• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

الحركة ودورها في التفسير

د. جمال عبدالعزيز أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2011 ميلادي - 24/6/1432 هجري

الزيارات: 38298

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من دقائق العربية

الحركة ودورها في التفسير

اللغة العربية لغة حساسة وراقية وإذا تغيرت الحركة فيها تغير المعنى كله

• من خصائص "العربية" التعبير بالكلمة الواحدة عن معان ودلالات متعددة في عدة سياقات.

• للحركة علاقة مهمة بإضاءة جوانب التركيب وتزويد التفسير بجليل بجليل المعاني وسامي المفاهيم.

• المسلم الناضج الحصيف الذي يُدرِك مهمته لا يسكت إذا وجد مدخلاً لهداية الناس إلى الطريق الأقوم.

 

لا يفتَأ القُرآن الكريم يُعطِي ويُثرِي، فلا يشبع منه العلماء، وإنما يعبُّون منه وينهلون، وفي كلِّ يومٍ عن جديدٍ فيه يَكشِفون، ويَتِيهون بأنهم إليه ينتَسِبون.

 

لغة حسَّاسة:

ومن هنا فإنَّ اللغة العربيَّة لغة حسَّاسة، ولغة راقية، إذا تغيَّرت الحركة فيها تغيَّر المعنى كلُّه، وقد تأتي الكلمة نفسُها دون تغيير، ولكن السِّياق يُبرِز تغيُّر المعنى، وتبايُن الدلالة؛ فعلى سبيل المثال كلمة (محتل)، تكون مرَّة اسمَ فاعل يفعل الفعل، وتارةً اسمَ مفعول يَقَعُ عليه الفعل، انظر إلى هاتين الكلمتين (المحتل) في هذه العبارة: (هذا هو البلد المحتل الظالم لهذا البلد المحتل المظلوم)، نحن لم نُغيِّر أيَّة حركة لكلمة (المحتل)، ومع ذلك فالأولى اسمُ فاعل والثانية اسمُ مفعول.

 

وكذلك كلمة (مختار)، يمكن أنْ تشغل خمسة مَعانٍ، وهي بذلك الضبط دون تغييرٍ في شيءٍ منها، فلو قلنا: (أنا المختار لك لتكون ضمن فريق العمل معي)، فأنا عندئذٍ الذي اخترتُك، فـ(مختار) هنا اسمُ فاعل، فأنت المختار عندئذٍ لدينا، فالـ(مختار) عندئذٍ اسمُ مفعول وقَع عليه الاختيار، كما نقول: صلِّ على النبي المختار - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ الله - سبحانه - قد اختارَه فهو مختار، فـ(مختار) هنا اسم مفعول، أمَّا إذا قلنا: (هنا مختار الطلاب للدخول في الكلية) فقد أصبحت الكلمة اسمَ مكان؛ أي: هنا مكان اختيار الطلاب الذين نمتحنهم ليدرسوا في الكليَّة، أمَّا إذا قلنا: (مختار الطلاب بعد صلاة الظهر)، فقد تحوَّل الاسم من اسم المكان إلى اسم الزمان؛ أي: زمان اختيارهم في هذا الوقت، لكن إذا قلنا: (لقد اختارتك الكلية مختارًا دقيقًا)، فقد تحوَّلت الكلمة إلى مصدر ميمي؛ وهو المصدر المبدوء بميم زائدة؛ أي: اختارَتْك اختيارًا دقيقًا.

 

فكلمةٌ واحدة وبضبطٍ واحد تحوَّلت في عدَّة تراكيب إلى عدَّة مَعانٍ: (اسم فاعل، واسم مفعول، واسم زمان، واسم مكان، ومصدر ميمي)، وهو من دقائق العربيَّة وخَصائصها، ومنحى من مناحي رُقِيِّها وتحضُّرها، أنْ تُعبِّر بالكلمة الواحدة في عدَّة سِياقات لغويَّة كثيرة عن معانٍ ودلالات متعدِّدة.

 

بل أكثر من ذلك؛ فقد نستعمل الكلمة في مَعانٍ متعدِّدة باستعمال النبر والتنغيم لا ننظُر إلى الضبط؛ فمثلاً كلمة (ولد)، يمكن عن طريق نُطقها بنبرٍ عالٍ أو نبرٍ منخفض هادئ أنْ يتغيَّر المعنى، فلو قلنا مثلاً: (يا ولد) فنحن ننادي على الولد؛ بدليل أنَّه يقول: نعم يا أبي، أو يأتي بسرعة يتساءل عن مضمون النداء لينفذه، ولكن لو قلنا بنبرٍ هادئ في سِياق الاستِحسان - ونحن نشاهد مباراة رياضية وأعجبنا من أحد لعبةٌ -: (يا ولد، يا ولد، يا ولد!)، فهو أسلوب تعجُّب واستحسان لا نداء؛ بدليل أنَّه لا يأتي، بل لا يسمع كلامنا أصلاً، أمَّا إذا خرجت الكلمة بنبرٍ عالٍ صاخب، وتقطيب جبين، وعبوس وجه، وتقريب الحاجبين، وانتفاخ الأوداج: (يا ولد)، فهو أسلوب إنكار وعتاب وتأنيب وسخط، وطلب للكفِّ من المتكلِّم للمخاطب عن فعلٍ لا يريده، فهو يزجره وينهاه بذلك اللفظ، وهذا كذلك من دلائل تسامي اللغة، وامتلاكها لطرائق تعبير كثيرة، وهنا نلتمس وجهًا آخَر من وجوه العربيَّة؛ وهو الفارق اللفظي الكبير في الحركة، وما يفعَله من كشف للنص وتفسير له، وطرح للمراد منه وشرح لجوانبه، وهو الفارق بين (يَمسِك) و(يُمسِّك)، الأولى بفتح الياء وكسر السين مخففة، والثانية بضمِّ الياء وتضعيف السين، وهو فارقٌ كبيرٌ للغاية، فإذا قلنا: مسَك فلان بكذا فمعناه: أنَّه أخذه بنفسه وتعلَّق واعتصم، وأمَّا قولنا: مسَك فلان الثوبَ (عدَّيناه إلى المفعول) فمعناه: طيَّبَه بالمسك؛ أي: وضَع عليه رائحةً ذكية فوَّاحة، وأمَّا قولنا (مسَّك) بتضعيف السين فمعناه: جعَل الآخرين يقتدرون على الإمساك بعد أنْ لم يكونوا يقدرون، فمسَّكتُ الولد بفُؤاد المعنى؛ أي: أوضحته له؛ فصار يفهمه بعد أنْ لم يكن في وسعِه فهمُه، فصار بتَمسِيكي إيَّاه يُمسِكه وهو معنى راقٍ.

 

ولذلك إذا انطلقنا من هذا الفهم السامي إلى القُرآن لنرى ما فعلَتْه الحركة (الفتحة والشدة) في التفسير وإضاءة الفهم وكشف مَدلول الكلام، فنجد قول الله - جلَّ جلاله -: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170].

 

وهنا نقفُ لنتأمَّل هذا المعنى القُرآني الكريم؛ حيث إنَّ المسلم ليس أنانيًّا ولا مُغلِقًا دارَه ولا مسدلاً ستاره على نفسه، بل لا بُدَّ له من دورٍ اجتماعي كبير، ومسؤوليَّة فرديَّة شخصيَّة بين يدي الله - تعالى - فلا يُقبَل منه - وهو المتبع لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يكتفي بالعبادة وينعم بها من غير أنْ يُورثها غيره ولا يقبل منه أنْ يري منكرًا دون أنْ يكون له يدٌ في تغييره وتقويمه، ولا يُقبَل منه صمتٌ في مكانٍ يتحتَّم فيه الكلام، ويجب فيه الإنكار، فإذا رأى ظُلمًا دفَعَه عن المظلوم، وإذا رأى موقفًا لله فيه كلمةٌ قالها بأدب ولم يصمتْ؛ فالساكت عن الحقِّ شيطانٌ أخرس؛ ولذلك لا بُدَّ له من عملٍ ووظيفة ورسالة، فلا يكتفي بأنْ يمسك الكتاب وينعَم بفهْمه وحدَه بعد أنْ عرَّفه الله جلالَ الطاعة وسموَّ الوصل، ورقَّة العبادة وتذوُّقها، وأحبَّها، فهو يسعى لتعليمها الناس، وتبصيرهم بها وبمتطلَّباتها، فهو يُمسِّك غيره.

 

والفعل (مسَّك) بتشديد السين متعدٍّ إلى مفعول، ولكنَّ القُرآن حذَفَه؛ وذلك لتذهب النفس في تصوُّرِه كلَّ مذهب، فالمسلم الناضج الواعي الحصيف الذي يُدرِك مهمَّته ويُحسِن فهمَ رسالته لا يسكت إذا وجد مدخلاً لهداية الناس إلى الطريق، وتبصيرهم بسَلامة السبيل؛ كبارًا وصغارًا، شبابًا وشيبًا، رجالاً ونساءً، مقيمين ووافدين، بيضًا وسودًا، عربًا أم غير عرب، مثقَّفين وغير مثقَّفين، ما داموا يجهَلُون القضيَّة والفهْم، ولا يلمُّون بفَحوَى الخطاب، فهو لا يفتَأ يتكلَّم ويُبيِّن، ويشرح ويوضح وأجرُه على الله، لا ينتظر مدحًا، ولا يَهاب قدحًا، ولا ينتظر من أحدٍ من الخلق جَزاءً، وإنما يلتَمِس منهم دُعاء، ومن ربه قُربًا وصَفاء، ويَذُوب بين يدي ربِّه حَياءً وبُكاءً، ويطلب إليه - سبحانه - قبولاً واصطِفاء، فهو مشغولٌ بدعوته، مهمومٌ ببني جلدته، (يُمسِّك بالكتاب)، فالحذف للمفعول أدخَلَ كلَّ شيءٍ في الحياة، فهو من صَمِيم عمل الداعية، وذكر المفعول لا يُؤدِّي أداءَه، وهو محذوف؛ لأنَّه أطلق العمل، وفتح السُّبُل للداعية أنْ يعدل كلَّ معوجٍّ، ويُقوِّم كلَّ مائل، ولا يَخاف في الله لومةَ لائم؛ ففي الحديث الشريف: ((لا يمنعنَّ أحدَكم هيبةُ الناس أنْ يقول بحقٍّ إذا عَلِمَه)).

 

فأمر الدعوة في بالِه، لا ينساه وإنْ نَسِي نصيبَه وحظَّه من لُقمةٍ يتبلَّغ بها، أو مال له يُحصِّله، أو حظٍّ له يتركه، والعجيب أنَّ الآية قالت: ﴿ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ﴾ [الأعراف: 170] ولم تقل: (يُمسِّكون الكتاب)، وكأنَّ الممسِك قد أمسى عاشقًا للقُرآن، ولهانَ به؛ يعيش له، رابطًا مصيرَه به، ذائدًا عنه، ناشرًا إياه، مُتحمِّلاً لكلِّ ابتلاء في سبيل إفهامه للخلق وبَيانه للناس، فهو دائم الحمل له، مستمرُّ الحديثِ عنه، كأنَّه يرفَعُه في كلِّ مَوطِن، ويُبرِزه في كُلِّ موقفٍ يلهج لسانه به، وبقِيَمِه وضَوابِطه، وتَعاليمه وقَوانينه ونَوامِيسه؛ ذلك لأنَّه يعيشُ له، ويَسعَى لبيانه، ويحيا لتِبيانه، فلشدَّة حِرصه وحدبه على الناس ومحبَّته لهم، يحمله دَوْمًا: نطقًا وعملاً، وفهمًا وتطبيقًا، وسلوكًا ومعاملةً، وأخلاقًا وشرحًا، فهو بحقٍّ لا يستريح حتى يرى الناس كلَّ الناس قد دانوا لله بالوَلاء، ولرسوله بالحبِّ والانتماء، وللإسلام بالفضل والنعماء، لا يرقأ له جَفن، ولا يطمئنُّ له قَلب، ولا يهدأ له بال، ولا يقرُّ له قَرار، حتى يرى الجميعَ يسجُد لله صاحبِ الجلال، الكبير المتعالي، ويقتدون بسيِّد الخلق وصاحب المعالي، والشِّيَم وكريم الخلال، والذي اتَّصَف بكلِّ كمال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكنَّ هؤلاء المُمسِّكين غيرهَم لا ينسون أنفسهم؛ فهم يأخُذون الزادَ لربِّ المعاد ويوم التناد؛ قالت الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الأعراف: 170].

 

فهم يُدرِكون أنَّ تمسيك الناس بالكتاب يتطلَّب زادًا واتِّصالاً؛ ومن ثَمَّ فهم يُقِيمون الصلاةَ عارفين أنها وَقُود العمل وسرُّ استمراره، وإقامتها تعني الكثير، فهم لا يصلون فقط، لكنَّهم يُقِيمون الصلاة، فهي بالنسبة لهم إقامة معوجٍّ، وتقويم مائل، وإصلاح فاسد، وتعديل حياة، ومنهج وُجود، لله الواحد المعبود، ومن هنا فهُم حريصون أشدَّ ما يكون الحِرص، عازمون أشدَّ ما يكون العزم على إقامتها بحقِّها ومُستحقِّها، فالهدف بالنسبة لهم معلومٌ، والوسيلة موجودةٌ؛ ومن ثَمَّ فالغاية موفورة، والمقصد واضح، وكما تقول الحكمة: "إذا ما وضح الهدف سهُل السبيل"، فهم أناسٌ كِرام على مولاهم، عزاز على ربهم، بصَّرهم به، وهَداهم إليه، وقرَّبهم منه، وحبَّبهم فيه، وأخَذ بأيديهم إليه، فعَمِلوا لجلاله، وشرفوا بالمهمَّة بين يديه، فهم يجدون في منتهى الذلَّة له منتهى العزَّة لهم، وصادق البكاء له هو السبب في كلِّ ارتقاءٍ منه، والنحيب بين يدَيْه مظنَّة التقريب والدموع دليل الخشوع، وتمام الاعتراف له بالمنَّة سببٌ في دُخول الجنَّة والإنسانيَّة الحقَّة في العبوديَّة الحقَّة، وأدركوا أنَّ كمال الخلق في كمال السجود للحق؛ فاستحقُّوا فضلاً منه أنْ ينعموا بقوله في نهاية الآية: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170] فتكلَّم - سبحانه - بنون العظمة التي تُناسِب قدرَهم عنده وحبَّه لهم، وبأسلوب التوكيد (إنَّا) الذي يُرِيح أفئدةَ أهلِ الدعوة، ويُبكِي أعينَهم؛ شوقًا إليه، وذوبًا في لقائه، وافتراش الجبهة بين يديه، وسكب العبرات الغوالي بانكسار قلب، ودموع عين، وفرحة فُؤاد، وسَعادة نفس، إنَّه الله - جلَّ في عُلاه - صاحب الفضل في النفس والنفيس، والفتيل والقطمير، والشهيق والزفير، إنَّه - تعالى الله - لا يُضيع أجرهم، ولا يُبدِّد ثوابهم، ولا يَحرِمهم جهدهم، ولا يمحَق أعمالهم، وإنما يُثمِّن جهدهم، ويُعطِيهم سُؤلهم، ولا يترهم أعمالَهم، إنَّه - تفضُّلاً منه، وهو هاديهم - يقول: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170]، فسمَّاهم مُصلِحين رغم هِدايته إيَّاهم، وتبصيره لهم، وامتنانه عليهم، ومع ذلك لم يُضيع لهم الأعمال، ولكن حَفِظَها لهم في المآل؛ يُضاعِف لهم الأجر، ويزيدهم من فضله؛ فهو الحنَّان المنَّان، وهو واهب المِنَن العظام، فوصفَهُم بالمصلحين لا الصالحين، فالصالح صالِحٌ في نفسه، أمَّا المصلح فهو مَن أدرك مهمَّته وأتْقن رسالته، فهو يقوم بها لا يشغله عنها شاغلٌ، ولا يأخذه حظٌّ من الحياة، مشغولٌ بالله، ماشٍ في هُداه، مقرٌّ بنعماه، عاملٌ ليوم يَلقاه، جَلَّ ربُّنا في عُلاه.

 

بكشف المعنى وإيضاح الدلالة تظهَر الآيات الكريمات أنَّ لها إسهامًا ودورًا كبيرًا في إضاءة جوانب التركيب، وتزويد التفسير بجليل المعاني وسامي المفاهيم؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

 

الملاحَظ في هذه الآية أنَّ الفعل "جعل" يتعدَّى إلى مفعولَيْن أصلهما المبتدأ والخبر، وهما هنا ﴿ كلمة الذين كفروا ﴾والمفعول الثاني: ﴿ السُّفلى ﴾؛ بمعنى: أنَّه - سبحانه - صيَّرها وغيَّرها من "عُليا" في أنظار القوم إلى "دُنيا وسُفلى"، وهذا الجعل وذلك التغيير لا يمكن أنْ يكون إلا من الله - عزَّ في عُلاه - فمهما بدَتْ صولة الباطل وعلا صوتُه وارتفع ضجيجُه فقد قضت الحكمة الإلهيَّة أنَّ كلمة الله - جلَّ جلاله - بأنَّه تعلو ولا يُعلى على كلمته، ولا يرتفع فوق صوت الحق صوتٌ آخَر، والكلمة هنا بمعنى الصولة، والقدْر والمكانة والحكم، والصِّيت والسُّمعة، وهذا شأنٌ عقدي لا بُدَّ من تغلغُله في النفس، وتعمُّقه في الفُؤاد، وتجذُّره في النفس؛ ولهذا فإنَّه يلزم على أهل الحقِّ ألا يضطربوا أمامَ الباطل مهما انتفَش، ولا يقلقون منه مهما انتعَش، فإنها سَحابة صيفٍ عن قليل تقشَّع، وضَباب خفيف يزول بطُلوع الشمس وإشراق النهار، فالحقُّ أبلج ولكنَّ الباطل لجلج، والباطل ساعة لكنَّ الحقَّ إلى قيام الساعة.

 

وكلمة ﴿ السُّفلى ﴾ هنا هي أفعل تفضيل مؤنث ومذكَّره (الأسفل)، فهي ليست سافلةً فقط، وإنما هي في مستنقع السُّفول الآسِن، وفي عُمق التدنِّي الراكد، فهي في سابع أرض، وإنْ بدا على السطح أنها ظاهرة وعُليا في سابع سماء.

 

نقول: فلانة أصغر من أختها، لكن فلانة الأخرى هي الصغرى؛ أي: لا أصغر منها في جنس أخواتها؛ لأنَّ أفعل التفضيل المعرف بـ"أل" يعني: أنَّه وصَل القمة في الصفة التي سِيق لها؛ ومن ثَمَّ فلا تأتي  بعده (من) التي تُبيِّن وجود مقابل مشترك معه في الصفة، غير أنَّ المفضل المتقدم فاقَهُ في تلك الصفة؛ فكلمة الذين كفروا لا أسفَلَ منها ولا أدنى، فهي في الوحل قابعة، وفي الطين راتعة، بل مُتمكِّنة في تسفُّلها وتدَنِّيها، وهذا ما تحكيه مُعطَيات الألفاظ في  الآية، وكذلك هو ما يُؤكِّده الواقع، وهو خير دليلٍ يَراه المرء الراصد للظالمين والكافرين، ومَن لفَّ لفَّهم، وسار على ظَلام دربهم.

 

لكنَّ العجيب في الآية أنها قالت بعد ذلك: ﴿ وكلمة الله هي العليا ﴾ فلو أنَّ الواو كانت عاطفةً لكان اللفظ منصوبًا، (وكلمة) لكنَّ الواو هنا لها توجيهات: الأول أنها استئنافيَّة ابتدائيَّة بعدها معنى جديد وإحساس مخالف، ومنظومة مُتبايِنة عمَّا قبلَها، والثاني: أنها لعطف الجمل حيث تعطف جملةً كاملة هي ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ [التوبة: 40] على جملةٍ سابقة هي ﴿ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾ [التوبة: 40]، ومن ثَمَّ فالضمَّة في "كلمة" تعني: أنها لم تتَّصِل بما قبلها لفظًا، إنْ كانت ترتبط الجملتان في المعنى الكلي التقابلي الذي يكشف عن طبيعة الكلمتين وماهيَّتهما، فهذه الضمَّة التي تظهَر أمامنا على أنها حركةٌ إنما هي منظومة عقديَّة قويَّة تتغلغل في فؤاد المؤمن، ويمتَلِئ بها قلبه الذي ينطَوِي على أنَّ كلمة الله (وهي كلمة وقُدرته وقوله ودِينه ومَشِيئته) هي عُليا ابتداءً لا بجعْل  جاعل، ولا يمكن لها في أيِّ لُحَيظةٍ في الحياة من تنزل عن قَدرها السامي، ويجبُ أنْ يعتقد هذا، ولو بدا أنَّ الدِّين غير محكَم، أو أنَّ شعائر الله غير قائمة، لكنَّ قلوب الناس تعشق الأوامر وتنفذها، وترى طاعة الله واجبةً وأنَّ كلمته نافذة.

 

فالضمة قامت بدورٍ كبير في تعميق قضيَّة المشيئة الإلهيَّة، والإحاطة الكاملة بالكون ومَن فيه، وتجد ذلك - إضافةً إلى ما أحدثَتْه الضمة - حاصلاً من وُجود ضمير الفصل (هي) الذي لم يوجد في الجملة السابقة، فكأنَّه تأكيدٌ بعد تأكيد في أنها وحدَها هي العُليا لو تخلَّى عنها أهلها وتركوا نصرتها، ولكن ذلك - بفضْل من الله - لا يكون فإنَّ لله عِبادًا وقَفُوا أنفُسَهم وأنفاسهم لنُصرة دِينه، والذود عن حِياض قُرآنه وشرعه، فهم يضَعُون أرواحهم رخيصةً على أكُفِّهم حُبًّا لربهم، وإجلالاً لشرعه، وتقديسًا لدِينه، لكن لو افتُرِض جدلاً تخلِّيهم عن نُصرة الكلمة فهي كلمةٌ منصورةٌ ابتداءً، وعزيزةٌ أصلاً، وشامخةٌ طيلة هذه الحياة.

 

واستعمال أفعل التفضيل المعرَّف بـ"أل" يَشِي بذلك ويُؤكِّده، فلا أعلى منها ولا أرقى ولا أسمى ولا أشمخ، فهي "عليا" على مَدَى الحياة، وفي كلِّ مرحلة فيها وصقع وركن، دُون أنْ يُعليها أحد، لكن يبقى أنْ أقول: إنَّ الذي يرتَكِن إليها ويعمَل لها، هو الذي يرتفع ويَسمُو وتعلو مكانته؛ لأنَّه يأخُذ شيئًا من أوصافها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف: 44]، ويقول - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].

 

فالعامل بها يرتفع، والمتنكِّب طريقَها ينخَفِض، ولا تقوم له قائمة قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 72]، وقال - جل جلاله -: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 

فالله أكبر، والحمد دومًا لله الذي أورَدَ في كتابه هذه الآية على تلك الشاكلة مرفوعةً غير معطوفةٍ بالنصب على ما قبلَها، فالحركة اليسيرة أعطَتْنا هذه القَضايا الخطيرة والمنظومة العقَديَّة الكاملة.

 

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّه ومُصطفاه ومَن على هديه سار، وأثره اقتفى، اللهمَّ لك الحمدُ على نعمة الإسلام وحبِّ القُرآن، واتِّباع الرسول - عليه الصلاة والسلام - وعلى تعليمك لنا لغةَ كتابِك، اللهمَّ زدنا منها غرفًا لنَزداد منك قُربًا، وعَلِّمنا منها ما جَهِلنا، لنرتقي منك باعًا، ونقترب منك كلَّ يوم ذِراعًا، ونأتي إليك هَرولة وسِراعًا، اللهمَّ زِدْ لغةَ كتابك في قُلوب الناس مهابةً، وحَبِّبها إليهم، ويسِّر لهم تعليمَها؛ ليَعرِفوا جلالك، ويُدرِكوا كمالك.

 

والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وتحصل الخيرات، وتُرفَع الدعوات، وتنزل النِّعَم والفيوضات وتُقضَى الحاجات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العربيةُ تشكو أبناءَها
  • من قضايا النبر في العربية
  • أبنية اللغة العربية في الشعر الجاهلي
  • اللغة العربية
  • النحت في اللغة العربية
  • من عبقرية اللغة العربية
  • معنى التفسير ومنهجيته الصحيحة

مختارات من الشبكة

  • أحكام الحركة التي ليست من جنس الصلاة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • الحركات الباطنية اليهودية الحديثة: الحركة الحسيدية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كثرة الحركة في الصلاة(استشارة - الاستشارات)
  • ألبانيا: عرض كتاب عن دور العلماء في الحركة القومية للألبان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • آداب المتعلم داخل الفصل ومع الكتاب (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كثرة الحركة في الصلاة من غير ضرورة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • ضوابط الحركة من جنس الصلاة (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الحركة العلمية بالأندلس في القرن السادس الهجري: أسباب ازدهارها، وأعلامها (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الحركة العلمية بصقلية وإفريقية في المنتصف الأول من القرن السادس الهجري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إفراط الحركة لدى الطفل(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- التعليق على الكاتب
hesham hassan - مصر 06-12-2021 04:48 PM

قلمك رشيق
وفهم عميق

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب