• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (4/ 10)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/1/2011 ميلادي - 28/1/1432 هجري

الزيارات: 43680

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العناية بمنظور المتلقي عند نقادنا العرب:

ونتوقف فيما يلي عند ثلاثة نقاد برزت عنايتهم بمنظورِ المتلقي بشكل واضح، وهُم: الجاحظ، وعبدالقاهر الجرجاني، وحازم القرطاجني.

 

يقول الجاحظ (ت255هـ): "مدار الأمر على البيان والتبَيُّن، وعلى الإفهام والتفهُّم، وكلما كان اللسان أبين كان أحمد، كما أنه كلما كان القلب أشدَّ استبانة كان أحمد، والمُفهم لك والمُتفهِّم عنك شريكان في الفضل"[1]، وينقل عن الإمام إبراهيم بن محمد قوله: "يكفي من حظ البلاغة أنْ لا يُؤتى السامعُ من سوء إفهَامِ الناطق، ولا يُؤتى الناطق من سوء فهْم السامع"[2]، ثم يعلق على قوله: "أمَّا أنا فأستحسن هذا القول جدًّا"[3].

 

فالجاحظ يشترط في معرفة حقائق المعاني ولطائف مقاديرها ضرورةَ وجود عالم حكيم، وناقد قوي المنَّة وثيق العقدة، لا يَميل مع ما يستميل الجمهور الكبير، ويضع التبَيُّن قرين البيان، والتفهُّم قرين الإفهام، والتفهيم بهذا الوصف عدل الإفهام، والمتلقي المُحسِن للتذوُّق شريك للمتكلم المُحسِن البيان... وما دامت هناك شركة بين المُفهِم والمتفهم، فإنَّ كل دراسة جادة ويقظة لكلِّ قصيدة أو أي عمل أدبي قديمًا أو محدثًا هي جزء من هذا العمل ومن تَمامه، ولو استطعنا أن نَجمع كلَّ شروح القصيدة، وما كُتِب عنها ووضعناها معها في سِفر واحد، لكان ذلك تحقيقًا لمراد الجاحظ ومن حق الشركة، ويدُلُّك قول الجاحظ بما فيه - من حرص على وجوب الربط بين إنشاء الأدب وتلقيه، ومن ضرورة تحقُّق الفهم والإفهام - على أنه سمَّى كتابه "البيان والتبيين"، وكأنَّه يرى أن قيمة البيان أنْ يسكن في قلب متلقٍّ مهيَّأٍ له[4].

 

ومن ذلك نفهم أنَّ الجاحظ كان شديدَ الاهتمام بقضية الفهم والإفهام (إفهام السامع وإقناعه)؛ لذلك فهو يُدخل المُخاطَب (المتلقي) كعنصر فعَّال وأساسي في العملية البيانية، ليس هذا فحسب، بل بوصفه الهدفَ الرئيس منها، الشيء الذي كان غائبًا عن اهتمام الفقهاء الذين كان يهمهم بالدرجة الأولى قصد المتكلم في القرآن والسنة.

 

ولما كان اهتمام الجاحظ مُتجهًا إلى المخاطب أو السامع على هذا النَّحو، فقد وضع في نظريته البيانية التي عمل على تأسيسِها المخاطب/ المتلقي وأحواله النفسية والاجتماعية موضع الاعتبار الكامل، ولذلك نَجده في كتاباته يلجأ إلى الاستطراد والتنويع في الأسلوب قصد الترويح على المتلقي وشده إليه، حتى ولو أدَّى به ذلك إلى الخروج عن الموضوع؛ مما يعني أنَّ الجاحظَ لم يعرض لشروط إنتاج الخطاب المُبين عرضًا منطقيًّا مُنظمًا؛ لإيثاره الطريقة البيانية الاستطرادية؛ حيث سار في كتابه "البيان والتبيين" حسب تصميم منطقي "مضمر" عرض من خلاله العمليَّة البيانية بمختلف مراحلها، منطلقًا من شروط "الإنتاج" الجيد أو المبين، إلى مُتطلبات الحصول على "الاستجابة" المرجوة[5].

 

وعلى هذا فإنَّ المتلقي - كفاعل في النص - لا ينجو هو الآخر من التأثُّر بالإرسالية التي تحرص على توليد ردود فعله؛ لأنَّ كل نص جيد "يَمتلك وظيفة تأثيرية... وعندما نفكر حسب المفهومات البلاغية، فإنَّنا ننظر مبدئيًّا إلى النص من زاوية المستمع/ القارئ، ونجعله تابعًا لمقصدية الأثر، ففي النموذج البلاغي للتواصُل يحتل متلقي الخطاب المقام الأول"[6].

 

ولا أظن أنَّ قولَ الجاحظ - "مدار الأمر على البيان والتبَين..."، ولا قول الإمام إبراهيم بن محمد الذي استحسنه الجاحظ" يكفي من حظ البلاغة..." -[7] إلاَّ في صميم نظرية "الشعر طريقة إبداع وتلقٍّ"، بل إنَّ الأدب عمومًا "عملية إبداع جمالي من مُنشِئه، وهو عملية تذوق جمالي من المتلقي"[8]، وذلك أننا لا نتصور شعرًا دون تلق وتذوق، ولا تلقيًا متذوقًا دون إبداع.

 

لكن هذا القول الذي أوردته للجاحظ - وبخاصة منه "والمُفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل" - يومئ إلى علاقة جدلية متفاعلة بين النص والمتلقي على نحو يُحتفى به، وعلى نحو يحفز إلى القول بأنَّه في حالة الحديث عن "التلقي تاريخًا ومفاهيم" يكون من الوفاء ذكر إسهامة الجاحظ تلك ونحوها في التُّراث الأدبي العربي القديم[9].

 

إنَّ قول الجاحظ: "والمُفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل" - يدُلُّ على إدراك الجاحظ لظاهرة التلقي ووعيه بها، كما يدل على أنَّ عملية التلقي لها جذور في التراث النقدي العربي، وأنَّ النص الأدبي محوري في علاقته بالقارئ، ولعل السر في ذلك "أنَّ اللغة شركة بين المبدع والمتلقي يفهمها كل منهما في نطاق عُرْفٍ مشترك أولاً، ثم في حدود ذوق عام ثانيًا، إذا تباينت الأذواقُ الفردية ردَّها هذا الذوق العام إلى بساط مُشترك تنكسر به حدة ذلك التبايُن، فيتحقق التفاهم المنشود، إنَّ الذين أعلنوا موت المؤلف لا يستطيعون إنكارَ أن النص تراث من تركته، وأنَّ القارئ وارث لهذه التركة، لا يُثبتُ لنفسه حقًّا في الاستمتاع بها إلاَّ بعد أن يُثبت صلته بالمُوَرِّث، فلو انقطعت هذه الصلة بينهما لم يَعُدْ للوارث أن يتكلم عن حقه في استعمال التركة، فإذا كان النص ترِكةً، وكان الذوق العام دليلَ إثبات الصلة بين القارئ وصاحب النص، فإن الذوق الفردي يُشبه حَقَّ الوارثِ في أن يتصرف في التركة تصرفًا فريدًا بعد الحصول عليها؛ لأنَّها عندئذ تصبح ملكًا خاصًّا له، ولكنه عندئذ إما أن يدعو لمُوَرِّثِه بالرحمة، أو أن يقف منه موقفًا آخر"[10].

 

وقد يتفق للقارئ أن يلتقي مع منشئ النص على فهم فردي واحد، ولكنَّه في كثير من الأحيان ينقاد بذَوقه الفردي إلى غير ما قصده المنشئ، وله كامل الحق في ذلك، وهكذا يُصبح النصُّ بالنسبة إلى القارئ منجمًا يستخرج منه ما شاء من السبائك، ومنها سبائك لم ترد على بال المنشئ، ولا طافت له بخاطر، ذلك هو السببُ المباشر فيما سبقت له الإشارة إليه من غلوِّ بعضِ النقاد حين أعلنوا موتَ المؤلف، وحين قال أبو نواس: "أَلاَ فَاسْقِنِي خَمْرًا وَقُلْ لِي هِيَ الْخَمْرُ" ترك لنا أن نستخرج المقصود من قوله: "قُلْ لِي هِيَ الْخَمْرُ"، فهل كان ذلك منه إعلانًا لتحدي تحريمها، أو كان دعوة إلى إشراك سَمعه مع بقية جوارحه في الاستمتاع بها، أو كان طلبًا لعدم قتلها بالماء أو ماذا؟ إن على كلِّ قارئ أن يشارك في بناء معنى النص، ولو خالف ما أراده أبو نواس[11].

 

وقديمًا اشترط هوراس في الكلام البليغ أنْ تَتعدد فيه الدلالات المستترة حتى تحتاج في إيضاحها إلى ألفاظ جديدة لم تكتب في النص[12]، تاركًا بذلك مساحة للمتلقي الحاذق وقدرته على التأويل، وتشقيق أغلفة الألفاظ، وصولاً إلى طبقات المعاني المضمرة في النص، وعلى حسن استخدام خبرته في تراسُل النصوص وتفاعلها في سياقات ثقافية متغيرة، من أجل إغناء النص وإثرائه.

 

ومن ذلك أنَّ أبا الطيب المتنبي كان إذا سئل عن معنى قاله، أو توجيه إعراب حصل فيه إغراب، "قال: عليكم بالشيخ ابن جني فسلوه، فإنَّه يقول ما أردت وما لم أرد"[13].

 

فعندما نتأمل قول المتنبي: "فإنه يقول ما أردت وما لم أرد" يدلُّنا على أن قراءةً كقراءة ابن جني - العالم اللغوي الخبير باللغة - تكشفُ له كثيرًا من مراد الشاعر، ومن غير مراده، والذي يَعنينا قوله: "وما لم أرد"، فهذا هو "فعل التلقي الجيد"، الذي يشارك في كشف خبايا النص والغوص على معانيه، والوقوف على ما لا يخطر ببال منشئه.

 

بَيْدَ أنَّ الفضل كل الفضل هو في هذه القدرة على إنطاق النص بما لم يكن يخطر للمُبدع ببال، لا افتئاتًا عليه؛ بل إغناءً، ولعل هذا أهم ما يقوم به النقد حقًّا، وهو لأمرٍ ما كان المتنبي بثاقب نظره يعرفه، بل لعله يوجه إليه حتى لكأنَّما هو يدرك بعد أن يفرغ من شعره يغدو هذا الشعر ملكًا لغيره، لهم أن يَرَوْا فيه ما شاؤوا، ولكن هذا "الغير" لا يُعبِّر عنه، ولا يُمثله إلى الصفوة من علماء الشعر أمثال ابن جني، هؤلاء الذين صرح المتنبي بأنه يتَّجه بالشعر إليهم... وذلك ما يدل عليه هذا الخبر، الذي يرويه ابنُ جني عن المتنبي، الذي قال له يومًا: "أتظن أنَّ عنايتي بهذا الشعر مصروفة إلى من أمدحه؟ ليس الأمر كذلك، لو كان لهم لكفاهم منه البيت، قلت: فلمن هي؟ قال: هي لك ولأشباهك"[14]، والقول بأن العناية مصروفة لابن جني وأشباهه يعني فيما يعنيه أنَّ من وراء هذه العناية قصديَّة في الإبداع والتلقي.[15]

 

ويتصل بهذا السياق موقف لأبي تمام يذكره التاريخ يدل على إخلاصه للغته، وإخلاصه لمتلقي فنه، مما يعكس ما يُمكن أن يسمَّى بـ "مسؤولية التلقي"، وذلك لمَّا سأله أبو سعيد وأبو العميثل مُسْتنكِرَيْن: "لِمَ لا تقول ما يفهم؟!"، فرد أبو تمام عليهما مبكتًا، وعَكَس السؤال، فقال: "ولِمَ لا تفهمان ما يقال؟!"[16].

 

هذا الحوار الأخير يجسد تقاليدَ التلقي القديمة وجمالياته التي تتوقع نصًّا سهل الفهم، قريب المأخذ والاستيعاب، دون كبير تأمُّل أو تفكير، أمَّا تساؤل أبي تمام: لِمَ لا تفهمان ما يقال؟!، فيقترح نظرية أخرى - إن لم تكن بديلة - في إطار التواصل بين الشاعر والمتلقي وهي نظرية "التلقي المسؤول"[17].

 

وأبو تمام بهذه الإجابة أيضًا يلفت الانتباهَ إلى أزمة التوصيل بوجه عام، وفي إطارها يطرح نظرية "التلقي المسؤول"، فقد وضع أبو تمام المتلقي قريبًا منه في دائرة الإبداع، وأراد أنْ يرقى به حيث ينبغي أن يكون الشعر؛ لأنَّ في الهبوط بالشعر إلى المتلقي هبوطًا بهما، فموقفه يحترم الفن والمتلقي، وعملية التواصُل عنده لا تتم من طرف واحد فقط هو المبدع، وإنَّما لا بد من الطرف الآخر وهو السامع أو القارئ/ المتلقي، هذا الآخر عليه أن يشترك بالإيجاب في العملية الإبداعية؛ لأنها "جهد مشترك يجب أنْ يَحمل عبئه المنتج والمستهلك جميعًا"[18].

 

معنى هذا أنَّ دور القارئ/ المتلقي في صلته بالنص لم يَعُد دورًا استهلاكيًّا فقط، ولم يقتصر على الاستجابة للنص استجابة حرة تُرضي ظمأه الجمالي، وتشبع فيه - وهو في عزلته البهيجة تلك - نزوعه إلى التلقي الشخصي الممعِن في كثافته وفرديته، بل أصبح هذا القارئ طاغية جديدًا، تشكلُ استجابته للنص نسيجَ الموقف النقدي برُمَّته، وهكذا شهدنا، ومنذ الستينيَّات اتجاهًا نقديًّا مؤثرًا يقوم على "سُلطة القارئ"، ويَستند إلى استجابته للنص الإبداعي: نقد استجابة القارئ Reader - Response Criticism، وهكذا تحولت عناية النقاد من النص باعتباره بناءً متحققًا للمعنى إلى استجابة القارئ وهو يتابع النص مطبوعًا على الورق.[19]

 

ولا شكَّ أن هذا الاتجاه قد جعل من نشاط القارئ مولدًا لعدد كبير من الدلالات والمعاني، كلُّ قارئ للنص يولد في حقيقته أحَدَ المعاني الممكنة للنص المقروء، ويُمثل القراء بعددهم المتنامي اختلافَ الاتجاه وتنوُّع الدلالة.

 

إنَّ ارتباطَ النص بمؤلف بذاته يعني انغلاقَه على معنى نهائي واحد لا يقبل التعدُّد كما يرى نُقاد هذا الاتجاه، أمَّا الركون إلى استجابة القارئ، فهو طريق لا نِهاية له صوب معانٍ للنص لا نهاية لها[20].

 

وهكذا يُمكن أنْ نستنتجَ أنَّ ظاهرة التلقي بدت في الإرث البلاغي والنقدي وكأنها إجابة عن سؤال، فالنص رحم: "تنمو فيه المعاني وتتناسل المؤثِّرات، والمتلقي يُولد - بحسب طاقته القرائية - ظلالاً من المعاني الممكنة، أو يضع اليد على معان ممجوجة مكررة، ويَستجيب - إن صدًّا أو قبولاً - لما يبسطه النصُّ من أسئلة يعود معظمها إلى بنية القول وهَيْئته، ويعود بعضها الآخر إلى ما أُنتج قبلَه من نصوص تزدحم في ذاكرة القارئ"[21]، كما أنَّ هذا المتلقي - ومن خلال كتب الأسلاف النقدية - ليس مُجرد موضوع للتأثير عليه من طرف المبدع، بل إنَّه يسهم "بقسط غير قليل في صياغة الأسئلة الجمالية والقيميَّة التي سيجيب عليها، حتى لكأنَّه السائل والمجيب في آن"[22]؛ مما يوضح أثر وظيفة المتلقي في كيفيات القول وسماته الفنية.

 

إنَّ تسمية البلاغة لم تكن اعتباطية، بل سميت بلاغة؛ لأنَّها "تُنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه..."[23] من هنا فهي مُرتبطة أشد الارتباط بجمالية الكلام، وهذا يدُلُّ على أن الاهتمام بمحور التقبل/ التلقي كان سائدًا منذ الإرهاصات الأولى للتفكير البلاغي والنقد العربي، ثم إن الدور الاتصالي التأثيري (الإفهامي) للبلاغة يجرنا للحديث عن "النظرية البيانية" التي أسَّسها الجاحظ الذي أصَّل مفهوم البيان؛ حيث جعله اسمًا جامعًا "لكل شيء كشف لك قناع المعنى... حتى يُفضي السامع إلى حقيقته... لأنَّ مدارَ الأمر والغاية التي يَجري عليها القائل والسامع إنَّما هي الفهم والإفهام"[24].

 

إنَّ عملية التواصُل مبنية على أساس هذا الفهم المشترك؛ إذ يشترط وجود المتلقي في كل عملية تخاطُب أدبي، وهذه الحقيقة التواصلية تعد أساسًا ومنطلقًا لعالم واسع من الإنتاج والتلقي، يتجاذب طرفاه: الكاتب (النص) والمتلقي؛ إذ إنَّ عملية التواصل والفهم المشترك من أكثر العمليات الأدبية دقة وصعوبة؛ لأنَّها تلخص العملية الإبداعية برمتها، ويفسر هذا اهتمام النقد العربي القديم والبلاغة العربية بـ "التلقي"، وقد حاول الجاحظ - في وقت مبكر - ابتكارَ طرق للمحافظة على نباهة المتلقي وكسب انتباهه، وأدخل ضروبًا من الحيل؛ كي لا يَمل القارئ حين قال مشيرًا إلى كتابه "البيان والتبيين": "وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يدواي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال، فمن ذلك أن يُخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن ومن جمهور ذلك العلم"[25]، "فللكلام غاية، ولنشاط السامعين نهاية"[26].

 

إنَّ إشارةَ الجاحظ هذه تدل على إدراكه لأبعاد التلقي ومُراعاة حالة القارئ ونفسيته، وضرورة مشاركة القارئ في إظهار النص.

 

ولقد أفاد حازم من فكرة المراوحة هذه عند الجاحظ، واقتدى بذلك في منهاجه، دليل ذلك قوله: "وإنَّما يحسن الكلام بالمراوحة بين بعض فنونه وبعض، والافتنان في مذاهبه وطرقه، فيزداد حب النفس لما يرِد عليها من ذلك إذا كانت زيادته غِبًّا"[27].

 

والجاحظ حريص على مُراعاة "طبقة المتلقي"، فيقول: "وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عاميًّا، وساقطًا سوقيًّا، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريبًا وحشيًّا، إلاَّ أن يكون المتكلم بدويًّا أعرابيًّا؛ فإنَّ الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس، كما يفهم السوقي رطانة السوقي، وكلام الناس في طبقات كما أنَّ الناس أنفسهم في طبقات، فمن الكلام الجزل والسَّخيف، والمليح والحسن، والقبيح والسمج، والخفيف والثقيل، وكله عربي، وبكُلٍّ قد تكلموا، وبكل قد تَمادحوا وتعايبوا، فإنْ زعم زاعمٌ أنَّه لم يكن في كلامهم تفاضُل، ولا بينهم في ذلك تفاوُت، فلم ذكروا العَيِئَ والبَكِئَ، والحَصِر والمُفحَم، والخطِل والمُسهَب... وقد أصاب القوم في عامة ما وصفوا، إلاَّ أنِّي أزعم أنَّ سخيفَ الألفاظ مُشاكل لسخيف المعاني، وقد يَحتاج إلى السخيف في بعض المواضع، وربَّما أمتع بأكثر من إمتاع الجزل الفخم من الألفاظ، والشريف الكريم من المعاني، كما أنَّ النادرة الباردة جدًّا قد تكون أطيبَ من النادرة الحارة جدًّا، وإنَّما الكرب الذي يختم على القلوب، ويأخذ بالأنفاس، النادرة الفاترة التي لا هي حارة ولا باردة، وكذلك الشعر الوسط، والغناء الوسط، وإنَّما الشأن في الحار جدًّا والبارد جدًّا"[28].

 

ومن ناحية أخرى نَجد الإمام عبدالقاهر الجرجاني (ت471هـ) يولي "ظاهرة التلقي" عناية كبيرة، فهو يُوجه المتلقي للنص توجيهًا عمليًّا، كيف يتلقى النص؟ فيقول: "اعمد إلى ما تواصفوه بالحسن وتشاهدوا له بالفضل، ثم جعلوه كذلك من أجل النظم خصوصًا دون غيره مما يستحسن له الشِّعر أو غير الشعر من معنى لطيف أو حكمة، أو أدب أو استعارة أو تَجنيس أو غير ذلك مما لا يدخل في النظم وتأمله، فإذا رأيتك قد ارتحت واهتززت واستحسنت، فانظر إلى حركات الأريحية مِمَّ كانت؟ وعند مَنْ ظهرت؟ فإنَّك ترى عيانًا أن الذي قلت له كما قلت، اعمد إلى قول البحتري:

بَلَوْنَا ضَرَائِبَ مَنْ قَدْ نَرَى
فَمَا إِنْ رَأَيْنَا لِفَتْحٍ ضَرِيبَا
هُوَ الْمَرْءُ أَبْدَتْ لَهُ الْحَادِثَا
تُ عَزْمًا وَشِيكًا وَرَأْيًا صَلِيبَا
تَنَقَّلُ فِي خُلُقَيْ سُؤْدَدٍ
سَمَاحًا مُرَجًّى وَبَأْسًا مَهِيبَا
فَكَالسَّيْفِ إِنْ جِئْتَهُ صَارِخًا
وَكَالْبَحْرِ إِنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيبَا [29]

 

فإذا رأيتها قد راقتك وكثرت عندك، ووجدت لها اهتزازًا في نفسك، فعد فانظر في السبب، واستقصِ في النظر، فإنَّك تعلم ضرورة أن ليس إلا أنه قدَّم وأخر، وعرَّف ونكَّر، وحذف وأضمر، وأعاد وكرَّر، وتوخَّى على الجملة وجهًا من الوجود التي يقتضيها "علم النحو"، فأضاف في ذلك كله، ثم لطف موضع صوابه، وأتى مأتى يوجب الفضيلة، أفلا ترى أنَّ أول شيء يروقك منها قوله: "هُوَ الْمَرْءُ أَبْدَتْ لَهُ الْحَادِثَاتُ"، ثم قوله: "تَنَقَّلَ فِي خُلُقَيْ سُؤْدُدٍ" بتنكير السؤدد، وإضافة الخلقين إليه، ثم قوله: "فكالسيف"، وعطفه بالفاء مع حذفه المبتدأ؛ لأن المعنى: لا مَحالة فهو كالسيف، ثم تكريره الكاف في قوله: "وكالبحر"، ثم إنَّه قرن إلى كل واحد من التشبيهين شرطًا جوابه فيه، ثم إنَّه أخرج من كل واحد من الشرطين حالاً على مثال ما أخرج من الآخر، وذلك قوله: "صارخًا" هناك ومستثيبًا ها هنا، لا ترى حسنًا تنسبه إلى النظم ليس سببه ما عدَّدت أو ما هو في حكم ما عددت، فاعرف ذلك"[30].

 

ونتوقف عند قول عبدالقاهر: "اعمد إلى ما تواصفوه بالحسن، وتشاهدوا له بالفضل وتأمله"، ثم قوله: "فانظر في السبب، واستقص في النظر"، نجد أنَّه حريص على توجيه المتلقي إلى تأمُّل النصوص تأملاً جيدًا بمعاودة النظر فيها بالقراءة الواعية، وإنعام النظر استبطانًا وتعمقًا؛ لأنَّ الاستبطانَ والتعمُّق دليلان لا يُخطئان في الكشف عن جماليات الأثر الفني، وألفة النص لا تتحقق لدى المتلقي إلاَّ بأن ينسرب فيه معايشة وتفاعلاً، قراءة وتتابعًا؛ لأنَّ كل قراءة ناقصة وغير صالحة للاعتماد عليها، وإن النصوص التي تواصفوها بالحسن، وشهدوا لها بالفضل مبنية على قاعدة التحفظ؛ أي: إنَّها لا تبوح بمكنوناتها دفعة واحدة، بل إنَّها تتمنع على القارئ؛ ليزداد إغراؤها وتتكرس فاعليتها وجاذبيتها؛ أي: إنَّ النص عادة يجمع بين الألفة والغرابة، وبين القريب والبعيد، وبين الوضوح والغموض.

 

ثم نتوقف عند قوله: "فإذا رأيتك قد ارتحت واهتززت واستحسنت، فانظر إلى حركات الأريحية مِمَّ كانت؟ "فهذا يدلنا على أنَّ عبدالقاهر قد فطن إلى "إجراء نقدي نفسي" يُعنى بفحص حالة المتلقي الشعورية عند تلقيه النص الشعوري، وذلك لتحديد ما يُمكن تسميته لدى النقاد برد الفعل إزاء النص:[31] Reaction أو الاستجابة له: [32]Response؛ حرصًا منهم على توجيه المتلقي إلى الرجوع إلى نفسه لتأمل أحوالها المختلفة، من ارتياح أو ضيق، ومن تحمُّس أو ملل، ومن إقبال أو نفور، ومن حب أو بغض، وبعبارة أخرى: عَمَدُوا إلى حثه على فحص نفسه[33]: Introspection أثناء قراءة النص أو الاستماع إليه.

 

ويلاحظ القارئ وراء تحليلاته الأدبية مبدأ قارًّا يكاد لا يَحيد عنه، وهو أنَّ كل سياق فنيٌّ بالضرورة، حتى لكأنه من "زمرة الفلاسفة القائلين بأن جمال الشيء هو في أن يكون أداة صالحة لفعل ما أريدَ له أن تفعله"[34]، ولما كان معنى الكلام يحصل من نظم وحداته حسب مُقتضيات قوانين العقل، أصبح كل ذي معنى جميلاً.[35]

 

وإن صحَّ هذا التأويل تكون البلاغة قد دخلت مع الجرجاني طورًا جديدًا، لم تعد فيه القيمة الأدبية مرتبطة بنجاعة النص وتأثيره المباشر في مُتقبله، لحسن لفظه، ووضوح معناه وقربه من الأفهام، بل أصبحت خصوصيَّات في بناء المعاني تدرك بالعقل والتدبر والمثابرة على التأمل، لا بوقع الألفاظ في السمع؛ لذلك فأفضل التشبيهات في نظره "ما تقوى فيه الحاجة إلى التأوُّل حتى لا يُعرف المقصود من التشبيه فيه ببديهة السماع"[36]، ولذلك احتل "التمثيل" عنده مكانةً خاصةً، ونفهم ذلك من قوله: "إنَّ المعنى إذا أتاك ممثلاً، فهو في الأكثر ينجلي لك بعد أن يُحوجك إلى طلبه بالفكرة، وتحريك الخاطر له، والهمَّة في طلبه، وما كان منه ألطف كان امتناعه عليك أكثر، واحتجابه أشد"[37]، هكذا يشير عبدالقاهر إلى المسؤولية الواقعة على متلقي النص، فهو ليس متلقيًا فقط، وإنَّما هو شريك للمُبدع في إنجاز النص؛ لأنَّ شرف الصنعة وفضيلة العمل تكون بما يحتاجان إليه من دقة الفكر ولُطف النظر، ونفاذ الخاطر، وتلك مسؤولية المتلقي الحاذق.

 

ويُضيف عبدالقاهر مُستكملاً فكرته في الأبيات السابقة، فيقول: "وإنْ أردت أظهر أمرًا في هذا المعنى، فانظره إلى قول إبراهيم بن العباس:

فَلَوْ إِذْ نَبَا دَهْرٌ وَأُنْكِرَ صَاحِبٌ
وَسُلِّطَ أَعْدَاءٌ وَغَابَ نَصِيرُ
تَكُونُ عَنِ الْأَهْوَازِ دَارِي بِنَجْوَةٍ
وَلَكِنْ مَقَادِيرٌ جَرَتْ وَأُمُورُ
وَإِنِّي لَأَرْجُو بَعْدَ هَذَا مُحَمَّدًا
لِأَفْضَلِ مَا يُرْجَى أَخٌ وَوَزِيرُ

 

ويُعلق بعدها - محللاً ومعللاً سبب ما يَجد القارئ في نفسه من أريحية وإحساس بالحلاوة والطَّلاوة - فيقول: "فإنَّك ترى ما ترى من الرَّونق والطَّلاوة، ومن الحس والحلاوة، ثم تتفقَّد السبب في ذلك، فتجده إن كان من أجل تقديمه الظرف الذي هو "عن الأهواز" على اسم "تكون"، ولم يقل "كان"، ثم أن نكَّر الدهر ولم يقل: "فَلَوْ إِذْ نَبَا الدَّهْرُ"، ثم أنْ ساق هذا التنكير في جميع ما أتى به من بعد، ثم أنْ قال: "وَأُنْكِرَ صَاحِبٌ"، ولم يقل: "وأنكرت صاحبًا"، لا ترى في البيتين الأولين شيئًا غير الذي عددته لك تجعله حُسْنا في "النظم""[38].

 

ومع أنَّ عبدالقاهر أراد بعبارته الأخيرة أنْ يسدَّ على غيره باب كشف مَحاور أخرى لجمال النَّظم في الأبيات، فإنَّه نَسِيَ فيما يبدو أنْ يُشير إلى أشياء من مثل تقديم شبه الجملة "عن الأهواز" على اسم "تكون" وخبرها، وحذف المسند إليه في قوله: "ولكن مَقادير جرت وأمور"، وحذف خبر "أمور"، كما أنه لم يتوقف عند علة إفراد الشاعر لكلمات "دهر"، و"صاحب"، و"نصير"، في حين جمع "أعداء"، و"مقادير"، و"أمور"، ولم يُشر إلى سببِ تنكير الجميع، ولا إلى سبب استعمال "لكن" مُخففة مهملة، ثم إن عبدالقاهر وقف بتحليله عند البيتَين الأولين، وغفل عن ارتباطهما بالبيت الثالث، مع أنَّ الثالث هو بيت القصيد؛ لأنَّ الأولين إذا أفلحا في الإثارة، فسيكون للثالث مفعوله، كذلك فإن عبدالقاهر أشار إلى تقديم الظرف "إذ" من دون أنْ يكشفَ عما أفاده، أو ما يُمكن أن يفيده هذا الظرف على متعلقه "تكون"، ثم إتباع "إذ" بأربع جمل استغرقت معظمَ البيت الأول، كل ذلك من شأنه أن يجعل المتلقي منجذبًا، بل متشوقًا لسماع ما يريد الشاعر أن يتحسر عليه عبر الأداة "لو" التي أفادت هنا التمني أصلاً، حتى إذا وصل المتلقي إلى البيت الثاني، كان حفيًّا متأثرًا بهذا الذي يتحسر عليه الشاعر، ومن ثم لم يكُن على الشاعر حرج إنْ هو طلب الغوثَ والنجدة، وذلك ما كان منه في بيته الأخير.[39]

 

لكن يبدو أنه عند النقد تتقدم أفكار بعينها، وتتراجع أفكار غيرها، أو تبرز جوانب، ويخفت الضوء المسلط على جوانب أخرى، حتى نصل في نهاية الأمر إلى بناء جديد لأفكار العمل الفني، ولطريقة التعبير عن هذه الأفكار.[40]

 

والحق أنَّ هذا الإجراء يشير إلى تكامُل نظرة النقد العربي القديم إلى طرفي العمل الأدبي، وهما الأديب والقارئ، فكما أنَّه ينبغي على الناقد "البحث عن الأديب داخل الأثر المفقود"[41]، حتَّى يتمكن من أن يستشف روحه من وراء عبارته؛ لأنه "يجب أن يؤخذ من دواة كل مؤلف الحبر الذي يراد رسمه به"، كما يقول الناقد الفرنسي سانت بوف[42]، فإنه ينبغي عليه في المقابل أنْ يلتمسَ حالة المتلقي النفسية، ويسجل موقفَه تجاه هذه الأثر؛ لأن النقد "يعلم الآخرين كيف يقرؤون"[43].

 

لقد "أصبح النص بهذا المفهوم الجديد مليئًا بالثقوب والفجوات، ثقوب يُكلف القارئ وحده برَتْقِها، وفجوات يقوم القارئ وحده بملئها"[44]، معتمدًا على خبراته الثقافية والجمالية، ومما لا شك فيه أنَّ الخبرة الجمالية تلعب دورَها في حراسة الذوق وصقله وتقويته؛ لأنَّ الذوق ما هو في حقيقة الأمر إلا: "تلك الموهبة الإنسانية التي أنضجتها رواسب الأجيال السابقة، وتيارات الثقافات المعاصرة، والتي امتزجت جميعها، فكونت هذا الشيء الحسن بحاسة التمييز والتذوق"[45].

 

إذا كان الذوق يلازم الأديب في كل مراحل إبداعه، وإذا كان الأديب أول متذوق لعمله، فإنَّ الذوق والخبرة الجمالية شرطان أساسيَّان في عملية التلقي؛ إذ عليه يقوم الحوار بين المبدع والمتلقي، ولعلَّ الشاهد في هذا أبيات البحتري التي قدمها عبدالقاهر، وأسهب في شرح قيمتها الفنية والجمالية، وهو الأمرُ الذي لا يتأتى إلا لصاحب ذوق سليم عملت على صقله وتكوينه تَجارب قراءات وثقافات متعددة ومتنوعة.

 

يقول عبدالقاهر: "وأعلم أنَّه لا يصادف القول في هذا الباب موقعًا من السامع، ولا يَجد لديه قبولاً حتى يكون من أهل الذوق والمعرفة، وحتى يكون ممن تحدثه نفسه بأنْ لا يؤمن إليه من الحسن واللُّطف أصلاً، وحتى يَختلف الحال عليه عند تأمُّل الكلام، فيجد الأريحية تارة، ويعرى منها أخرى، وحتى إذا عجبته عجب، وإذا نبهته لموضوع المزية انتبه"[46].

 

فالذَّوق السليمُ المحصَّن بالخبرة والمعرفة السليمَتَيْن شرطٌ أساسي في تلقي النصوص ونقدِها، وعبدالقاهر الذي ربط بين الذوق والمعرفة: "لا يتخلى عن الذوق العربي الصافي؛ إذ لا يُمكن لأي مستمتع بالأثر الفني أنْ يشعر بالهزة الشعورية والأريحية إلا عن طريق الذوق المعلل والموضح"[47]، على اعتبار أنَّ الناقد المحتكم إلى ذوقه هو الذي "يتمثل الجمال المكروه أو القبيح المحبوب"[48]، من جهة أن "الجمال" "كامن في بواطن الأشياء، لا يدرك إلاَّ بالتغلغل في الأعماق"[49]، وعلى هذا فإننا - في ضوء ما تقدم - لا يُمكن أن نضمن استحسان المتلقي المتذوق لنص شعري أو تفاعُله معه؛ رضًا به وموافقة عليه، لمجرد أنَّ بعضَ المتلقين قد أقرُّوا بجماله، واستحسنوا صورته، وشهدوا له بالتفوُّق من غير استبطان له وتعمُّق فيه، فالاستبطان والتعمق دليلان لا يُخطئان على جمال النص الشعري الجدير بالتأثير في نفس المتلقي ووجدانه.

 

والإمام عبدالقاهر له موقف من مسألة الغموض الفني، فهو يعني به الغموض الذي يتَّسم بالخفاء الشفيف[50]، والذي يُحتاج في فهمه إلى فضل رَوِية وتأمل؛ مما يدفع المتلقي برغبة مُتزايدة إلى متابعة النص الأدبي ومُعايشته واستنطاقه، والتفاعُل معه لكشف ما استتر فيه من معنى، وإبراز ما استكن فيه من دلالات، وذلك - بلا شك - يرفع من مقدارِ اللذة وسرور النفس؛ لذلك يقول: "ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى وبالمزية أولى، فكان مَوقعه في النفس أجل وألطف، وكانت به أضن وأشغف"[51].

 

والغموض بهذا التصور الذي عناه عبدالقاهر هو الغموض النَّاتج عن كثافة الطاقة الشعرية، على نحوٍ يَجعل النص الشعري قابلاً لتعدُّد القراءات قابليةً تبرهن على أدبيته، وتكشف عن خصوصيته كعنصر بناء لا عنصر هَدْم، فتجعل منه علامة من علامات سُمو الكلام في النص، وشعريته الملحوظة وعطائه المتجدِّد، ومن ثم خلوده المؤمل.[52]

 

وهذا يتفق مع ما يدعو إليه النقد الحديث من أنَّ الشعر الجيد هو ذلك الشعر الذي يعتمد على الإيحاء بالأحاسيس والمشاعر والأفكار، دون تصريح أو تحديد؛ لأنَّ النص الذي يتصف بذلك "يَمتلك شيئًا من أقوى مُحرِّضات التلقي، وهو أهلية انغراسِه في الزمن الإنساني كله، وليس في زمن المبدِع فقط، وعلى هذا فشعرية النص وجمالياته ليست للإطراب الآني، وإنَّما للإطراب في كل الأزمنة"[53].

 

إنَّ الجرجاني يعد البصير بجواهر الكلام هو متلقيه الحاذق الذي ينقح فكرته، ويستخدم بصيرته، ويُحسن التأمل، ويدع عنه التجوُّز في الرأي، إنَّه لا يقنع بحد العلم بالشيء، بل يسعى إلى العلم به مفصلاً، فهو لا يكتفي بالنظر في زوايا النص، بل يتغلغل في مكامنه وأعماقه.

 

انطلاقًا من هذا التصور، فعبدالقاهر يتخطى "التلقي المرتجل" إلى التلقي المؤسس على قواعد مُتماسكة، ويتعدى قراءة "الذوق والحدس" إلى القراءة ذات الحجة والدليل؛ مما أفرز متلقيًا يَمتلك معرفة الصانع الحاذق لصناعته، ويعلم "كل خيط من الإبريسم الذي في الدِّيباج، وكل قطعة من القطع المنجورة في الباب المقطع، وكل آجُرَّة من الآجُر الذي في البناء البديع، وإذا نظرت إلى الفصاحة هذا النظر وطلبتها هذا الطَّلب، احتجتَ إلى صبر على التأمُّل، ومواظبة على التدبر، وإلى مهمة تأبى لك أنْ تقنع إلا بالتمام"[54]، فالمتلقي الحاذق بقراءته الماهرة، وتفاعُله مع النص ينسج عليه نصًّا جديدًا، ويرتب أحكامَه الموازية للقيم الجمالية، التي يرشح بها الإنتاج الأدبي، وكأنَّ النصَّ نصان: نص موجود تقوله لغته، ونص غائب يقوله قارئ منتظر"[55].

 

من هنا تبرز النَّزعة العقلية التي حكمت "نظرية النظم" لدى عبدالقاهر الجرجاني في أحد مظاهرها على "فعل التلقي"، ففسر القراءة على أنَّها ممارسة عقلية وفنية، الشيء الذي يجعل المبدع عقلاً منتجًا للجمال، فيصير فعل القراءة صعبًا أو لا يقل صعوبة عن فعل الكتابة/ الإبداع؛ نظرًا لكون المتلقي كالمبدع يُجهِد نفسه في تأمُّل النص، واستخلاص جواهره ودرره، لكن هل كل المتلقين مُؤهَّلون لفهم النصوص؟ بالطبع لا.

 

ومن هنا يَجب التوقف قليلاً أمام التلقي المرتجل والتلقي الواعي:

وانطلاقًا مما سبق يتضح أنَّ العلاقة التي تربط المرسِل والمرسَل إليه، أو المبدع والمتلقي في العملية الإبداعية علاقة مُعقدة متشابكة ومشروطة؛ إذ تتطلب زادًا معرفيًّا وخبرة جمالية وجهدًا مضنيًا؛ حتى تجعل لحظة القراءة لحظة متعة وانسجام وتفاعُل مشترك؛ لذلك أولت الكتب النَّقدية والبلاغية القديمة مكانةً متميزة لهذه العلاقة المهمة؛ لكون النص "لا يقول إلا بمشيئة كائن مدرك يُطلق الكلام من قيد العلامات، ويستخرج المعاني من منجم الألفاظ، والنَّص يرشح بعلامات منصوبة تشي بجماله، ولكن الجمال لا يُنتِج ولا يفعلُ فِعله إلاَّ إذا احتضنه المتقبِّل الصريح"[56]، والذي يعد شاهدًا من خارج النص.

 

لكن يبقى "التذوُّق الارتجالي" سمة طاغية تبرز تفاعُل الناس بنصوص الشعراء، وخصوصًا في المراحل الأولى من النقد العربي؛ إذ تقدِّم لنا المؤلفات النقدية القديمة أخبارَ البحثِ عن أشعر شاعر وأشعر قصيدة بل أشعر بيت، حيث التسرع في إطلاق الأحكام دون تفكير ولا رَوِيَّة، ودون مراعاة لمعايير الحكم؛ مِمَّا يجعل الذاتية والعصبية والقبَلِيَّة تطغى على تلك الأحكام البعيدة عن قيم النص الجمالية والفنية.[57]

 

ولما كان هؤلاء النقاد يَختلف بعضهم عن البعض الآخر في الثقافة، والذوق، وفي المزاج، فإنه من الطبيعي ألاَّ يتَّفقوا فيما بينهم على أحسن بيت قيل في أيِّ غرض من الأغراض، بل إنَّ الناقد الواحد قد يختلف حكمه على أحسن بيت في الغرض الواحد، فقد سُئل الأصمعي (ت216هـ): "أيُّ بيت تقوله العرب أشعر؟ قال: الذي يسابق لفظه معناه"[58].

 

فالأصمعي هنا يرى أنَّ أشعر بيت هو الذي تكون كلماتُه قادرة على سرعة نقل فكرته إلى ذهن قارئه أو سامعه، وكأنَّها في سباق مع معناه، وهذا يقتضي ألاَّ تكون ضمن كلمات البيت ما تتصف بالغرابة، أو الخشونة، فيصعب على شادي الأدب، فهم المراد من البيت الشعري.

 

وقد جمع الأصمعي عدة أبيات عن أحسن الشعر في أغراض مختلفة، فقد رُوي أنه قال: ما وصف أحدٌ "الثغر" إلاَّ احتاج إلى قول بشر بن أبي حازم:

يُفَلِّجْنَ الشِّفَاهَ عَنِ اقْحُوَانٍ
جَلاَهُ غِبَّ سَارِيَةٍ قِطَارُ

 

ولا اعتذر أحد إلا احتاج إلى قول النابغة:

فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي
وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ [59]

قال أبو ذكوان عن النابغة: "ما رأيت أعلم بالشعر منه... ولو أراد كاتب بليغ أنْ ينثر من هذه المعاني ما نظمه النابغة، ما جاء به إلاَّ في أضعاف كلامه"[60]، وقد عدَّ ثعلب بيت النابغة السابق من الأبيات الغر[61]؛ لأنه يكشف عن شاعرية صاحبه.

 

ومع ذلك فصفة الارتجال في التقبُّل لم تدُم طويلاً، كما أنَّ تذوق الشعر لم يعُد يتحكم فيه الانفعال النَّفسي بالدرجة الأولى، بلِ ارتقى إلى مَرتبة إنعام النَّظر في النصوص، واستخدام العقل كأداة لمعرفة جيد الشِّعر من رَديئه، حدث هذا مع ظهور المتلقي المختص (الناقد) في التُّراث العربي عمومًا، فقد صار الشِّعر صناعة من الصناعات[62]، ولم يعد إلهامًا من الشياطين؛ يقول الجمحي (ت231هـ) في طبقاته: "وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهلُ العلم كسائر أصنافِ العلم والصناعات"[63]، الشيء الذي انعكس على القراءة، فأصبحت بدَورها صناعة تستوجب حذقًا لخصائصها ودربة عليها، فاختصَّ أناس بدراسة الشعر سَمَّاهم الجمحي "بالعالمين بالشعر"، ونفى عن آخرين هذه الصفة، وبذلك خوَّل للأولين سلطة معرفية، وجعلهم قراء ممتازين يرجع إليهم.

 

لكن تنظير ابن سلام الجمحي لمهمة هذه الفئة من القراء (النُّقاد)، وربط هذه المهمة بمفهوم الضبط أدَّى إلى ظاهرة أخرى "تكشف عن أنَّ "تصحيح" المدونة الشعرية المنقولة شفويًّا يُخفي مظهرين من مظاهر تقبُّل النصوص الأدبية، أولهما: أنَّ انتحال الشعر ضرب من ضروب قراءته قراءة تحكمت فيها - ولا شَكَّ - عوامل منها السياسي والقبلي، وثانيهما: أنَّ "تصحيح" الشعر الموضوع ضرب من ضروب "القراءة المضادة"، التي تركز على صحة نسبة النص إلى قائله، ومطابقته لمعايير أهل العلم بالشعر"[64]، ورَغْمَ أهمية هذه المرحلة في النقد العربي وخصوبتها، فبعضُ النقاد المعاصرين يشك في نزاهة أحكام نقادها، ولا يفضل نمط تلقيهم على الأنماط الأخرى؛ نظرًا لتشابك وتداخل المنطلقات والدَّوافع التي تؤدي إلى الحكم لصالح نص معين أو ضده؛ إذ إنَّ ما وضع من "شروح على بعض كتب الاختيار ودواوين الشعراء يقدم مادة غزيرة توفِّر للباحث مواقفَ وآراء قادرة على إبراز مظهر من "صراع التآويل" في الثقافة العربية، ودَوْر العقائد والعصبيات والنِّحَل والأهواء والرُّؤى المختلفة للشعر في بلورة صفة الأدب في الكلام"[65].

 

ومع ذلك يبقى لابن سلام الجمحي (ت231هـ) الفضل في تأصيل فكرة "العالم بالشعر" التي صارت مبدأ راسخًا في النقد العربي[66]؛ إذ غيرت نظرة الناس إلى القراءة من سُلطان الارتجال إلى سلطان الصناعة والحذق، فأدَّت - بالتدرج - إلى بروز خصوصيات المتلقي القوي المنة، الوثيق العقدة كما يراه الجاحظ، الذي يقارب مفهوم "المتلقي الناقد" حين يَجعل النصَّ موضوع تحليل وتأمُّل ونقد، كما تَحدث عنه ياوس[67]، وكما نستخلصه من مؤلفات الجرجاني التي شكلت نقله نوعية، عبرت عن التحوُّل الذي عرفته ظاهرة التلقي في النقد القديم.

 

ونخلص من الحديث عن المتلقي المرتجل والمتلقي الواعي إلى أنَّ المتلقين عند النقاد العرب أنواع:

أنواع المتلقين عند النقاد العرب:

في البداية يَجب التنبيه إلى أنه لا يمكن لأي باحث موضوعي أنْ يلتقط من التراث البلاغي والنقدي إشاراتٍ أو غيرَها للاستدلال على وجود أنواع من المتلقِّين، تم تحديدهم بشكل من الأشكال في ثقافة مُعينة... ويَسعى إلى تعميم الفكرة وإسقاطها على الثقافة العربية؛ لأنَّ ذلك يعد مجازفةً غير معقولة؛ إذ لا يُمكن الحديث عن "القارئ الضمني"[68] أو "الصريح" أو "الخارجي/ المنتظر"، كما هو الشأن عند رواد جمالية التلقي الألمانية؛ وذلك للخصوصيات التاريخية والحضارية، رغم أنَّه ليس من المستبعد أن نضع اليد على بعض أوجه التشابه والاختلاف بين النظرة القديمة والحديثة، ونظرًا لهذه الاعتبارات يبدو أنه من الأفضل تحديد أصناف المتقبلين انطلاقًا من النصوص المبثوثة في المؤلفات القديمة، مع مراعاة السياق والخصوصيات المساعدة على تحديدها بشكل تقريبي.

 

وهكذا يمكن الحديث - بنوع من التجاوز - عن "المتلقي الضمني" عند الجاحظ، الذي أشار إلى فكرة "معاودة النظر" في الأثر المنتج أثناء فترة إنتاجه؛ ليكون أكمل وأحسن، ونستنبط ذلك من قوله: "من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكُث عنده حولاً كَرِيتًا، وزمنًا طويلاً يردد فيها نظره، ويُجيل فيها عقله، ويقلِّب فيها رأيه؛ اتهامًا لعقله، وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره"[69].

 

وتبدو العملية التي يصفها الجاحظ مُعقدة إلى حد كبير؛ إذ يعيش المبدع ازدواجًا عميقًا بين وظيفتَي الخلق والتذوُّق، فهو ينشئ عالمه ويُحدد في الآن نفسه مدى مطابقة هذا العالم المتخيَّل لما يتطلبه القولُ الأدبي من خصائص نوعية ملازمة له، فيكون بذلك مُحددًا للقيمة - وهو ما تشي به عبارة "العيار" عند الجاحظ - ومنفعلاً بها قبل أن يخرج كلامه للناس، وهم قراؤه الدائمون.[70]

 

ولو أمكن للرُّواة والمدونين أن يظفروا ببعض "النصوص الأصلية"، لكان من الطريف أن نتبين حظ كل مبدع من النقد، ونكشف عن كيفية انفعاله بنصِّه عبر مقارنة بين المراحل التي قطعها النص حتى يصل إلى صيغته "النهائية" في التدوين والشيوع.[71]

 

وكون المبدع يعيش ازدواجًا عميقًا بين الخلق والتذوُّق، وهو ما عناه الجاحظ بقوله في النص السابق الذِّكر: "من شعراء العرب..."، وهو أيضًا ما يعنيه النقاد المحدثون بوظيفة "المتلقي الضمني" الماثل في ذهن المنشئ زمن الإنشاء، يعقد له حُبُك النطاق الذي لا يخرج عليه النص.

 

كذلك يُمكن الحديث بنوع من التجاوُز عن "المتلقي الحاضر"، و"القارئ المحتمل" عند الجاحظ - حين يفرق بين النَّص المكتوب والكلام المنطوق[72] - يقول: "اللسان مقصور على القريب الحاضر، والقلم مُطلق في الشاهد والغائب، وهو للغابر والحائن مثله للقائم الراهن، والكتاب يُقرأ في كل مكان، ويُدرس في كل زمان، واللسان لا يعدو سامعه، ولا يتجاوز إلى غيره"[73].

 

إذًا فقد تنبَّه الجاحظُ إلى أهمية "الكتابة والتدوين"؛ لأنَّه تنبه إلى أن "المآثر تكون عُرضة للضياع والتبديل إذا اقتصرت على السماع والحفظ"[74]، وكأنَّ الجاحظ كان يراعي حق "القارئ/ المتلقي المحتمَل" في المستقبل، من هنا جاء اهتمام القُدامى بالخط، ومن هنا برزت أهمية الكتابة التي ازدهرت؛ رغبة من العرب في تسجيل أشعارها، وحفظ عهودِها ومواثيقها من الاندثار والضياع[75]، "ولولا حلاوة الإخبار والاستخبار عند الناس، لما انتقلت الأخبار، وحلت هذا المحل، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - حببها إليهم لهذا السبب"[76].

 

يؤيد ذلك تنبُّه ذي الرمة (ت 117هـ) إلى أهمية إدراكه لعَملية التدوين حين قال لعيسى بن عمر: "اكتب شعري، فالكتابُ أعجب إليَّ من الحفظ، إنَّ الأعرابيَّ ليَنسى الكلمة قد سهرتُ في طَلَبِها ليلة، فيضع موضعَها كلمة على وزنها لا تساويها، والكتاب لا يَنسى ولا يُبدِّل كلامًا بكلام"[77].

 

لقد أراد ذو الرمة تقييد شعره؛ اعتناءً به وتنبيهًا على أنَّ الكتابة من تمام الكمال؛ من حيث أنَّ العمر قصير، والوقائع مُتسعة، وماذا عسى أنْ يَحفظ الإنسان بقلبه، أو يحصِّل بعقله، أو يثبت في ذهنه؟

 

ولكن التقسيم الشائع بين النُّقاد والبلاغيين القُدامى للمتلقين هو تقسيمهم إلى "خاصة وعامة"، وإن اختلفوا في تَحديد طبيعة الخاصَّة، فبِشر بن المعتمر في صحيفته يفرِّق بين المعاني والألفاظ التي تصلُح للعامة أو الخاصة؛ يقول: "... يكون معناك ظاهرًا مكشوفًا، وقريبًا معروفًا، إمَّا عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما للعامة إن كنت للعامة أردت..."[78].

 

وبنوع من التحفظ يُمكن الحديث عن "القارئ المستهدف"، الذي يعنيه الجرجاني؛ حيث يقول: "... لا يصادف القول موقعًا من السامع، ولا يَجد لديه قبولاً، حتى يكون مِن أهلِ الذوق والمعرفة، وحتى يكون ممن تُحدثه نفسه بأنَّ لِمَا يُومئ إليه من الحسن واللطف أصلاً، وحتى يَختلف الحال عليه عند تأمل الكلام، فيجد الأَرْيَحِيَّة تارة، وَيَعْرَى منها أخرى، وحتى إذا عَجَّبْته عَجب، وإذا نبَّهته لوضع المزية انتبه"[79]، وبهذا يقر بتفاضل المتلقين في الفهم والتصوُّر والتبين؛ إذ ميَّز بين راوي الشعر والعالم به والناقد، وبين السامع العالم باللغة ومعاني الألفاظ والجاهل بها؛ لذلك فهو يؤكد تفاوتَ درجات فهم المتقبلين للنصوص؛ لأن النص الجيد حمَّال أوجه، ولا يفضي بسره كله لقارئ واحد، وإنْ ظَنَّ أنه قد أحكمه فهمًا؛ حيث يقول: "وإنَّك لتنظر في البيت دهرًا طويلاً وتفسره، ولا ترى أنَّ فيه شيئًا لم تعلمه، ثم يبدو لك فيه أمر خفي لم تكن قد علمته"[80].

 

فالخطاب الشعري يرتكز على مؤوِّل ومؤوَّل، أو على كفاءة المؤوِّل؛ لأن قيمة النص عنده هي في احتماله لعدة أوجه غير الوجه الذي هو عليه ظاهر الحال؛ مما يؤدي إلى تعدُّد القراءات وتنوعها، تلك النظرة هي ما يؤكِّدها بول فاليري بقوله: "إنَّه ليس هناك معنى حقيقي للنص الأدبي، ولا سُلطان للمؤلف، فمهما يكن ما أراد المؤلف أن يقول، فإنه قد كتب ما كتب، وعندما ينشر النص يكون كالجهاز الذي يستطيع أنْ يستخدَمه كل فرد بأسلوبه، وبحسب طرقه، بذلك تكون القصيدة جزءًا من الوجود الحي المتكامل، الذي يحقق فيه كل منا وجوده هو الخاص"[81].

 

أما حازم القرطاجني (ت684هـ)، فنظرة أولية على (منهاجه) تؤكِّد وجودَ نوعين من المتلقين: خاصَّة وعامَّة، ولكن النظرة المتفهمة تكشف عن أنواع أخرى كـ "القارئ الضمني"، أو "المحتمل"، أو "المستهدف"، ولكن بنوع من التحفُّظ، إنَّ حازمًا يُميز بين نوعين من التواصل: "تواصل لساني" و"تواصل نصي"، وهـذا التمييز يُبيح لنا إمكانية الحديث عن "المتلقي الحاضر"، أو المستمع، يقول حازم: "إذا عُبِّر عن الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظُ المعبَّرُ به هيئةَ تلك الصورة الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم، فصار للمعنى وجودٌ آخر من جهةِ دلالة الألفاظ، فإذا احتاج إلى وَضْعِ رسومٍ من الخطِّ تدلُّ على الألفاظ مَن لم يتهيأ له سمعُها من المتلفظ بها، صارت رسومُ الخط تقيمُ في الأفهام هَيْئاتِ الألفاظ، فتقومُ بها في الأذهان صُوَرُ المعاني، فيكونُ لها أيضًا وجودٌ من جهةِ دلالة الخطِّ على الألفاظِ الدالة عليها"[82].

 

هذا الشاهد يحمل سمات "المتلقي الضمني" الموجودة بالقُوَّة في النص من جهة، ويحيل على "المتلقي المحتمل" من جهة أخرى، ويُؤكد هذا قوله في مراعاة حال المتلقي: "يَجب أن يُمالَ بالقولِ إلى القسم الذي هو أشْبَهُ بحالِ مَنْ قُصِد بالقول وصُنِعَ له"[83]، وهذا ما يشير بصراحة إلى "المتلقي المستهدف"، وأيضًا إلى وجود متلقٍّ ضمني موجود في النص، وهو شبيه إلى حد ما "بالقارئ الضمني" عند إيزر بنوع من التجاوز، يقول القرطاجني: "وإن لم يقصد به قصد إنسان، فليقتصر به على ذكر الأحوال السَّارة المستطابة والشاجية، فإنَّ أحوالَ جمهور الناس والمتفرِّغين لسماعِ الكلام حائمةٌ حولَ ما ينعم أو يشجو"[84].

 

أمَّا "المتلقي الناقد"، فهو عند حازم: عالم البلاغة الذي يَمتلك الذوق الصحيح والفكر الذي يُميز به بين ما يناسب وما لا يناسب؛ اعتمادًا على قواعد العلم الكلي، بينما تُمثل عامَّة الناس عنده جوهر "المتلقي العادي"، كما هي لدى ياوس.[85]

 

ونلحظ أن تصور حازم سابقٌ للفكر الحديث بأجيال عديدة؛ إذ ما أشار إليه بشأن "المتلقي الناقد" يشيع في الفكر النَّقدي الحديث عن القراءة؛ إذ "عُدَّت القراءةُ حالة تشبه الغيبوبة للقارئ الذي ينغمس في العمل الأدبي"[86].

 

فإذا انسرب المتلقي في النص، وانسرب النص في المتلقي؛ أي: وجد "القارئ نفسه وقد حملته سحابة وراء الكلمات"، كما يقول شبتسر[87]، فقد تحقق التفاعل، ومن ثَم تحققت الفائدة.

 

ومما يدُلُّ على اهتمام حازم بعملية التلقي اهتمامُه بالتركيز على الجانب النفسي في معالجاته الجمالية، فالأساس النفسي كان يتصدر معظمَ معاملاته للإبداع والتلقي، فالشعر إنَّما يصدر عن النفس للإطراب تلبيةً لشحنات شعورية ووجدانية، فالشعر لا يلقى قبولاً إلاَّ إذا تأثرت به النفس، وأثار فيها انفعالاً يناسبها؛ لأنَّ غاية الشعر إنَّما هي "الاحتيال في تحريك النَّفس لمقتضى الكلام، بإيقاعه منها بمحل القَبول بما فيه من حسن المحاكاة والهيئة، بل بما فيه من الصدق والشهرة في كثير من المواضع"[88].

 

ويلتفت حازم إلى التنوُّع في التشكيل الجمالي لحاجة النَّفس من أجل إثارتها وإدهاشها بكل ما هو جديد؛ لذلك ذهب إلى أن ليس من الحسن في الكلام أن يكون على وتيرة واحدة؛ لما في ذلك من تكلف ومُفارقة لحاجة النَّفس، ومما يصيبها من سآمة، فالنفسُ تألف التنوعَ وإصابة ضروب الفصاحة، وخير شاهد على ذلك القرآن الكريم، فقد جاء بآيات متماثلة المقاطع، وغير متماثلة... فالشيء وضروبه إذا جاء متنوعًا وفق "نظام متشاكل وتأليف متناسب، كان ذلك أدعى لتعجيب النفس وإيلاعها بالاستماع من الشيء، ووقع منها الموقع الذي ترتاح إليه"[89].

 

وبهذا نستطيع أن نقول: إنَّ حازمًا تَميز عن سلفه بإعادة توثيق العلاقة بين البلاغة والنفس، كما اتَّخذ البلاغة فنًّا وعلامة تنسجم في حركتها مع حركة النفس في انفعالاتها وحيوتها، فأجاد تصويرَ الحركة الإيقاعية للبنى التركيبية؛ لأنَّه كان حريصًا على التجويد والتناسب، ولطافة التدرج، والتحسين، والبساطة، والتنوع من خلال العلاقة الترابطية بين الأسلوب والأحوال النفسية.

 

ليس من المبالغة إذًا الإقرارُ بوجود (بلاغة للتلقِّي)[90]، فالنقَّاد والبلاغيون العرب رغم أنهم لم يُنظِّروا التنظير الكافي في تصنيفهم لأنماط المتقبِّلين، إلاَّ أنهم خطَوْا خطواتٍ مهمةً في تحديد مراتب القرَّاء ودرجاتهم؛ لأن هناك (متلقِّين سلبيين) يتلقون النص طيبًا، فيتأثَّرون له ويعبِّرون ارتجالاً عن تأثُّرهم ذاك، فغايتهم هي اللذَّة والطرَب دون تأمُّل أو رويَّة الفكر في مصادر الحسن والالتذاذ، وفي المقابل نجد (المتلقِّين الإيجابيين) الذين يصوغون النص من جديد، متغلغلين في أسراره وإعجازه البلاغي، فهم يتجاوزون المعنى بجهدهم العقلي إلى (معنى المعنى) بتعبير عبدالقاهر الذي يريد بالمعنى: المفهوم في ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى: أن تعقل في اللفظ معنى ثم يفضي بك هذا الأخير إلى معنى آخر[91].

 

وهذا الفهم لتعدُّد الدلالات في النص لم يختلف عن فهم السيمولوجيين حين ذهبوا إلى أن "كل قارئ يُظهِر قصدًا مختلفًا لنفس العمل، ومن هنا - ومن خلال هذا التناول السيميولوجي - يتمتَّع كلٌّ من الفنان ومَن يستقبل فنَّه بعلاقة فعَّالة مُتكامِلة، فلا يتحدَّد المتلقِّي بمقاصد المؤلف؛ لأنه لم يعد متلقيًا سلبيًّا إزاء العمل الفني"[92].

 

هذان الضربان من التلقِّي (السلبي والإيجابي) لا يتناقضان عند بعض النقَّاد القدامى كما يرى بعض النقَّاد المحدَثين؛ لأن التلقِّي باعتباره ممارسة عقلية ليس بخالٍ من الالتذاذ والاستمتاع... لكنه يجمع بين متعة التذوُّق ولذَّة المعرفة، فيُمسِي المتلقِّي "منفعلاً وفاعلاً في آنٍ واحد؛ منفعلاً بما في الأقاويل الشعرية من طاقة تأثيرية، وفاعلاً في استنباط علة (السحر البياني)[93] - على حدِّ تعبير السكاكي - والجهات الكامنة فيها، فهو يلتذُّ ويعقلن لذته، بل قُل: إن لذته مضاعفة؛ بعضها حسي، وبعضها الآخر عقلي"[94].

 

لقد صدق استاروبانسكي حين قال: "جمالية التلقِّي ليست مبحثًا مباحًا للمبتدئين المتعجلين..."[95]؛ نظرًا للخصب الثقافي الذي نشَأت في أحضانه، فكانت بحق جديرة بالعناية والاهتمام، وتتطلَّب مجهودات جبارة من أجل فهمها وتطبيقها.

 


[1] "البيان والتبيين"، 1/11.

[2] "البيان والتبيين"، 1/87.

[3] نفسه، 1/ 87.

[4] "مراجعات في أصول الدرس البلاغي"، صـ 59، 60 (بتصرف كبير من جانبنا).

[5] د/ عبد الواسع الحميري، "شعرية الخطاب"، صـ 124، المؤسسة الجامعية، بيروت، ط1، 2005م.

[6] هنريش بليث، "البلاغة والأسلوبية"، ترجمة محمد العمري، منشورات سال، فاس، الدار البيضاء، ط1، 1989م، صـ 16.

[7] "البيان والتبيين"، 1/11، 87، والإمام إبراهيم بن محمد هو أبو مسلم الخرساني.

[8] "كيف نتذوق قصيدة"، مقال للغذاني، م فصول، ع4، 1984م.

[9] "في الإبداع والتلقي"، الشعر بخاصة، صـ 175.

[10] "البيان في روائع القرآن"، صـ 489.

[11] "البيان في روائع القرآن"، صـ 489، 490.

[12] "فن الشعر"، صـ 112.

[13] من مقدمة محمد على نجار لكتاب "الخصائص"، لابن جني ، دار الهدى، بيروت، د. ت، 1/23.

[14] أبو العلاء المعري، "شرح ديوان أبي الطيب"، "معجز أحمد"، تح/ عبدالمجيد دياب، دار المعارف، 1986م، 1/56.

[15] "ثنائية الشعر"، صـ 326 (بتصرف).

[16] "العمدة"، 1/265، ويُنظر: "الموازنة"، 1/21 (بتصرف).

[17] د/ عبد الرحمن القعود، "في الإبداع والتلقي"، الشعر بخاصة، مجلة عالم الفكر الكويتية، م2، ع4، أبريل - يونيو/ 1997م، وينظر: "الوضوح والغموض في الشعر العربي القديم"، صـ 191، و"مبدأ الوضوح والغموض في الفكر البلاغي والنقدي عند العرب"، مجلة المربد، م3، ع 3.

[18] د/ طه حسين، "خصام ونقد"، صـ 23.

[19] "الشعر والتلقي: دراسات نقدية"، صـ 64، 65، وينظر: "نقد استجابة القارئ من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية" [المقدمة] بقلم محمد الموسوي، جين ب . تومبكنز، تر/ حسن ناظم وعلي حاكم، وينظر: مقدمة الترجمة بقلم محمد الموسوي، [المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 1999م].

[20] نفسه، صـ 65.

[21] "جمالية الألفة"، صـ 13، وهذا ما أكدنا عليه من قبل من أنَّ النصوص تتراسل مع سياقاتِها، وتزداد ثراءً بتفاعلها مع سياقات ثقافية مُتغيرة، راجع شاهد ابن عباس في التلقي، ص18 من هذا البحث، وينظر: سياقات التلقي، عبدالله إبراهيم صـ 99، وما بعدها.

[22] "جمالية الألفة"، صـ 13.

[23] أبو هلال العسكري، "الصناعتين"، مرجع سابق، صـ 6.

[24] الجاحظ، "البيان والتبيين"، مرجع سابق، 1/76.

[25] الجاحظ، "البيان والتبيين"، 3/366.

[26] "البيان والتبيين"، 1/99.

[27] "منهاج البلغاء"، صـ 302، ومعنى غِبًّا؛ أي: مرة بعد مرة أو يوم بعد يوم، ومنه قوله: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا.

[28] "البيان والتبيين"، 1/144، 145.

[29] "ديوان البحتري"، 1/151، تح/ حسن كامل الصيرفي.

[30] "دلائل الإعجاز"، صـ 85، 86.

[31] "قاموس مصطلحات علم النفس"، صـ 12.

[32] السابق، صـ 38.

[33] "من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده"، صـ 36، وسيد قطب: "النقد الأدبي أصوله ومناهجه"، دار العروبة، بيروت، ط4، 1966م، صـ 197، وما بعدها.

[34] زكي نجيب محمود، "المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري"، صـ 249، 250.

[35] "التفكير البلاغي عند العرب"، صـ 523.

[36] "أسرار البلاغة"، صـ 84.

[37] "أسرار البلاغة"، صـ 126، وينظر: "التفكير البلاغي عند العرب"، صـ 523، 555.

[38] "دلائل الإعجاز"، صـ 86.

[39] "ثنائية الشعر والنثر في الفكر النقدي"، صـ 304، 305 (بتصرف).

[40] "إضاءة النص"، صـ 108.

[41] د/ أحمد كمال زكي: "النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته"، دار النهضة العربية، ط2، 1981م، صـ 253.

[42] د/ محمد غنيمي هلال: "الأدب المقارن"، الأنجلو المصرية، ط3، 1962، صـ 49.

[43] السابق صـ 49، وينظر: "الخطاب النفسي في النقد الأدبي القديم"، صـ 85، وما بعدها.

[44] د/ عبد العزيز حمودة، "الخروج من التيه"، صـ 99، عالم المعرفة، ع298، نوفمبر 2003م.

[45] محمد زكي العشماوي، "فلسفة الجمال في الفكر المعاصر"، دار النهضة، بيروت، 1981م، صـ 144، 145.

[46] "دلائل الإعجاز"، صـ 291.

[47] دهمان أحمد علي، "الصورة البلاغية عند عبدالقاهر الجرجاني منهجًا وتطبيقًا"، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ج1، ط1، 1986م، صـ 124.

[48] د/ هند طه، "النظرية النقدية عند العرب"، بغداد، ط1، صـ 240.

[49] السابق، صـ 240.

[50] نعني بالغموض الذي يتَّسم بالخفاء الشفيف هو الغموض الذي يخدم المعنى، ويسمو بالكلام، والذي لا يتنافى مع الوضوح والبيان، بل هو الذي يحققهما ويقود القارئ إليهما.

[51] "أسرار البلاغة"، صـ 126، وينظر: "بحوث في النص الأدبي"، صـ172 وما بعدها.

[52] "بحوث في النص الأدبي"، صـ 172 (بتصرف)، وينظر: "الوضوح والغموض في الشعر العربي القديم"، صـ 191.

[53] "الخطيئة والتكفير"، صـ 16.

[54] عبدالقاهر الجرجاني، "دلائل الإعجاز"، صـ 37.

[55] منذر عياش، "مقالات في الأسلوبية"، صـ 144.

[56] شكري المبخوت، "جمالية الألفة..."، مرجع سابق، صـ 53.

[57] سبق أن ذكرنا شواهد لتلك الأحكام والمعايير، راجع صـ 6، وما بعدها من هذا البحث.

[58] "العقد الفريد"، 5/325.

[59] "أمالي المرتضي"، 1/511، والبيت في ديوان النابغة صـ 38، لمزيد من الشواهد في هذا الموضوع، يُنظر: "الشعر والشعراء"، 1/71، وما بعدها، و"عيون الأخبار"، 2/191، و"ذيل الأمالي والنوادر"، 2/34، و"اختيار الممتع"، 2/440، و"أسس النقد الأدبي عند العرب"، صـ 196، "نقد اللغويين للشعر العربي"، صـ 164، وما بعدها، وينظر أيضًا: "حلية المحاضرة"، 1/370، وما بعدها، وقد أشار الجاحظ إلى أن أجود الشعر ما تلاحمت أجزاؤه، وسهلت مخارجه، وكأنه قد أُفرغ إفراغًا واحدًا وسُبك سبكًا واحدًا؛ (البيان والتبيين، 1/67).

[60] "المصون"، صـ 156، وينظر: "المعنى الشعري"، صـ 205.

[61] "قواعد الشعر"، صـ 73.

[62] الجاحظ، "البيان والتبيين"، 1/ 139، وينظر: "الحيوان"، 1/133.

[63] "طبقات فحول الشعراء"، 1/5.

[64] ابن سلام الجمحي، "طبقات فحول الشعراء"، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1952م، 1/5.

[65] شكري المبخوت، "جمالية الألفة"، صـ 59.

[66] "فحول الشعراء"، 1/5، وينظر: "دلائل الإعجاز"، صـ 252.

[67] هانز روبرت ياوس: من أبرز أعلام المدرسة الألمانية ومن أول من اشتغل بالتحليل والتنظير الأدبيَّين القائمين على إبراز دور المتلقي في العملية الإبداعية.

[68] المتلقي الضمني: هو متقبل حاضر في النص بغيابه الفعلي؛ أي: إنَّه "ماثل في ذهن المنشئ زمن الإنشاء يعقد له حُبُك النِّطاق الذي لا يَخرج عليه النص"؛ (جمالية الألفة، صـ 73، ويُنظر: "الخطاب والقارئ"، صـ 117).

[69] "البيان والتبيين"، 2/139.

[70] "جمالية الألفة"، صـ 55.

[71] المرجع السابق، صـ 55.

[72] يرى أصحاب الاتجاهات اللسانية "أنَّ الطرائق والإستراتيجيات التي تستخدم في الخطاب الشفوي المنطوق تَختلف عن التي تستخدم في الخطاب المكتوب؛ لأنَّ الخطاب الأدبي المكتوب مُخطط له ومُعدٌّ، أما الخطاب المنطوق غير مُخطط له ومُعد، ومن ثم فإنه عفويٌّ ساخن"؛ (الاتجاهات اللسانية ودورها في الدراسات الأسلوبية، صـ 174)؛ ينظر: "الأدب في إطار اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة"، مجلة التوباد صـ 58، وما بعدها، م1، ع4، 1989م، وينظر: "قضايا أدبية عامة"، صـ 33، عالم المعرفة، ع300، فبراير 2004م.

[73] "البيان والتبيين"، 1/31 وينظر: "رسائل الجاحظ"، 3/27، 28 "فصل في صدر كتابه في المعلمين".

[74] "الحيوان"، 1/41.

[75] وممن أشار إلى ذلك من النقاد ابن طباطبا مُحذرًا من وقوع الخلل الذي يعتري السَّماع من جهة الرواة، فيقول: "وربَّما وقع الخلل في الشعر من جهة الرواة والناقلين له، فيسمعون الشعر على جهته، ويُؤدونه على غيرها سهوًا، ولا يتذكرون حقيقةَ ما سمعوه منه"؛ (عيار الشعر، صـ124).

[76] "رسائل الجاحظ"، 1/143، 144.

[77] "صبح الأعشى"، 1/36، طبعة دار الكتب، 1913م.

[78] الجاحظ: "البيان والتبيين"، 1/136، ويورد ابن رشيق أيضًا عن أبي عبدالله وزير المهدي أنَّ "خير الشعر ما فهمته العامة ورضيته الخاصة"، (ابن رشـيق: "العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده"، دار الجيل، بيروت، لبنان، من دون سنة، ج1، صـ 213 ).

[79] نفسه، صـ 551، ولحازم القرطاجني قول أشبه بذلك؛ (ينظر: المنهاج صـ 346، 347).

[80] نفسه، صـ 223، أما ابن طباطبا، فيرى أنَّ هناك ثلاثة أصناف من المتلقين: السامع، والناظر، والمتأمل، يُفهم ذلك من قوله: "فواجب على صانع الشعر أنْ يصنعه صنعة لطيفة مقبولة حسنة مجتلِبة لمحبة السامع له، والناظر بعقله إليه، مستدعية لعشق المتأمل في محاسنه، والمتفرس في بدائعه"؛ (عيار الشعر، صـ 161).

[81] انظر: د/ عز الدين إسماعيل، "الأسس الجمالية في النقد العربي"، صـ 156، 157، وينظر: "المعنى الشعري"، صـ 148.

[82] حازم القرطاجني، "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، تونس، ط1، 1966م، صـ 18، 19.

[83] نفسه، 357.

[84] نفسه، صـ 357.

[85] راجع: "نظرية التلقي"، صـ 165.

[86] وليم راي، "المعنى الأدبي"، صـ 20.

[87] شكري عياد، "مدخل إلى علم الأسلوب"، صـ 67.

[88] "منهاج البلغاء"، صـ 294، وانظر: "مواطن أخرى"، صـ 119، 45، 46، 71، 91، 96.

[89] انظر: "منهاج البلغاء"، صـ 245، 349، 350.

[90] تفهم ذلك من قول أبي هلال: "إن المخاطب إذا لم يُحسِن الاستماع، لم يقف على المعنى المؤدي إليه الخطاب، والاستماع الحسن عون للبليغ على إفهام المعنى"، ("الصناعتين": صـ 16).

[91] الجرجاني: "دلائل الإعجاز": صـ 262.

[92] موكاروفسكي، "اللغة المعيارية واللغة الشعرية": صـ 40، 41، مقال بـ"مجلة فصول"، تر: ألفت كمال الروبي، مج 5 ع1/ 1985م،

[93] "مفتاح العلوم": صـ 183.

[94] شكري المبخوت: "جمالية الألفة": صـ 66.

[95] مقدمة "مجلة دراسات سال"، عدد 6، صـ 9.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (1/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (2/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (3/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/5)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (8/ 10)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/9)

مختارات من الشبكة

  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (7/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (6/ 10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحضارات المجاورة لبلاد العرب عند ظهور الإسلام(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • دور الإعراب في تنبيه المتلقي إلى الخطاب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • خاتمة ونتائج بحث بلوغ المرام في قصة ظهور أول مصحف مرتل في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أثر ظهور أول تسجيل للقرآن الكريم في تاريخ الإسلام(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • ظهور المنكر بين الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة ظهور أول تسجيل صوتي لبعض سور القرآن الكريم(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب