• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

القرين

القرين
د. علا حسان


تاريخ الإضافة: 21/1/2012 ميلادي - 26/2/1433 هجري

الزيارات: 12025

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القـرين

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

يَجلِس السيدُ فايز في الخمَّارة كعادتِه كلَّ ليلة، يَحتسي كأسًا وراءَ أخرى منتشيًا، كأنَّما يرغب في نِسيان آثامه؛ إذ كان عاصيًا، يظلم الناسَ ويأكل حقوقَهم، يضرب ويخون ويَخدع، يأكل السُّحت ويَقبَل الرِّبا، لا توجد معصيةٌ لم يرتكبْها! يتحاشاه الناسُ مِن معصيته وفُحْشه، حتى ضاقتْ به أوردتُه وأُصيب بذبحةٍ صدريَّة، لم يسعفه أحدٌ مِن السكارَى.

 

ظلَّ ينتظر الطبيب، أطلَّ عليه كائن هُلامي لم يستطعْ أن يستبين ملامحه:

• أنت الطبيب؟

 

• نعم أنا.

 

قال وهو يزيح ياقة قميصه ويفكُّ أزراره:

• إذًا أنقذني مِن هذا الاختناق؟

 

• سأُنقِذك بأسرعِ ممَّا تظنُّ، فأنا قرينك الذي قضيتُ طِيلةَ حياتي في خِدمتك.

 

• قريني، مهتمٌّ بي طوالَ حياتي! ولكنِّي لم أرَك من قبلُ.

 

برقتْ عينَا القرين وهو ينظُر في وجهه قائلاً:

• أنا مكتوبٌ بيْن عينيك لو كنتَ تقرأ الجبين لرأيتَ رسْمي فوق جبينك، لا أُفارِقك إلاَّ عندَ الموت، إني أنتظرُ خُروجَ رُوحك من جسدك؛ لأكونَ قد أنهيتُ وظيفتي معكَ فأنتقل إلى غيرِك.

 

• جئتَ تُخرِج رُوحي أم تُعالجني؟ لستُ أفْهم!

 

فغَرَ فاه عن بُقعة سوداء:

• قلت لك: إني مهتمٌّ بك، فأنا قرينُك الذي رافقك طِيلةَ عُمرك، قمتُ بعمل دِراساتٍ عليك، درستُ كلَّ خليَّة في جِسمك وفي عقلِك وفي بدنك، مداخلك ومخارجك جميعًا، أعرِف كيف أدخُل، وكيف أخرُج منك، وأعرِف نقاطَ ضَعْفك وقوَّتك.

 

• تَدرُسني أنا؟

 

تَغِيب صورتُه وتَظهر مِثل شاشة هلاميَّة:

• نعمْ، هذه هي مهمَّتي، أنا أعلم بكَ مِنك، بدِراستي تلك أعرِف ما سيُصيبك مِن أمراض، وكيف أقودُك إلى هلاكِك، ومتى تكون قادرًا على النَّجاح فأُحبطك، ومتى تكون عاجزًا فأترُكك.

 

ولا أَبذُل كبيرَ عناءٍ في تنحيتك عمَّا يُفيدك، أتذكر ذلك اليومَ الذي أردتَ فيه أن تتزوَّج مِن تلك الشقراء الناعِسة، كنتُ أصرُخ رعبًا وخوفًا مِن إقدامك على الزواج منها، أوشكتْ أن تُصبح جنَّتَك في الحياة؛ فكيف تعيش في الجنة وأنا في قَيدِ النار؟ أنت تتزوَّج هذه الصَّبيةَ الطيِّبة، على ناري أن تصلَ إلى مُرادِك، عجزتُ عن صرفِك عنها فدلفتُ إليها لأُكرهَها فيك، وأجعلَها ترى عيوبَك وأخطاءَك، أوَ تظنني ألهو؟! إني أعمل بجدّ، أنت عمَلي ومصدر رِزقي، لقد ترقيتُ بسببِ نجاحي في تعطيلك وتدمير حياتِك، وأطمع في ترقياتٍ أكبر.

 

مدَّ السيِّدُ فايز يديه في الهواء متألمًا متحسِّرًا، وقال بحُرقة عاجِز:

• آه يا ويلي! ليتني رأيتُك وجهًا لوجهٍ لكنتُ قتلتُك، ليتك تواجهني فأمزِّقك، أرِنيه يا ربِّ حتى أقتلَه ألفَ مرَّة، وأخنقَه بيدي؛ ضيَّعني، ضيَّعني يا ألله، وأفقدَني مالي وحالي، وشتَّت شَملي وفرَّق جمعي، وآل بي إلى الفقرِ والذل.

 

حلَّق القرين فوق رأسه هازئًا:

• تَخنُقني؟ وهل أنا مِثلك مِن طين عفِن، إني خُلقتُ مِن نار، وما لمثلك أن يراني أو يلمسني، تخنُق شيطانَك العاملَ على كل خطيئة، والحاضّ والمشجِّع على اقترافِ كلِّ إثم؟!

 

عليك أن تَشكُرني؛ لأنِّي لم أكُن أستريح إلاَّ عندَما أتركُك على بابِ الخمَّارة، وعندما أعلم أنَّه لا فائدةَ مِن سعيك، وعندما تدخُل المسجد لتصلي أشغلك لأصرفَك عنِ الصلاة، ولا يُصادفني راحةٌ إلا إذا صليتَ ووضُوءك باطلٌ، فأعلمُ أنه لا فائدةَ مِن صلاتك فألهو وأمرَح، إنَّ عملي شاقٌّ ولا راحةَ فيه، أنت وحدَك الذي تَمنحني الراحةَ عندما تُيسِّر عليَّ أمور ضلالك.

 

كيف لم أنتبِهْ؟! ثم تلفَّت وهو يختنق أكثرَ:

• كفَّ عن الدورانِ حولي.

 

• درستُ كلَّ شيءٍ يتعلَّق بك؛ ماذا تحبُّ، ماذا تَكره، كيف أُقنعك بما لا تُريده، وأُبعدك عمَّا فيه خيرُك، كيف أجعلُك تخسَر أموالَك، وأُدخل عليك الهمَّ والغمَّ والقنوط والحنق، وأملؤك بالحقدِ والغِلِّ والضغينة والحسد، أتذكر تلك الأرضَ التي سعيتَ لشرائها، لقد كنتُ أركل وأضرِب قدَمي في الأرض؛ خوفًا وجزعًا مِن أن تشتريها، سيُصبح ثريًّا، سيتركُه الفقرُ، كنت أعلم أنَّها ستجلب ملايين الدولارات؛ لذا صرفتُك عنها، وارتاحتْ نفْسي بانصرافك ذاك وهدأتْ ناري، كنتُ على وشك أن أخسرَ منصبي لو أنَّك اشتريتها، بفضلِكَ نِلتُ أكبرَ المناصب، امتلأتُ وصرتُ قويًّا؛ لأنِّي أشاركك كلَّ ما تأكل، بل آكُل أكثرَ منك، فأنت وهبتَني نِعمة أشكرك عليها، وهي أنَّك لا تَذكُر اسم الله فأبتهج وآكُل بفرَح ونشوة.

 

• إذًا أنتَ أيها اللَّعين وراءَ ما حدَث من مصائبَ ومكاره في حياتي، أنتَ مَن كنتَ تدفعني إلى الضلال!

 

• نعمْ، وتعلمتُ كيف أدفعُك إلى الحرام وإلى الخطيئةِ بكلِّ مهارةٍ، وكيف أُبعدك عنِ الطريق المستقيم، وعن النجاحِ في حياتك بكلِّ ما أُوتيتُ من قوَّة.

 

• لا أصدِّق، عجيب حبُّك لإيذائي!

 

• لكَم تمنحني شرفًا عظيمًا إذَا خنقتَ نفْسَكَ الآن، أن تموتَ منتحرًا إنَّه أفضلُ إنجاز سأحصُل عليه في هذه المهمَّة، آه لو تَفعلها! فأحصُل على منصبِ كبيرِ العُتاة، سيصبح لي خُدَّام وجنود، وسيكون تحتَ إمْرتي ألفُ عِفريت! ليتَك تفعلها وتُسدي إليَّ هذا المعروف.

 

• أيّ معروف! ولِمَ لا تُسدي لي أنتَ معروفًا وترحَل عني وتتركني؟!

 

• لا أترُكك قبل أن تترُكَك نفسك، سأغتمُّ إذا نجوتَ، يُؤلِمني أن أراك سعيدًا منشرِحَ الصدر، ويَقتُلني الغمُّ والكَدر إذا نجحتَ في شيءٍ، وكم أفرَح عندما تُصيبك مصيبةٌ أو تُوشِك أن تقبل عليك، ألم تشعرْ بفرَحي ذاك، ألم تشعرْ بسعادةٍ تسبق مصائبك دائمًا؛ ألم تكُن تنتابك نوباتُ فرَح هائِجة؟ إنَّه فرَحي أنا؛ لأنِّي أعلم حقيقةَ ما أنت مقدِم عليه.

 

• نعمْ، أذكُر فرحي الشديد عندَ توقيعي ذلك العقدَ المنحوسَ، وتلك الشيكات التي دمَّرَتْ حياتي، كان فرحًا غبيًّا مني، أنت لم تُضيِّعني بل أضاعني غبائي وحُمقي، يا لي مِن غبي! لو أعود إلى قوَّتي وعافيتي، أبقِني يا ألله بِضع سنوات، بل عامًا واحدًا حتى أمحوَ جرائرَ الأيَّام، أكفِّر عنِ الآثام، حتى أبْكي على أعتابِك يا ألله نادمًا، أبقِني، لا تقبض رُوحي.

 

همْس القرين في أذنِه ضاحكًا منتشيًا:

• جنودي يُؤدُّون عملَهم في تأخير سيَّارة الإسعاف عنك، اليومَ أنتَ ذاهبٌ إلى الجحيم ولا مَغفرةَ لك، فات أوان التوبة.

 

حرَّك فايز يدَه ورأسه في كلِّ اتجاه متألمًا:

• لَعْنة الله عليك، لَعْنة الله عليك، يا ليتَ بيني وبينك بُعدَ المشرقين، فبِئس القرين.

 

حملت سيَّارةُ الإسعاف السيِّدَ فايزًا، بعدَ محاولات مُضنية مِن الأطباء تَمَّ إنقاذه مِن براثن الذَّبْحة الصدريَّة، نَصَحوه بالابتعادِ عن مهيِّجات الذبحة، أبدَى ندَمه على ما فات، بِضعةَ أيَّام ونوَى الاستقامة، قاطَع الهلس أيَّامًا وسرعانَ ما عاد إلى سيرته الأولى! لم يتذكَّر مِن أمر القرين شيئًا سوى أنه كابوسٌ لَعين.

 

(2)

تُطارِدك الأرواحُ الشِّريرة، في الوديانِ النَّجِسة وفوق سُطوحِ الماء الآسِنة، وأسفل القِيعان الملطَّخة، رافِعة صولجانَ القهْر، يا أيَّتها الشياطينُ المخلوقة مِن نيران الحِقد، تُطارِدكَ اللَّعنةُ أينما حلَلْتَ، يا أيتها الشياطين التي ما خُلِقت إلاَّ لتُناقِضَ الملائكة، ولتخرب ما صنعتْه أيديهم، بئس الشياطينُ إنْ كنت مِن إنس أو جن!

 

بعدَ عِدَّة أعوام، قرَّر السيِّدُ فايز أن يتزوَّج وينجب، فتزوَّج وأنجب ابنةً سمَّاها فاطمة، أحبَّها حبًّا شديدًا، أصبحتْ نورَ حياته الذي يُبصر به، كانتْ براءتها تخطف فؤادَه، وتُشعره بدناسةِ أفعاله وحقارته، وكلَّما كَبِرت فاطمة زاد إيمانُه، وما إنْ ترَى بيده كأسًا مِن الخمر، حتى تقترب منه وهي تَحْبو لتزيحَه بيدها الصغيرة، فيحملها ويجلسها في حجرِه ويَنسى شُرْبَ الخمر، وكلَّما كَبِرت طفلته قلَّت كبائرُه، وابتعد شيئا فشيئًا عنِ المعاصي، حتَّى أتمَّتِ ابنته ثلاثَ سنوات، وفجأةً ماتتْ فاطمة! واراها الثَّرى ولم يستطعِ الصبرَ على فراقها فعاد أسوأَ ممَّا كان، وتلاعَب به الشيطانُ، خيَّرته زوجتُه بينها وبيْن خمرِه وكأسِه، فاختار أن يبقَى كما هو، يُمضِي صباحَه في النوم، وليلَه في السُّكر والخمر.

 

وذاتَ يومٍ قال له قرينُه: "لتسكرنَّ اليوم سكرةً ما سكرتَ مثلها مِن قبل"، فعزَم أن يشربَ الخمر وظلَّ طِيلةَ الليل يشرَب ويَشرَب ويشرب.

 

بعد عَودته من الحانة، دخَل بيتَه وهو يترنَّح، ألقى بجسده النَّحيل فوقَ الأريكة، لم يشعلْ ضوءَ بيته البارد، جلَس في الظلمة، يتمايل بجانبِه ضوءٌ خافت قادِمٌ مِن غرفة فاطمة، ولَمَّا تذكَّرها بكَى بكاءً مريرًا لفقْدها.

 

شعر بوخزٍ شديد في صَدْره، وضِيق تنفُّس، أزاح قميصَه عن عُنقه، اعترتْه أعراض الذبحة مرَّةً أخرى، ونسِي ما كان مِن أمر توبته في الذَّبحة الأولى التي نجَا منها، ولكنَّه لن ينجوَ مِن براثنها في هذه المرَّة.

 

تراءَى له وجهُ القرين، بذَل جهدًا لتذكُّر أين رآه مِن قبل، وسرعانَ ما انقلب القرينُ إلى وجه جميل:

• أنا ربُّك ألاَ تَراني، اسجدْ لي واشكُرني وأنا سأُبقيك، ولن أقبضَ رُوحَك.

 

عاودتْه ذِكرى ذبحته الأولى، فتذكَّر وجه قرينه، إنَّه ذلك الذي رآه مِن قبل، وأنستْه الأيامُ حِقدَه وعداوتَه، لا يَدري كيف نسِي عدوَّه اللدودَ الذي أهلَكه وساقه في طريقِ الضياع، كيف أوهم نفْسَه بأنَّه كان كابوسًا، وتجاهلَ خُططَه ومكْرَه واعترافاته؟!

 

أشاح بوجهِه مشمئزًّا:

• انصرفْ عنِّي أيها اللعين، أعْرِفك، كيف تبدَّلت، أتريد لي الكُفر؟! أنت اللَّعين.

 

• بل أنا ربُّك، ألاَ تدْعوني الآن؟ سأستجيب لك وأمْنَحك عفوي وغُفراني، فقبِّل يدي واسجُدْ لي، وقل لي: لا إله إلاَّ أنت.

 

• انصرفْ عنِّي، أغِثني يا ألله، أنا الضعيفُ اللاجئ ببابك، أغِثني مِن اللعين.

 

اختفَى القرين محلِّقًا، ابتلعه سقفُ البيت، وإذا بالسيِّد فايز يُبصِر ابنتَه واقفةً أمامه، في طُفولتها البريئة، وجمالِها السماوي، مدَّ يدَه متشوقًا ليضمَّها إلى صدرِه، فعجَز عن رفْع جذعه، كان ثقيلاً محمومًا كأنَّما يرزح جسدُه تحتَ أكوام من الرَّمل، بدَتْ أمامه طفلتُه الحبيبة، جاءتْه في ثِياب ناصعة البياض؛ لتؤنِّبه قائلة:

 

• ماذا بك يا أبي؟ إنَّه ربُّك لِمَ لا تَشكُره وتسجُد له؟!

 

• مَن؟ فاطمة! كيف عُدتِ؟!

 

• نعمْ أنا فاطمة يا أبي، صَدِّقني إنَّه الحق، آمِنْ به يا أبي.

 

• عمَّن تتحدَّثين؟

 

• عن ربِّك؛ انظرْ إليه كم هو جميلٌ يا أبي!

 

• أترين ذلك يا ابْنتي؟

 

• نعمْ يا أبي، صَدِّقه.

 

تردَّد برهةً، ثم قال:

• لا، ليسَ هو.

 

• بل هو، أنتَ لم ترَه مِن قبل يا أبي، ولا تَعرِفه.

 

• لا يا ابنتي، إنَّه اللعينُ الذي أضلَّني، إنه ليس ربِّي.

 

اختفَتْ طفلتُه عن عينيه وما زال يمدُّ يدَه متشوقًا لأنْ يحتضنَها، تلوَّن القرين مرةً أخرى ليظهرَ في صورة أبويه، حدَّثتْه أمُّه المسكينة بنبرتِها الحانية:

• ماذا بكَ يا بُني؟ لِمَ لا تسجُد لربِّك لِمَ لا تشهَد له؟!

 

• لا يا أمِّي إنَّه ليس بربِّي.

 

فقال أبوه:

• بل ربُّك يا بُني، آمِن به.

 

• حتَّى أنت يا أبي! جميعُكم تُريدونني أن أكْفُر؟!

 

• استغفِر ربَّك يا بُني.

 

• ليس بربِّي، اتركُوني، ارحلوا عنِّي.

 

• كيف يتركونك؟ لِمَ لا تُصدِّقهم؟ أَتُكذِّب ابنتك وهي في الجنَّة، ووالديك وهما أحنُّ الناسِ عليك؟! ألا ترغَب في دخولِ الجنَّة؟

 

• نعمْ أرغب.

 

• إذًا اسجُدْ لي وقل لي: لا إلهَ غيرُك.

 

• بل ألْعَنك، وأستغفِرُ ربِّي وأسأله العفو، أسأله أن ينتقمَ منك، أن يرفَعَ غضبه ومقْتَه عني، ليتَ السنين تعود فأَبصُق عليك كلَّ يوم، ولا أفعل شيئًا غير السُّجودِ لله والاستغفار والعبادة.

 

قال القرين ساخرًا:

• فات أوان الاستغفار، فقدِ اخترتَ غَوايتَك بنفسِك، ولا تُلقِ باللائمة عليَّ؛ فأنا بريءٌ منك، ابكِ ما شاء لكَ البُكاء، فلن تَسعَك بعدَ اليوم أرضٌ ولا سماءٌ.

 

عضَّ أصابعَ الندم وهو يردِّد:

• آه! أيُّها القرين اللعين! لَيْتني أعودُ فأقهر غبائي، وأترُك شهواتي، وأتوب عن المعاصي، ليتَ العمرَ يعود مِن جديدٍ فأُصلح ما فات! أفعل هذا ولا أفعل ذاك، ليتَ قدَميَّ قُطِعتَا قبل أن تمشيا في الخطيئة، ليتَ يدي بُترت قبلَ أن تَضرِب وتسرِق، ليت لِساني لم ينطق بالكُفر، ليت جوارحي لم تفعلْ شيئًا غير عبادة ربِّي، ليتَني كنتُ ترابًا، كيف يعودُ العُمر؟! هل مِن كَرَّة أخرى؟ كرَّة أخرى يا ألله، امنحْني هذه الأمنية، هبْنِي إيَّاها، أتوسَّل إليك، أَعِدني، ارْجِعني أعمَل صالحًا، الدموع تخنقني، والنَّدم يمزِّقني، أمَا مِن عودة؟! بِضعة أيَّام، وكيف تعود الأيَّام؟! كَرَّة واحدة يا ألله، كرَّة واحدة.

 

(3)

بُعِث السيِّد فايز إلى يومِ الحشر، أظلمتِ الشمس، وزُلزلت الأرْض، سُيِّرت الجبال، واشتعلت البِحار نارًا، وجُمِعت الأمم إلى أرضِ المحْشَر، الناس أممٌ لا حصْرَ لها، تلوح رُؤوسهم في الأُفق كرؤوس النَّمل، سواد عظيم يزْحَف كبساط مِن الموج، هؤلاء هم البشَر الذين كانوا يَحْيَون فوق الأرض، هؤلاء الناسُ الذين كانوا يَتَصارعون ويَتقاتلون في الدُّنيا؟ كلٌّ اليومَ في شأنٍ يُغنيه، يُناديهم المنادِي فردًا فَردًا، ليقرأ كتاب كلٍّ منهم وتُعرَض أعمالُه، فتسودُّ وجوههم عندَ قِراءة صحائفِهم، والسيِّد فايز بيْن الناس، غارِق في زحام البشَر، حتى نُودِي: "السيد فايز، هلمَّ للعَرْض على الجبَّار"، ارتعدَتْ فرائصُه، تحوَّل وجهُه إلى سواد شديد؛ لشدَّة خوفه، وإذا بالبشَر يختفون مِن حوله وكأن لا أحدَ في أرْض المحشَر، وفوجِئ بثُعبان عالٍ ضَخمٍ يَقفز نحوَه فاتحًا فمَه، فجرَى هلعًا ورُعبًا، تلفَّت في كلِّ اتِّجاه حتَّى وجد شيخًا ضعيفًا، فرَجاه قائلاً: أغِثْني مِن هذا الثُّعبان.

 

• يا بُني أنا ضعيفٌ لا أستطيع، ولكن اجرِ في هذه الناحية لعلَّك تنجو.

 

فجرَى حيث أشار له وإذا بالنار تِلقاءَ وجهِه والثُّعبان خلفَه؛ "أَأَهْرب مِن الثعبان لأسقط في النار؟!"، فعاد يَجري مسرعًا، والثعبان يتلوَّى ناثرًا لسانَه، فعاد للرجل الضعيف واستغاثَ به: "بالله عليك، أنجِدْني أنقِذني".

 

فبَكَى الشيخ رأفةً بحاله، وقال:

• أنا ضعيفٌ كما ترَى لا أستطيع فِعل شيء، ولكن اجرِ تُجاهَ ذلك الجبل، لعَلَّك تهرب.

 

جرَى للجبل، والثعبان يَفْغَر فاه لالتهامِه، فرأى على الجبل أطفالاً صِغارًا، وإذا بالأطفالِ كلِّهم يَصرُخون: يا فاطمة، أدْرِكي أباك، أدْرِكي أباك.

 

نظَر فرأى ابنتَه تطير نحوه، وهو كالميِّت مِن شدَّة الخوف، فدفعتِ الثعبان بيدها اليُمنى وأخذتْ أباها بيدِها اليسرى، عجب لقوَّتها ولقُدرتها على الإمساك به، وفرِح برُؤيتها وبنجدتها له في ذلك الموقِّف العصيب.

 

جلستْ فاطمةُ في حجره كما كانتْ تجلس في الدُّنيا، بدَتْ عليه الحيرةُ فسألها: يا بُنيَّتي أخْبِريني عن هذا الثعبان، لِمَ يُلاحقني؟

 

• هذا عمَلُك السيِّئ، أنت كبَّرتَه ونمَّيتَه حتى كادَ يأكُلك، أمَا عرفتَ يا أبي أن الأعمالَ في الدُّنيا تعود مُجسَّمة يومَ القيامة؟

 

• وذلك الشيخُ الضعيف؟

 

• ذلك العملُ الصالح، أنتَ أضعفتَه وأوهنتَه، حتى بكَى لحالك لا يَستطيع أن يفعلَ لك شيئًا، ولولا أنَّك أنجبتني ولولا أنِّي متُّ صغيرةً، ما كان هناك شيء ينفعك.

 

مكَث السيِّد فايز محتضنًا طفلتَه الصغيرة لم يسقطْ في جحيم النار، ولم يرق إلى نعيم الجنة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • حقيقة الإصابات الروحية: الحسد والعين، تسلط القرين، السحر، والمس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تسلط القرين يفقدني الخشوع في الصلاة(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • الحديث المدبج تعريفه ومثال عليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قرناء الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفشل قريني في الحياة(استشارة - الاستشارات)
  • حديث: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاول.. وليكن الأمل قرينك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تعلمنا في مدرسة الصيام أن الإيمان والخلق قرناء(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- خروج القرين من جسد المنتوفى وانتقاله إلى جسد آخر
ٍSaed 17-01-2015 12:50 PM

من الاقتباس (إني أنتظرُ خُروجَ رُوحك من جسدك؛ لأكونَ قد أنهيتُ وظيفتي معكَ فأنتقل إلى غيرِك)

الرجاء من الكاتبة الإتيان بما يثبت من القران الكريم أن القرين يخرج من جسد المتوفى وينتقل الى جسد آخر؟

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب