• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

قصيدة أما في الحياة لنا قيمة؟ (قراءة نقدية)

ابتسام الكحيلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/7/2012 ميلادي - 18/8/1433 هجري

الزيارات: 24060

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصيدة:

أما في الحياة لنا قيمة؟

للشاعر

أبو بكر محمد صو·

 

سيولٌ من الدمع في مدمَعي
يُبلِّل تَسكابُها أربعي
تسحُّ وتتْرى، وبين الحشا
حريقٌ تأجَّج في أضلُعي
فلا الدمعُ أطفأ نار الجوى
ولا رقأ الدمعَ لي مرتعي
عرَفتُ المرارةَ إذ ذُقتُها
وقضَّ الأسى والجَوى مضجعي
لقد كدَّر الحزْنُ صفوَ الهَوى
فأنكرتُ هِندًا وما تدَّعي
جفَوت الكَرى كيف يحلو الكَرى
وصوتُ المَدافع في مسمعي
أيحلو ليَ العيش إذ سوريا
تَنام وتصحو على المِدفَعِ
أيحلو ليَ العيش إذ إخوَتي
ضحايا وصرْعَى لدى المَوقِع
رأيتم صُفوفًا لقتْلى الإبا؟
همُ إخوة الدِّين والمَرجِع
أذاقتْهُمُ الحَين دبَّابةٌ
تبدَّت فلم تُبقِ من مُرضع
تدوس بجنزورها صِبيةً
تُقتِّل فيهم ولم تَشبَع
يُسلِّط نارًا على مؤمن
لطاغوته ذاك لم يَركع
إذا قيل: بشار ذاك بشَرْ
يقول لرشاشه: لعلعي!
تبدَّى له في الروابي فتى
بريءٌ.... يلوِّح بالأزرعِ
لطيف.. دُعِي حمزة.. ما له
بمُلكِ الطواغيت من مطمع
يقول: مرادي حياةٌ بها
أعيش عزيزًا وفي مربعي
كريمًا أعيش بزيتونتي
ونسج ثيابيَ من مصنعي
سوى ذاكمُ ليس لي مطلبٌ
فهل من جواب لما أدَّعي؟
فكانت جوابًا له طلقةٌ
على الرأس في منظر أبشعِ

 

إذا زعمتُ أن القراءة النقدية هي إبداع آخر للنص المكتوب، يتفنَّن في إخراجه الناقد الأدبي ويدرس تفكيكه للنصِّ بمِقدار لا يقل عن ضَرسِ الشاعر معاناة الخلق والإبداع عند الولادة الشعرية -إن لم تَفُقْه أحيانًا- لأنها عند الشاعر موهبة فطرية، وعند الناقد دراسة أسلوبية أو سيمائية أو بِنيوية أو... أو.....، فإن هذا النص معاناة الناقد منه أكبر، ومخاضه أعسر؛ لأن الشاعر مُبتدئ وغير عربيٍّ، والموضوع معاناة الأمة الإسلامية، فلا نريد أن نحمل على القصيدة سياط النقد، وهدفنا تلمُّس جمالية النص، وأسلوبها في البوح السياسي الإنساني الجدلي، في قصيدة تجاوزت المساحات الجغرافية؛ لتَصلُح لكلِّ انتهاك للقيمة الإنسانية، وسوريا مثَلٌ، وتجاوزت المقاربات الزمنية لتَصلُح لكل عصر، والحين مثَلٌ، وتجاوزت الحدود المادِّية لتَصل الحدود المعنوية، والأخوَّةُ الإسلامية نموذجٌ؛ فالشاعر من السنغال، والحدث في سوريا، والقضية قضية القيمة الإنسانية.

 

فالقصيدة هنا وثيقة تاريخية تَنشُد القيمة الإنسانية لبني البشر، استحضر الشاعر مقوِّماتها من البيئة الطبيعية وما فيها من صخَب وسُيول، ومن التراث العربي وما فيه من الحبِّ والهوى، ومن العهد الحديث بمَدافعه ودباباته الماثل في الظُّلم والجبروت، ومن اليوم المُعاش بالقناعة بالخُبزة والزيتونة، والصناعة بالثوب والنسج.

 

قصيدة شملت أطياف الحياة بمُتناقضاتها؛ طبيعة جارفة، وعاطفة حارقة، وهوى ممجوج، وقوى طاغية، وحيلة مُفتَقدة، وسِلم باعث، وأُخوَّة إسلامية جلية تستنهض الهمم العتيَّة.

 

والآن -إذا أردتَ- يُمكنك الاكتفاء بقراءة النص، وإلا واصل، فهذا درس نقديٌّ فمن الهيِّن قراءة الكتابة، وليس من الهين القراءة حولها، فشأني إدراك القيم الجمالية للنص الإبداعي؛ فلا تلمْني على الإطالة.

 

سيمياء العنوان: (أما في الحياة لنا قيمة؟)

تفنَّن الشاعر الجديد أبو بكر في بناء القصيدة منذ لحظة التأسيس الأولى في وعي القارئ أو المتلقي، بتوظيفه السلطة العليا في النص، وهي العنوان؛ بوصفه علامة ذات دلالات إيحائية رمزية لما في النص أو ما سوف يقال، ولعلَّ المرجعية الذهنية الثقافية القصدية عِنده تَشي بعنصر المراوغة أو الإغراء لقصْر المتلقِّي لاستِجلاء الدَّلالة من النص، فقد جعل العنوان إنشائيًّا جدليَّ الإجابة؛ مما أحاله إلى نص في ذاته (أما في الحياة لنا قيمة؟).


وعند استقراء النص يصطدم القارئ العادي بأفق التوقُّع، ولا ينفكُّ يبذل جهدًا في التفسير والبحث عن الدلالة وفكِّ رموزها، وهذا مَكمَن البراعة في جذب القارئ والمتلقِّي لبذْل الجهد والتأمُّل في الرمز، فالعقل البشريُّ يَهوى الكشف والتجلي.

 

وما يلبث أن يكتشف المتلقي بأن "أدلجَة" العنوان اقتصرَت عليه، ولم يبثَّها الشاعر في النص أو جزء منه؛ لأنه القيمة النهائية التي أرادها، وما كانت قصديته إلا لها، فالعنوان دالٌّ، ومدلوله النص.

 

فمن العتبة يُعلنها الشاعر قضيةً جدليةً في إنشائية تعجُّبيَّة ناقمة (أما في الحياة لنا قيمة؟)، ثم تقديمه للجارِّ والمجرور (في الحياة) على "نا" المتكلِّمين (الإنسان) وتأخيره للمبتدأ (القيمة)، فأعلى أهمية الحياة أن تكون لنا بقيمة، فقيمتنا المُثلى تَكمُن في حياتنا بها، فهو لا يُنكِر أهمية الحياة لنا، ولكن يتعجَّب من إمكانية تحقيق القيمة لنا في هذه الحياة، فالعنوان ثورة عارمة على سلْبنا قِيَمنا.

 

وتقديمه للحياة دلالة على أن هناك حياةً لا محالة، ولكن المحال فيها أن تكون بلا قيمة لنا - والحياة وليست الدنيا - لأن الحياة رمز المحْيا والممارسة والعيش، فضلاً على العموم في القيمة، هل في السياسة أم الاجتماع أم...؟

 

فهذا التِّكنيك من الإنشائية والعموم والتَّنكير باعثٌ للقارئ للمضي نحو النصِّ؛ لاستقراء ما بعد العنوان من فضاءات جدلية، متمثِّلة في:

ما القيمة التي يريدها الشاعر؟ أين تكمن؟ وكيف تكون؟ هل هي مادية أم معنوية؟ دائمة أم عابرة؟ ...

وإذا تجاوزنا العتبة تعلو بنا الدهشةُ؛ إذ القيمة انفعالية وجدانية في أبياتها الخمسة الأولى، فيباغتنا الشاعرُ بمقدمة شاكيةٍ باكية، فلم يقفْ بطَلَل، ولا بكى دَرْسًا، بل سال دمعه، واتقدت ناره.

 

سيماء الحدث والانفعال:

أيُّ خطاب أو نصٍّ شعري، يرنو لإيصال حدث أو موقف أو انفعال إلى المتلقِّي من منظور المبدع نفسِه ووجدانه ورؤيته؛ لذا لا يحق للناقد - على الرغم من توظيفه للعلامة كدلالة - صنعُ المعنى، ولكن له الحرية المقنَّنة في البحث عن هذا المعنى باستخدام الشيفرات التأويلية للمعنى، باستخدام الوظائف الدلالية المختلفة، فلو تتبعنا الانفعالَ وسيرورة الحدث في التسعة عشر بيتًا، لوجدنا تفاوتَه صعودًا وهبوطًا:

فمن البيت 1- 4 بَوْح وشكوى، وأنينٌ مجهول السبب.

 

البيت 5 دفع توهُّم الحب والهَجر سببًا للألم، ثم ثلاثة أبيات استنطاقٌ للمتلقي لمشاركته وتأييده في شكواه.

 

والبيت 9 استخدام المنطق والعقلانية في تبرير سبب المشاركة الوجدانية لأهل سوريا (الأخوة والدين)، يعقبها ثلاثة أبيات تفتِّت الحدث وتصِف الكارثة، ثم ستة أبيات فيها صورتان متناقضتان للظلم والاستبداد والضعف والرغبة في السلم.

 

والمربع السيميائي أو الأرسطي -إذا أضفت العلاقات القطرية- يسمحُ بالتمثيل الحسِّي للعلاقات (الرأسية والأفقية والقطرية) الكامنة في بِنية النصِّ في المربع التالي:

 

الشخصيات:

• الشخصية المهيمنة، الشاعر، الذات المتمثلة في الضمير (مدمعي، أربعي، أضلعي، مرتعي، مضجعي، ذقتُ، أنكرتُ.......، ودلالةُ الضمير هنا الموضع، فليس الشخصية كما هي هنا، بل كما يريد أن يصفَها الشاعرُ؛ فهو لا يريد أن يصِفَ ذاتَه بقدر ما يصِف ما حل بها نتيجةَ الصراع السياسي، وإمعانًا في الإيهام بأن النصَّ يحمل في طياته تجربةً ذاتية، فاستخدام الضمير وسيلةٌ لتعميق التجربة.

 

• هند رمزٌ للأنثى والحب، كونها سببًا فاعلاً غالبًا في معاناة الشعراء، توليدٌ وإجهاض للفكرة في آنٍ واحد، شخصية من الموروث العربي القديم، مواجِهٌ للاستلاب في الحداثة، ودلالةُ توظيفِ الشخصية بحدثها مغايرة في التجلي والوعد بالوصل فإذا كانت الهندات التراثيات لا تفي بما تعد، فهند بشار مثلاً كذوبٌ في قوله:

طال في هنْدٍ عِتَابي واشتياقي وطِلابي

واخْتلاَفي كُلَّ يوْمٍ بمواعيد كِذاب

كلما جئتُ لوعدٍ كان ممسى في تَباب

أخْلَفتْ حين أُريدتْ مثْلَ إِخْلاَف السَّراب

 

فهندُ الشاعر أبي بكر هنا وعدَتْه بالوصل ووفَّت في قوله:

عرَفتُ المرارةَ إذ ذُقتُها
وقضَّ الأسى والجَوى مضجعي
لقد كدَّر الحزْنُ صفوَ الهَوى
فأنكرتُ هِندًا وما تدَّعي

ولكنه عزف عنها وصدَّها؛ فهمُّه أكبرُ من أي عشق.

 

• الصبية والمرضع إلزامية الضعف، وقلَّة الحيلةِ والفاعلية عند المُرضعِ، وسلبها عند الصبية تعني البراءةَ والتجرُّدَ من المسؤولية، والإرضاع كونه دورًا فاعلاً في الغير، فتقويضُه جرمٌ اجتماعيٌّ يتجاوز الفرديةَ، فالصِّبا والأمومة رمزٌ للديمومةِ والعطاءِ والجمال في الحياة، فسلبُهما سلبٌ لجمالية الحياة.

 

• مؤمن وطاغوت، حمزة وبشار، ثنائيَّةٌ متناقضة صوَّرت الصراعَ في الواقع وفي الحدَث السردي في القصيدة.

 

البناء الداخلي والخارجي للشخصيات:

استند في تصويرِه للشخصياتِ على الجوهر السَّيكولوجي لها وما يرتبط بذلك من أفعال، فالشخصياتُ مزيجٌ بين الخيرِ والشر، بين السِّلْم والعداءِ.

 

فالتصويرُ الداخلي لشخصية حمزة (الدَّعَة واللُّطف والقناعة) كفيلٌ بتجسيد هذا التناقض، وأضفى عليه عمقًا دلاليًّا يتكرَّر في الحركة الذهنية لتصوُّرِ الحدث عند المتلقِّي، فيرتدُّ التصوُّر الذهنيُّ بين حدِّية الشر وحدِّية الخير في انتقاله بينهما لمحاولة الرَّبط؛ لذا كان البُعدُ الداخلي كافيًا لتجليةِ جماليةِ التجرِبة الإنسانية، فلم يكترِثْ بوصف الشخصياتِ من الخارج.

 

البنية الأسلوبية:

الملمح على الصياغة الأسلوبية للقصيدة سيرُها وَفْق الانفعالات النفسية الإنسانية وتبايُنها، فغلبةُ الخبرية في مطالع سبعة عشر بيتًا، بما يتَّسق مع سيكولوجية المبدعِ والمتلقي.

 

المبدعُ في البثِّ الانفعاليِّ، والمتلقِّي في الاستثارة الانفعالية للموقف الكلامي، فإذا كان ابنُ قتيبة يرى الكلامَ أربعة: أَمرٌ وخَبر واستخبارٌ ورغبة؛ ثلاثة لا يدخلها الصِّدقُ والكذب؛ وهي الأمرُ والاستخبار والرَّغبة؛ وواحد يدخلُه الصِّدقُ والكذب وهو الخَبَر[1]، فإنَّ الشاعر وظَّف الخبر بالنظر إلى المتلقِّي خالي الذِّهن أو مصدِّق، كون النفس المكلومة تبدأ بالوصف السردي لِما هالها، ومقدارُ الحزن والتوجع كفيلٌ بجذب المتلقِّي إلى عمق التجربة، ومحاولة كشف أو تجلِّي أسبابها، فمن البيت الأول حتى السادس اعتمد الأخبارَ، وفي البيت الثالث أخرج النفيَ مخرج الدعاء في قوله:

فلا الدمعُ أطفأ نارَ الجوى
ولا رقَأَ الدمعَ لي مَرتعي

 

فالدمعُ الأولى مرفوعة، والدمع الثانية منصوبةٌ بتقدير: ولا رقأ الدمعُ الدمعَ لي مرتعي، دعاءٌ على الدمع حتى لا يجفَّ، ويهنأَ بعَيشه.


ثُمَّ إنشائية هدفها الإنكارُ: (أيحلو لي العيش؟)، ما يلبت أن يعودَ إلى الخبرية، فكمية العبء العاطفيِّ الانفعالي تسوقُه إلى البَوح الخطابي المتتالي، فليس هنا حينٌ للتمنِّي أو الأمر أو الدعاء أو الحض سوى في شَطر واحد، لا يخلو من العفوية وعدم التصنُّع، على لسان حمزة: (فهل من جواب لِمَا أدعي؟)، ولتكملَ الصورةُ المتناقضة في القصيدة - سؤال العيش الهين وجواب القضاء على هذه الأمنيَّة بالقضاء على صاحبها بطلقةٍ على رأسه، فجملُه متسلسلةٌ مع استجابته العاطفية لِما يشعر، فعباراتُه صدًى لمشاعره المكلومة.


التناص:

المعرفة ركيزةُ تأويل النص من قِبَل المتلقي[2]، القصيدة في معجمها اللغوي وصورها وأفكارها تستدعي الموروثَ الدينيَّ الإسلاميَّ، وتبتعد عن استلاب الحداثة الشِّعرية، فقوله:

فلا الدمعُ أطفأ نارَ الجوى
ولا رقأ الدمعَ لي مَرتعي

 

(مرتعي) من ألفاظ القرآنِ من قوله - تعالى -: ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾ [يوسف: 12].

(رقأ) من قول السيدة عائشة - رضى الله عنها -: "فبتُّ ليلتي لا يرقأ لي دمع"[3].


وفكرة البيت تتقاسم التناصَّ مع قول أبي الفضل الكيالي:

ولم أرَ مثلَ الدمع ماءً إذا جرى
تلهَّب منه في الجوانحِ نارُ[4]
أنكرت من أدمعي تترى سواكبها
سلي دموعي هل أبكي سواك بها

 

التكرار:

الإلحاح على كلمة أو صوت أو عبارة يمثِّل هندسة نفسية للمعنى، وأثره في وجدانِ المتلقِّي، ويكون لها أثرٌ على الدلالة، وعلى النَّغم الموسيقي في الشَّطر والبيت والقصيدة عامة، تكرار مفردة (الدمع) ثلاثَ مرات على المستوى الرأسي للقصيدة، وفي المستوى الأفقي تكررت عبارة:

جفوت الكَرَى - وكيف يحلو الكرى.

أيحلو لي العيشُ إذ سوريا - أيحلو لي العيش إذ إخوتي


موسيقا القصيدة:

الشاعر عندما تثور في نفسه الأبيات لا تأتي مجرَّدةً من نغمها، بل تنساب انسيابَ صدقِ العاطفة والإحساس، ثم يأتي دورُه إن كان تهذيبًا أو ترتيبًا ليستقيمَ الوزنُ الشعري، فانطلقت القصيدة في بحرها المتقاربِ ذي التفعيلة الواحدةِ: فعولن

سيولٌ/ من الد م/ ع في مد/ معي
يبلِّ/ ل تسكا/ بها أر/ بعي
فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعل
فعولُ/ فعولن/ فعولن/ فعل
لقد كد/ در الحز/ ن صفو ال/ هوى
فأنكر/ ت هندا/ وما تد/ دعي
فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعل
فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعل

 

فقد أسهم بحرُ المتقارب وحركاته المتتابعة في تصوير الواقع النفسيِّ للشاعر؛ مما جعل القصيدةَ دفعةً شعورية واحدةً متناغمةً مع القافية الياء، والعين المتحركة قبلها، الذي نهض بالثقل الأساسيِّ لوحدتِها الصوتيّة، والإيقاعِ الداخلي الذي نبع من تكرار صوتٍ قوي حلقيٍّ مجهورٍ مثل العين - أدمعي، مدمعي، أربعي، أضلعي - تجاوز كونَه صوتًا رنانًا، فأصبح حمولة دلاليةً تعبِّر عن العاطفة الطافية، فتمثَّل نغمًا يصوِّر قاعَ القصيدة الصوتي، فتضافر مع الموسيقا الخارجيةِ الوزن في تجسيد التجرِبة الشِّعرية نغمًا ومعنًى، هذا على الرغم من الانزياح عن الدلالة المستقيمة التي يريدها - تجريدُه من الإنسانية - في استخدامه لكلمة "بشر" في قوله:

إذا قيل: بشار ذاك بشَر
يقول لرشَّاشه: لعلعي!

 

فالمخزون المعرفيُّ الديني يطالعنا بأن لفظة البشر تتجاوز الدلالةَ الإنسانية وتعلو عليها، فلم تُطلقْ في القرآن إلا على الأنبياءِ والصالحين؛ فقد وردت اللفظةُ في ستة وثلاثين موضعًا، تنحو كلُّها منحى المدحِ والثناء، يقول - تعالى - عن الأنبياء: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79].

 

يقول - تعالى - في سورة الشورى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].

 

بخلاف كلمة الإنسان؛ فعلى كثرة ورودها اقترن ذلك بمنحى الذمِّ والنقص، فالإنسان خصيمٌ مبين، يؤوسٌ، كفَّار، عجول، وتمثَّلت هذه الصفات مجتمعةً في قوله - تعالى -: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس: 17].

 

فإذا قصد الشاعرُ تجريدَ بشار من الإنسانية باستخدامه كلمة بشر؛ فإن التوفيقَ جانَبَه لمخالفتها للدلالة الضِّمنيةِ لمفهوم البشرية في الخطاب الدينيِّ وتفسيراته، وإذا جنح به الوزنُ أو الضرورة إلى ذلك، فأرى أن الشاعرَ معنيٌّ بتجويد ألفاظِه وعباراته، غير أن الجدةَ في الممارسة الشعرية هي العاملُ الأكبر في تفسير هذا العدول عن المعنى الأسلمِ.

 

خاتمة:

إذا كان معيارُ جودة النص عند أصحاب المنهج التاريخي التعبيرَ عن قضايا الأمَّة، فهذا النصُّ بلغ الجودةَ في ذلك، وفي تجاوزه للقومية، وسبْكها في الأَخوية الإنسانية والمرجعية الدِّينية.

 

وإن مالت بعضُ أبياتها الأخيرة إلى التقرير، فيُعَدُّ ذلك ملمحًا لعملية التوليد والإجهاض المستمرَّيْنِ للتوقعات الثابتة عرفًا ودينًا في السلوكات الإنسانية.

 

قصيدة استحقَّ صاحبُها بردةَ الجامعة الإسلامية بصدقِ العاطفة وفَرْط الانتماء، واستنطق الأمير خالد الفيصل بالقول: علينا أن نتعلَّم أعجميَّتك لنصلَ إلى الفُصحى.


فلَكِ اللهُ يا سوريا!



· الطالب السنغالي في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

[1] ابن قتيبة (ت 276 هـ) أدب الكاتب، ت. محمد محيي الدين، ص 5.

[2] محمد مفتاح، إستراتيجية التناص، ص 123.

[3] النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد "ابن الأثير".

[4] (الديوان).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إلى الأحبة في سوريا
  • " ثم عاد.. " للدكتور صبري رجب : قراءة نقدية
  • ( كتاب أخبار نيل مصر ) لابن العماد الأقفهسي ( قراءة نقدية )
  • شعر صالح الشاعر.. قراءة نقدية

مختارات من الشبكة

  • التغير في المفاهيم التربوية: التعليم مدى الحياة أم التعليم من أجل المساهمة في وظيفية الحياة؟!(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قراءة لقصيدة علمتني الحياة للشاعر محمد مصطفى حمام(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • حسن الختام في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معايشة مع قصيدة " بكرت مرتحلا " للدكتور عبدالحكيم الأنيس(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عقبات الحياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • والحياة حياة (قصيدة عمودية)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دأب الحياة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لا يأس مع الحياة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • غدا يا أمير الحياة الجميل (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • سجالات الحياة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
3- إنها قصيدة رائعة
أبو أحمد الصنهاجي - السعودية 12-11-2012 08:43 PM

هذه قصيدة جميلة بالفعل وتعليقات الناقدة عليها زاد من جمالها ودلالاتها الأدبية..وأستغرب حقا صدورها من أعجمي وصف بأنه جديد في مجال الشعر..فلله در الفصحى

2- شكراً
عمر الخالدي - العراق 19-09-2012 03:49 PM

بارك الله فيكِ ..
أجدْتِ في النقد والتحليل وإبراز كل معنًى لجميل

1- قيمة لإانسان بعمله
bilel - مصر 04-08-2012 12:42 PM

أما في الحياة لنا قيمة؟ شعر جميل لكن حزين جدا قيمة حياة الإنسان بعمله الحسن النافع له وللبشر هنا يكون لنا قيمة في الحياة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب