• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

دموع القوافي في عيون المراثي

مصطفى قاسم عباس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2009 ميلادي - 16/4/1430 هجري

الزيارات: 184297

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
كلُّ واحدٍ منّا في هذه الحياة الدنيا قد تجرّع كأس الفراق، وذاق علقم الفقد، ولوعة الوداع، وسكب دموعَ القلوب قبل العيون.

وكلّ واحد منا فقدَ أمًّا رؤوماً، أو أباً عطوفًا، أو أخاً شفيقاً، أو زوجاً حنوناً أو صديقاً حميماً مخلصاً. 

والإنسان عندما يودِّع مسافراً فإنه يعيش على أمل اللقاء به ولو بعد حين. 
 
وأمّا عندما يودّع إنساناً تحت أطباق الثرى، فإنه لا أمل له في لقائه بهذه الدنيا، وتراه يكرِّرُ مع الشاعر قولَه: 
وما الدَّهرُ إلا جامعٌ  ومفرِّقٌ        وما الناسُ إلا راحلٌ  ومودَّعُ
فإنْ نحنُ عِشنا يجمع اللهُ شملنا        وإن نحن  مِتنا  فالقيامةُ  تجمعُ
نعم كأسُ الفراق مرٌّ، ولكنْ هذه هي الدنيا، مهما عمَّر الإنسان فيها فمصيره إلى التراب ومفارقةِ الأهل والأصحاب والأحباب.

ساعة الفراق، كلٌّ يعبر عمّا يجيش في نفسه بطريقته، فهذا بالنحيب، وذاك بالبكاء والدموع، وغيرُه بالعويل، والآخر بالصبر والسُّلوان...

أما الشعراء فتتحول دموعهم إلى مراثيَ حزينةٍ، حروفُها الأحزانُ، وسِفرها قلبٌ مُضنى، وقافيتها اللوعة والأسى، وبحرُها من فيضانات العبرات....

وأجملُ ما في الشعر في تلك اللحظة رقتُه وعذوبتُه، وصدقه وعاطفته.

وفي هذه العجالة سنمخر مع الشعراء بحورَ أحزانهم، متأملين في بعض المراثي الباقيةِ ما دامت هناك مآقٍ تسكب دموعها، وسنرى أن بعض الشعراء رثى نبياً أو أماً أو أباً أو أخاً أو ولداً أو زوجةً أو صديقاً وفياً أو ملكاً محبباً إلى القلوب...
 
ونبدأ بالصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فله قصيدة في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من رثاه، يقول فيها: 
لما     رأيتُ     نبينا     متجندلاً        ضاقت  علي   بعرضهن   الدورُ
فارتاعَ  قلبي   عندَ   ذاك   لموتهِ        والعظمُ  منّي  ما  حييتُ  كَسيرُ
أعتيقُ، ويحَك! إنّ خلّك قد ثوى        والصبرُ  عندكَ  ما  بقيتَ   يسيرُ
يا ليتني مِن قبلِ  مهلكِ  صاحبِي        غُيِّبتُ  في  لحدٍ   عليهِ   صخورُ
[1] 
وكذلك الصحابي حسانُ بن ثابت رضي الله عنه، له دالية رائعة في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، يقول في مطلعها: 
بطيبةَ رسمٌ للرسول  ومعهدُ        منيرٌ وقدْ تعفُو الرسومُ وتهمدُ[2] 
وأخرى مطلعها: 
ما بالُ عينكَ  لا  تنامُ  كأنّما        كُحلتْ مآقيهَا بكحلِ الأرمَدِ[3]
وممن رثى النبيَّ أيضا: أبو سفيان، وصفية بنت عبد المطلب، وغيرهم.

ومن الشعراء من رثى أمَّه، فإنّ فقْدَ الأمّ لا يعوَّض كما هو معلوم، وها هو رهينُ المحبسين أبو العلاء المعريّ، يرثي أمَّه فيقول:
مضت وقد اكتهلتُ، فخِلتُ أنّي        رضيعٌ  ما  بلغتُ   مدَى   الفِطامِ
فيا  ركْبَ   المنُون   أمَا   رسولٌ        يبلّغ    روحَها    أرجَ     السّلامِ
سألت: متى  اللقاء؟  فقيلَ  حتّى        يقومَ    الهامدُون    مِن    الرجامِ
وأبو العلاء المعري، أول ما قال الشعر قاله في رثاء أبيه، الذي توفي وهو لم يزل فتًى، وعجب سامعوه منه، واندهشوا لتلك المقدرة التي ألقى بها كلماتِه على صغر سنه، ومما يقول في هذه المناسبة مخاطبا والدَه: 
فليتك   في   جفني    موارًى    نزاهةً        بتلكَ السجايا عن حشايَ وعن ضِبْنِي
ولو  حفَروا   في   درةٍ   ما   رضيتُها        لجسمك   إبقاءً   عليه    مِن    الدفنِ
[4]
ومن جميل ما قرأت، قصيدة للحصري القيرواني يرثي فيها أباه وقد ودَّع قبره، وقت جوازه إلى الأندلس منها: 
أبي   نيّرُ    الأيام    بعدكَ    أظلمَا        وبنيانُ   مجدِي   يومَ   متَّ   تهدَّما
وجسمي الّذي أبلاه فقدُك إنْ أكُن        رحلتُ  به  فالقلبُ  عندك   خيّما
[5]
  
وكما أنّ لكل شيءٍ أمًّا، فإن هناك أمًّا للمراثي، وهي مرثية متمم ِبن ِنُويرة التي رثى فيها أخاه مالكا، وما سميت بأم المراثي، إلا لروعتها، واحتوائها على عظيم المعاني والصفات، وقد ذكرها أبو زيد القرشيُّ في جمهرته في الجزء الأول، وقد اخترت منها هذه الأبيات، بعدما وقعت في حيرة عندما أردت الاختيار:
لَعَمْرِي  وما  دَهْرِي  بتأبين  هالكٍ        ولا    جَزعاً    مما    أَلمّ    فَأوْجَعَا
لقد  غَيَّب   اْلمِنْهَالُ   تحت   رِدَائه        فَتىً  غَيرَ  مبطَانِ  العَشِيّات   أَرْوعَا
وما كان وَقّافا إذا الْخَيْل أحْجَمت        ولا طالباً من خَشْية  اْلمَوِت  مَفْزَعا
وأنّي متى ما أدْعُ باسمك  لم  تُجب        وكُنت  حَرِيًّا  أن  تُجيب  وتسمعا
تَحِيَّتَه   منّي    وإن    كان    نائيَاً        وأمسى  تُراباً  فوِقهَ  الأرضُ  بَلْقَعا
فإن   تَكُنِ    الأيّام    فَرقْن    بَيْننا        فقَد بان مَحْموداً أخِي حِين  وَدَّعا
وكُنَا    كَنَدْمَاًني    جَذِيمة    حِقْبَةً        من الدَهر  حتى  قِيل  لن  يَتَصَدًعا
فلمّا    تَفرقْنا     كأنِّي     ومالِكاً        لِطُول  اجتماع  لم  نَبِت  ليلةً  معا
فهذا أخٌ رثى أخاه.

وهناك من الشواعر من رثت أخاها، وتتبادر الخنساء على الفور إلى أذهاننا، وهي التي دبجت في أخيها صخرٍ أروع قصائد الرثاء، منها البائية التي مطلعها:
 
يا عين مالك لا تبكين  تسكابا        إذ راب دهرٌ وكان الدهر ريَّابا[6]
ومنها الرائية المشهورة التي منها: 
وإن صخراً لَوالينا  وسيدُنا        وإن صخراً إذا نشتوْ لنحّارُ
وإن صخراً لتأتمُّ  الهداةُ  به        كأنه  علَمٌ  في  رأسه   نارُ
[7]
وعندما يودع شاعرٌ ولده، وفلذةَ كبده تحت أطباق الثرى، فإن قلبه يكاد ينفطر، والحزن والكمد يزداد في الفؤاد، فكيف إذا كانت وفاة الولد في يوم عيدٍ؟ فهذا الشاعر مات ولده في يوم العيد، فقال فيه مرثِيَة، تبكي العيون، وتثير الشجون، منها: 
أيسرُّني   عيدٌ   ولم   أرَ   وجهَهُ        فيه   ألاَ    بُعداً    لذلكَ    عِيدا
حزني عليك بقدرِ حبكَ، لا أرى        يوماً  على   هذا   وذاكَ   مَزيدا
ما   هدّني   مرُّ   السنين    وإنّما        أصبحتُ بعدكَ بالأسى  مَهدُودا
من  ذم   جفناً   باخلاً   بدموعهِ        فعليكَ  جفنِي  لم  يزلْ   محمُودا
فَلأنظمنَّ      مراثياً      مشهورة        تُنسي    الأنام    كُثيِّراً     ولبيدا
وجميعُ من نظمَ  القريضَ  مُفارقٌ        ولداً   له   أو   صاحباً    مفقودَا
[8] 
فهل تأملت في روعة هذا الكلام؟؟
 
وكلما ذكر أن شاعراً رثى ولده، تُذكر قصيدة ابنِ الرومي التي يقول فيها: 
أريحانةَ     العينين     والأنف     والحشا        ألا ليتَ شِعري هل تغيرتَ عن عهدي؟؟
أُلامُ   لِما   أبدي   عليك   من   الأسى        وإنّي  لأُخفي  منك  أضعافَ  ما   أُبدي
 
وقد يرثي الإنسانُ ابنته، فعندما ماتت ابنتي تسنيم، وكانت صغيرة رثيتها بقصيدة منها: 
تداعب  الجفنَ   أطيافٌ   لتسنيمِ        وتُشعل  الشوقَ  هبَّاتُ   التناسيمِ
وعَبرتي في حنايا العين قد حُبست        ممزوجةً   برِضًى   مِنّي    وتسليمِ
[9]
 
 وقليلٌ من الشعراء من رثى زوجته، ومع القلة فإن من أفضل القصائد في رثاء الزوجة قصيدة جرير التي قالها في رثاء زوجته أمِّ حزرة، والقصيدة كلها رائعة، ولكنّي أقتطف لك منها: 
لولا   الحياءُ   لهاجَني   استعبارُ        ولزرتُ  قبركِ،  والحبيبُ  يزارُ
ولقدْ نظرتُ.. وما  تمتعُ  نظرةٍ        في اللحدِ  حيثُ  تمكّنَ  الحفارُ
كانتْ مكرّمةَ العشيرِ ولمْ  يكنْ        يخشى  غوائلَ  أمِّ  حزرةَ  جارُ
ولقدْ أراكِ كسيتِ أجملَ  منظرٍ        ومعَ   الجمالِ   سكينةٌ   ووقارُ
والريحُ   طيبةٌ   إذا   استقبلْتها        والعرضُ  لا  دنسٌ  ولا  خوّارُ
صلى  الملائكةُ   الذينَ   تخيروا        والصالحونَ   عليكِ    والأبرارُ
وعليكِ منْ صلواتِ ربكِ كلما        نصبَ الحجيجُ ملبدين  وغاروا
لا  يلبثُ  القرناءَ  أنْ   يتفرقوا        ليلٌ    يكرُّ     عليهمِ     ونهارُ
[10]
 
وفي العصر الحديث، رثى الشاعر محمود سامي البارودي زوجته بقصيدة تحمل في طياتها الكثيرَ من المعاني الصادقة، والكلمات الكئيبة، وعبراتِ الوفاء. ورثاها بعدَه الكثير من الشعراء.

ومن قصائد الرثاء، ما قيل في رثاء ملكٍ أو زعيمٍ أو ذي مكانةٍ مرموقةٍ، وقد رأينا من الشعراء من أجاد في هذا النوع، وإن كانت المبالغة تطغى على كثير من أمثال هذه القصائد، لكنّ جمالَ التصوير، ورقّة الألفاظ وانسيابيتَها، قد تشفع للشاعر..

فتأمل معي في هذه القصيدة التي قالها أبو الحسن الأنباري في محمد بن بقية وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة ابن بويه، لمّا صلبه عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه عند خلع بختيار، وهي من نوادر المراثي ويقول فيها: 
علوٌّ  في  الحياة  وفي   المماتِ!        لحقٌ أنت  إحدى  [المكْرماتِ]
كأن الناسَ حولك  حين  قاموا        وفودُ   نَداك    أيام    الصِّلاتِ
كأنّك    قائمٌ    فيهم    خطيباً        وكلهُمُ       قيامٌ        للصلاةِ
مدَدتَ  يديك  نحوَهم   احتفاءً        كمدِّهما      إليهمْ       بالهباتِ
ولما ضاق بطنُ الأرضِ عن  أنْ        يضمَّ  علاكَ  مِن  بَعدِ   المماتِ
أصاروا  الجوَّ  قبرَكَ   واستنابُوا        عنِ  الأكفانِ  ثوبَ  السَّافياتِ
لعظْمِكَ في النفوسِ بقيتَ تُرعَى        بحرّاسٍ      وحُفّاظٍ       ثِقاتِ
وتشعَلُ   عندكَ   النيرانُ    ليلاً        ..  كذلكَ  كنتَ  أيامَ   الحياةِ
ولم أرَ قبلَ جذعكَ قطُّ  جذعاً        تمكّن   من   عناقِ   المكرُماتِ
[11]
 
ومن درر المراثي، مرثيةٌ قيلت في معن بن زائدة، قالها الحسين بن مطير الأسدي، ومنها: 
هلُمّا    إلى    مَعْنٍ    وقُولا     لقبرِهِ        سقتكَ   الغوادِيْ   مَرْبعاً   ثم   مرْبَعا
فيا   قبرَ   معنٍ   كنتَ   أولَ   حفرةٍ        من الأرض خُطّتْ للسماحةِ مضجعا
ويا  قبر  معنٍ  كيف  واريتَ  جودَهُ        وقد  كان  منه  البرُّ  والبحرُ   مُترَعا
بلى، قد وسعتَ الجودَ والجودُ  ميتٌ        ولو كان  حياً  ضقتَ  حتى  تصدّعا
فتىً  عاش  في   معروفه   بعدَ   موتهِ        أناسٌ  لهم   بالبرِّ   قد   كان   أوسَعا
ولمّا  مضى  معنٌ  مضى  الجُودُ  كلُّه        وأصبحَ   عرنينُ    المكارمِ    أجدَعا
[12]
فلله در الشاعر! كيف جدع أنف المكارم بموت معن؟!

والشاعر سعيد بن جودي يرثي الغالب بن حسن بأبيات أجاد فيها، وخاصة عندما يقول: 
فيا   عجبًا   للقبر    كيف    يضمُّهُ؟!        وقد كان سهلُ الأرضِ يَخشاه والوَعْرُ
وما  مات  ذاك  الماجدُ  القرْمُ  وحدَه        بلِ  الجودُ  والإقدامُ   والبأسُ   والصَّبرُ
[13]
  
وقد يرثي الشاعر نفسَه ويبكيها قبل موته، وقد قال ابن قتَيْبة: بلغني أن أوّل مَنْ بكى على نفسه وذكرَ الموت في شِعْره يزيدُ بن خَذّاق، فقال: 
هَل للفتى من بناتِ الدهر مِن وَاقِي        أم هل له من حِمام المَوْتِ من  رَاقِ
قد رَجَّلونيْ وما بالشَّعر  من  شَعَثٍ        وألبَسوني    ثِيَاباً     غيرَ     أخْلاقِ
وطَيَّبوني    وقالوِا:    أيّما    رَجُلٍ!        وأدرَجوني   كأنّيْ    طيّ    مخْرَاقِ
وأرسَلوا  فِتْيَةً  من  خيْرِهِمْ   حَسَباً        لِيُسْنِدُوا  في  ضرَيح  القَبر   أطباقي
وقَسّمُوا المالَ، وارفضّت عوائدُهم،        وقال  قائلُهُم:  ماتَ   ابن   خَذّاقِ
هَوِّن  عليك   ولا   تُولَع   بإشفاقِ        فإنّما    مالُنا     للوارثِ     الباقِي
[14]
ومنهم مالك ابن الرَّيْب، الذي رثى نفسه بقصيدةٍ مطلعها: 
ألا  ليت   شعري   هل   أبيتنَّ   ليلةً        بجنبِ الغضَى أزْجِي القلاصَ النّواجِيا
 
وتبدأ الأبيات المؤثرة بقوله: 
تقولُ  ابنتي،  لمّا  رأتْ  طولَ  رحلتي        سِفارك   هذا   تاركي   لا   أَبا   ليا
تذكرتُ  من  يبكِي  عليَّ  فلمْ  أجِد        سِوى السَّيف  والرُّمح  الردينيّ  باكِيا
فيا صاحبَيْ رحلِي، دَنا الموتُ  فانزِلا        برابيةٍ،       إني       مقيمٌ        لَياليا
أقيما   عليَّ   اليومَ   أو   بعضَ   ليلةٍ        ولا   تعجلاني،    قد    تبيَّنَ    شانِيا
وقُوما،  إذا  ما  استلَّ  روحِي،  فهيِّئَا        ليَ   السِّدرَ   والأكفانَ   عند    فَنائِيا
وخُطّا   بأطراف   الأسنة   مضجعي        ورُدَّا   على    عينيَّ    فضل    ردائيا
ولا  تحسداني،   بارك   الله   فيكُما،        مِن الأرضِ ذاتِ العَرض أنْ تُوْسِعا لِيَا
خُذانيْ    فجُرَّاني    ببُرديْ    إليكُما        فقدْ  كان  قبلَ   اليوم   صعباً   قيادِيا
[15]
 
وبما أننا نتحدث عن الرثاء، فلا بد أن نتذكر رثاءً من نوع آخر، هو رثاءُ الممالك والمدن الزائلة، وقد كثر هذا اللون من الرثاء في الأندلس، وكلنا يتذكر قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس التي منها: 
لكلِّ  شيءٍ  إذا  ما  تمَّ   نقصانُ        فلا  يُغرَّ  بطيبِ   العيشِ   إنسانُ
هي الأمورُ كما  شاهدتُها  دُوَلٌ        مَن  سرّه   زمنٌ   ساءته   أزمانُ
وهذه الدارُ لا  تبْقي  على  أحدٍ        ولا  يدومُ  على  حالٍ  لها  شانُ
فجائعُ   الدهرِ    أنواعٌ    منوَّعةٌ        وللزمانِِ     مسرّاتٌ     وأحزانُ
وللحوادثِ    سُلوانٌ     يسهِّلُها        وما  لِما  حلَّ  بالإسلامِ  سُلوانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهْيَ جامدة        حتى  المنابرُ  تَرثي  وهيَ  عيدانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ مِن  كمَدٍ        إنْ كان في القلبِ إسلامٌ  وإيمانُ
[16]
 

وهكذا.. كنّا في جولةٍ سريعة، مع أبٍ مفجوعٍ، وأمٍّ ثكلى، وأختٍ نائحةٍ، وولدٍ يبكي، وعينٍ تهمي، ورأينا كيف أنّ الأحزان جعلت قرائح الشعراء تتفجر بأعذب المراثي التي بقت على مرّ الزمان، وسيبقى هناك رثاءٌ مادام هناك فراق ووداع.

ــــــــــــــــــــ
[1]   السيرة النبوية/ د: علي محمد محمد الصلابي، ط1، 1424هـ، مدار الفجر 2/709. 
[2]   حسان بن ثابت: حياته، شعره/ دمشق: دار كرم، ص 54. 
[3]   حسان بن ثابت: حياته، شعره/ ص 57. 
[4]   أبو العلاء المعري: حياته، شعره/ سمير الصارم، دمشق: دار كرم، ص45. 
[5]   في الشعر الغربي الأندلسي والمغربي/ د. علي دياب، منشورات جامعة دمشق 1416هـ، ص 401. 
[6]   ديوان الخنساء/ دمشق: دار كرم، ص 19. 
[7]   ديوان الخنساء/ ص 44 – 45. 
[8]   المستطرف في كل فن مستظرف/ شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي، ط3، بيروت: دار صادر، ص 687. 
[9]   ديوان: صور من مأساتنا/ مصطفى قاسم عباس، ط1، 1426هـ، مطبعة اليمامة، ص 99. 
[10]   جرير - حياته شعره/ ضحى عبد العزيز، دمشق: دار كرم، ص 47 - 48. 
[11]   نهاية الأرب في فنون الأدب/ النويري، باب في المراثي والنوادب، ج/105. 
[12]   المستطرف في كل فن مستظرف/ شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي، ص 688. 
[13]   في الشعر الغربي الأندلسي والمغربي/ ص 70. 
[14]   العقد الفريد/ ابن عبد ربه الأندلسي، باب وصف قبره وما يكتب على القبر، 1/346. والقصيدة في: الشعر والشعراء للدينوري، والمفضليات للضبّي، وغيرها من أمهات الكتب. 
[15]   إطلالة على التراث/ عبد العزيز الخويطر، 1418 هـ، 1/448- 450. 
[16]   في الشعر الغربي الأندلسي والمغربي/ ص 310- 312. 




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أشواق الغربة وبكاء الديار
  • عيون القوافي
  • البكاء في الشعر العربي (1)
  • من أشعار العميان
  • أم علاء: كيف أنساك... وأنتِ أنتِ؟!
  • الحس الصحفي في " دموع الكلمات " للأديبة فوزية القادري
  • لست أرثيك يا أمير القوافي (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • عين ثالثة لم يفصح عنها الإمام الشافعي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العين حق: قصة إصابة سهل بن حنيف بالعين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • احذروا العين فإن العين حق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف لغوية في قوله تعالى: {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن}(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسة من عيون الأسانيد المسلسلة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير آية: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة عيون الموارد السلسلة من عيون المسانيد المسلسلة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • العين بالعين ( قصيدة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • طفلي لا يضع عينه في عيني(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
7- شرح جميل
روعة 23-11-2010 03:28 PM

شرح جميل ، يسلمو

6- رثى نفسه
ميمي - الجزائر 10-05-2009 11:06 PM

 من رثى نفسه

5- ماأرق هذه الكلمات
فارس - usa 21-02-2009 03:47 AM
جزيت خيراً أخرجتني من عالم ورميت بي في عالم آخر, فما أجمل لغتنا وما أفصحها.
بوركت إن شاء الله
4- دعاء وثناء
محمود سفور - الكويت 21-02-2009 01:37 AM
أجدت أخي الحبيب مصطفى في هذا العرض الرائع، ولك مني خالص الحب والدعاء.
3- نشكرك
نصر الاسلام - جمهورية مصر العربية 19-02-2009 03:28 PM
نشكر الكاتب على هذا الطرح الجميل للموضوع
2- صحيح
المتابع الثاني - ** 18-02-2009 09:22 PM
صحيح أستاذ إبراهيم...
وأشير إلى أن الشاعر عبد المعين الملوحي قد رثى نفسه قبل موته، على غرار غرض ووزن وقافية مالك ابن الريب
ومما قال الملوحي:
إذا كان شِعري ، كل شِعري مراثيــاً
فما لي بنفسي لا أعد رِثائِيــــا
ونفسي أولى أن تكون قصيــدةً
تسيل قوافيها نشاوى دَوامِيــــا
وأقسى المآسي أنني بت راثيـــاً
حياتي ، وما زالت تمورُ دمائيـــا
أقول لأصحابي : كفاكم ملامــة
( على نفسه فليبك من كان باكيــا )(2)
عكفت على شعري أرودُ فِجاجــه
فلم أرَ في الدِّيوان إلاّ المراثيـــا
وأشباحَ أفراح إذا رنَّ عودهــا
تقطعت الأوتار فارتد ناعيــــا
- و
شكراً للأستاذ مصطفى .. فقد أجاد
1- ألم ترَ من رثى نفسه؟!
Ibrahim El Shafey - Egypt 18-02-2009 04:05 PM
السلام على أستاذنا ورحمة الله وبركاته

وبعد؛ فهذه صفحة من نور إن جاز التعبير.

أود - سيدي - أن أذكر في هذا المقام أن ابن الخطيب (لسان الدين عبدالله بن محمد بن يوسف السلماني) قد رثى نفسه وهو حيٌّ، وأنت تعلم من تاريخه أنه:

حكم عليه بالإعدام... وفي هذه الأثناء قال هذا الشعر

ثم تم تنفيذ الحكم بإيعاذ من أعدائه، أو دخلت عليه العوام (المأجورة) وقتلوه.


تم أخرج وصلب وأحرق جسده ثم أعيد مرَّة أخرى إلى قبره..

وليعلم الجميع أن اسم لسان الدين قد ملأ الدنيا وشغل الناس في عصره وبعد عصره وما زال إلا أن للناس ذاكرة تتناسى..

قالها من قبل في شعره:

وكنا عظاما فصرنا عظاما ** وكنا نقوت فها نحن قوت

رحم الله لسان الدين بن الخطيب.. ذا الوزارتين.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب