• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

قم ( قصة قصيرة )

أ. محمود توفيق حسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/7/2013 ميلادي - 29/8/1434 هجري

الزيارات: 5187

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قمْ


طريحٌ أنا على هذه الهضبة، مغمض العينين، يلعقني العراء الهائل على مهل، وتنخسني مناقير هزائم قديمةٍ وكثيرةٍ لا أذكرها، ويعمل تحتي دبيبٌ خبيثٌ وحنون، كأنما جسدي يعدُّ نفسه للتحلل، أو لعله....بدأ بالفعل في التحلل. رخوةٌ أعصابي تمامًا، فلا أعرف كيف أستجمعها حتى أعتدل وأفحص هذا البغيَ المرعب، وأنهر هذا الانهيار المريع. ربما أستطيع بكلِّ الجهد والعزيمة، نعم، عليَّ أن أفعل شيئًا الآن وليس بعد، عليَّ أن آخذ نفسًا عميقًا وأن أستجمع قواي وأدفع صدري للأمام فأعتدل، متخلصًا من هذا الكمون الجليل والمستفز، الذي يليق بمومياء راقدةٍ في تابوتٍ من الحجر السماقيِّ، ولا يليق برجلٍ يحاول جهده ألَّا يموت.

 

ولكني متهيبٌ من الاعتدال؛ ليس لأنه سيجردني من هذا الجلال الذي كستني به الغيبوبة ولست أهلًا له، ولكن أخاف إن اعتدلتُ أن تستيقظ بي جراحٌ نائمةٌ كالدبابير، يُسكِتها عني رقادي البائسُ مثل جثة، وستهيج إن حاولتُ أن أقوم، فتظل تلسعني للأبد، معاقبةً إياي على أن حاولت ذات إفاقةٍ ألَّا أموت.

 

بل وخائفٌ أيضًا مما هو أدهَى:

خائفٌ من أن أعتدل فيلتصق وجهي بالحقيقة التي أتكهَّن أنها هادئةٌ ومنسابة، على قدر ما هي قاتلة؛ عندما أعتدل فيربكني الموت وهو يزحف فوقي ببطءٍ زحْفَ النمل، ولا أستطيع أن أنفضه عني، فأرى التحلل وقد بدأ برِجلي اليمنى، فصارت كتلةً من التراب ممدودةً بنفس شكلها، مثل عرق حطبٍ صرمته النار، إن امتدتْ إليه يدٌ وجدته حجمًا هشًّا من الرماد؛ حتى أني أتخيل يدي المذعورة وهي تتحسَّس الطرف الأيمن من سروالي، ثم تهصره، من عند الفخذ، ونزولًا إلى الركبة، ووصولًا إلى الكعب، فيخرُّ منه التراب خلف التراب!. وهذا (التنميل) الساري في رِجلي اليمنى الآن، يحدثني أنها صارت بالفعل ترابًا، أجهز عليها الموت كلها؛ وشيءٌ من الذاكرة يوافق هذا الهاجس المشؤوم؛ فمن بين الدخان المنبعث من كهفها المهجور، أرى كما لو كان شابٌ واهنٌ ممددًا في فراشه وقد بُترت رجله، وقبل أن يفجع بالفراغ المؤلم، يشعر أن رجله التي لم يعد لها وجودٌ تأكله.

 

أما عما حدث، فلا علم لي بما حدث، حاولت أن أرتِّب الذي كان مرةً أخرى، من ندمي، من الهراء، من الوساوس، من أذى السامرين، من مصمصة شفاه عجائز نجوَى حول ما يبدو أنه سريري، الممدد عليه ما يبدو أنه جسدي، لكني فشلت. كل الماضي الآن ليس إلَّا عمودًا من الغبار عرَّاه الضوءُ على الدرجات، ونثارًا كريشٍ يتهاوَى للأبد في الفضاء عن معركةٍ بين طيورٍ خرافيةٍ جارحة، وطنينًا مبهمًا، من صفيرها الذاهب في الأثير.

 

الماضي مضغَ نفسَه بأنيابه وهو يتلذذ، مضغ ذاكرتي التي كنت أسمع قرشة غضاريفها بين فكَّيه، ثم انكبَّ ولعق على الدرجات دماءها الساخنة؛ وبعد أن أتمَّ وتجشَّأ وانصرف، لم يعد هناك شيءٌ قديمٌ عندي إلا الشتات من الشتات من الشتات؛ ولا أستطيع أن أمدَّ جسرًا من هذه الشظايا بين وجهين مبتسمين، أو بين أسفَيْن بالغين.

 

الآن، كأني أتذكَّر- أو لعلي أتخيَّل، لا ضير- أني رهينة، قطع طريقي خاطفي المضطرب في ليلةٍ خروبيَّة، وهو يصرخ بالتجنين، بالصرخات المتقطعة التي لا تُفهِم، كأبكم عصبيٍّ؛ ورغم ارتجاله إلَّا أنه استحوذ عليَّ هونًا في لحظة المباغتة.

 

كنت كمهرٍ بريٍّ حرٍّ وغافل، يقتحم الوديان والمخاضات ولا يدرى مصيره، وبغير أي نذر، كان هناك كبوةٌ واحدةٌ وجد نفسه على إثرها قد انكبَّ على وجهه، وسلخت الأعشاب الشوكية جلده وهو يتدحرج على جرفٍ حتى استقرَّ جسده منهزمًا تحت هذا الجرف الخبيث، ليفاجأ بنفسه وقد احتنكته يدان قاسيتان وغمت عينيه سريعًا؛ كأني شعرت بمثل هذا ذات اختطاف. وظللت متعرقًا غارقًا في الضوء الأسيف للقمر، ذلك الضوء الذي لم أعد أراه، وغارقًا في ذهول اللحظة الذليلة الجاثمة، تحيط بي قهقهاتٌ شامتةٌ كأنها لقردة، تتنادى بها من مكانٍ بعيد. وكنت لا أصدق أن هذه هي معيشة الأيام القادمة كلها، ككائنٍ مغلوبٍ واقعٍ تحت إمرة هذا الغامض الذي استزلني. وأخذ يدفعني قدَّامه مغمم العينين، من خرِبةٍ إلى أخرى، ومن وَحشةٍ إلى الثانية، ومن قائمٍ إلى حصيد، إلى أن طرحني على هذه الهضبة العارية.

 

كأني أتذكَّر: لقد لازمني هنا بوطأة حضوره الثقيل وقتًا لا أعرف مقداره، ومرَّت عليَّ فترةٌ لم أنتبه للسكون حولي، ولمـا افتقدت حينئذٍ همهمته وأنفاثه، وأصوات بَكَمه المرعبة، وأطيط نعليه الغليظين، ارتخت الغمامة وحدها وأنا في رقدتي ورأسي على الصخرة. وأصابني الهلع من كشف الغطاء، واندفعت في الاعتذار عن سقوط الغمامة رغمًا عني، فوجدتني أكلم نفسي؛ فهو هناك، يتضاءل في ذهابه بعيدًا. هذا الذي ساء وجهي ولم أرَ وجهه قطّ، كان قد صار كالجعران عند الأفق.

 

أتلفت حولي الآن، فأرى الأحوال على خير ما يرام، انتهى الكابوس إذن فلم أتمسَّك به؟! مكشوفةٌ هي الهضبة، وكل تلك السبل مهارب، وأي رجا من هذه الأرجاء فوْت. سأستأنف زمني الأول حرًا وواثقًا؛ ليس عليَّ إلَّا أن أقوم بغير أن أنفض ثيابي، وأجسُّ رجلي سعيدًا بأنها لم تعد ترابًا كما كنت أتوهم، وأطلق ساقي للريح فارًا إلى الله؛ فلا يريد ربي من صاحب ذاكرةٍ معطوبةٍ غير الندم وحده.

 

هل أفعل؟ هل أعتدل؟ هيَّا... لا، لا، أنا خائف، بل مرعوب، فهذا الإغراء بالهروب يبدو لي وكأنه استدراجٌ ماكر، وهذا السهو يغلب عليه عندي أنه مصطنع. لاشك أن هذا فخٌّ منصوبٌ لي، وأن هذا الذي يبدو كالجعران هناك، والذي لازالت ريحه النتنة هاهنا، قد يستدير في أي لحظةٍ ويعود بسرعة الشهب، ويجلب عليَّ ويستحوذ عليَّ مرة أخرى، حتى لو قطعتُ أميالًا من وراء أميال، وأن هناك حسابًا عسيرًا ينتظرني إن تركت موقعي الذي نبذني به؛ كأني أسمع في ضميري من صاحب الخطوات الحشَرية المتهالكة وعيدًا، بأنني سيؤتى بي ولو ذهبت في بطن أمي؛ لذا علي أن أقبع هاهنا حتى ولو مت مكاني وصرت ترابًا في رقدتي، ترابًا تمرُّ عليه يدُها الحانية.

 

أنا رهينةٌ لا وزن له، ورغم هذا تراقبني ألف عينٍ جهنمية، نثرَها المجنون بين الحصى ومضى. أنا هنا كعنبوتٍ على جذع شجرةٍ ميتةٍ في العراء، إن يتحرك مزقته الريح، وإن مكث مات بهدوء، وصار بعضَ الغبار العالق فيما كانت خيوطه.

 

أحيانًا ما يهزني شيءٌ طيبٌ كي أعتدل، يفوح في صدري ريحانُه الأول، فيه تلك البشرى الخاشعة لماء الوضوء في الشتاء، كأني قد جرَّبت هذا البرد في صباي، وبه السكينة التي على صوت المسنين وهم يهمهمون بالاستغفار في خطاهم الوئيدة لصلاة الفجر، كأني تنصَّت على هذا وأنا ماضٍ تحت حوائط المدينة النائمة، وفيه أجمل ما فيه: حنان أمٍّ صبور، لا تملُّ رغم مرور الوقت من التربيت على جسد ابنها الذاهب في غيبوبةٍ طويلة، ومن فحصه كل ساعةٍ وقد جدَّد فيها الدعاءُ الأمل. أنا لي أمٌّ لا أذكرها مثلما أني لا أذكرني، لكن لا ريب أن لي أمًّا أشمُّ الآن حنانها وشجنها الأخضر، ورائحة ثوبها القديم الذي بلله الدمع، وخاط كمَّه الأسف.

 

لازلت ممددًا على الهضبة العارية، تحت سماءٍ شهباء دانية، والصخرة تحت رأسي، وعيني المرهقة سئمتْ متابعة هذا المجرم المهووس وقد صار ذرةً من غبارٍ تتهادَى في الأفق. وتهب الريح حولي من لا مكان، وتلفُّ حول نفسها حيرَى وتمضي. الريح المغادرة المهزومة، والعَبوس، تضرب الهضبة ضرباتٍ فيها يأسٌ واحتضار، وأنا أتهجَّى - والهواء يندفع في صدري- هذا الحضور المضطرب الخائف والمخيف في قلب الريح: إنها الريح المندحرة تبدو وكأنها تلملم على عجلٍ حشودًا من الأرواح الهائمة، بصوت عزيفٍ مثل نفض الثياب الصحراوية الواسعة، كأن العشرات من الأشباح المتفرقة الممرورة، قامت من هنا ومن هناك، لتمضي كئيبةً في السهوب الخاوية، في سبيلها للخرائب البعيدة، فأخذتْ تنفض أثوابها من التراب.

 

لا أريد أن أمني نفسي، لكن على ما يبدو أن الكابوس قد انتهى، إلَّا بحبلٍ مني، سقط الصنم على قفاه، وسمعت هدَّته، ولم يبقَ منه غير سجودي. نعم، أستشعرُ انهيارَ الحرس الذين يحيطون بي ليلًا ونهارًا، تاركين لي الفراغ ومصيري، لأستوعب الأمر وحدي، أو لا أستوعبه أبدًا، فأهربُ، أو أموتُ كما يموت العنكبوت على شجرةٍ ميتة، أموت بهدوء.

 

أذكَّر الآن شيئًا، حقيقةً ليس خيالا، نعم: وأنا أنسحب في الغيبوبة، مغمضَ العينين، وممددًا أمامه، كنت أظنني وإياه تبادلنا نوعًا من الألفة الخشنة فرضها علينا ترحالنا معا، وأنه لم يعد هناك داعٍ لأن يحمل عليَّ كليلة الاختطاف الأولى؛ ودًا للأيام الخالية وامتثالي، استمعت إليه وهو يزفر ويتأفف أثناء ربطه سيور حذائه، ويصرَّ صرَّته، مستعدًا للرحيل وحده، كان آخر ما فعله هو أن رفس فخذي بمقدمة حذائه الحديدية المدببة فأصابها التصلب، وساعدتني الغيبوبة على أن لا أشعر بالكثير من الألم؛ وأخذ يصيح بصياحه المختنق المخيف تجاهي، ووقر في قلبي أنه يتوعدني بالرجوع، ويتمنى أن يجدني ميتًا؛ ومما يحزنني على ما آل إليه حالي، هو أنني شعرت لحظتها ببرد الخيانة.

 

أنا الآن لست إلَّا مهرًا صغيرًا ينزف ببطءٍ من جرحٍ في فخذه وهو متحسرٌ على حاله، ويلعق في ذهول الموت رقبة أمه لعق الوداع، وأمه قليلة الحيلة تلعق أيضًا جرحه والعينان دامعتان. إنها تتركني، تنزل في البحيرة القريبة، تعود مسرعة، تنتفض أمامي فتنثر الماء على جسدي، تذهب ثانيةً وتعود، وتذهب أخرى، تعود، وهأنذا أشعر بشيء من الانتعاش والرضا، وأتلهَّى عن الموت بالنظر إلى هلالٍ خفيفٍ ظهر في السماء؛ ومن العجيب أنني الآن في حضور الموت أتبسم له، فتبتسم أمي لي وله؛ ما هذا يا أمي ؟! أمي التي لا تعرف ما عليها أن تفعل من أجلي، وضعت حافرها على حافري برفق، ثم أخذت تلعب فيه وتحكُّه بلطف، لا، لا، لا أتحمَّل هذا، حتى ضحكتُ وضحكتْ.

 

(كان هلال رمضان قد بدا في السماء ليلتها، وانتشر في ديار المسلمين خبر حلول الشهر الكريم، الذي يستبشر به من عرف قدره، ويضل عنه من حرم نفسه. وعلق الشياطين بأصفادهم واندحروا وهم يؤكدون لأوليائهم على عودةٍ قريبة، ونزلتْ سكينةٌ من الرحمن الرحيم على قلوب العبَّاد والمضطرين والضارعين؛ كان هلال رمضان قد بدا ليلتها عندما كانت امرأةٌ طيبةٌ تلحُّ في الدعاء عند سرير ابنها الذي راح في غيبوبة، ابنها الذي سقط ضحية إدمان حقن (الماكس) حتى لم يعد ينتفض في ذراعيه عرق يحقن نفسه فيه، فحقن نفسه حقنةً في الفخذ تصلبت معها رجله اليمنى، وسقط في غيبوبةٍ لا يفيق منها، ورجَّح الطبيب أن رجله ستُبتر، بل ومهَّد لها احتمال موته. وأحس الشاب فيما يحسُّ الذاهب في غيبوبةٍ أن رجله قد تعرضت للبتر، وتذكَّر كيف أن الشيطان رفسه في فخذه وهو يستعد للهروب قبيل رمضان، وكيف وقر في قلبه أنه يتمنى له الموت على المعصية. كانت الأم التي بلل دمعها وجه ابنها الشاب، الذي رأى نفسه في تجليات غيبوبته وكأنه مهرٌ جريحٌ تنثر أمه الماء عليه، قد جلبت الماء في إبريق، وأخذت توضئ ابنها الغائب في سريره، حينما بشرتها جارتها بالنداء عبر النافذة بظهور الهلال، ففتحت النافذة ونظرت إليه وبكت مبتسمة، في تلك اللحظات مال ابنها المغيَّب بوجهه ناحية النافذة ميلًا خفيفًا وهو مغمض العينين، ثم ابتسم ابتسامةً رقيقة، تليق بمهرٍ يتلهَّى عن الموت. فكادت الأم تطير من الفرحة، واعتصرت ذراعيه بكفيها، وهي تناديه: قمْ.. قمْ.. قمْ.. من أجل أمك قمْ. وأخذت تجلس على سريره وتقوم وتلفُّ حول نفسها وهي تدعو: يارب.. يارب.. يارب. ولجأت بغير وعيٍ لنفس الطريقة التي كانت توقظه بها في صباه للذهاب للمدرسة، ولو شاهدها الطبيب لتأسف على ذهاب عقلها: أخذت تدغدغه بأصابعها في باطن قدمه اليمنى وهي تنظر في وجهه، فيما كان يتجلَّى له في غيبوبته أنها فرسٌ وضعتْ حافرها على حافر مُهرها الجريح تلعب فيه؛ وفي عالم الشهادة، لازالت تدغدغ باطن قدمه وهي تنادي: يارب.. يارب. حتى هزَّ قدمه قليلًا هاربًا من الدغدغة، فاستبشرت، ولم تعد تعرف إن كانت تبكي أم تضحك، حتى ضحك أخيرًا، وضحكتْ هي ضحكًا مبللًا بالبكاء. وفرَّ من يومها في الرحمات المنزلة إلى ربه فرار التائبين، وما وجده الشيطان بعد الشهر إلَّا ميْتًا قد أحياه الله ونضَّر وجهه).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حُرية (قصة قصيرة)
  • الرِّبِّي (قصة قصيرة)
  • اللعين .. ! (قصة قصيرة)
  • جنى (قصة قصيرة)
  • طريق العودة ( قصة )
  • حديث قعيد! (قصة)
  • دواء الكروب (قصة)

مختارات من الشبكة

  • قم امشي.. قصة حقيقية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مشاكل أسرية ومنهجية الحل من حديث: "قم أبا تراب"(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قم تأمل (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • قم فصل ركعتين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • قم يا حذيفة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: يا بلال قم فناد بالصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • قم ولب نداء الحق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قم من منامك ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تحقيق تخريج مسألة (قم فصل ركعتين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أغراض شعر ابن القم(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب