• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

البديع بين التسرب وراء الألفاظ وبين التحسين والتزيين نظرة في تراث أهل العلم

د. عادل حسني يوسف


تاريخ الإضافة: 21/9/2010 ميلادي - 12/10/1431 هجري

الزيارات: 49323

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البديع بين التسرب وراء الألفاظ وبين التحسين والتزيين

نظرة في تراث أهل العلم

الدكتور عادل حسني يوسف *

لم يكن البديع في أيام عبدالقاهر الجرجاني من حيث استقلالُه عن (المعاني والبيان) كما انتهى إليه حاله أيام السكاكي والقزويني؛ إذ كان يشمل البديع عند عبدالقاهر ومَن سبقه أبواب البلاغة كلها، فالاستعارة مثلاً أول فنون البديع عند ابن المعتز[1]، وهي كذلك عند أبي هلال العسكري[2]، والكناية من البديع عند أبي هلال[3].

 

فلمَّا جاء عبدالقاهر جرى على ما جرى عليه أسلافُه، لذلك نرى البديع عنده يضمُّ الطباق والتجْنيس والسجْع كما يضمُّ الاستعارة، كما نرى بعض فنون البديع في كتابه "دلائل الإعجاز"، وهو في علم المعاني؛ يقول عبدالقاهر: "وأمَّا التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع فلا شبهة أن الحسن لا يعترض الكلام بهما إلا من جهة المعاني خاصة"[4].

 

تجديد عبدالقاهر لفُنُون البديع:

لم يخالف عبدالقاهر أسلافه في ذلك، لكننا إذا نظرنا فيما كتبه - من جهة أخرى - عن الجناس والسجع، فإننا نرى حديثه يختلف عمَّا كتبه أسلافه؛ إذ جل ما كتبه هؤلاء يتَّصل ببيان الحدود والاستشهاد بالأبيات الكثيرة بعد ذلك، ومحاولة الوقوف على أنواع جديدة من البديع، أمَّا عبدالقاهر فقد صرَف حديثه إلى بيان أسباب المزية في الجناس والسجع، والجمع والتقسيم والمزاوجة، كيف تأتي للناظم، وفي أي شيء تكمن، يقول عبدالقاهر: أمَّا التجنيس فإنك لا تستحسن تجانس اللفظتين إلا إذا كان موقع معنييهما من العقل حميدًا[5]، فعبدالقاهر هنا يعوِّل في المزية على تآلف معاني الكلمات المتجانسة، وهذا يندرج تحت ما ذكره في بداية كتابه "دلائل الإعجاز"، لما أراد بيان مزية تآلُف معاني الكلمات، فالجناس أو السجع لا يكون حسنًا عند عبدالقاهر إلا إذا كان المعنى يطلبه، "وعلى الجملة فإنك لا تجد تجنيسًا مقبولاً، ولا سجعًا حسنًا، حتى يكون المعنى هو الذي طلَبَه واستدعاه وساق نحوه، وحتى تجده لا تبتغي به بدلاً، ولا تجد عنه حولاً"[6]، ويقول أيضًا: "فقد تبين من هذه الجملة أن المعنى المقتضِي اختصاص هذا النحو بالقَبُول، هو أن المتكلِّم لَم يقد المعنى نحو التجنيس والسجع، بل قاده المعنى إليهما"[7]، ومعنى هذا أن الكلمة المقصودة بالتجْنيس أو السجع إذا لم يأتلف معناها مع معاني جاراتها لم تحسن، أمَّا إذا كانت كلمتا السجع والتجنيس قد تلاءم المعنى منهما مع معاني الكلمات الأخرى، فإن الناظم: "لو رامَ تركَهما إلى خلافهما ممَّا لا تجنيس فيه ولا سجع، لَدَخَل من عقوق المعنى، وإدخال الوحشة عليه في شبيه ما ينسب إليه المتكلف للتجنيس المستكره، والسجع النافر"[8].

 

ومنهجُ عبدالقاهر هذا في الحديث عن التجنيس والسجع يرجع إلى ما استخرجه من آية: ﴿ وَقِيلَ يا أَرْضُ ﴾ [هود: 44]، في بداية كتابه "دلائل الإعجاز"، قال عبدالقاهر: "وهل قالوا: لفظة متمكنة ومقبولة، وفي خلافه: قلقة، ونابية، ومستكرهة، إلاَّ وغرضهم أن يعبِّروا بالتمكُّن عن حسن الاتِّفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تلق بالثانية في معناها"[9]، فالمزية إذًا هي في تلاؤم معاني الألفاظ.

 

وبيان هذا المعنى استغرق "دلائل الإعجاز"، وها هو ذا عبدالقاهر يعِيده في بداية "أسرار البلاغة"، ويجعله أساس المزية في الجناس والسجع[10]، ومن هنا يرى عبدالقاهر - وهو يتحدث عن المزية في الضربين السابقَيْن - أن الجاحظ "ترك أولاً أن يوفِّق بين الشبهة والحيرة في الإعراب، ولم يرَ أن يقرنَ الخلاف إلى الإنْصاف، ويشفع الحق بالصدق، ولم يعنَ بأن يطلب لليأس قرينة تصل جناحه وشيئًا يكون رديفًا؛ لأنه رأى التوفيق بين المعاني أحق، والموازنة فيها أحسن، ورأى العناية بها حتى تكون إخوة من أب وأم، ويذرها على ذلك تتَّفق بالوداد، على حسب اتِّفاقها بالميلاد، أولى من أن يدعها لنصرة السجع وطلب الوزن، أولاد علة، عسى ألاَّ يوجد بينها وفاق إلا في الظواهر"[11].

 

وهذا كما نرى لا يختلف عمَّا ورد في "دلائل الإعجاز"، في أن المزية إنما هي في تآلف معاني الكلمات؛ لأن عبدالقاهر في هذا النص من "الأسرار" يقضي بأن الجاحظ عدل عن طلب السجْع؛ لأن المعنى لَم يطلبه أو لأن معناه لا يتلاءَم مع معاني الكلمات الأخرى.

 

أمَّا إذا كانت كلمة التجنيس أو السجع قد طلبها المعنى وساق إليها، فعند ذلك لا يجوز إلا أن نأتي بالسجع، وقد مضى من كلامِه ما يدل على هذا، وانسجامًا معه يقول عبدالقاهر: "ولذلك أنكر الأعرابي حين شكا إلى عامل الماء بقوله: (حلئت ركابي، وشققت ثيابي، وضربت صحابي)، فقال له العامل: (أوتسجع أيضًا؟)، إنكار العامل السجع حتى قال: (فكيف أقول)؟! وذاك أنه لم يعلم أصلح لما أراد من هذه الألفاظ ولم يره بالسجع مخلاًّ بمعنى[12].

 

إذًا عبدالقاهر هنا يُقيم منهجه نفسه الذي وضَّحه في "الدلائل"، وأفاض فيه، بل يكاد يُكَرِّر في "الأسرار" بعض العبارات الأساسية التي وردتْ في "الدلائل"، مما يتَّصل بتَوْضيح فكرة تآلُف المعاني؛ يقول عبدالقاهر مُعَلقًا على بيت الفرزدق - وهو في صدد حديثه عن بيان المزية في السجع والجناس -: "فانظر أيتصور أن يكون ذمُّك للفظه من حيث إنك أنكرت شيئًا من حروفه، أو صادفت وحشيًّا غريبًا، أو سوقيًّا ضعيفًا؟ أم ليس إلا لأنه لم يرتب الألفاظ في الذكر، على موجب ترتب المعاني في الفكر"[13].

 

ويؤكِّد فَهمنا هذا الكلام من عبدالقاهر أنه عرض لبعض فنون البديع بهذا المنهج في "دلائل الإعجاز"، ففيه يتضح موقف عبدالقاهر من فنون البديع؛ إذ يقتصر حديثه عنها على كون المزية في تآلف معاني الكلمات، وهذا ما يقوم عليه كتاب الدلائل كله، يقول عبدالقاهر: "واعلم أن مما هو أصل في أن يدق النظر، ويغمض المسلك، في توخي المعاني التي عرفت: أن تتحد أجزاء الكلام، ويدخل بعضها في بعض، ويشتد ارتباط ثان منها بأول، وأن تحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وضعًا واحدًا، وأن يكون حالك فيها حال الباني يضع بيمينه ها هنا في حال ما يضع بيساره هناك، نعم، وفي حال ما يبصر مكان ثالثٍ ورابع يضعهما بعد الأولين"[14].

 

وبعد هذا الكلام الذي يختصر جوهر نظرية عبدالقاهر في مكمن المزية، يأتي بشواهد تتجلَّى فيها هذه المزية، منها "أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء معًا، كقول البحتري:

إِذَا مَا نَهَى النَّاهِي فَلَجَّ بِيَ الهَوَى
أَصَاخَتْ إِلَى الوَاشِي فَلَجَّ بِهَا الهَجْرُ

وقوله:

إِذَا احْتَرَبَتْ يَوْمًا فَفَاضَتْ دِمَاؤُهَا
تَذَكَّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُهَا"[15]

والمزاوجة من فنون البديع المعروفة.

 

ثم يجيء بشاهد آخر من فنون البديع دليلاً على كلامه السابق، وهو "التقسيم، وخصوصًا إذا قسمت ثم جمعت، كقول حسان:

قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ
أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ
إِنَّ الخَلائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا البِدَعُ "[16]

 

هنا نرى عبدالقاهر يبحث من أمر فنون البديع جانب المزية، ولا يشغل نفسه بأمر الحدود والتعريفات، أو المبالغة في البحث عن ألوان جديدة منها، وجانب المزية - كما رأينا - هنا يتصل بما أخرجه عبدالقاهر من آية: ﴿ وَقِيلَ يا أَرْضُ ﴾ [هود: 44]؛ أعني: مزية تآلف المعاني، وشدة ارتباط بعضها ببعض.

 

وهكذا يأخذ البديع - لما أدخله عبدالقاهر مدخل تآلف المعاني - منحى جديدًا، فينظر فيه إلى جانب المزية فحسب، ويبتعد عن النظر في حدوده، والبحث والتنفير عن أنواع جديدة منه، وابتداع التسميات للألوان الجديدة، أو الإكثار من ضرب الأمثلة له من دون تعليق يشير إلى مواضع المزية فيه.

 

وهذه إضافة جليلة من عبدالقاهر، وهي ما كان ينبغي أن يصرف أهل البلاغة إليه جهودهم، كما قال غير واحد من الباحثين[17].

 

ولا يَصِحّ مع هذه الإضافة لعبدالقاهر، القول بأنه أغفل ألوان البديع؛ لأنه لَم يكن يرى فيها دلائل إعجاز القرآن[18]، أو لأن غيره اهتم بها، أمَّا من حيث توافر المزية في فنون البديع، فإن عبدالقاهر - كما تبين - يرى فيها من المزية ما في غيرها من فنون البلاغة الأخرى؛ لأن العبرة في النظم، وأمَّا من حيث الاهتمام بها فإن عبدالقاهر قد اهتمَّ بفنون البديع، ولكن اهتمامه يختلف عن سابقيه، فقد صرف نظره إلى جانب المزية من البديع، بينما حرص غيره ممَّن سبقه على التعريف والتقسيم وابتداع الألوان الجديدة.

 

إضافة الزمخشري:

لم يكن شأن الزمخشري - كما كان الحال عند عبدالقاهر - فيما عرض له من ألوان البديع، أن يستزيد من ألوانه[19]، وينشغل بالتقسيمات، بل كان شأنه في حديثه عنها شأن عبدالقاهر، تلفته اللمحة الدالَّة، وتنبهه الإشارة المفعمة بالمعاني.

 

وقف الزمخشري عند هذه الألوان متسائلاً عن سبب المزية في كلِّ لون، ومبرزًا النكتة الخاصة بكلِّ موضع، ومن هنا تكثر إشاراته في هذا السبيل، وتتعدَّد عباراته فيه يقول مثلاً عن المشاكلة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يسْتَحْيي أَنْ يضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26]: "هو فن من كلامهم بديع، وطراز عجيب"[20]، ويقول عنه أيضًا في قوله تعالى: ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ [المائدة: 116]: "وهو من فصيح الكلام وبينه"[21]، وهذا الاستحسان لا ينصرف كله إلى اللفظ وما فيه من توازن وجرس، كما قد يتبادَر إلى الذهن، بل ينصرف أغلبه إلى ما يقوم به هذا الفن من المشاركة في المعنى، وهكذا ضروب البديع الأخرى، حتى "الجناس، وإن كان أقرب ألوان البديع إلى الحسن اللفظي لكنَّه في القرآن من محاسن الألفاظ والمعاني كما يقول"[22]؛ أي: كما يقول الزمخشري، وذلك لما نظر في قوله تعالى: ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾[النمل: 22]، وهذا من جنس الكلام الذي سمَّاه المحدثون البديع، هو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعًا، أو يضعه عالِم بجوهر الكلام يحفظ معه صحة المعنى وسداده، ولقد جاء ها هنا زائدًا على الصحة فحسن وبدع لفظًا ومعنى، ألا ترى أنه لو وضع مكان (بنبأ) (بخبر)، لكان المعنى صحيحًا، وهو كما جاء أصح لما في (النبأ) من الزيادة التي يطابقها وصف الحال"[23].

 

وهذا - كما هو واضح - من منهج عبدالقاهر الذي جعل الحسن في مثل هذا موقوفًا على حاجة المعنى إليه، وهنا لو لم يكن في معنى (نبأ) زيادة تآلف لمعاني كلمات الآية، وفضل اتِّساق مع الغرض المقصود، لما فضلت على (خبر)، وسيأتي بيان معنى هذه الزيادة لاحقًا.

 

وهذا في الأصل - كما تقدَّم - من إضافات عبدالقاهر لما جعل البديع من مفردات (النظم)، وهو المعنى المستخرَج من القرآن، لبيان إعجازه، وإبرازه موضع المزية فيه.

 

ونعرض الآن فنون البديع التي وردت في كشاف الزمخشري.

 

1 - المشاكلة[24]:

والزمخشري كعادته يطبِّق علم عبدالقاهر، لكن الفكرة وإن كانت في أصلها لعبدالقاهر، إلا أن الزمخشري النقَّاب وهو يتناول علم عبدالقاهر كأنه يبني بناءً جديدًا؛ لأنه في تدقيقه في محاسن البديع من بعض آيات القرآن يبرِز من ضروب الارتباط بالمعنى ما يزيد على عبدالقاهر، ففي قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾[الشعراء: 43-46]، يقول الزمخشري: "وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء؛ لأنه ذكر مع الإلقاء فسلك به طريق المشاكلة، وفيه أيضًا مع مراعاة أنهم حين رأوها لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، كأنهم أُخِذوا فطُرحوا طرْحًا"   [25]، لذلك اختير (ألقي) على (رموا بأنفسهم)؛ لأن الغرَض بيان عظَم آية موسى التي فيها البينة التي قصدها بقوله: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]، وقوله: ﴿ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَينَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الأعراف: 105]، وينسجم مع هذه الغاية وصف سحر سحرة فرعون بأنه عظيم، فقيل عنه: ﴿ وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116] لتظهر بذلك عظمة مَن يتفوق على هذا السحر العظيم، والدليل في البينة ينبغي أن يكون واضحًا يدهِش بظهوره كل منصف، بحيث لا يملك معه المرء إذا ظهر إلا الإقرار بمقتضاه، وكان من شدَّة أثر الدليل في عصا موسى - عليه السلام - أن السحرة كأنهم يؤخذون من غيرهم فيرمون ويقذفون فوق رميهم بأنفسهم، وهذا ما أفاده لفظ (فألقي)، ويضاف إلى هذه النكتة حسن الجرس الذي حصل بالمشاكلة من حيث اللفظة، لذلك كانتْ (ألقي) مناسبة للسياق.

 

وبهذا يظهِر لنا الزمخشري بجلاء تآلُف معنى هذا الضرب من البديع في هذه الآية مع الغرض في الآيات، ومع الكلمات في الآية، واتساقه معها، كما يرينا كيف أن هذه المشاكلة قد ناءت بحمل حظ وافر من المعنى، بل تغلغلت إلى أعماق المعنى.

 

ولننظر كيف يُبْدِي الزمَخشري هذا مرَّة أخرى، فيرينا ارتباط فن (المشاكلة) بأعماق الوقف كلِّه، فقد تشاكل لفظة أختًا لها في السياق، وهذا هو المعهود في هذا الفن، ولكن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يسْتَحْيي أَنْ يضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26]، يرى الزمخشري أن المشاكلة تمتدُّ إلى ما وراء السياق الظاهر من الألفاظ، لتوصلنا إلى أذهان الكفار وما فيها من ظنون رديئة بالله - سبحانه - وعبارات سيئة تلوكها ألسنتهم في خفية، أو في مجالسهم الخاصة يجسِّدون بها هذه الظنون الفاسدة؛ يقول الزمخشري: "ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكَفَرة فقالوا: أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال، وهو فنٌّ من كلامهم بديعٌ، وطراز عجيب[26]، فجاءت المشاكلة لتكشف لنا هذا كلَّه، بإظهار حقيقة موقف الكفار، وإبراز سوء أدبهم.

 

وقد تأتي لفظةٌ لتُشاكِل سلوكًا أو موقفًا يتخذه الناس، وهنا لا يكون في السياق ولا في سبب النزول فيما وراء السياق لفظة يشاكلها ما في السياق، بل المشاكلة للموقف الذي عليه الناس، يُبَيِّن الزمخشري هذا في قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138]؛ يقول الزمخشري: "وهي فعلة من صبغ، والمعنى: تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمُّونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم، وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال: الآن صار نصرانيًّا حقًّا فأُمِر المسلمون بأن يقولوا لهم: قولوا آمنَّا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتكم، وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريقة المشاكلة"[27].

 

وهكذا يقف الزمخشري عند فنِّ المشاكلة، ليكشف عن أسباب المزية في هذا الفن، وهو وإن كان فنًّا واحدًا، إلا أنه يأتي في كل آية بهيئة خاصة؛ أي: إنه وإن كان ضربًا واحدًا، إلاَّ أنه في الحقيقة ضروب من المزايا.

 

وها هنا ضرب آخر منه تظهر فيه مزية جديدة، ومعنى جديد، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيهِمْ جَنَّتَينِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ [سبأ: 16]؛ يقول الزمخشري: "وتسمية البدل جنتين، لأجل المشاكلة وفيه ضرب من التهَكُّم"[28]، وانظر إلى هذا المعنى الجديد الذي نهض به هذا الفن، وهذا هو الذي مكَّن المشاكلة في السياق، بل جعله في حاجة شديدة إليها، وهنا لا غنى للسياق عنها، كما قضى عبدالقاهر من قبل.

 

وهذه المعاني المتجدِّدة للمشاكلة تأتي من جهة أن الزمخشري ينظر من فنون البديع بشكلٍ عام إلى مكانها من النظم والسياق، كما كان يفعل عبدالقاهر، وما دام الفن الواحد يأتي في سياقات مختلفة، فإن له في كل سياق أو نظم مزية لا تصادفها في نظم آخر، ومن هنا كان الزمخشري في كلِّ آية فيها مشاكلة يكشف عن نكتة بلاغية جديدة.

 

ولو نظرنا إلى هذا الفن عند أبي هلال العسكري - وقد عرضه تحت عنوان (رد الأعجاز على الصدور)[29]، فسنجده ضربًا واحدًا، في شواهد تتوالى، لا ينظر منها أبو هلال إلى نظم كل شاهد ليقف على هيئته الخاصة، إنما كلُّ همه أن يبين حده[30]، ثم يبين أقسامه، وليضرب لكل قسم أمثلة كثيرة، لا يفصل بينها غير (وقال)، أما الوقوف على حقيقة المزية والدلالة على مكامن النكتة والتعجب منها، فهو شأن الزمخشري في ظلال آيات القرآن.

 

وأستاذية الزمخشري في هذا واضحة وبينة يقرُّ بها الباحثون، وهي أستاذية فريدة لم يلحق بها أحد، إلا أننا نجد في إشارات بعض المفسرين ما يقترب منها أحيانًا، يقول عبدالواحد علام: "والحق أن موقف البلاغيين قد استمدَّ معظم قسماته وملامحه في كثيرٍ من مباحث البلاغة عن موقف المفسرين"[31].

 

وبهذا المنهج الجديد الذي ابتدأه عبدالقاهر، والذي يصبح أكثر جدة على يدي الزمخشري وأعمق وأجدى نفعًا في ظل آيات القرآن، تبدأ نظرة جديدة إلى البديع، ويبدأ عهد جديد بالنكات البلاغية الكثيرة المستخرجة من ألوان البديع، كما تبدأ نظرة جديدة لألوان البديع، فها هي تنهض بالمعاني متعاونة مع عناصر السياق الأخرى، وهكذا يخرج البديع عن دائرة عرضه السابق التي تقتصر في أغلبها على التعريف للون البديعي، والإكثار من الاستشهاد له.


2- الالتفات[32]:

يسود في كتب البلاغة أن الالتفات يجيء لتنشيط السامع وتطريته، واستمالته للإصغاء، ذكر هذا عبدالواحد علام، ونسبه في سيادته هذه إلى التفتازاني[33]، وإلى مَن بعده، وتمنى لو أن التفتازاني ذكر فوائد أخرى لهذا الفن[34]، وفائدة الالتفات العامة هذه ذكرها الزمخشري فقال: "فإن قلت: لِمَ عدَل عن لفْظ الغيبة إلى لفْظ الخطاب؟ قلتُ: هذا يسمَّى الالتفات في علم البيان، وذلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرُّفهم فيه، ولأنَّ الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظًا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد"[35].

 

ويتضح مما قاله عبدالواحد علام، بعد ذكر قول الزمخشري أنه يأخذ على المتأخرين من أهل البلاغة أنهم أخذوا الشطر الأول من كلام الزمخشري، وتركوا الشطر الثاني، وهو أهمهما، أعني قوله؛ (وقد تختص مواقعه بفوائد).

 

أمَّا الزمخشري فقد شغله القسم الثاني من قوله هذا، وراح يتأمَّل المعاني التي ترافق كلَّ التفات، وينظر من هذا اللون البديعي إلى مكانه في النظم والسياق، والمزية - وهي ما يحرص الزمخشري على الاهتداء إليها والكشف عنها - تظهر بالنظر في مكان ضرب بلاغي من النظم، وتتبين بعدما تدرك علاقاته بأخواته من الكلمات في السياق وبهيئة اتصاله بالغرض من الكلام.

 

ولمَّا نظر الزمخشري إلى الالتفات من هذه الجهة انتهى إلى مزايا كثيرة، حيث أبرز لنا في كلِّ مرة معنى جديدًا ينهض به الالتفات، غير الغرض العام الذي ذكر للالتفات، أعني به: (التنشيط والتطرية).

 

ونذكر هنا بعض الفوائد التي استخرجها الزمخشري من الآيات الكريمة في فنِّ الالتفات، من ذلك قوله في قوله تعالى: ﴿ إِياكَ نَعْبُدُ وَإِياكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]: "فإن قلت لم عدل عن لفظ الغيبة إلى الخطاب؟ قلت: هذا يسمى الالتفات في علم البيان، وممَّا اختص به هذا الموقع[36] أنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن، وحقيق بالثناء، وغاية الخضوع والاستعانة في المهمَّات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل إياك يا مَن هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك ولا نستعينه، ليكون الخطاب أدلَّ على أن العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به[37].

 

ولَمَّا كان الأمر مَوكولاً إلى النظم، نظَر في هذا الالتفات أيضًا أبو حيان فكشف عن سر جديد لهذا الالتفات فقال: "وفائدته في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ أنه لما ذكر أن الحمد لله المتَّصف بالربوبية والرحمة والملك لليوم المذكور، أقبل الحامد مخبرًا بأثر ذكره الحمد المستقر له منه ومن غيره، أنه وغيره يعبده ويخضع له، فكذلك أتى بالنون التي تكون له ولغيره، فكما أن الحمد يستغرق الحامدين، كذلك العبادة تستغرق المتكلم وغيره، ونظير هذا أنك تذكر شخصًا متصفًا بأوصاف جليلة مخبرًا عنه إخبار الغائب، ويكون ذلك الشخص حاضرًا معك، فتقول له: إياك أقصد، فيكون في هذا الخطاب من التلطُّف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ (إياه)، ولأنه ذكر ذلك توطِئة للدعاء في قوله ﴿ اهْدِنَا ﴾"[38].

 

وهكذا كثرتْ فوائد الفنِّ الواحد عند أهل التفسير لما دقَّقوا نظرهم في نظم هذه الآيات، وتأمَّلوا موقع الالتفات منها، فخرجتْ لهم هذه الأسرار كلها، وبدتْ هذه اللطائف السنية؛ لهذه النكات اجتلب الالتفات.

 

وهذه المزايا التي ذكرت هي خالصة للقرآن في هذه الآيات؛ لأنه لَم يحظَ الالْتفات في كلامٍ بالنظر الدَّقيق والتمْحيص الفائق الذي يخشى معه صاحبه الزلل؛ لأنه كلام الله، كما حظي في هذه الآيات، ومَن يتأمَّل الحديث عن الالتفات هنا، ثم يرجع إلى كُتُب البلاغة يدرك أن ها هنا علمًا غزيرًا ونظرات ثاقبة، لا يُمكن أن نجدَ لها نظيرًا في كتُب البلاغة، ومَن ينظر في حديث قدامة وأبي هلال العسكري مثلاً لا يجد غير الوقوف عند تعريف الالتفات، وضرب الأمثلة الكثيرة، أمَّا ذكر المعاني الخاصة التي ينهض بها الالتفات في كل شاهد، وتميز كل التفات، وذكر فائدته التي لا تشبه فائدة الالتفات في موضع آخر، فهذا ما لا نظفر به إلا عند الزمخشري وبعض أهل التفسير، لذلك قلْنا: إن هذه البلاغة أو هذه المزايا خلصتْ للقرآن، ومن هنا قال مَن قال: إن البلاغين قد استمدوا كثيرًا من مباحث البلاغة من المفسرين، ولا سيما من الزمخشري.

 

نظَر الزمخشري إذًا إلى النظم - تلك النظرية التي استخرج عبدالقاهر عناصرها من آيات القرآن الكريم - وهو يتأمَّل هذا الفن، ولما كان النظم لا يتكرَّر، فإن لكل موضع معنى وفائدة تُمَيزه، لذلك كان الزمخشري يبدي معنى جديدًا للالتفات، كلَّما عرض لموضع جديد منه، فالالتفات في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيئًا إِدًّا ﴾ [مريم: 88، 89] فيه - كما يقول الزمخشري -: "زيادة تسجيل عليهم بالجرأة على الله، والتعرُّض لسخطه، وتنبيه على عظم ما قالوا"[39]، أمَّا الالتفات في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يسَيرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَينَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيبَةٍ ﴾ [يونس: 22]، ففيه فائدة أخرى جليلة، وهي: "كأنه ذكر لغيرهم حالهم، ليعجبهم منها، ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح"[40]، كان هذا الالتفات بصيغة الماضي، وهذه الفائدة فيه لا تأتي مع كلِّ التفات بصيغة المضي، بل المعنى أو الفائدة يحددها النظم، ومن هنا اختلفت الفائدة مع فعل ماضٍ آخر حصل به الالتفات، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَيوْمَ ينْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [النمل: 87]، "فإن قلت: لِمَ قيل: (ففزع) دون (فيفزع)؟ قلت: لنكتة، وهي الإشعار بتحقيق الفزَع وثبوته، وأنه كائن لا محالة، واقع على أهل السموات والأرض؛ لأنَّ الفعل الماضي يدلُّ على وجود الفعل، وكونه مقطوعًا به"[41]، وهذا مهمٌّ جدًّا في هذا السياق؛ لأن الإيمان بعلامات القيامة من مقتضيات الإيمان بالله، فلمَّا سِيقَت مساق أمرٍ مقطوعٍ به، كان ذلك ألطف بالنفس للتأثُّر به، فهو أمرٌ مفروغ منه كشيء تمَّ وجرى، وهذا يأخذ على النفس سُبُل التشكيك، ويدفع عنها وساوس الإنكار.

 

وثمَّة التفاتٌ آخَر يستخرج منه الزمخشري نكتة رائعة، ومزية بالغة الدقَّة، وذلك بتجاوُب الآية مع الالتفات واتساقه معها، واتحاده بها، لأداء الغرض والنهوض بالمعنى الذي يؤمّ؛ يقول الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[الأحزاب: 50]، بدأت الآية بالخطاب بـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ ﴾، ثم عدل السياق إلى الغيبة في قوله: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، ﴾ ثم رجع السياق إلى الخطاب في ﴿ خَالِصَةً لَكَ ﴾، فكان دالاًّ على الاختصاص، يقول الزمخشري: "فإن قلت: لِمَ عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ ﴾ ثم رجع إلى الخطاب؟ قلت: للإيذان بأنه مما خصَّ به وأوثر، ومجيئه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة، وتكريره تفْخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوَّته"[42].

 

وهكذا تحقَّق بهذا الفن البديعي مزايا تتعدَّد بتعدُّد النظْم، وقد يستخرج من النظم الواحد مزايا عديدة، إذا تناولتْه أذهان لطيفة، كما رأينا في آية الفاتحة، وهذه المزايا الكثيرة، وهذا العلم لن تجد له نظيرًا في غير التفاسير، ولا سيما "الكشاف".

 

3- الإدماج:

يعرفه ابن أبي الإصبع فيقول: "وهو أن يدمج المتكلم غرضًا في ضمن معنى قد نحاه من جملة المعاني"[43]، وهذا التَّعْريفُ فيه فضْل بيان لتعريف القزويني الذي يرى أن الإدماج هو: "أن يضمن كلام سِيق لمعنى معنى آخر"[44].

 

وهكذا ينبِئ هذا الكلام في هذا الفن بوُجُوب الغوص على المعاني والنفاذ إلى بواطن علاقات الكلمات، والاستماع إلى همسات الكلمات الداخلية بدقَّة لعله يهدي إلى الغرَض، ويكشف عن المزية، واستنطاق ما فيها من إشارات قد تكون بعيدة للوهلة الأولى، ولكنها مهمَّة, بل قد تكون الغرض الأول، يقول الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ﴾ [الأنعام: 91]: "والقائلون هم اليهود بدليل قراءة من قرأ (تجعلون) بالتاء، وكذلك (تبدونها)، و(تخفون)، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألزموا ما لا بُدَّ لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى - عليه السلام - وأدرج تحت الإلزام توبيخهم، وأن نعى عليهم سوء جهلهم لكتابهم، وتحريفهم، وإبداء بعض، وإخفاء بعض[45].

 

فاليهود ولا شك يبغضون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشد ما يكون البغض، وهذا ثابت في قوله تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيهُودَ ﴾ [المائدة: 82]، وهذا قد ملأ عليهم قلوبهم، وفي سبيل إبطال دعوة النبي - عليه الصلاة والسلام - وإنكار نبوته أنكروا نبوَّة نبيهم، وصدق كتابهم؛ فقالوا: ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ ﴾[الأنعام: 91]، لتبطل بذلك دعوةُ النبي - عليه الصلاة والسلام - وهذا فعل قبيح جدًّا، يستحق فاعلُه عليه أشد التشْنيع والتوبيخ؛ لذلك لجأ البيان القرآني إلى الإشارة في خفاء، وإلى إدماج بعض المعاني في بعض، وهذا أوجع وأشد أثرًا؛ لأنه كالطعنة التي تأتي من حيث لا تُرَى.

 

والنظر إلى المعنى الثاني للسياق، أو الاستماع إلى الصوت الخفي له، باب واسع في بلاغة "الكشاف"، والزمخشري وإن كان ينبِّه إلى ذلك بكلمات قليلة، ولكنها في الحقيقة تختصر نكات بلاغية كثيرة، ومزايا مَوْفُورة.

 

وهذه ظاهرة يتفرَّد بها الزمخشري، صحيح أننا نجد مثل هذه الإشارات في كتب التفسير أحيانًا، إلا أنها عند الزمخشري علْم غزير كما قلنا، وهذا يرجع - قال ابن المنَيِّر - إلى "دقة نظره في الكتاب العزيز، والتعمُّق في آثار معادنه وإبراز محاسنه"[46]، كما يرجع في جزء كبير منه إلى علوِّ بيان القرآن، وإلى غنى سياق الآيات بالإيحاءات واحتشاد المعاني في كلماته، وغزارة الإشارة في تراكيبه، واشتماله على فنون لا حصر له، و"لله درُّ أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها، لا تكاد تستغرب منها فنًّا إلا عثرت عليه فيه على أقوم مناهجه وأسد مدارجه"[47].

 

وممَّا يدلُّ على وقفات الزمخشري المتأنِّية للكشف عن المعاني المدرَجة، قوله في قوله تعالى: ﴿ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121]: "ولكن قوله - تعالى - بهذا الإطلاق وبهذا التصريح، وحيث لَم يقل: وزلَّ آدم، وأخطأ، وما أشبه ذلك، ممَّا يعبر به عن الزلات والفرطات فيه لطف بالمكلفين، ومزجرة بليغة، وموعظة كافَّة، وكأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله بهذه الغلظة، وبهذا اللفظ الشنيع، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيئات والصَّغائر"[48]، ففي القصة إخبار عن الغيب، وأدرج تحته التحذير عن السيئات، والوقوع في المعاصي.

 

ومن ذلك أيضًا قوله في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، يقول الزمخشري: "فإن قلْت: الله تعالى غني بعلمه عن كتبة الملائكة، فما فائدتها؟ قلت: فيها لطف للعباد؛ لأنهم إذا علموا أن الله رقيب عليهم، والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكلون بهم، يحفظون عليهم أعمالهم، ويكتبون في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف، كان أزجر لهم عن القبيح، وأبعد عن السُّوء"[49].

 

ومن هذا الفن أيضًا قوله في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10]، ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ﴾ تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما كان يلقى من قومه"[50]، وهكذا قصص الأنبياء كلها، فهي بالإضافة إلى ما فيها من الإخبار عن الغيوب، فيها من جانب آخر خفي غاية كبرى، وهي الربط على قلب النبي الكريم وأصحابه؛ ليثبتوا أمام المشركين اقتداء بالأنبياء الذين سبقوا.

 

4- الكلام الموجه[51]:

استخرج محمد محمد أبو موسى هذا الفن من قول الزمخشري في قوله - تعالى -: ﴿ وَاسْمَعْ غَيرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴾ [النساء: 46]، "وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم؛ أي: اسمع منا مدعوًا عليك بلا سمعت؛ لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع، فكان أصم غير مسمع، قالوا ذلك اتكالاً على أن قولهم - لا سمعت - دعوة مستجابة، ويحتمل المدح؛ أي: اسمع غير مسمع مكروهًا، فكانوا - سخرية بالدين وهزؤًا برسول الله، صلى الله عليه وسلم - يكلمونه بكلام محتمل، ينوون به الشتيمة والإهانة، ويظهرون به التوقير والإكرام"[52]، استخرج الكلام الموجَّه من قول الزمخشري (هو قول ذو وجهين).

 

ولكن الزمخشري ذكر الكلام الموجه بنصه في موضع آخر، وذلك في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79]، يقول الزمخشري: "وهو كلام موجه، ظاهره: أنه وجب على قضية فتواكم أخذ مَن وجد الصواع في رحله واستعباده، فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلمًا في مذهبكم، فلِمَ تطلبون ما عرفتم أنه ظلم؟ وباطنه: إن الله أمرني وأوحى إليَّ بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة أو لمصالح جمَّة علمها في ذلك، فلو أخذت غير مَن أمرني بأخذه كنت ظالمًا وعاملاً على خلاف الوحي"[53]، ذكر الزمخشري إذًا (الكلام الموجه) بنصِّه.

 

أمَّا فيما يتصل بجانب المزية، واتصال فنون البديع بالمعنى اتصالاً وثيقًا، فنقول فيه: إننا نلمح فيه من ذكر المعنيين والإفاضة فيهما، وأكثر من ذلك إظهار المعنى الثاني - أو الذي سماه بـ(باطنه) - على أنه حلقة لا بد منها من حلقات بناء الصورة المتكاملة لقصة يوسف - عليه السلام - مع أبيه وإخوته، وهكذا يبدو لنا ترابط الآيات من جهتَيْن: من جهة الظاهر كما سَمَّاها الزمخشري، ومن جهة الباطن، وهذه أهم مزية، أعني مزية ترابط المعاني، واشتداد بعضها إلى بعض، حتى لا استغناء لأجزاء عن الأجزاء الأخرى، وإلا حصل الانقطاع وزالت المزية.

 

والنظر إلى معاني السورة على أنها قصة متكاملة، يهدي المعنى في المقطع الواحد إلى الثاني، ثم يسلم الثاني إلى الثالث، هذا النظر مزية يتفرَّد بها الزمخشري في نظره في آيات القرآن، وقد سبق ذكر شيء من هذا.

 

وكلام الزمخشري وإن كان في هذا كالإشارة، إلا أن هذه الإشارة واضحة، وهي تدلُّ على ما قلناه من أنه ينظر في جزئيات السورة على أنها مراحل تكتمل بها الصورة الكلية، والغرَض العام من السورة، كما أن هذه الإشارة - وإشارات أخرى ذكرناها من قبل - تدل على أن الزمخشري ينظر إلى المعنى العام للسورة، لكنه لا يبديه دائمًا؛ لأنه ليس مطلوبًا منه، أمَّا إذا كانت هناك حاجة إلى بيان هذا المعنى، وبيان تلاحم عناصره، فإنه يفعل ذلك، كما بين هنا أن المعنى في هذه الآية وبهذا التوجيه جزء من بناء كامل متماسِك، وقد فعل ذلك ببراعة؛ حيث أظهر لنا قوة التماسُك في السورة وشدَّة ارتباط معانيها، وبناء الثاني على الأول، والثالث على الثاني.

 

وعودًا إلى الكلام الموجَّه في الآية السابقة، لإبراز المزية فيها نقول: بذلك التوجيه يبدو الكلام أشد ارتباطًا، وأقوى التحامًا؛ إذ هذه الجملة ملتحمة بالسياق التحام النتيجة الضرورية بمقدمتها المتفق عليها، فما دمتم يا إخوة بنيامين قد رضيتم بالشرط، وهو أن من وجد منكم الصواع في رحله يؤخذ ويستعبد، فما لكم تنكثون عن ذلك، وتطلبون منَّا أن نظلم فنأخذ غير السارق، وهذا من جهة، وهو ظلم من جهة أخرى؛ لأننا إن لم نأخذ بنيامين نفسه، فإن أحق وصف لنا هو كلمة (الظالمين)، وذلك لأننا نعطل المصلحة التي أراد الله إنفاذها، والتي رتب لها سبحانه السورة موقفًا إثر موقف، من بداية السورة إلى هذه الآية.

 

هذا - كما أظن - ما أراد الزمخشري بيانه بقوله المختصر، ولمثل هذا أكبره أهل العلم، ولأجل أمثال هذه الدقائق التي يستخرجها جعلوه إمامًا من أئمَّة البلاغة، وقدَّموه على كثيرٍ من علمائها.

 

ولن نجد مثل هذه الوقفة البيانية الرائعة التي أبرزتْ نظم المعاني المتسلْسلة التي تسلمك واحدتها إلى الأخرى بكلِّ إحكام؛ لأننا لن نجد نصًّا غير القرآن يتوافر فيه هذا الالتحام الشديد بين عُقَد معانيه، كما يصعب أن نجد ذهنًا كذهن الزمخشري في دقة استخراجه للمعاني، لما تدرب على تذوُّق مثل هذا في القرآن، وتمرَّس بالنظر في كليات معانيه، وجملة المعاني والأغراض في السور من القرآن، ويُشَجعنا على هذا القول أن هذه الوقفات في بلاغة الكشاف منهج أصيل، وباب واسع فيه، وقد تقدَّمت منه أمثلة، ونأخذ منه دليلاً آخر، وهو فن بديعي آخر يتجسد فيه ما قلناه.

 

5- الاستطراد[54]:

لا شكَّ أن الحديث عن مزية ائتلاف الكلام والتحام التراكيب يأتي بهيئات مختلفة، وهو في كلِّ هيئة واضح الدلالة على أن هذه المزية يقصد إلى بيانها، لذلك فالزمخشري يبرزها بضروب البديع المختلفة، وهنا بينها بالاستطراد الذي يظن أنه يضعف فيه الاتِّصال، ويتراخى فيه التلاحُم بين السابق وبين اللاحق، والزمخشري يستخرج من هذا الفن دلائل شدَّة الاتصال، ويبين به قوة التلاؤم والتلاحُم بين الجمل والآيات، ومن هنا يقول محمد محمد أبو موسى: "وقد أشار الزمخشري في مواطن كثيرة إلى طريقة الاستطراد، وذلك في بيانه لمناسبات الجمل وعلاقات أجزاء الكلام بعضها ببعض"[55]، وكأنه حينما شعر أنَّ هذه المواضع - أعني مواضع الاستطراد - يحتمل أن تكون سببًا للظن من حيث إنه لا تتساند تراكيبها ولا تتآلف معانيها، عطف إلى بيان وجه الاتِّصال في هذه المواضع، وبيان شدة الصلة بين ما تقدَّم وما استطرد إليه، ولذلك نراه يقول في قوله تعالى: ﴿ يسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِي مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾[البقرة: 189]، يقول عند قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾: "فإن قلت: ما وجه اتِّصاله بما قبله؟ قلت: يجوز أن يجري على طريق الاستطراد، لما ذكر أنها مواقيت للحج؛ لأنه كان من أفعالهم في الحج"[56].

فالزمخشري هنا يُبَيِّن وجه اتصال الكلام، وجهة تآلُف المعاني، ويبين أنها متلائمة وملْتحمة.

 

ومِن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26]، يقول الزمخشري: "وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوِّ السوءات، وخصف الورق عليها، إظهارًا للمنَّة فيما خلق الله من اللباس، ولما في العري وكشْف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارًا بأن التستُّر باب عظيم مِنْ أبواب التَّقْوى"[57].

 

فهذا الاستطراد الذي يمكن أن يقال فيه: (ما وجه اتصال هذا بما سبق)، هو وثيق الصلة بما سبق، فالآية كما بين الزمخشري تعليق أو تعقيب ضروري لتلك الآية المتقدمة التي جرى فيها البيان عن زوال اللباس عن آدم وحواء في قوله تعالى: ﴿ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا ﴾ [الأعراف: 22]، ومن جهة أخرى فالآية كأنها بيان لقيمة ﴿ وَطَفِقَا يخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22]، وهذا ما تُوحِي به عبارة الزمخشري، "إشعارًا بأن التستُّر باب عظيم من أبواب التقْوى".

 

هكذا بَيَّنَ الزمخشري - بهذا الفن البديعي - الترابط والاتصال بما يخفى فيه التآلف ويستتر التلاحُم، ومن هنا نراه يقول - بالإضافة إلى ما سبق - في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران: 110، 111]، متسائلاً: "فإن قلت: ما موقع الجملتين؛ أعني: ﴿ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾، و{لَنْ يضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}؟ قلت: هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكْر أهل الكتاب، كما يقول القائل: وعلى ذِكْر فلان فإن من شأنه كيت وكيت، لذلك جاء من غير عاطف"[58]؛ أي: إن هذا الاستطراد فيه من أسباب الاتصال بما قبله ما يغنيه عن العاطف، فالصفة ملتحمة بالموصوف من غير عاطف؛ لأن العاطف كما هو معلوم إنما يحتاج إليه لربط الكلمات والجمل عندما تفتقد هذه العلاقة الحميمة، فالاستطراد هنا إذًا وثيق بما قبله.

 

لا يزال الزمخشري يُبَيِّن لنا ارتباط هذه الفنون بالمعنى، ويظهر أثر النظم ومزية تآلف المعاني في إبراز نكاتها وأسرارها، وذلك عندما يرسل فيها خاطره، ويلطف فيها نظره، وبذلك ينكشف هذا البيان القرآني عن ضروب كثيرة من المزايا في فنٍّ واحد من فنون البديع، فالاستطراد في كلِّ آية يفتر لنا عن مزية، والالتفات كذلك، وهكذا بقية الفُنُون.

 

6- التقسيم[59]:

وهذا ضرْب آخر يستمر فيه الزمخشري بمنهجه السابق، حيث يُبَيِّن أثره في المعنى، والمقدار الذي ينهض به، هذا المنهج الذي حظي به البديع، أو اكتسبه على يدي عبدالقاهر، وذلك لمَّا أجرى فيه المنْهج الذي استخرجه من القرآن.

 

ففي قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]، يقول الزمخشري: وفي اختصاص السابقين بعد التقسيم بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر، فليحذر المقتصد، وليملك الظالم لنفسه حذرًا، وعليهما بالتوبة النَّصوح المخلِّصة من عذاب الله"[60]، فالتقسيم رشح عنه التحذير؛ لأنه به بان التمييزُ بين المقامات فمقام يرضي الله؛ لأنه سابق إلى الخيرات فله الثواب، ومقام يجب عليه أن يحذر؛ لأنه بجانب السابق مقصر، ويفوته خيرٌ كثير، فيجب على صاحب هذا المقام أن يحاسبَ نفسه، ويُبادر إلى الطاعات، ومقام آخر يوجب الحذر الشديد، بل نهاية الحذر؛ لأنه ببيان الاثنين السابقين يوشك أن يكونَ منَ الهالكين، وفيه حثٌّ شديد وبعْثٌ للنفس لتبادر إلى التوبة المخلصة.

 

ومثال آخر عن التقسيم ينظر منه الزمخشري إلى نظم عناصره، لِمَ قدَّم هذا وأخَّر ذلك؟ ثم لِمَ أخَّر المتقدِّم، وقدَّم المتأخِّر؟ ثم يُبَيِّن الزمخشري أن ذلك لَمْ يَكُنْ إلا لنكتة يقتضيها المعنى، ولطيفة يناصرها الغرَض، وذلك في قوله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50]، يقول الزمخشري: "فإن قلت: لِمَ قدم الإناث؟ قلت: لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى[61]، وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده، ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث؛ لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدُّه بلاء ذِكْر البلاء، وأخَّر الذكور، فلمَّا أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم؛ لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال: ويهب لِمَن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقَّه من التقديم والتأخير، وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدُّمهن، ولكن المقتضى آخر"[62].

 

هذا ما يثمِره النظر في النظم من هذا الفن، نكت خاصة بكلِّ موضع، وأسرار ينطوي عليها كلُّ شاهد، ولو نظرنا في كتب البلاغة السابقة الزمخشري، فإننا نجد أصحابنا يردُّون المزية - إذا تحدثوا عنها في هذا الفن - إلى وفاء التقسيم بعناصر المذكور، فقدامة مثلاً لم يخرج في شواهده التي عرض لها عن هذا، ففي كلِّ شاهد يعقِّب عليه بأن الشاعر لم يدع من الأقسام شيئًا إلا ذكره[63]، ويزيد أبو هلال العسكري في تثبيت هذه النظرة الوحيدة إلى هذا الفن، بتأكيد ما بدأ به قدامة، ثم يضيف بأن القبيح من هذا الفن هو أن يغفل القائل أحد الأقسام[64].

 

ونحن لا نزعم أن إغفال أحد الأقسام ممَّا ينبغي أن يذكر بأنه غير قبيح، لكننا نبين أن الوقوف عند هذا السبب فحسب فيه نظر.

 

أمَّا الزمخشري - وكما تبين فيما ذكرنا من كلامه السابق - فإنه تجاوَز ما ذكره قدامة وأبو هلال، ونظر إلى هيئة كل تقسيم، وتأمل نظمه، ففي الآية الأول[65] لم ينظر إلى ذكر الأقسام جميعًا أو إلى إغفال أحدها، بل نظر إلى هيئة هذا الذكر، وتأمل سبب اختصاص أحد الأقسام بتعقيب، بينما عُرِّي القسمان الآخران من كلِّ تعقيب، ومن هنا استخرج النكتة، وهي إفادة التحْذير للمقتصد والظالم لنفسه، كذلك لم ينظر في الآية الثانية إلى ذكر الأقسام والوفاء بها، بل نظر إلى نظمها، ولما وجد في النظر تقديمًا وتأخيرًا، تأمَّل هذا التقديم والتأخير، ووقف عنده، فكشف له عن السر اللطيف - كما رأينا.

وهكذا يبدو لنا هذا الفن على يدي الزمخشري في ظل آيات القرآن فنًّا جديدًا.

 

فالمزية إذًا ليست في مجرَّد الأقسام، بل هي فيما تكون عليه هذه الأقسام من هيئة، وفي منهج الزمخشري هذا نرى آثار عبدالقاهر واضحة؛ حيث بين أن المزية ليست في الاستعارة على إطلاقها، بل هي في هيئة الاستعارة، ففي قوله تعالى: ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيبًا ﴾ [مريم: 4]، المزية في هذه الهيئة من الاستعارة ونظمها، والدليل أننا بتغيير النظم في الاستعارة مع بقائها، نفقد المزية السنية في الآية، فلو قلنا: "اشتعل شيب الرأس"، أو "الشيب في الرأس"[66]، فقدنا "ذلك الحسن وتلك الفخامة"[67].

 

7 - التفصيل[68]:

وهذا الضرب لا يختلف عمَّا سبق من الفنون، ففوائده عديدة، تختلف باختلاف السياق الذي يرد فيه، فتارة يفيد التعظيم والتفخيم، ففي قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [آل عمران: 195]، يقول الزمخشري: ﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾: "تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم والتفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، وهي المهاجرة عن أوطانهم، فارين إلى الله بدينهم من دار الفتنة، واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي وُلِدوا بها ونشؤوا، بما سامهم المشركون من الخسف ﴿ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ﴾، يريد سبيل الدين من أجله وبسببه ﴿ وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ﴾ وغزوا المشركين واستشهدوا"[69].

 

فما هذا التفصيل - ببيان الهجرة والإخراج من الدِّيار والإيذاء في سبيل الله والمقاتلة فيه والاستشهاد من أجله - إلا ذكر لمآثرهم، وبيان لرفع درجاتهم، وإظهار لعلو منْزلتهم.

 

هذا ما أفادَه هذا الفن بهذا النظْم وبهذه الهيئة، ولَمَّا جاء في نظْمٍ آخر أفاد معنى جديدًا، يقول الزمخشري: "فإن قلت (لي) في قوله ﴿ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25-26] ما جدواه، والكلام بدونه مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولاً، فقيل: اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثَمَّ مشروحًا وميسَّرًا، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمهر من أن يقول اشرح صدري، ويسر أمري على الإيضاح الساذج[70].

 

8 و9 - الطباق والمقابلة[71]:

طريقة الزمخشري إذًا - ومن قبله عبدالقاهر - تتَّجه إلى بيان جانب المزية من هذه الفنون، كما تتَّجه إلى بيان أن المزية تتوافر في هذه الفنون بقدر وفائها بالمعنى، ونهوضها به، فإذا كان الطباق والمقابلة يحتاجهما المعنى اتفقت المزية للكلام بهذا الفن، وعندها لا يجوز حذفها وإلا فقدت المزية وفاتت الفصاحة؛ لأنه حينذاك يكون جزءًا أساسيًّا من المعنى، وليس من المحسنات التي يمكن الاستغناء عنها، ولا تكون فصاحة في نصٍّ إذا نقص منه جزء أساس.

 

أمَّا إذا جاءت المقابلة مجيئًا لَم يكن بالمعنى حاجة إليه، فحينئذٍ تذهب الفصاحة وتزول المزية، وعندها لا يجوز (أن تُراعى المقابلة،) يقول الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ [غافر: 61]، "فإن قلت: لِمَ قرن الليل بالمفعول له والنهار بالحال، وهلا كانا حالين أو مفعولاً لهما، فيراعى حق المقابلة[72]؟ قلت: هما متقابلان من حيث المعنى؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يؤدِّي مؤدَّى الآخر، ولأنه لو قيلَ: ليبصروا فيه، فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي، ولو قيل: ساكنًا - والليل يجوز أن يوصف بالسكون عن الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم: ليل ساج وساكن لا ريح فيه؟ - لم تتميز الفصاحة من المجاز"[73].

 

فالمقابلة[74] لَم تراع في ظاهر اللفظ - وهو فن حرص كثير من الشعراء على الإتيان به، حتى ولو صار غرضه في عمياء - لأن المعنى لا يحتاج إليها، هكذا ينظر الزمخشري إلى المقابلة إذا لم يكن بالمعنى حاجة إليها.

 

أما إذا كان المعنى هو الذي ساق إليها وطلبها، فعندئذ لا بُدَّ من الوفاء به، من ذلك قوله تعالى: ﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 27]، فالغرَض في هذه الآية تصوير قدرة الله سبحانه في أكمل صورها، والنص على أن كل ما في الكون من أفعال غيره ليس إلا بإقدار الله تعالى[75]، وها هنا جاءت المقابلة لتكون خير مجسد لهذا الغرض، ولتظهر لنا - كما يقول الزمخشري - "قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار والمعاقبة بينهما، وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم[76]، وهكذا يصبح الطباق "جزءًا لا يتجزأ من نسيج الآية، بحيث يغدو من المستحيل أن يستغني التعبير عنه"[77].

 

هذا ما يراه الزمخشري في هذين الفنين وفي غيرهما، أما غيره فقد اهتم - كما يقول عبدالواحد علام - بذكر الحدود والتقسيمات من حيث إن الطباق قد يكون بين اسم واسم، أو بين فعل وفعل، أو بين فعل واسم، كما شغل بإحصاء العناصر الداخلة في المقابلة، "فثمة مقابلة بين اثنين واثنين، وثلاثة بثلاثة، وأربعة بأربعة، وخمسة بخمسة، والسعيد من يعثر على مقابلة بين ألفاظ أكثر، وعلى الجملة كان واحد هؤلاء لا يعنيه غير الوقوف عند المفهوم والتقسيم والتفريع"[78].

 

ويضع عبدالواحد علام في مقابلة هؤلاء الزمخشري الذي كان يعنى ببيان القيمة الفنية والتعبيرية، "وهو ما كان ينبغي على البلاغين أن يلتفتوا إليه بدلاً من الجري وراء التقسيمات والتفريعات والقيام بتلك العملية العجيبة من الإحصاء، وسوق أمثلة في التكلف والتصنع"[79].

 

وهكذا تعقد للزمخشري إمامة أخرى، ويقف مرة جديدة، ليكون بوقوفه على دقائق القرآن ولطائفه فحسب إمامًا في البلاغة، كما تقف البلاغة القرآنية بذلك فريدة، لا نجد لها مثيلاً في دراسات الشعر وغيره، ولتكون مزاياه مثالاً لما يجب أن يحتذى.

 

ومن هنا نأخذ على منير سلطان قوله: إن "التفسير اللغوي للطباق قد سيطر على فهم البلاغيين، فكانوا يتعاملون مع الألفاظ ولا يبعدون عن مداها، فقوله تعالى: ﴿ تُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ ﴾ [آل عمران: 27] طباق؛ لأن فيه ليلاً ونهارًا، ونهارًا وليلاً، وليس بعد ذلك شيء"[80]، كما نأخذ عليه قوله الآخر: "لم يلتفت الأقدمون إلى دور الطباق في السياق، ولا إلى أثر السياق في الطباق"[81].

 

ومردُّ هذا الرأي الذي لا نرضاه - كما نرى - إلى أمرين:

إما أن صاحبه لم يقرأ آثار المفسرين، ولا سيما "كشاف الزمخشري" بدقة لاستنباط هذه النكات البلاغية التي أكبره من أجلها القدماء والمحدَثون، ولا اعتد بكلام عبدالقاهر المهم والموجز عن الطباق[82]، وقراءة الزمخشري لاستخلاص نكاته البلاغية أمر ليس باليسير، وأيسر منه بكثيرٍ الاكتفاء بالكتب المتأخرة التي أُفرِدت للبلاغة، لاستخلاص مثل هذه الأحكام.

 

وما دام "كشاف الزمخشري" - ومن قبله كلام عبدالقاهر الموجز عن الطباق - بهذه المكانة، فلا يجوز ألبتة إبرام حكم عن البلاغة العربية، إلا إذا كان لهذين العلمين - بعد قراءة آثارهما بدقَّة بالغة - الحظ الأوفر في بنائه وإنشائه[83].

 

وإمَّا أن يكون مردُّ رأي منير سلطان إلى أنه لا يعد الزمخشري من البلاغيين، وهذا أيضًا يُجانب الصواب؛ لأن مكانته في البلاغة مشهودة، وقد حفظها له القدماء والمحدثون، وليس يخرجه من طبقة البلاغيين أنه لم يؤلف كتابًا خاصًّا بالبلاغة؛ لأن في "كشافه" من النكات البلاغية ودقائقها وأسرار العربية ولطائفها ما يرْجَح بكتب كثيرة خلصت للبلاغة، إذا هي محصت لم يخرج منها القارئ بكبير فائدة.

 

وكيفما كان، فإن هذا الرأي لا يصحُّ؛ لأننا بشيء من التدقيق رأينا أن الزمخشري لا ينظر من الطباق والمقابلة؛ إلا أثر السياق فيهما، وإلى أثرهما في السياق، وإذا صدق هذا الحكم على كثيرٍ من علماء البلاغة، فإنه لا يصدق في شيءٍ على الزمخشري، ومن قبله على عبدالقاهر.

 

10 - تأكيد المدح بما يشبه الذم:

يستمرُّ الزمخشري في تأكيد ارتباط فنون البديع بالمعاني كما أن حديثه عنها يتوجَّه إلى بيان المزية فيها، يقول في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يشْعُرُونَ أَيانَ يبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65].

 

فإن قلت لهم: لِم رفع اسم الله، والله يتعالى أن يكون ممَّن في السموات والأرض؟ قلت: جاء على لغة بني تميم، فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي"[84]، وهنا يبين الزمخشري النكتة السنية، المتَّصلة بالمعنى اتصالاً وثيقًا، ويظهر أثر هذا الفن في إبراز الغرض من الآية على أكمل وجه، ويمضي الزمخشري في بيان ما تقدم قائلاً: "قلت: دعت إليه نكته سنية، حيث أخرج المستثنى مخرج قوله: إلا اليعافير، بعد قوله: ليس بها أنيس، ليؤول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممَّن في السموات والأرض فهم يعلمون الغيب، يعني أن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أن معنى ما في البيت: إن كنت اليعافير أنيسًا ففيها أنيس، بتًّا للقول بخلوها عن الأنيس"[85].

 

وهنا يتبَيَّن لنا مقدار نهوض هذا الفن البديعي بالمعنى، فالغرض في الآية كما يبدو هو إخلاص علم الغيب لله، وإفراده - سبحانه وتعالى - به، وجاء هذا الفن فجسَّد هذا المعنى خير تجسيد، وفي أبلغ صورة ممكنة؛ وذلك لأن كون الله أحدًا - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا - من الخلق مستحيل في تصوُّر كل نفس، فجاء هذا الفن ليرينا أن حال الغيب كذلك، فكما لا يتصور دخول الله في خلقه، كذلك لا يتصور مشاركة خلقه له في علم الغيب ومعرفته.

 

ومن هذا الفن أيضًا قوله تعالى: ﴿ لَا يسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ﴾ [مريم: 62]، يقول الزمخشري: "أي: إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوًا، فلا يسمعون لغوًا إلا ذلك"[86]، فكما أنه يبتعد أشد البعد - في ذهن كل إنسان - أن يكون سلام الملائكة من جنس اللغو، لما ثبت في النفوس واستقر أنهم عالم خالص للطاعة والخير، كذلك يبعد أن يسمع أهل الجنة غير ما يرضيهم.

 

11 - اللَّف[87] والنَّشْر:

كثير من حديث الزمخشري عن هذا الضرْب من البديع يتَّصل بأقسامه، وقليل منه يتصل بالجانب الجمالي منه، ومما ذكره الزمخشري من أقسامه، أن يجيء اللفُّ على ترتيب، وذلك في قوله تعالى: ﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، يقول الزمخشري: "وهو اللطيف يلطف عن أن تدركه الأبصار، الخبير بكل لطيف، فهو يدرك الأبصار التي لا تلطف عن إدراكه، وهذا من باب اللف"[88]، وهذا من "ذكر المتعدِّد على جهة التفصيل والترتيب"[89]، كما يقول محمد محمد أبو موسى.

 

وقد يجيء اللف على غير ترتيب كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آَياتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الروم: 23]، يقول الزمخشري: "هذا من باب اللف، وترتيبه: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار، إلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الأخيرين؛ لأنهما زمانان، والزمان والواقع فيه كشيء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد"[90]، وهذا كما هو واضح يتَّصل ببيان أقسام اللف.

 

وقد يشتمل اللف على الطباق، وذلك إذا كانت عناصره متقابلة، جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَينِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [هود: 24]، يقول الزمخشري: "وشبَّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللفِّ والطباق"[91].

 

12 - التجريد[92]:

وهذا فنٌّ آخر من فُنُون البديع، يستخرجه الزمخشري، تقلُّ عدد حروفه جدًّا؛ إلا أنه إذا نظر إليه على أنه من عناصر النظم غزرت معانيه، وتنوَّعت أسراره، وهذا ما فعله الزمخشري باستنباطه من الآيات الكريمة، من ذلك قوله تعالى: ﴿ هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74]، يقول الزمخشري: "فإن قلت: (من) في قوله: ﴿ مِنْ أَزْوَاجِنَا ﴾ ما هي؟ قلت: يحتمل أن تكون بيانية، كأنه قبيل: هب لنا قرَّة أعين، ثم بُينت القرة وفُسِّرت بقوله: من أزواجنا وذرياتنا، ومعناه: أن يجعلهم الله لهم قرَّة أعين، وهو من قولهم: رأيت منك أسدًا؛ أي: أنت أسد"[93].

 

جرد هنا بـ(من) معنى جديد من (الأزواج والذرية)، وهو أن يكونوا قرة عين، فهم أزواج وذرية، وهم أنفسهم من جهة أخرى قُرَّة العَيْن.

 

ومن ذلك أيضًا قول الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]، فسل بسؤاله خبيرًا، كقولك: رأيت به أسدً؛ أي: برؤيته"[94]، فهو النبي المرسل، وهو نفسه الخبير.

 

وقد يكون التجريد بـ(في)، يقول الزمخشري: "فإن قلت: فما حقيقة قوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وقرئ: أسوةٌ: بالضم؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أنه في نفسه أسوة حسنة؛ أي: المقتدى به، كما تقول: في البيضة عشرون منًّا حديد؛ أي: هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد"[95].

 

واضح من كلام الزمخشري أنه يتحدث عن ظاهرة تقوم بها حروف، ولهذا نرى أن طريقته في تناوله لمعاني هذه الحروف تتشابه في المواضع السابقة، فعباراته تكاد تتَّفق، وتمثيله لها يتكرَّر، ففي المثال الأول نراه يمثل - لتقريب فكرته - بـ(رأيت به أسدًا), وفي المثال الثاني يعود فيقول: (رأيت منك أسدًا)[96]، وفي المثال الثالث قال - وهو يبين معنى (في) - إنه (في نفسه أسوة حسنة)، ويجعل قوله هذا دليلاً يستأنس به في بيان معنى (في) في آية أخرى، يقول الزمخشري: "فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: ﴿ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ﴾ [فصلت: 28]؟ قلت: معناه: أن النار في نفسها دار الخلد، كقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، والمعنى أن رسول الله أسوة حسنة، ونقول: لك في هذه الدار دار السرور، وأنت تعني الدار بعينها"[97].

 

هذه ظاهرة إذًا لاحت للزمخشري النقاب، وقف عند مواضع منها، فجرد له هذا الحرف الصغير هذه المعاني الجليلة، وكما يقول الزمخشري: لله در التنزيل ما أكثر فوائده، فهذا حرف من حروف على دقته قد نهض بمعانٍ عديدة، حيث امتاز بمعنى في كل نظم.

 

13 - الجناس[98]:

قدمنا فيما سبق رأي عبدالقاهر في الجناس، ومختصره: أن المعنى إذا ساق إلى الجناس، فإنه حينئذ يكون ضرورة لا بد منها، وإذا احتاج النظم إليه، فلا تفضل عندئذ عليه كلمة أخرى؛ لأن العبرة في الوفاء بالمعنى.

 

وانسجامًا مع موقف عبدالقاهر هذا يقول الزمخشري: "وقوله: ﴿ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ [النمل: 22]، من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلَّق باللفظ، بشرط أن يجيء مطبوعًا، أو يضعه عالم بجوهر الكلام، يحفظ معه صحة المعنى وسداده، ولقد جاء ها هنا زائدًا على الصحة، فحسن وبدع لفظًا ومعنى، ألا ترى أنه لو وضع مكان ﴿ بِنَبَإٍ ﴾ (بخبر)، لكان المعنى صحيحًا، وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال"[99].

 

جرى الزمخشري في هذا النص على منهجه الذي أجراه في الفنون المتقدمة؛ إذ حاول ربط هذا الفن بالمعنى، والنظر في جانب المزية، واستخراج النكات من الآية بتأمل نظمها، فهذا الجناس هنا ساق إليه المعنى وطلبه الغرض؛ لأن كلمة (نبأ) اختيرت على (بخبر) لما فيها من زيادة معنى يوافق الغرض، ففي الجناس التوافق والموازنة في الأصوات، وفيه نكتة أخرى وهي الزيادة التي أشار إليها الزمخشري[100]، وهذا لم يكن ليتحقق لو قيل: (بخبر)؛ لأنه ليس فيها (الموازنة)، ولا الزيادة التي في (نبأ).

 

وذكر الزمخشري الجناس في تفسيره لآية أخرى، ولكنه هنا حديث يغض من الجناس بإزاء فنون البلاغة الأخرى التي أثنى عليها، ففي قوله تعالى: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ﴾ [هود: 44]، يذكر الزمخشري أسباب المزية، من مثل: نداء الأرض والسماء بما ينادى به الحيوان المميز، ومجيء الأخبار على الفعل المبني للمفعول، ومزايا أخرى مما ذكرنا أنه أخذها من عبدالقاهر، لكن الزمخشري بعد قوله السابق، يقول: ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية، ورقصوا لها رؤوسهم، لا لتجانس الكلمتين، وهما قوله: (ابلعي) و(أقلعي)، وذلك وإن كان لا يخلي الكلام من حسن، فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللب وما عداها قشور"[101].

 

ويرى محمد محمد أبو موسى أن هذا الكلام دفع بعضهم إلى القول بأن الزمخشري لَم يكن يرى في البديع كبير مزية؛ لأنه لا تتجلى فيه دلائل إعجاز القرآن، ويرى هؤلاء أن في مقال الزمخشري هذا غضًّا من البديع، وهذا يفسر رأيهم في مرور الزمخشري على ألوان البديع في القرآن دون أن يلتفت إليها"، ومضى الزمخشري على هذا الهدي لا يعنى بما جاء في الآيات الكريمة من بديع"[102].

 

وفي هذا مبالغة كبيرة، بل فيه خطأ كبير؛ لأن الزمخشري كما تبين لنا عرض لكثير من ألوان البديع، وحديثه عنها فيه تجديد كبير لها؛ لأنه يتصل بجانب المزية فيها، ولم تشغله عدة هذه الألوان ولا أقسامها وأنواعها، كما كان يفعل غيره، ومن هنا أكبره بعض المحدثين في تناوله للبديع، وتمنى أن لو قلده من بعده.

 

على أن حديث الزمخشري السابق، والذي فيه غض من البديع بإزاء الألوان الأخرى، هو نغمة كما يقول أبو موسى: "لا نسمعها من الزمخشري إلا في الجناس"[103].

 

وهذا له سبب وجيه، وهو أن عصر الزمخشري كان فيه الشعراء والكتاب قد أولعوا بالجناس، وأعلوا من شأنه، حتى بدا وكأنهم لا يرون للمزية طريقًا إلا من جهته، فكان كلام الزمخشري هذا من باب ردِّ الأمر إلى نصابه، ولم يكن يقصد إلى الغض من الجناس.

 

ولكن لما بالغ الناس في الإعجاب بالجناس، وأهملوا عناصر البلاغة الأخرى، رد الزمخشري الأمر إلى نصابه بعبارات فيها شبه غض من الجناس، بل يمكن القول: إنه كأنه أهمله، ويستَوحى هذا من عدم وقوفه أمام الجناس في قوله تعالى: ﴿ وَيوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيرَ سَاعَةٍ ﴾ [الروم: 55]، وقوله تعالى: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 29- 30]. وهذه مواضع تسترعي النظر والتأمل، والآيات من شواهد البلاغة المشهورة، ولكن - وكما يظن لتعويل الناس في البلاغة على الجناس - لم يقف عندها الزمخشري، فكان هذا شبه تقصير منه.

 

وما فعله الزمخشري هنا فعله من قبل عبدالقاهر، الذي كان في عصر علت فيه مكانة الألفاظ من حيث هي ألفاظ، وما فيها من الجرس ومذاقة الحروف، وأهمل جانب تآلُف المعاني، فلمَّا أراد عبدالقاهر ردّ الأمر إلى نِصابه، رده ردًّا أهْمل فيه أصوات الكلمات وأوزان الجُمَل، وفي هذا منَ الجمال ما فيه، يقول عبدالقاهر: "فإذا رأيت البَصير بجَواهِر الكلام يسْتحسن شِعْرًا أو يستجيد نَثْرًا، فاعْلَم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف، وإلى ظاهِر الوضْع اللُّغَوي"[104].

 

ويقول عبدالقاهر أيضًا: "وهذه شبهة أخرى ضعيفة، وهي أن يدعى ألا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي، وتعديل مزاج الحروف"[105]، ومن هنا أخذ عليه مَن أخذ تقصيره في هذا الجانب؛ وذلك لأنه وإن كان "يعتبر قدوة الدارسين لبلاغة القرآن، إلا أني آخذ عليه إهماله موسيقا الألفاظ وفصاحتها مفردة ومركبة"[106].

 

14 - الازدواج[107]:

في حديث الزمخشري عن الجناس - أعني قوله في قوله تعالى: ﴿ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ - "فحسن وبدع لفظًا ومعنى" - نلمس طرفًا من الاهتمام بموسيقا الكلمة، وذلك كأنه يجعل هذا الجرس الجميل المسموع من التوافُق الذي أحدثه الجناس، سببًا من أسباب المزية، شرط ألا يكون المعنى متكلَّفًا.

 

ويقوى ظننا هذا عندما نرى الزمخشري يعرض (للازدواج)، في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، يقول الزمخشري: "وقرأ الأعمش: ﴿ ولا يغوثًا ويعوقًا ﴾ بالصرف، وهذه قراءة مشكِلة؛ لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما سببا منع الصرف، إمَّا التعريف ووزن الفعل، وإمَّا التعريف والعجمة، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواته منصرفات: ودًّا، وسواعًا، ونسرًا، كما قرئ: ﴿ وَضُحَاهَا ﴾ بالإمالة؛ لوقوعه مع الممالات للازدواج[108].

 

وهذه إشارات واضحة لكنها سريعة، تنبئ بأن الزمخشري كان يدرك بأن هذا الجانب الصوتي له من المزية نصيب، لذلك راعاه البيان القرآني، وهذا الجزء من البلاغة القرآنية لم يحظَ بالعناية من القدماء، وهو جانب جدير بالعناية، وتحته أسرار دقيقة، ولطائف عجيبة، وقد قيَّض الله للنظر في هذا الرافعي - رحمه الله - في كتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية"، ولنعيم اليافي سلسلة مقالات دقيقة، أقامها على سور من القرآن تعالج هذا الجانب، وقد كشف فيها عن مزايا كثيرة في صدد مراعاة القرآن للجانب الصوتي[109].

 

والناظرون في هذا قلة؛ لأنه جانب لا يقدم على الحديث فيه إلا المتمكِّن من أدوات البحث، وإلا مَن تمرَّس بقراءة النصوص البليغة، وبالغ في تأمُّلها، وإلا مَن كان ذا ذوق خاص، بل استعداد فطري لتلقِّي جمال الأصوات، وكان له تنبُّه إلى حسيس الأصوات، ومن هنا لم يقدم على النظر في الجانب الصوتي من القرآن وموسيقاه في كلماته وجمله وآياته إلا قلة نادرة، مع أن النظر في هذا الجانب مُثمر.

 

وهكذا يتبين لنا أن الزمخشري كان في أصل فكرته وتناوله جاريًا على منهج عبدالقاهر، وهو النظر إلى هذه الفنون على أنها جزء من النظم، واستخراج معانيها، واستجلاء أسرارها، بالنظر في علاقات هذه الفنون مع بقية عناصر النظم، فهذه الفنون تأخذ مكانتها من هذا النظم، فإن احتاج إليها كان لا بُدَّ منها، وما استغنى عنه فلا حاجة إليها، وهي إن اجتلبت بالرغم من هذا فهو المتكلف الذي يدخل الجور على المعنى.

 

هكذا نظر الزمخشري إلى ألوان البديع، ولكنه وإن كان جاريًا على منهج عبدالقاهر، إلا أنه تقدم بالبديع في ظلال الآيات الكريمة شوطًا أبعد من أستاذه، وذلك من حيث النكات الكثيرة التي استنبطها، والأسرار الدقيقة التي وقف عليها، وهذا هو الفيصل في القضية - أعني: الناحية الجمالية - وليس ابتداع الأنواع والتسميات.

 

ومن هنا يمكن القول: إن وقفة الزمخشري أمام البديع ودراسته لألوانه كانت بعد دراسة عبدالقاهر أهم وقفة على طريقة تطوره.

 

ولهذا نأخذ على بعضهم أنهم أغفلوا دراسة الزمخشري[110]، ولم يذكروه ألبتة، أثناء عرْضهم لتطوُّر ألوان البديع.

 

ما آل إليه البديع عند السكاكي:

نظر عبدالقاهر والزمخشري كلاهما من فنون البديع كما رأينا إلى أثرها في المعنى، وإلى علاقتها بالنظم، واستنبطا المعاني التي نهضتْ بها هذه الفنون، لذلك توجَّهت أنظارهما إلى كل شاهد من جهة النظم، وتأمَّلا علاقة كل شاهد بما حوله في السياق من كلمات وجمل ومواقف، ولم ينظرا إلى الشاهد على أنه دليل للفن البديعي، أو تحقق جديد له، أو على أنه قسم من أقسامه، كما كان يفعل قدامة وأبو هلال مثلاً؛ إذ كان أحدهما يعرف الفن البديعي، ثم يكثر من الاستشهاد له.

 

فلمَّا جاء السكاكي رجع بفنون البديع ومنهج النظر فيها إلى الوراء خطوتين:

أولاهما: أنه ترك النظر في كلِّ شاهد وهيئته الخاصة، كما كان يفعل عبدالقاهر والزمخشري، ذلك النظر الذي أثمر المزايا الكثيرة، بل اختصر أقوال هذين العلَمَيْن اختصارًا، وهو في اختصاره هذا لم يسقط من كلامهما إلا جانب المزية، وما برعا في استنباطه من نكات، وأبرزاه من مزايا.

 

من ذلك تلك الفكرة التي جعلها عبدالقاهر رأس المزايا، يقول عبدالقاهر: "واعلم أن ممَّا هو أصل في أن يدق النظر، ويغمض المسلك، في توخِّي المعاني التي عرفت: أن تتحدد أجزاء الكلام، ويدخل بعضها في بعض، ويشتد ارتباط ثانٍ منها بأول، وأن تحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وضعًا واحدًا، وأن يكون حالك فيها حال الباني يضع بِيَمِينه ها هنا في حال ما يضع بيساره هناك، نعم، وفي حال ما يبصر مكان ثالث ورابع يضعهما بعد الأولين، وليس لما شأنه أن يجيء على هذا الوصف حد يحصره، وقانون يحيط به، فإنه يجيء على وجوه شتى، وأنحاء مختلفة"[111].

 

هذا الكلام الذي يختصر جوهر المزية الرئيسة في "دلائل الإعجاز"، يتحقق في فن المزاوجة، لذلك يقول عبدالقاهر بعد قوله السابق مباشرة مستشهدًا له: "فمن ذلك أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء معًا، كقول البحتري:

إِذَا مَا نَهَى النَّاهِي فَلَجَّ بِيَ الهَوَى
أَصَاخَتْ إِلَى الوَاشِي فَلَجَّ بِهَا الهَجْرُ [112]

ثم يستشهد لهذا بأبيات من الشعر.

هذا الفن، بل هذه المزية الفريدة عندما يتناولها السكاكي يختصر منها الدلالة على المزية، كما يختصر الشواهد كلها ليبرز شاهدًا واحدًا فقط؛ يقول السكاكي: "ومنه (المزاوجة)، وهي أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء، كقوله:

إِذَا مَا نَهَى النَّاهِي فَلَجَّ بِيَ الهَوَى
أَصَاخَتْ إِلَى الوَاشِي فَلَجَّ بِهَا الهَجْرُ[113]

هذا هو كل ما قاله السكاكي عن (المزاوجة)، ولم يزد عليه كلمة واحدة.

 

وكذلك (الكلام الموجه) الذي استخرج منه الزمخشري فوائد جليلة تتصل باتصال المعاني وتآلفها، فعل به السكاكي ما فعله في (المزاوجة)، أما كلام الزمخشري فلا نعيده لطوله، وقرب عهدنا به، وأما السكاكي فقال عنه: "ومنه (التوجيه): وهو إيراد الكلام محتملاً لوجهَيْن مختلفَيْن؛ كقول من قال للأعور: ليت عينيه سواء.

 

وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع باعتبار"[114]، هذا أيضًا كل ما قاله السكاكي عن (الكلام الموجه).

 

والخطوة الثانية التي تراجع فيها البديع على يدي السكاكي، هو أن ابن المعتز وقدامة وأبا هلال العسكري وابن رشيق كانوا يعرِّفون الفن البديعي، ثم يسوقون الشواهد الكثيرة.

 

أمَّا السَّكَّاكي فيقتصر على التعريف الذي يحذو فيه حذو القدماء ثم يسوق شاهدًا واحدًا أو اثنين فحسب؛ ففي (المطابقة) مثلاً لا يتجاوز حديث السكاكي عدة أسطر فقط[115]، بينما يبلغ حديث أبي هلال فيها اثنتي عشرة صفحة، حيث نرى آيات من القرآن وأحاديث نبوية وأقوالاً مأثورة، وأبياتًا كثيرة من الشِّعر نيفت على التسعين بيتًا[116].

 

وهكذا الحال في بقية الفنون، حيث تبلغ عدة صفحات الدراسة لفنون البديع كلها عند السكاكي عشرًا فقط[117]، بينما هي عند أبي هلال أكثر من مائة وعشرين صفحة[118].

 

وهذا عائد إلى أن السكاكي يعد البديع مما يحسن الكلام فحسب، يقول السكاكي: "وإذ قد تقرَّر أن البلاغة بمرجعيها وأن الفصاحة بنوعيها، مما يكسو الكلام حلة التزيين، ويرقيه أعلى درجات التحسين، فها هنا وجوه مخصوصة، كثيرًا ما يصار إليها، لقصْد تحسين الكلام"[119].

 

وهكذا تراجع البديع على يدي السكاكي، وندرتْ فيه أسباب المزية، فبعد أن كان عند عبدالقاهر والزمخشري ينظران إليه على أنه كغيره من عناصر النظم الأخرى ليس بينه وبينها فرق؛ إذ قد يتوافر فيه من أسباب المزية ما لا يتوافر فيها؛ لأن الأمر في حسن البديع وعدم حسنه يعود إلى هيئته وعلاقته بما حوله، وإلى طبيعة اتصاله بالغرض فحسب، بينما كان الأمر هكذا عند عبدالقاهر والزمخشري، عاد عند السكاكي إلى هذه الصورة التي لا تخرج فيها عن التابع لعلمي المعاني والبيان، وعن وجوه تَحْسين الكلام، لذلك لَم يعنَ السكاكي بالبديع اهتمامه بالمعاني والبيان، بل زاد على ذلك، ففصل البديع عنهما، وجعله تابعًا لهما.

 

المصادر والمراجع

1- أثر القرآن في تطوُّر النقد العربي إلى أواخر القرن الرابع الهجري، محمد زغلول سلام. - القاهرة: دار المعارف، د. تا.

2- أثر النحاة في البحث البلاغي؛ عبدالقادر حسين، القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، د. تا.

3- أساس البلاغة؛ جار الله الزمخشري؛ تحقيق عبدالرحيم محمود، بيروت: دار المعرفة.

4- أساليب بلاغية؛ أحمد مطلوب، ط1، الكويت: وكالة المطبوعات، 1980م.

5- أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني؛ قرأه: محمود محمد شاكر، ط1، جدة: دار المدني، 1991م.

6 - إعجاز القرآن؛ أبو بكر الباقلاني؛ تحقيق السيد أحمد صقر، مصر: دار المعارف، 1963م.

7- إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة؛ منير سلطان، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1977م.

8- الإعجاز القرآني: التفسير الأدبي والإعجاز؛ أحمد مطلوب، بحوث المؤتمر الأول لإعجاز القرآن؛ بغداد: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 16 - 21 نيسان 1990م.

9 - الإعجاز البلاغي؛ محمد محمد أبو موسى؛ دراسة تحليلية لتراث أهل العلم، ط10، القاهرة: مكتبة وهبة، 1984م.

10 - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية؛ مصطفى صادق الرافعي، ط8، القاهرة: دار الفكر العربي، 1995م.

11- الانتصاف من الكشاف ضمن كتاب الكشاف للزمخشري؛ أحمد بن المنير؛ تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وصاحبيه، ط1 - الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م.

12- البحث البلاغي عند العرب؛ شفيع السيد، ط2، مصر: دار الفكر العربي، 1996م.

13- البحر المحيط في التفسير؛ أبو حيان الأندلسي، بيروت: دار الفكر، بعناية زهير صعيد، وعرفات حسونة، 1992م.

14- البديع؛ ابن المعتز، تحقيق محمد عبدالمنعم خفاجي، ط1، بيروت: دار الجيل، 1990م.

15- البديع بين المتقدمين والمتأخرين، إبراهيم عبدالحميد السيد البلتي، ط1، القاهرة: دار الطباعة المحمدية، 1999م.

16- البديع: تأصيل وتجديد؛ منير سلطان، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1986م.

17- البديع المصطلح والقيمة؛ عبدالواحد علام، القاهرة: مكتبة الشباب، 1992م.

18- البلاغة تطور وتاريخ؛ شوقي ضيف، ط8، مصر: دار المعارف، 1992م.

19- البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية، ط2، القاهرة: مكتبة وهبة، 1988م.

20- بيان إعجاز القرآن؛ أبو سليمان الخطابي، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن؛ تحقيق محمد خلف الله أحمد، ومحمد زغلول سلام، ط2، مصر: دار المعارف، 1986م.

21- البيان في ضوء أساليب القرآن؛ عبدالفتاح لاشين، القاهرة: دار المعارف، 1977م.

22- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن؛ ابن أبي الإصبع؛ تحقيق حفني محمد شرف، القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1955م.

23- تطور دراسات إعجاز القرآن وأثرها في البلاغة العربية؛ عمر الملا حويش، بغداد: مطبعة الأمانة، 1972م.

24- التلخيص في علوم البلاغة؛ الخطيب القزويني؛ ضبطه وشرحه: عبدالرحمن البرقوقي، بيروت: دار الكتاب العربي.

25- دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، قرأه محمود محمد شاكر، القاهر: مكتبة الخانجي، 1989م.

26- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني؛ محمود الآلوسي؛ تحقيق علي عبدالباري عطية، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م.

27- الرسالة الشافية؛ عبدالقاهر الجرجاني، ضمن كتاب دلائل الإعجاز؛ قرأه محمود محمد شاكر، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1989م.

28- شرح شذور الذهب؛ ابن هشام الأنصاري؛ تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.

29- كتاب الصناعتين؛ أبو هلال العسكري؛ تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت: المكتبة العصرية، 1986م.

30- الطراز؛ علي بن حمزة العلوي، بيروت: دار الكتب العلمية؛ الرياض: مكتبة المعارف، 1980م.

31- عبدالقاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية؛ أحمد أحمد بدوي، ط2، القاهرة: وزارة الثقافة والإرشاد القومي.

32- العمدة في محاسب الشعر وآدابه؛ ابن رشيق القيرواني؛ تحقيق محمد قرقزان، ط1، بيروت دار المعرفة، 1988م.

33 - فلسفة المجاز؛ لطفي عبدالبديع، القاهرة: الشركة المصرية العالمية، 1997م.

34- فن التشبيه؛ علي الجندي، ط2، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1967م.

35- في النقد العربي القديم؛ مجد محمد الباكير البرازي، ط 1، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1987م.

36- قانون البلاغة في نقد النثر والشعر؛ أبو طاهر البغدادي؛ تحقيق محسن غياض عجيل، ط2، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1989م.

37- القرآن والصورة البيانية؛ عبدالقادر حسين، القاهرة: دار المنار، 1982م.

38- قواعد تشكل النغم في موسيقا القرآن؛ نعيم اليافي، مجلة التراث العربي، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، العددان 15 - 16 نيسان وتموز 1984م.

39- كشاف اصطلاحات الفنون؛ التهانوي؛ تحقيق لطفي عبدالبديع؛ مراجعة أمين الخولي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972م.

40- الكشاف؛ جار الله الزمخشري؛ تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وصاحبيه، ط1، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م.

41- المثل السائر؛ ضياء الدين ابن الأثير؛ تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، بيروت: المكتبة المصرية، 1990م.

42- المطول في شرح تلخيص المفتاح؛ التفتازاني، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 1330هـ.

43- مفاتيح الغيب؛ فخر الدين الرازي، ط3، بيروت: دار إحياء التراث.

44- مفتاح العلوم؛ ضبطه نعيم زرزور، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية 1987م.

45- مقدمة تحرير التحبير لابن أبي الإصبع؛ حفني محمد شرف بتحقيقه، القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1995م.

46- منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه؛ مصطفى الصاوي الجويني، ط3، القاهرة: دار المعارف، 1995م.

47- الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري؛ أبو القاسم الآمدي، تحقيق: السيد أحمد صقر، مصر: دار المعارف، 1972م.

48- النبأ العظيم؛ محمد عبدالله دراز، ط3 - الكويت: دار القلم، 1988م.

49- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور؛ إبراهيم بن عمر البقاعي، ط2، القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، 1992م.

50- نقد الشعر؛ قدامة بن جعفر، تحقيق محمد عبدالمنعم خفاجي، بيروت: دار الكتب العلمية.

51- النظم في كشاف الزمخشري؛ درويش الجندي، دار نهضة مصر 1969م.

52- الوساطة بين المتنبي وخصومه؛ القاضي الجرجاني، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، بيروت: دار القلم، 1966م.


* بكالوريوس من قسم اللغة العربية جامعة حلب عام 1989م.

- دبلوم الدراسات العليا الأدبية من الجامعة نفسها عام 1991م.

- ماجستير في البلاغة من الجامعة نفسها عام 1996م.

- دكتوراه في البلاغة من الجامعة نفسها عام 2002م.

- يعمل الآن أستاذًا مساعدًا في جامعة الملك سعود، كلية الآداب قسم اللغة العربية.

[1] انظر: البديع؛ عبدالله بن المعتز، ص76.

[2] انظر: الصناعتين؛ أبو هلال العسكري، ص 268.

[3] انظر: المصدر السابق: ص 268.

[4] أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص20.

[5] المصدر السابق، ص7.

[6] أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص11.

[7] المصدر السابق: ص 14.

[8] أسرار البلاغة: ص14.

[9] دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص45.

[10] يقول إبراهيم عبدالحميد السيد البلتي: "فقد ارتقى البديع عند عبدالقاهر إلى مكانةٍ رفيعة، وصار جزءًا من النظم الذي ترجع إليه بلاغة الكلام"، ص189، من كتابه: "البديع بين المتقدمين والمتأخرين"، القاهرة: دار الطباعة المحمدية، ص1، 1999م.

[11] أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص10.

[12] المصدر السابق، ص14.

[13] المصدر السابق، ص20.

[14] دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص92.

[15] المصدر السابق، ص93.

[16] المصدر السابق، 94.

[17] انظر: البديع؛ عبدالواحد علام، المصطلح والقيمة ص 149.

[18] انظر: البلاغة تطور وتاريخ؛ شوقي ضيف، ص 265.

[19] ولو أراد الزمخشري أن يستزيد من البديع لجاء في كشافه عدد كبير من ألوانه؛ لأن أنواع البديع حتى في أيام أبي هلال تربو على الثلاثين، وهي في الكشاف أقلُّ من ذلك بكثير، وقد ذهب مصطفى الصاوي الجويني إلى أننا "لا نظفر في الكشاف بأكثر من ثلاثة ضروب من أضرب البديع" ص259، من كتابه: منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه، ط3، القاهرة: دار المعارف، 1984م، وعدد شوقي ضيف ألوان البديع عند الزمخشري، فلم تتجاوز ثمانية ألوان، انظر ص265 وما بعدها من كتابه: "البلاغة تطور وتاريخ"، وتتبع محمد محمد أبو موسى فنون البديع في الكشاف فوجدها تزيد "على ثلاثة أضعاف ما ذكر الأستاذ الجويني" ص 573 من كتابه: البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري، وزاد ما عرض له الزمخشري من ألوان البديع حسب رأي (أبي موسى) حتى وصل عددها إلى أحد عشر لونًا، وعند التحقيق هي أكثر من ذلك.

[20] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص238.

[21] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص315.

[22] البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري؛ محمد محمد أبو موسى، ص 574.

[23] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص 447.

[24] عرفه القزويني قائلاً: "هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا"، ص 256 من كتابه التلخيص.

[25] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص 292.

[26] الزمخشري، ج1 ص 237 - 238.

[27] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص336.

[28] الكشاف؛ الزمخشري، ج5 ص116.

[29] يقول منير سلطان: "عرفت (المشاكلة) في الدرس البلاغي بمصطلحات عديدة منها: (المزاوجة)، و(التصدير)، و(رد الأعجاز على الصدور)، و(الترديد)، و(المقابلة)" ص93، من كتابه: "البديع: تأصيل وتجديد".

[30] كتاب الصناعتين؛ أبو هلال العسكري، ص 385 وما بعد.

[31] البديع: عبدالواحد علام: المصطلح والقيمة، ص92.

[32] لم يذكر محمد محمد أبو موسى الالتفات من بين فنون البديع التي حصرها بدقَّة في الكشاف، ولا نظن أنه غفل عنه، وذلك لدقته في تتبع الزمخشري، ولأن الالتفات ذكر في مواضع عدة من الكشاف، ونحن نرد إغفال أبي موسى لهذا الفن إلى أن الزمخشري عدَّه من (البيان)، اعتدادًا بقول الزمخشري عن الالتفات في قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وعدَّه مَن جاؤوا بعده من البديع مثل شوقي ضيف ص 267 من كتابه: "البلاغة تطور وتاريخ".

وفي الحقيقة: إن قول الزمخشري: (علم البيان)، لا يفهم منه أنه قصد مصطلح (علم البيان)، وما يشتمل عليه من فنون التشبيه والتمثيل والاستعارة، بل أظن أن كلمة (البيان) إنما تعني البلاغة كلها، وأنها لا تزال كما كان يستعملها القدماء في القرنين الثالث والرابع، ودليلنا على أن الزمخشري لم يرد بالبيان (المصطلح) قول للزمخشري في موضع آخر من الكشاف، يقول في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾ [مريم: 89]: "وما فيه من المخاطبة بعد الغيبة، وهو الذي يسمى الالتفات في علم البلاغة" ج4، ص 58، الكشاف.

إذًا لم يرد الزمخشري بعبارة (علم البيان) المصطلح، وإلا لما جعله هنا من (علم البلاغة)، وهذا الجعل هنا يرجع بنا إلى القرون السابقة، يوم كان البيان قد يُطلَق على ما تعنيه البلاغة والفصاحة، وكذلك البلاغة والفصاحة تطلقان ويراد بهما البيان، وقد أشار عبدالقاهر إلى غموض هذه المصطلحات وحاول أن يحدِّد معانيها، انظر ص 34 من كتابه دلائل الإعجاز".

[33] انظر: البديع المصطلح والقيمة؛ عبدالواحد علام، ص82.

[34] المرجع السابق، ص82.

[35] الكشاف؛ الزمخشري، ج1 ص 118 - 120.

[36] ووقف الآلوسي عند هذا الالتفات فاستخرج نكات عديدة، وبيَّن المعاني الرفيعة التي نهض بها الالتفات غير ما ذكر من التطرية والتنشيط في كتب البلاغة، يقول الآلوسي عن سرِّ الالتفات من الغيبة إلى الخطاب: وقد ازدحمتْ فيه أذهان العلماء بعد بيان نكتته العامة وهي التفنُّن في الكلام والعدول من أسلوب إلى آخر تطرية له وتنشيطًا للسامع، فقيل: لما ذكر الحقيق بالحمد ووصف بصفات عظام تميَّز بها عن سائر الذوات وتعلق العلم بمعلوم معيَّن، خوطب بذلك ليكون أدلّ على الاختصاص والترقِّي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلوم صار عيانًا، والمعقول مشاهدًا، والغيب حضورًا.

وقيل: لما شرح الله - تعالى - صدر عبده، وأفاض على قلبه وقالبه نور الإيمان والإسلام من عنده ترقَّى بذريعة الحمد المستجلب لمزيد النعم إلى رتبة الإحسان وهو: (أن تعبد الله - تعالى - كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وأيضًا حقيقة العبادة وانقياد النفس الأمارة لأحكام الله تعالى، وصورته وقالبه الإسلام ومعناه وروحه الإيمان ونوره الإحسان، وفي نعبد والالتفات تتم الأمور الثلاثة.

وأيضًا لما تبين أنه ملك في الأزل ما في أحايين الأبد، علم أن الشاهد والغائب والماضي والمستقبل بالنسبة إليه على حد سواء، فلذلك عدل عن الغيبة إلى الخطاب، ويحتمل أن يكون السر أن الكلام من أوَّل السورة إلى هنا ثناء، والثناء في الغيبة أَوْلَى ومن هنا إلى الآخر دعاء، وهو في الحضور أولى، والله تعالى حي كريم.

وقيل: إنها لما كان الحمد لا يتفاوت غيبة وحضورًا، بل هو مع ملاحظة الغيبة أدخل وأتم وكانت العبادة إنما يستحقُّها الحاضر الذي لا يغيب، لا جرم عبر - سبحانه وتعالى - عن الحمد بطريق الغيبة وعنها بطريق الخطاب إعطاء لكل منهما ما يليق من النسق المستطاب.

وأيضًا فيه إشارة إلى أن مَن لزم جادة الأدب والانكسار ورأى نفسه بعيدًا عن ساحة القرب لكمال الاحتقار، فهو حقيق أن تدركه رحمة إلهية، وتلحقه عناية أزلية تجذبه إلى حظائر القدس، وتطلعه على سائر الأنس، فيصير واطئًا على بساط الاقتراب، فائزًا بعز الحضور وسعادة الخطاب.

وأيضًا لما لم يكن في الحمد مزيد كلفة بخلاف العبادة، فإن خطبها عظيم ومَن دأب تحمل المشاق العظيمة في حضور المحبوب، قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره ليأتي بها العابد خالية عن الكلال، عارية عن الفتور والملال، مقرونة بكمال النشاط، موجبة لتمام الانبساط.

وأيضًا أن الحمد ليس إلا إظهار صفات الكمال على الغير، فما دام للأغيار وجود في نظر السالك، فهو يواجههم بإظهار مزايا المحبوب عليهم، ويخاطبهم بذكر مآثره الجميلة لديهم، وأمَّا إذا آل أمره بملازمة الإذكار، إلى ارتفاع الحجب والأستار، واضمحلال جميع الأغيار، لم يبقَ في نظره سوى المعبود الحق والجمال المطلق، وانتهى إلى مقام الجميع وصار في مقعد، ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]، فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب إلا إليه، ولا يمكن إظهار السر إلا لديه، فينعطف عنان لسانه إلى جنابه، ويصير كلامه منحصرًا في خطابه، وثم وراء الذوق معنى يدقُّ عن مدارك أرباب العقول السليمة.

وعندي - وهو من نسائم الأسحار - أن الله - سبحانه - بعد أن ذكر يوم الدين وهو يوم القيامة التفت إلى الخطاب للإشارة إلى أنه إذا قامت القيامة على ساق، وكان إلى ربك يومئذ المساق، هنالك يفوز المؤمن بلذة الحضور، وبتبلج جبينه بأنوار الفرح والسرور، ويخلو به الديان، وليس بينه وبينه ترجمان، ويكشف الحجاب، وتدور بين الأحباب كؤوس الخطاب، ج1، ص 91 - 92.

[37] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص118 - 120.

[38] البحر المحيط؛ أبو حيان، ج1 ص42 - 43.

[39] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص58.

[40] االكشاف؛ الزمخشري، ج3، ص126.

[41] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص476.

[42] الكشاف؛ الزمخشري، ج5 ص82.

[43] تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن؛ ابن أبي الإصبع ص449.

[44] التلخيص في علوم البلاغة؛ جلال الدين القزويني؛ ضبطه وشرحه: عبدالرحمن البرقوقي، بيروت: دار الكتاب العربي، ص 383، ويضيف عبدالرحمن البرقوقي معلِّقًا على تعريف القزويني قائلاً: "فهذا المعنى الثاني يجب ألا يكون مصرَّحًا به، ولا يكون في الكلام إشعار بأنه مسوق لأجله"، ص 383، المصدر السابق.

[45] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص370.

[46] الانتصاف من الكشاف بحاشية الكشاف؛ أحمد ابن المنير، ج2، ص370.

[47] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص 238.

[48] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص16.

[49] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص256.

[50] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص326.

[51] عرَّفه السكاكي قائلاً: "هو إيراد الكلام محتملاً لوجهين مختلفين"، ص537 من كتابه "مفتاح العلوم".

[52] الكشاف؛ الزمخشري، ج2 ص86.

[53] الكشاف؛ الزمخشري، ج3 .

[54] عرفه أبو هلال العسكري فقال: "هو أن يأخذ المتكلم في معنى، فبينما يمرُّ فيه يأخذ في معنى آخر"، ص 398 من كتابه "الصناعتين".

[55] البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري؛ محمد محمد أبو موسى، ص582.

[56] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص435.

[57] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص 435.

[58] الكشاف؛ الزمخشري، ج2، ص610.

[59] يعرِّف قدامة هذا الفن قائلاً: "صحة التقسيم: هي أن يبتدئ الشاعر فيضع أقسامها فيستوفيها، ولا يغادر قسمًا منها"، ص121 من كتابه "نقد الشعر"، وقارب أبو هلال هذا فقال: "التقسيم الصحيح: أن تقسم الكلام قسمة مستوية تحتوي على جميع أنواعه، ولا يخرج منها جنس من أجناسه"، ص 341 كتابه: "الصناعتين".

[60] الكشاف؛ الزمخشري، ج5، ص156.

[61] وهي قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48].

[62] الكشاف؛ الزمخشري، ج5، ص420.

[63] انظر: نقد الشعر؛ قدامة بن جعفر، ص13.

[64] انظر: الصناعتين؛ لأبي هلال العسكري، ص 342.

[65] سورة فاطر، الآية: 32.

[66] انظر: دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص 101.

[67] انظر: دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص101.

[68] التقسيم - كما سبق - هو ذكر أقسام الشيء على جهة الوفاء بها والاستيفاء لها، أمَّا التفصيل: فهو - كما يبدو من كلام الزمخشري - ذكر أقسام الشيء لا على جهة الوفاء بها، بل على جهة الوفاء بغرض المتكلم.

[69] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص680.

[70] الكشاف الزمخشري، ج4، ص78.

[71] آثرنا عرض هذين اللونين في فقرة واحدة؛ لأن المقابلة من المطابقة كما نص السكاكي، فالمطابقة: "هي أن تجمع بين متضادين، ومنه المقابلة: وهي أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر، وبين ضديهما"، ص 533 مفتاح العلوم، وقد أخذ القزويني هذا بنصه وثبته في كتابه، انظر ص 348 وص 352 من كتابه: "التخليص في علوم البلاغة"، ويشجعنا على هذا أن الزمخشري لم يكن ممَّن يُعنَى بالفصل بين المصطلحات المتقاربة، وابتداع التسميات لها.

[72] يعني الزمخشري هنا بالمقابلة (الموافقة في نظم الجمل).

[73] الكشاف؛ الزمخشري، ج5 ص357.

[74] لا يخفى هنا أن المراد بالمقابلة هو: الموافقة أو المماثلة في نظم الكلام.

[75] انظر: روح المعاني؛ الآلوسي، ج2، ص114.

[76] الكشاف؛ الزمخشري، ج1، ص544.

[77] البديع؛ عبدالواحد علام: المصطلح والقيمة، ص150.

[78] المصدر السابق، ص149.

[79] المصدر السابق، ص149.

[80] البديع: منير سلطان: تأصيل وتجديد، ص117.

[81] المصدر السابق، ص118.

[82] انظر: أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص20.

[83] وكثيرًا ما ظُلِمت بلاغتنا من هذه الجهة؛ إذ يقرأ بعض المحدَثين كتبًا معينة من كتب البلاغة؛ كـ"مفتاح العلوم:؛ للسكاكي، أو "المطول"؛ للتفتازاني، ويبنون أحكامًا بقراءتهم هذه، ثم يعمِّمون هذه الأحكام على البلاغة كلها، ويقولون هذه هي بلاغتنا، وفي الحق إن شأن هؤلاء لعجب؛ لأنهم حين يقرؤون آثار عبدالقاهر والزمخشري، فإنهم يكبرون هذه الآثار ويرون أنها لباب البلاغة، ويودون أن لو استمرَّ خلفاء هذين العلمين على منهجهما، وإذا وصلوا إلى "مفتاح العلوم"، و"المطول" مثلاً، برموا بالبلاغة، وحكموا عليها بالجمود، وسيطرة الأبحاث الفلسفية عليها بعد عبدالقاهر والزمخشري، لكن العجب أن هؤلاء إذا أرادوا أن يحكموا على البلاغة تركوا اللباب الذي عند عبدالقاهر والزمخشري وأظهروا "المفتاح"، و"المطول" وغيرهما، وحكموا على البلاغة من خلالهما، وهذا شأن عجيب في بناء الأحكام!

[84] الكشاف، الزمخشري، ج4، ص647.

[85] وهذا شاهد نحوي مشهور، وهو قول الشاعر:

وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ
إِلاَّ الْيَعَافِيرُ وَإِلاَّ الْعِيسُ

"والشاهد فيه قوله: إِلاَّ الْيَعَافِيرُ وَإِلاَّ الْعِيسُ؛ حيث رفع اليعافير، والعيس على أنهما بدلان من قوله (أنيس)، مع أنهما ليسا من جنس الأنيس الذي يؤنس به" ص266 من كتاب "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب"؛ محمد محيي الدين عبدالحميد، والكتاب في حاشية كتاب: شرح شذور الذهب لابن هشام الأنصاري: تح: محمد محيي الدين عبدالحميد، والواجب في (اليعافير) من الشاهد النصب على مذهب أهل الحجاز، انظر: ابن هشام الأنصاري: شرح شذور الذهب ص 265.

[86] الكشاف، الزمخشري، ج4، ص34.

[87] عرَّفه القزويني فقال: هو ذكر متعدِّد على التفصيل أو الإجمال، ثم ما لكل واحد من غير تعيين ص361، "التلخيص في علوم البلاغة".

[88] الكشاف؛ الزمخشري، ج2 ص383.

[89] البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري؛ محمد محمد أبو موسى ص 580.

[90] الكشاف؛ الزمخشري، ج4، ص572.

[91] الكشاف؛ الزمخشري، ج3 ص191.

[92] عرَّفه الخطيب القزويني بقوله: "هو أن يُنتزَع من أمرٍ ذي صفة آخر مثلَه فيها مبالغةً لكمالها فيه"، ص 368 "التلخيص في علوم البلاغة".

[93] الكشاف؛ الزمخشري، ج4 ص374.

[94] الكشاف؛ الزمخشري، ج4 ص 365.

[95] الكشاف؛ الزمخشري، ج5 ص58.

[96] وقد ذكر هذا بالضبط عبدالقاهر الجرجاني، فأخذه الزمخشري بتمامه تقريبًا، انظر: أسرار البلاغة، ص 335.

[97] الكشاف؛ الزمخشري، ج5 ص380 - 381.

[98] عرفه أبو هلال العسكري قائلاً: هو "أن يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها" ص321 من كتابه: الصناعتين.

[99] الكشاف؛ الزمخشري، ج4 ص447.

[100] والزيادة التي في (نبأ) تتمثَّل في أنها لا تأتي إلا في الخبر العظيم: "نبئ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وسيل نابئ: طارئ من حيث لا يرى" ص612، أساس البلاغة للزمخشري؛ تحقيق عبدالرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت.

ويقول أبو حيان الأندلسي: "والزيادة التي أشار إليها هي أن النبأ لا يكون إلا الخبر الذي له شأن، ولفظ الخبر مطلق يُطلَق على ما له شأن، وما ليس له شأن" ج8 ص 227، "البحر المحيط"، ويقول البقاعي: "بنبأ" أي: خبر عظيم، (يقين) وهو من أبدع الكلام موازنة في اللفظ ومجانسة في الخط مع ما له من الانطباع والرونق"، ج14 ص151، "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور".

[101] الكشاف؛ الزمخشري، ج3 ص203.

[102] البلاغة تطور وتاريخ؛ شوقي ضيف، ص 265.

[103] البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري؛ محمد محمد أبو موسى، ص 375.

[104] أسرار البلاغة؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص5 - 6.

[105] دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص57.

[106] مقدمة تحرير التحبير؛ لابن أبي الإصبع؛ تحقيق محمد حفني شرف، ص47.

[107] عرَّفَه منير سلطان - بعدما بذل جهدًا للفصل بينه وبين المزاوجة - فقال: "هو الجمل المتماثلة الأوزان، والمقاطع الصوتية المتشابهة في الإيقاع"، ص59 من كتابه: "البديع، تأصيل وتجديد"، وقد جاء بهذا المعنى عند أبي هلال وإن لم يعرفه بدقة، انظر: الصناعتين، ص 60، وعرَّفَه القزويني تحت عنوان (الموازنة)، فقال: "وهي تساوي الفاصلتين في الوزن دون التقفية؛ نحو: ﴿ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 15، 16] ص404 من كتابه: "التلخيص في علوم البلاغة".

[108] الكشاف؛ الزمخشري، ج6 ص218.

[109] انظر: قواعد تشكيل النغَم في موسيقا القرآن، مجلة التراث العربي، نعيم اليافي: اتحاد الكتاب العرب - دمشق، العددان: 15 - 16، نيسان وتموز، 1984م، ص 132 وما بعد.

[110] كما فعل إبراهيم عبدالحميد السيد البلتي، في عرْضِه لتطوُّر ألوان البديع، فما أن انتهى من بيان جهد عبدالقاهر في ذلك حتى عرض لدراسة السكاكي لها، انظر ص 182 من كتابه البديع بين المتقدمين والمتأخِّرين.

[111] دلائل الإعجاز؛ عبدالقاهر الجرجاني، ص93.

[112] المصدر السابق، ص93.

[113] مفتاح العلوم، أبو يعقوب السكاكي، ص534.

[114] مفتاح العلوم، ص537.

[115] انظر: المصدر السابق، ص533.

[116] انظر: كتاب الصناعتين؛ أبو هلال العسكري، ص307 وما بعدها.

[117] انظر: مفتاح العلوم؛ السكاكي أبو يعقوب، ص 532 وما بعد.

[118] انظر: كتاب الصناعتين؛ أبو هلال العسكري، ص 266 وما بعد.

[119] مفتاح العلوم؛ أبو يعقوب السكاكي، ص532.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • القول البديع في علم البديع (8/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (7/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (6/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (5/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (4/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (3/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (2/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • القول البديع في علم البديع (1/8)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كتاب البديع لابن المعتز: نظرات في قراءات معاصرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الإظهار البديع على المدخل في المعاني والبيان والبديع(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- استدراك
الشارف بن أحمد - الجزائر 19-11-2010 04:06 PM

أشكر الأستاذ على المقال الرائع، وأحيطه علما بأني تطرقت لموضوع البديع من خلال رسالتي للدكتوراه التي ناقشتها بجامعة مستغانم بالجمهورية الجزائرية في يوليو2009م وكانت حول أثر الفكر اللغوي والبلاغي في تأويل القرآن عند الزمخشري، وقد وجدت الزمخشري يحصر فنون البديع في المباحث الآتية:(المشاكلة، اللّف،الاستطراد،الإجمال، التفصيل،الجناس،القول ذو الوجهين ،الطباق،المقابلة،الازدواج، الإدماج)
أما الالتفات فقد عدّه الزمخشري من علم البيان ولعلّه كان يقصد بالبيان علم البلاغة، وتناوله أيضافي مسائل النظم، ويتضح ذلكم في تفسيره لقوله تعالى :(ملك يوم الدين، إيّاك نعبد وإياك نستعين)من سورة الفاتحة.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب