• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

العودة

محمود محمد شاكر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/9/2010 ميلادي - 25/9/1431 هجري

الزيارات: 5492

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنَّ بعض الحوادث في حياة الرجل لَتَنزِل منزلة الآية المحكَمة، تنسَخ ما كان قبلها، ثم يأتي بعضها كالقنبلة تخسف الأرض أمامَه، فلا يرى إلاَّ هوَّةً وغبارها، فإذا تلاحَقَا لم يدرِ المرءُ ما يستدبِرُ من أمره ولا ما يستقبِل، وإنَّما هو الحيرة والضَّلال والرُّعبُ، والتردِّي كلَّما أقدم أو أحجم، بَلَى، إنَّ عليْنا أن نصارع الحياة بالقوَّة، وأن نُداوِرها بالحيلة، حتَّى نخلص إلى الأرض المطمئنَّة، ولكن هل يَستطيع أحدُنا بعد ذلك أن يصِل إلى هذه الأرْض؟ لوْلا أنَّ اليأس هو باب الموت، لكان هو - في الحقيقة - إحدى الرَّاحتين.

 

كتُب:

ولنعدْ، أصدرت المطابع المصريَّة في الأسابيع الماضية طائفةً كثيرة من الكتُب العربيَّة، بعضها لأصحابنا من المعاصرين، وبعضها ممَّا أنقذه المعاصرون من المكتبة العربيَّة المدْفونة في خزائِن الكتُب، فنحن نختار من هذه الكتُب ثلاثةً يَجري الحديثُ فيها مجرى واحدًا في الغرض الَّذي نرمي إليه، وهي كتاب: "التراث اليوناني في الحضارة الإسلاميَّة"، وهو دراسات لكبار المستشْرقين مثل: بِكَر، وجولد تسيهر، ونلينو، ومايرهوف، ترْجمها إلى العربيَّة الأستاذ عبدالرحمن بدوي، وكتاب "الرسالة" لإمام المذهب محمَّد بن إدريس الشَّافعي، نشرَه العالم المحدِّث الثقة الشَّيخ أحمد محمَّد شاكر، وكتاب "الذخيرة"؛ لأبي الحسن علي بن بسام، نشرتْه كلية الآداب مستعِينة بمراجعة الأساتِذة محمَّد عبده عزام، وخليل عساكر، وبخاطره الشَّافعي، وأشرفَ على عملهم أساتذةُ الجامعة: أحمد أمين، ومصطفى عبدالرزاق، وعبدالحميد العبادي، وعبدالوهاب عزام، وطه حسين.

 

وهذه الكتب الثلاثة لا يجمَعُها بابٌ واحدٌ من حيث موضوعها، فالأوَّل آراء للمستشرقين في فروعٍ من الحضارة العربيَّة والآراء الإسلاميَّة، ورسالة الشَّافعي هي أصل علْم (أصول الشريعة)، والثَّالث في تاريخ الأندلس، وشُعرائها، وبُلغائها، وكتَّابها، فالَّذي حمَلَنا على جَمْعِها في باب واحدٍ من كلامِنا هو الرأي في المستشرقين، وما يجب علينا أن نتابعهم عليه، وما ينبغي لنا أن نحذره منهم.

 

المستشرقون:

فقد قرأتُ مقدِّمة كتاب "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية"، كتبها الأستاذ بدوي بحرارة الشباب التي تتضرَّم في دَمِه، وجعل يتهدَّمُ فيها على التُّراث العربيِّ بآراء كالمعاول؛ تضربُ في الجِذع بعد الجذع على غير هُدًى ولا كتابٍ منير، فلما توغَّلت في الكتاب رأيتُ أنَّ آراء المستشرقين - الَّذين ترجَمَ لهم كلامهم - هي التي وضعتْ في يديْه هذه الفأسَ ليعمل بها، ونحن لا نرى أنَّ مثل ذلك ممَّا يُضرُّ بالتراث الإسلامي بشيءٍ، ولكنَّا نرى أنه يُضِرُّ بأصحابه والعاملين عليه أوَّل؛ لأنه يأكل قواهم في شيء، لا يمكن أن ينال منه شيء؛ ﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

 

والمُشْكلة كلُّها هي فتنةُ أكثر النَّاس بأسماء المستشرقين، وأنَّ ما يكتبون في التَّاريخ الإسلامي والعربي ينزِل من قلوب كثيرٍ من شبَّان الجامعة وغيرهم منزلة الكلام القُدْسي؛ تحريف معانيه، إبطال لقوَّة (الاستشراق) التي فتنتهم، ونحن - حين قرأْنا بعض آرائِهم الَّتي ترْجمها الأستاذ بدوي - وجدناها عملاً صالح المذهب من ناحية مَدْرَجِه، وأمَّا من ناحية التحقيق العلمي، والغاية التي يرمي إليها، فهو عمل غير صالح، فكان هذا الَّذي عرفناه هو الَّذي دفعنا أن نخصِّص هذه الكلِمة للكتُب الثَّلاثة المذكورة آنفًا، ولمذاهب المستشْرقين في تناوُل الكتب العربية القديمة بالتَّحقيق لنشْرها، ثمَّ مذاهبهم خاصَّة فيما يُعالِجون من تاريخ الفِكْر الإسْلامي أو الحضارة الإسلاميَّة.

 

وليس غرَضنا هنا أن نعرض لنقْد شيءٍ بعيْنِه من آرائهم، وإنَّما نُرِيد أن نثبتَ لَهم حقَّهم الَّذي وجب لهم بما بذلوه من جُهْدٍ، ونحذِّر شبَّاننا من الافتِتان بباطلٍ مِنْ باطلِهم.

 

وينقسم أمر المستشرقين كما ترى إلى عملين: أحدهما: عملُهم في الكتب العربيَّة القديمة التي نشروها من بدْءِ توجُّههم إلى هذا الغرض، والآخَر: ما كتبوه من دراساتِهم في الآثار العربيَّة، وما أرَّخوه من تاريخ الإسلام، وتاريخ آرائه ومذاهبه العلميَّة والفلسفيَّة.

 

نشر الكُتُب العربيَّة:

فالمستشْرِقون حين بدؤوا فنشروا الكتُب العربيَّة القديمة لَم يقَصِّروا في بذْل المال والوقت لاستِجْلاب الأصول التي يطبعون عنْها هذه الكتب، ثم يتفرَّغ أحدُهم لمقارنة الأصول بعضها ببعض، وإثبات الاختِلاف بين النسَخ الكثيرة التي تقع لهم، وتَحرير ذلك بالحرف والنقط والشَّكل على ما هو عليه في أصْل من الأصول، وأمانتهم في إبقاء المحرَّف على تَحْريفه والخطأ على صورته، إلى غير ذلك من الدقَّة والأمانة في إعطاء القارئِ صورةً كاملة في نسخة واحدة من الكتاب المطبوع لعِدَّة نسخ مختلِفة متباينة من الأصول المخطوطة.

 

حتَّى إنَّهم ليثبتون في الهامش أو الاستدراك، ما هو خطأ بيِّنٌ لا يصحُّ على وجْه من الوجوه، وإنَّما هو جهلُ ناسخٍ وإفسادُ كاتبٍ، ثمَّ لا يعطونك رأيًا يرجِّحون به لفظًا على لفظ، وحتَّى إنَّهم ليثبتون الخطأ الصِّرْف في صلْب الكتاب، ويكون صوابه في الاستِدْراك، وحجَّتهم في ذلك أنَّهم يعتمدون أقْدم النُّسخ عندهم، يطبعونها كما هي، وأمَّا اختلاف سائر النسخ فهو من حقّ المستدرِك، وإن كان هو الصَّواب الذي لا صواب غيره.

 

وهذا - على علاَّته - عمل جيّد وأمانة صحيحة، ثمَّ جاءتْنا هذه المطبوعات في بلادِنا على فترة جهلٍ وإهمال، وعلى زمنٍ كلُّ أصحاب المال الَّذين ينشرون الكتب فيه، إنَّما هم عامَّة لا يعنيهم إلاَّ الرِّبْح من طبع الكتُب حروفًا قد جُمع بعضُها إلى بعضٍ على غير نظام ولا تَحرير ولا فنّ، فلمَّا قارن بعضُنا هذا بهذا ونحن عربٌ وهم أعاجم لا يَعينهم من عربيَّتنا ما يَجب أن يعنينا، انبثق بثق الفتنة، ومجَّد النَّاس همَّة هؤلاء المستشْرقين الأعاجم - وحقَّ لهم - وجعل جماعةٌ ممَّن لُبِّس عليهم يدفعون القول بعد القول في تعْظيمهم والمغالاة فيهم بغير الحقّ، ثمَّ مضى ذلك وانسحب التَّبجيل على آرائهم في الفِكْر الإسلامي والتَّاريخ العربي كما انسَحَب على أعمالهم في نشْر الكتب، وأين هذا من ذاك؟!


ثم انبثقَ بثقٌ آخر، فظنَّ بعضُ المغالين أنَّ المذهب الَّذي سلكه المستَشْرِقون في التَّصحيح هو المذهبُ لا مذهبَ غيره، وجعلوا ينعَوْن على مَن يُخالفهم من أصحاب اللِّسان العربي في طريقة نشْر الكتُب العربية، ومع ذلك فهم على الحقِّ في بعض ما يقولون، ولكنَّه ليس كل الحق؛ فإنَّ المستشْرقين لَم يذهبوا هذا المذهب، ولم يقِفوا هذا الموقف من اختلاف النُّسخ، إلاَّ لعجزهم عن ترْجيح بعض الكلام العربيِّ على بعض؛ وذلك لعِلَل بيِّنة، أولها: جهلُهم بالعربيَّة على التَّمام، فإنَّ تمام العربية هو السَّابقة الَّتي لا تكتسب، كما أنَّ تمام الإنجليزيَّة والفرنسيَّة هو السليقةُ والنشأة والاندماج في الوسط الإنجليزي أو الفرنسي من بدءِ المولد والحضانة، والثَّاني: أنه قَلَّما يوجد فيهم المتخصِّص في فقْه علم بعينه حتى يكونَ حجَّة فيه، اللَّهُم إلاَّ أن تكونَ الحجَّة عندهم في جمع نصوص كثيرة في موضوع واحد من كتب شتَّى، ولكنَّهم لا يدَّعون أبدًا أنهم أصحاب رأي في البيان والتأويل والتَّرجيح.

 

رسالة الشافعي:

ويجب أن نضرب المثل هنا (برسالة الشافعي) التي طبَعَها العالِم الجليل الشيخ أحمد محمد شاكر، فهو طبَعَها عن أصول مخطوطة ومطبوعة، وأقدمها نسخة بخط الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وراوي كتبه، فالأستاذ الشيخ شاكر حجَّة في علم الحديث النبوي، وفقيهٌ مُتْقِنٌ للسنَّة التي هي أصْل من أصول الدّين، فلمَّا تناوَل (الرسالة) يُعِدُّها للطَّبع لم يترُك شاردةً ولا هائمةً من اللَّفظِ إلاَّ رَدَّها إلى مكانِها من عربيَّة الشَّافعي وأصوله الَّتي في كتبه، وأثبتَ الاختِلاف ورجَّح بعضه على بعض، وعمِل في ذلك عمل العقل المفكِّر بعد أن ضبط كلَّ اختلاف رآه، إلى غير ذلك من أبواب التَّحرير والضَّبط، فإذا أنت قرأتَ الأصْل دون التَّعليق رأيتَه قد سلم من كلِّ عيب، وصار بيانًا كله، بعد أن كان في الطَّبعة الأولى من "الرسالة" شيئًا متخالفًا يتوقَّف عليه البصير، فما ظنُّك بسائر الناس ممَّن يقرأ وليس له في هذا العِلم قديم معرفة أو مشاركة؟

 

وأنت إذا قارنتَ هذه الرّسالة بأيّ كتاب من الكتُب الَّتي أتقنها أصحابُها من ثقات المستشرقينَ، وجدت الفرْق الواضح، وعرفت فضْل العربي على الأعْجمي في نشْر الكتب العربيَّة، إذا هو حمل أصولها على أصول الفقْه والدراية والتثبُّت، ولم تخدَعْه فتنة برأيٍ لعلَّ غيره أقْوَم منه وأجْود.

 

وأنا أذكر بهذه المناسبة أنَّ الأستاذ قد أرسل إليَّ في (إبريل سنة 1932) يسألُني عن كلمة وردتْ في حديثٍ من "مسند أحمد بن حنبل"، ولم أكُن قرأْتُها قبل ذلك، فكتبتُ إلى الرَّافعي - رحِمه الله - أسألُه عنها، وعرضت له ما رأيتُ من رأي، فخالَفَني الرَّافعي، ثمَّ لَم تمْضِ أيَّام حتَّى وجدت في الطَّبري ما يوافق بعضَ رأْيي أو يدلُّ عليه، وأبَى الرَّافعي أيضًا، ثمَّ لم ألبثْ أن وجدت نصًّا بعيْنِه على الَّذي رأيت، وهذه الكلِمة هي في الحديث: ((رجُل قد جرَّد نفسه، قد (أطَّنها) على أنَّه مقْتول))، فرأيت أنَّ قراءتها: ((أَطَّنَها))، والهمزة فيها منقلِبة عن الواو، فهي ((وطَّنها)) وكذلك وردتْ في الطبري، ولكنَّ أصحاب كتب اللُّغة لم يُثبِتوا ذلك في كتُبهم كما أثبتوا (وكَّدَ وأكَّدَ، ووثَّل وأثَّل) إلى غير ذلك، فأنت ترى أنَّ الطَّبع والسَّليقة ربَّما هَدَتْ إلى ما لا يقع إلاَّ بعد طول التَّنقيب والبحث والتجميع!

 

الذخيرة:

وهذا أيضًا كتاب "الذخيرة" فإنَّ الجهد الذي بُذِل في تصحيحِه وضبطه على الأصول المخطوطة التي طُبِع عنها، وبيان اختلاف النسخ، قد أوْفى على الغاية، وقلَّ من المستشْرقين مَن يستطيع أن ينفذ إلى إجادة مثله في التَّحرير، ومع ذلك فقد وقع فيه بعضُ ما كان يمكن تجنُّبه، لوْلا أنَّ الأساتذة المصحِّحين قد تهاونوا في تَحطيم أسلوب المستشْرقين الأعاجم، في التوقُّف الذي لا معنى له عند العربي، ونُضيف إلى هذا علَّة أخرى، هي أنَّهم ليسوا ممَّن تخصَّص لشيء بعيْنِه من تاريخ الأندلس وأدَبه، فكذلك بقي بعض الخطأ كما هو، وأُثبت على ذلك وليس له أيُّ معنى، وترك مثل ذلك للقارئ ممَّا لا يصحُّ ولا يستحْسَن، ولنضرب لذلك مثلاً أو مثلين:

ففي ص82: "... دبَّروا جميعًا عليه فقتلوه ليلاً..."، في نسخة أُخرى "بدروا"؛ وكلا الحرفين لا معنى له في الجملة، والصَّواب عندي أن يكون "اندَرَؤوا عليه..."؛ أي: هجموا واندفعوا، ومَن قرأ النَّصَّ عرف أنَّ هذا هو حقّ السّياق.

 

وكذلك في ص110: "وفارس ميدان البيان، وذات صدر الزَّمان"، وفي نسخة "وأذات"، وكلاهما ليس له معنى، وهو محرَّف عن "ودُرَّة" أو أيّ شيء يكون حليًا للصدر، ونحن لا نتتبَّع وإنَّما نقلِّب بعض أوراقه الآن على غير ترْتيب، ومع ذلك فهو أجود بكثيرٍ من أغْلب كتُب المستشْرِقين.

 

هذا، وليس كلّ المستشرقين ممَّن يصحُّ الاعتماد عليهم في كلّ شيء، فقد طبعوا كثيرًا من الكتب، وأقلّ كتابٍ وأردؤُه ممَّا يطبع في مصر هو خيرٌ من مثل هذه الكتُب، فلو أخذت مثلاً "كتاب الزُّهرة"، لابن داود الظَّاهري، الذي طبعه الأستاذ "لويس نيكل" بمساعدة الأخ "إبراهيم طوقان"[1]، لوجدت أكثرَه خطأً، بعد الذي بذَلَه الأستاذ طوقان في الاستدراك عليه، ولو شئنا أن نضرب المثال بعد المثال على ذلك لضاق المكان عن إتمام ذلك.

 

مباحثهم:

أمَّا مباحث المستَشْرقين، فهذه هي موضوع الإشْكال كله، والمستشْرِقون - كما لا يشكُّ أحد - ثلاثُ فئات: فئة المتعصِّبين الَّذين تعلَّموا العربيَّة في الكنائس لخدمة التَّبشير، وهم الأصل؛ لأنَّ الاستِشْراق في أوَّل كان قد نشأ هُنالك بين رجال الدِّين، وفئة المستشْرقين الَّذين يخدمون السياسة الاستِعْماريَّة في الشَّرق العربي، وفئة العُلماء الذين يُظَنّ أنَّهم تجرَّدوا من الغرضَيْن جميعًا.

 

فأمَّا الفئة الأولى والثَّانية، فما نظنُّ أكثرَ أقوالهم في المباحث الإسلاميَّة إلاَّ جانحًا إلى غرض أو مركوسًا[2] بقوله إليه، وهم أكثريَّة المستشْرقين، ولا نظنّ أنَّ كلام هؤلاء ممَّا يُمكن أن يعتمده أحدٌ إلاَّ أن يكون مفتونًا جاهلاً.

 

وأمَّا الفئة الثَّالثة، فهي أيضًا موضع الإشكال، فمن غير الممكن فيما نظنّ أن يتجرَّد هؤلاء عن الغرَض الخفي الَّذي يدبّ من وراءِ الكلام، هذا على أنَّهم - كما قدمنا - ليْسوا أصحاب سليقةٍ في فهم النّصوص العربيَّة على التحرِّي لموضوعها، وتمام الفِقْه لمعانيها التي يتعاطَونها، وإذًا فمن واجب قارئِ كلامهم أن يقف عند آرائهم موقِف النَّاقد الَّذي لا يقبل إلاَّ ما تقبله الطبيعة الفطرية للغة في المعاني التي يستخرجونها من الكلام، ومع ذلك أيضًا فمن عيوب هذه الفئة أنَّهم ربَّما استخرجوا قولاً ضعيفًا فاسدًا ليس بشيء في تاريخ الإسلام والعربيَّة ثمَّ يكتبونه، وقدِ اتَّخذوا هذا القوْل أصلاً، ثمَّ يُجْرون عليه سائر الأقوال ويؤوِّلونَها إليه، ثمَّ يحشدون لذلك شُبهًا كثيرة ممَّا يقع في تاريخ مهْمل لَم يُمحص كالتَّاريخ الإسلامي، وكذلك يلبّسون على مَن لا يعلم تلبيسًا محكمًا لأنَّه حشْد وجمع، وتغرير بالجمْع والاستقصاء الذي يزعمون، وسنتناوَل ذلك بعد قليل بعرْض بعض الآراء التي ترْجَمها لنا الأستاذ بدوي في كتابِه، لنحقق كل ذلك إلى نهايته؛ حرصًا على أن نحصر الفساد في أضيق محيط.

 

العقاد:

وأنا لا أحبُّ أن أختم هذا الحديث بغير مثل أيضًا، فهذا الأستاذ (العقاد)، وكلّنا يعلم أنه قلَّما كان يتناوَل الأغراض الإسلاميَّة بالتَّحرير والبحث، ولكنَّه منذ العدد الهجري للرّسالة كتَب مقالةً عن عبقريَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - العسكريَّة، ثمَّ عن عبقريَّته السياسيَّة، فاستوفى القول في ذلك وأشبعه، وردَّ كثيرًا من الشُّبَه التي كان يلبّس بها الأعاجم على الأغْرار من شبابنا، وليس يستطيع مستشرِق أن ينفذ في فهْم التَّاريخ العربي، والاجتماع الإسلامي، والفلسفة الإسلاميَّة، كما يستطيع كاتب قارئ مطَّلع كالأستاذ العقاد، ثم هو فوق ذلك أديب عربي يستطيع أن يجعل فطرته العربيَّة الأدبيَّة عونًا له على التغلْغل في أسرار تاريخيَّة مطموسة، لا يُطيقها المستشرق لفقدانه مثل هذه الفطرة، ثمَّ لأنَّ البيئة العلميَّة والاجتِماعيَّة الَّتي نشأ فيها وتثقَّف على أساسها لا تُطاوعه أو تلين معه، حتَّى يكون في نظرِه إلى التَّاريخ العربي أو الفلسفة الإسلاميَّة خَرَّاجًا وَلاَّجًا على طبيعة العرب وطريقتهم في تداوُل معاني حياتهم، وحياة أفكارهم وفلسفتهم، ونحن نرْجو ألاَّ يخلي الأستاذ العقَّاد مباحثه من هذا النَّوع الجديد من الفكر في تاريخ تنقذِف عليه كل يوم جهالات كثيرة مفسِدة، ليس لها أصل ولا بها قوَّة.

 


[1] ترجم الأستاذ بدوي هذا الاسم فجعله "توقان"! شاكر.

[2] مركوسًا: ركس الشيء وأركسه: قَلَبَه ورَدَّه إلى أوله، وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ﴾ [النساء: 88]؛ أي رَدَّهم إلى الكفر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرأي العام
  • مولده
  • هزل!
  • العقاد الشاعر بين منهجين في النقد
  • شعب واحد، وقضية واحدة!

مختارات من الشبكة

  • حق العودة إلى فلسطين رهين بالحرص على العودة إلى عليين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الخوف من العودة للحرام(استشارة - الاستشارات)
  • طريق العودة من تبوك(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • شفيت من الفصام وأريد العودة(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: عين جالوت رمضان 658 هـ (2) وتمزيق الأسطورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • طليقة زوجي تريد العودة(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أريد العودة لزوجي شارب الخمر(استشارة - الاستشارات)
  • نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: نكبة القدس سنة 626 هـ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أمران مهمان مع العودة للدراسة بعد الإجازة(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
3- رحم الله محمود شاكر و يرحمنا الله بمثله
محمد منير - تونس 23-06-2012 10:52 PM

السلام عليكم
لم أقرأ شيئا من كلام الشيخ محمود شاكر إلا و غمرني إحساسان عجيبان متناقضان ؛ الأول هو اللذة الغامرة و الاستمتاع الشديد باللغة العربية الرائعة و بالتحليل العقلي البارع و بقوة الحجة و سداد الرأي . والثاني هو الحسرة و الألم لما أعلمه من ندرة مثل هذه الأقلام في زماننا - وأقول ندرة احترازا - وانعدام العبقريات الفذة التي تضاهي عبقرية محمود شاكر . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

و لمن يقرأ كلامي هذا من رواد هذا الموقع المبارك و من مشرفيه ، إن كنتم تعرفون أقلاما أنيقة في الأدب أو الدراسة أو النقد فرجوتكم بالله أن تدلونا عليها و أجركم على الله .

2- محمود شاكر هدية الأقدار
العلمي حدباوي - الجزائر 16-03-2012 12:46 AM

ما أجمل لغة شاكر، وما أحسن قسمات وجهه في مرآة كلامه، وما أعجب هذا الماء المتواضع كالشاطئ الهادئ، والمترفع كالموج الهادر؛ وما أعجب الأقدار وأحكمها وهي تبعث لنا بالبشريات في أثواب رجال كمحمود شاكر على أن العلم واللغة والفكر والاصلاح لها رجال لا يستأثر بهم زمن دون زمن.

1- السلام عليكم
الكسائي - المملكة العربية السعودية 01-10-2010 10:09 AM

بارك الله فيك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب