عسى) كذلك: "ولهذا الشَّبه بينهما، جاز أن تُحمل عليها في حذف (أن) من خبرها"[5].

 

وإنَّما حُذِفت (أن) من خبر (كاد)؛ لأن (كاد) أبلغُ في تقريب الشيء من الحال، وعسى أذهبُ في الاستقبال، ألا ترى أنَّك لو قلت: كاد زيدٌ يذهب بعد عام، لَم يَجُز؛ لأن (كاد) تُوجِب أن يكون الفعل شديدَ القرب من الحال، ولو قلتَ: عسى الله أن يُدخلني الجنة، لكان جائزًا، وإن لَم يكن شديدَ القرب من الحال، فلمَّا كانت (كاد) أبلغَ في تقريب الشيء من الحال، حُذِف معها (أن) التي هي علَمُ الاستقبال[6].

 

وواضحٌ من النصِّ أنَّ الدَّلالة المُعجميَّة للفعل (كاد)؛ من حيث كونها قُصِد بها التقريبُ من الحال جدًّا، أبَتْ أن تقعَ (أن) في خبرها؛ حتى لا تتناقَضَ تلك الدَّلالة مع (أن) التي هي علمُ الاستقبال، وناسَب ذلك الفعل (عسى)، غير أنه لَمَّا انتقَلت الدَّلالة في (عسى) من المستقبل إلى التقريب من الحال أشدَّ تقريبٍ، لَم يَرِد في خبرها (أن)، ومثَّلوا بذلك بقول الشاعر:

عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتُ فِيهِ = يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

 

ولا يَقتصر هذا المعنى الدَّلالي لـ(أن) المصدريَّة على الفعل (عسى) وحْده، بل إنَّ لها تلك الخاصية في كلِّ تركيبٍ اقتَرنت فيه بفعْلٍ من بِنْيَة (يفعل) المضارعة ونحوها؛ ولذا نَوَدُّ أن نسوقَ مثالاً آخرَ؛ حتى نتأكَّد من هذا المعنى الدَّلالي لـ(أن)، والمثال من القرآن الكريم، في قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23].

 

فقد ذكَر المفسِّرون أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا ﴾ في محلِّ رفْع عطفًا على مرفوع (حُرِّمَتْ)، وفسَّروا بِنْيته التحتيَّة بقولهم: وحُرِّم عليكم الجمْع[7]، غير أنه لو جاء بالمصدر صريحًا، لأفضى ذلك إلى أنَّ الجمع بين الأختين مضافٌ إلى باقي المحرَّمات السالف ذِكرُها فيما مضى من الزمان، والأمر بخلاف ذلك؛ إذ إن الجمع بين الأختين لَم يكن مُحرَّمًا عندهم تحريمَ الأُمِّ والبنت، بدليل أنَّ بعض الصحابة كان جامعًا لأُختين قبل نـزول الآية، وفرَّق بينهما بعد نزولها.

 

وإذًا؛ فالسرُّ الدَّلالي من مَجيء المصدر مُؤَوَّلاً هنا، هو الدلالة على المستقبل، وأنَّ الحكم بذلك يكون فيما يُستقبَل، وهذا - فيما أرى - هو السرُّ الدلالي للتعبير بالمصدر المؤول.

 

وإذا كانت (أن) هنا دلَّت على الاستقبال تنصيصًا، فإنها قد تدلُّ عليه ضمنًا، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28].

 

فالمعنى في الآية - فيما أرى - أنه قال ذلك ومُستمرٌّ عليه، ولعلَّ معنى الاستمرار هذا هو المقصود؛ إذ إنه يَشمل الزمن عمومًا؛ ماضيًا، وحاضرًا، ومستقبلاً، ومِن ثَمَّ تكون دَلالتها على الاستقبال ضمنًا، وقد تَمَّ التحويل بالقاعدتين أنفسهما اللتين سبَق ذِكرُهما، وهما:

• قاعدة الزيادة للعنصر المصدري (أن)؛ للدَّلالة على الاستقبال.

 

• قاعدة التحويل المورفولوجي بتغيير بِنْية المصدر (الجمْع) الأُحادي الدَّلالة، إلى بِنْية (يفعل) الدالة على الحدث والزمن معًا.

 

لكن ماذا عن اقتران (أن) ببنية (فعَل) الماضوية:

لا شكَّ أن الدَّلالة ستتحوَّل من بِنْية المصدر في التفسير التحتي للتركيب، وهي - كما نعلم - أُحادية الجانب، إلى معنًى ثنائي الدَّلالة، اكتسَب تلك الثنائيَّة من الفعل الماضي، الذي يدل ببِنْيته على الحدث والزمن معًا، والزمان هنا ماضٍ، وقد نصَّ على ذلك النُّحاة، ذاكرين أنَّ دَلالة (أن) مع مدخولها على الزمن، لا تَعدو اثنتين؛ إمَّا المستقبل في حال دخولها على بنية (يفعل) ونحوها، وإمَّا الماضي في حال دخولها على بِنْية (فعَل)، وأمَّا الحال، فقد تَكفَّل به عنصر مصدري آخر هو (ما)؛ شريطة أن تدخلَ على فعْلٍ من بِنْية (يفعل) المضارعة[8]، ولنتأمَّل التركيب القرآني التالي:

﴿ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100].

 

والبِنْية العميقة للمصدر المؤول ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نـَزَغَ الشَّيْطَانُ ﴾، هي: (من بعد نزغِ الشيطان)، والنَّـزغ مصدر أُحادي الدَّلالة، لا يَشمل إلاَّ جانب الحدَث؛ ولأن التعبير القرآني آثَر الإتيان بالحدث مُقترنًا بزمنه الذي هو الماضي، فقد تَمَّ التحويل من المعنى العميق الأُحادي الدَّلالة إلى هذا الركن المُؤول؛ ليُفيد إلى جانب الحدَث زمنَه، ولأن زمان الحدَث قد أُنْجِز فعلاً؛ لذا جاء بمدخول الحرف المصدري (أن) فعلاً ماضيًا لهذا السبب، ولعله صار واضحًا أنَّ التحويل قد تَمَّ باتِّباع قاعدتين من قواعد التحويل، هما: قاعدة التحويل بالزيادة؛ حيث زِيدَ العنصر المصدري (أن)، وقاعدة التحويل المورفولوجي؛ بتحويل بِنْية المصدر إلى بِنْية الفعل الماضي للدَّلالة على الحدَث وزمنه.

 

وما دُمنا في سياق الحديث عن أنَّ بيان الزمن غرضٌ من أغراض التحويل، فإنه يَحسُن بنا في هذا الصَّدد، أن نُعرِّج صوبَ الحرف المصدري الذي تكفَّل مع مدخوله ببيان عنصر الزمن الحاضر، وهو (ما) المصدريَّة، نصَّ على ذلك نُحاتنا، ذاكرين أنَّ (ما) حال دخولها على الفعل المضارع، لا تُفيد إلاَّ الزمن الحاضر؛ يقول في حاشية شرح التصريح: "والغرَض أنه إذا كان الزمان حالاً، لا يكون (أن) حالة مع الفعل محلَّ المصدر، بل (ما)".

 

ولَم تأت (أن) هنا لما سبَق أن قُلناه عنها بأنها علمُ الاستقبال، "وهي إذا كان الزمان حاضرًا غير مُمكنة لمُنافاتها له، بخلاف (ما)، فإنها لا تُنافيه[9]، ولنتأمَّل التركيب التالي:

﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 61].

﴿ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة: 77].

 

وباقترابنا من التركيب المُحوَّل في الآيتين، نجده مُكوَّنًا من عمليَّة إسناديَّة مُحوَّلة من بِنْيَةٍ إفراديَّة عميقة، ويُمكن التمثيل لكلتا البنيتين في الآية الثانية بالمشجرين التاليين:

وهذا الملفوظ السطحي للعنصر المصدري المُؤوَّل، مُحوَّل من بِنْيَة إفراديَّة في المعنى العميق هي إسرارهم، يُمكن التمثيل لها بالمشجر التالي:

وبذا نتبيَّن أنَّ العمليَّة الإسناديَّة في المصدر المؤوَّل، لا تَعدو أن تكون صورةً من صور تحويل المفعول به من بِنْيَة إفراديَّة في المشجر الثاني، إلى بِنْية مركَّبة في المشجر الأوَّل الذي يُشير إلى البِنْية السطحية، ولَمَّا كانت البِنْية الإفرادية في المشجر الثاني الذي يُشير إلى المعنى العميق، أُحادِيَّة الدَّلالة، لا تدلُّ إلا على الحدث مجرَّدًا، وليس فيها ما يدلُّ على زمنه، تحوَّل التركيب إلى فعلٍ؛ ليدلَّ ببِنْيته على الحدَث وزمنه، ولأنَّ المعنى المراد من الآية الدلالة على الزمن الحاضر، كان الفعل المحوَّل من بنْية (يفعل) المضارعة، وكان الحرف المصدري (ما) الذي لا يُنافي دَلالة الحاضر، بخلاف (أن) التي تَصرف الفعل المضارع للاستقبال، وقد تَمَّ التحويل بقاعدتين من قواعد التحويل، هما:

الأولى: قاعدة الزيادة؛ حيث زِيدَ الحرف المصدري (ما) الذي يَصلح للدُّلالة على الحاضر.

 

الثانية: قاعدة مورفولوجيَّة: بتحويل بِنْية المصدر إلى بِنية الفعل المضارع؛ لتَناسُب الدَّلالة الزمنيَّة مع الحرف المصدري.

 

وقد سبَق أن أشَرتُ إلى أنَّ دلالة (ما) على الحاضر، مشروطة بكون مدخولها فعْلاً من بِنْية (يفعل) المضارعة، فإن كان مدخولها فعْلاً من بنية (فعل) الماضويَّة، فلا شكَّ أنَّ الدَّلالة المُفادة فيها ستكون بنية مركَّبة من عنصر الحدَث مُقترنًا بزمنٍ أُنْجِز ومضى، وقد نصَّ على ذلك نُحاتنا القُدامى، ذاكرين أنَّ اختلاف أبنِيَة الفعل بعد ما اشْتُقَّ من المصدر، لَم تكن إلاَّ لاختلاف أحوال أبْنِية الحدَث من مُضيٍّ واستقبال[10].

 

ولنتأمَّل التركيب التالي: "ما أحسن ما فعلتَ"، فالتركيب المحوَّل في المثال مكوَّنٌ من عملية إسناديَّة محوَّلة بدورها من معنًى إفرادي عميق، هو: ما أحسن فعْلك، يُمكن التمثيل له بالمشجر التالي:

وقد تَمَّ التحويل إلى هذا الركن الإسنادي؛ لِما ذكَرنا من أنَّ المتكلم أراد التعجُّب من حدَثٍ أُنْجِز فعْله، ومضى بدلاً من المصدر الدالِّ على الحدَث وحْده، ولسنا في حاجة إلى التذكير بكيفيَّة التحويل التي جرَت على هذا الملفوظ التركيبي؛ إذ تَمَّ بالقاعدتين نفسيهما التي سبَق ذِكرُهما.



[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، ص (126)، وانظر: ابن قيِّم الجوزيَّة؛ "بدائع الفوائد"، (1 / 101 - 102).

[2] أبو البركات الأنباري؛ أسرار العربية، ص (127).

[3] الجرجاني؛ كتاب المُقتصد في شرح الإيضاح، (1/ 356 - 357).

[4] السابق، (1/ 357).

[5] الأنباري؛ أسرار العربية، (128).

[6] السابق، (129).

[7] الزجاج؛ معاني القرآن وإعرابه، (2/ 35)، انظر: الزمخشري؛ الكشاف، (1/ 496).

[8] راجع: الشيخ خالد الأزهري؛ شرح التصريح (2/ 62).

[9] حاشية شرح التصريح، (2/ 62).

[10] السهيلي؛ نتائج الفكر، (434).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (1)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (2)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (3)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (4)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (5)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (6)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (7)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (9)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (10)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (11)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (12)

مختارات من الشبكة

  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (18)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (17)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (16)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (15)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (14)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول .. بحث في التركيب والدلالة (13)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المصدر المؤول (بحث في التركيب والدلالة) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المصدر المؤول المعمول لفعل الكون في القرآن الكريم - دراسة نحوية دلالية - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مكانة السنة المطهرة كمصدر ثاني من مصادر التشريع الإسلامي(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الآثار الاجتماعية لدولة المصدر(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب