• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

أهمية اللغة العربية في المحافظة على الهوية وتوطين المعرفة

أ. د. أحمد درويش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/7/2010 ميلادي - 19/8/1431 هجري

الزيارات: 157025

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تلعب اللغات الراقِيَة لدى أبنائِها المُنتَسِبين إليها دورًا يَتجاوَز بكثيرٍ مجرَّد مهمَّة التوصِيل، والفهْم والإفهام، وقضاء الحاجات اليوميَّة، مع التسليم بأهميَّة هذه الأشياء في حياة البشر.

 

فالحياة يُمكِن لها أن تتحقَّق ويتمَّ التواصُل بين أطرافها من خلال الوسائل غير اللغوية؛ مثل: الإرشادات والرُّموز البسيطة، وصَيْحات الإعلان عن الحاجة أو القَناعة أو السخط والرضا، وهو ما نلحظه على نِطاق واسِع، في عالم الطيور والحيوان من حولنا، وفي مراحل الطُّفولة المبكِّرة من أعمارنا، وعند ذوي الحواسِّ المُعَطَّلة الذين لا يُكَلِّمون الناس إلا رمزًا، ومع ذلك تَسِير حياتهم ويُعَبِّرون عن رغباتهم دون أن يَندَرِجوا في مَراحِل التعبير المُتَفاوِتة، وُضوحًا أو طلاقة، أو تصريحًا أو تلميحًا، ودون أن يَتفاوَت رصيدُهم الفكري التعبيري ثَرَاءً، ولا شكل المعرفة الموروثة عنهم ضَحالةً أو عمقًا.

 

لكن "اللغة" في شكلِها الذي يَتكوَّن من بِنيَة كلامية مُنتَقاة، تلقى العناية على يد أبنائها جِيلاً بعد جِيل في تشكيل أصول الصحَّة والجمال بها، وتستغلُّ بِنيَاتها الصحيحة الجميلة تلك أدوات لحمل الفكر الراقي والمشاعر السامية من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة، ومن جيل إلى جيل، وتَزداد اتِّساعًا على مستوى المكان، وثراءً على مستوى الزمان، هذه اللغة تَتجاوَز مهامُّها المَنُوطَة بها مرحلة مجرَّد قَضاء الحاجات، والتعبير عن الرغبات - إلى مرحلة بِناء الأفراد والجماعات، وتشييد المعارِف والحضارات.

 

واللغة العربية في ماضيها المجيد وتراثها العريق تأتي في مُقدِّمة اللغات التي نجحَتْ في القيام بدورها الحضاري الرَّفِيع، وارتَقَتْ بأمَّة من مجتمع الصحراء المتوارِي لتكون هي ولغتها قائدة الحضارة والمعرفة على مستوى العالم قرونًا عديدة مُتوالِيَة، ويَكفِي في هذا المقام أن نتذكَّر أنها شَرُفَتْ بحمل آخِر رِسالات السماء إلى الأرض بلسان عربي مُبِين.

 

لكنَّ اللغة في حاضِرها اليوم في حاجةٍ إلى أن تَتذَكَّر، وأن تستجمع قُواها لمواجهة متطلَّبات الحاضر والمستقبل في المجال المعرفي والحضاري، وأن تنتهي بفضْل وعي وهِمَّة أبنائها للقيام بدورها الحقيقي في المحافظة على الهُويَّة، واستِعادة بعض مَلامِح الوجه المهدَّدة بالضَّيَاع.

 

ولنتذكَّر أنَّنا في عصر تَلعَب فيه حالة لغات الشعوب - قوةً أو ضعفًا - دورًا مهمًّا في المحافظة على كِيان الأمَّة، أو التفريط فيه، وتركه عُرضَةً لتقلُّبات الأهواء والأحداث من حوله، ولنتذكَّر - أيضًا - أنَّنا في عصر تَحرِص فيه اللغات الكبرى المُسَيطِرة على التِهام اللغات المُنافِسة لها، أو إضعافها وتفتيتها، وأنها تلجأ في سبيل تحقيق ذلك الهدف إلى وسائل علميَّة وتعليميَّة وإعلاميَّة، تَمَّ إعدادُها ودراستها بدِقَّة شديدة، وتَوازَنَتْ فيها المُغريات والعُقُوبات، وتَمَّ دسُّ السمِّ بإحكام في معظم الأحايين، في آنية العسل؛ لكي يَنجَذِب إلى الهدف المرسوم - بوعي أو بلا وعي - أبناءُ اللغة المستهدَفة أنفسُهم، ويكونوا أكبر عَوْنٍ على تحقيق الغاية المُرادَة.

 

والقُوَى الكبرى التي تسعَى إلى تحقيق مثل هذه الأهداف تَعرِف أنها لا تُحارِب فقط كلماتٍ وقواعد وتراكيب، وتراثًا شعريًّا أو نثريًّا، ولكنها تُحارِب ما يَرمُز إليه ذلك كله، وتسعى إلى السَّيْطَرة على مُقَدَّرات أبناء هذه اللغة وثرواتهم، واستقلال ذواتهم، وصَلابة قراراتهم؛ لكي يكونوا لقمة سائغة في خدمة عجلات الإنتاج ومَطامِع التوسُّع، وتحقق الأمن لدى أصحاب اللغات والأهداف الأخرى.

 

وذلك هدف أصبح مُعلَنًا على المَلأ لا يخفى ولا يَستَتِر، وهو واضِح أمام كلِّ مَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

لقد تعرَّضتْ كثيرٌ من لغات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للاجتِياح أمام قوَّة اللغات الأوروبية الغازية في عصْر التوسُّع الاستعماري بعد الثورة الصناعيَّة، مُمَثَّلة في اللغات الإنجليزية والفرنسية على نحو خاصٍّ، ومِن ورائها الإسبانية والبرتغالية والألمانية، وأمام هذا الاجتِياح سقطتْ لغات كثيرةٌ، قدَّرَتْها منظمة اليونسكو بأكثر من ثلاثمائة لغة، وضَعُفَتْ أخرى وتصدَّعت أركانها، وهم يَتَوقَّعون لها مَزِيدًا من الضعف الذي قد يؤدِّي إلى السقوط، خاصَّة إذا ساعَدَهم أبناء هذه اللغات أنفسهم على تحقيق الهدف، وهم يضَعُون اللغة العربية في مصافِّ هذه الطائفة الأخيرة، ويُقَدِّرون لها مدًى زمنيًّا يَتَوقَّعون أن تتحقَّق خلاله أهدافهم، حماها الله وحفِظَها، وفتَح عيون أبنائها على الخطر المُحِيط بهم.

 

لكن العربية - والحمد لله - صمدت وقاومتْ، وهي تستطيع أن تبذل المَزِيد من الصمود في الحاضر، والتأهُّب للمستقبل، واستعادة أمجاد الماضي، إذا قام أبناؤها - كلٌّ في مجال قدراته واهتماماته وواجباته - بما ينبَغِي عليه القيام به.

 

لقد ساعدت اللغة العربية - منذ نزل بها القرآن على نحو خاصٍّ - هذه الأمَّةَ على تشكِيل هُويَّتها، وعلى التفتُّح على ثقافات العالم السابقة عليها والمُعاصِرة لها، وقد كان شعارها في التفتُّح، ذلك الأثر القائل: "ليست العربية من أحدكم بأبيه ولا بأمِّه، وإنما العربية لسان، فمَن تكلم العربية، فهو عربي"، قال صاحب "كنز العمَّال": "رواه ابن عساكر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن مرسلاً"، ولقد فتح هذا الشعار الباب أمام كلِّ الأجناس والأعراق، لتحمل شرف الانتِماء إلى العربية، من خِلال تعلُّم اللسان العربي، فتسابَق أبناء الحضارات والأعراق الأخرى ممَّن عاشوا في كنف الإمبراطورية الإسلامية إلى إجادَة العربية، والتسابُق في الإبداع ووضْع المؤلَّفات بها، وشارَكُوا في وضْع أسس قواعد مختلف العلوم العربية والإسلامية بها، وأصبحت أسماؤهم رموزًا بارِزة في بعض فروع المعرفة، كما كان اسم (سيبويه) في النحو، و(الجرجاني) في البلاغة، و(البخاري) في الحديث، و(الزمخشري) في التفسير، وهكذا اتَّسع مفهوم (العربية) وثقافتها لكي تتجاوَز الجنس العربي إلى ثقافة الإمبراطورية الإسلامية التي لم تقتَصِر فقط على علوم اللغة والدين - وإنما امتدَّتْ من خلال اللغة إلى الثقافة العلميَّة الإنسانية في الطب والجراحة، والرياضيات والجبر، والفلك والصيدلة، وظلَّت ترجمات الكتب العربية لأعلام مثل: الزهراوي، وجابر بن حيَّان، وابن الهيثم، وابن النفيس وغيرهم تُشارِك في تمثيل كتب المعرفة العلميَّة في الجامعات الأوروبية حتى القرن الثامن عشر، انطِلاقًا من اتِّساع المفهوم، وثراء المعرفة، وإثراء اللغة العربية، واستخدامها في المجالات الحيَّة للعلوم والحياة.

 

وقد استطاعت اللغة العربية في فتْرة انطِلاقِها وتوسُّعها أن تُمَثِّل نموذج اللغة التي يحرِص المثقَّفون من غير أبنائها، على أن يتحلَّوا بمعرفتها، بل استعارَتْ حروفَها كثيرٌ من اللغات الأخرى - وخاصَّة اللغات الإسلامية - لكي تكتب بها كلماتها، ومن بينها اللغة الفارسية في إيران وأفغانستان، واللغة الأوردية في الهند وباكستان، اللتان كانتا - وما تزالان - تُكتَبان بالحروف العربيَّة، لكن لغات إسلاميَّة أخرى كانت تكتب بالحرف العربي وتخلَّت عن ذلك الحرف؛ نتيجةً للتخطيط المُحكَم لمُحارَبة العربية في القرن العشرين، وفي مقدِّمة هذه اللغات اللغة التركية التي غيَّرت حروفها إلى اللاتينية بعد سقوط الخلافة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتبعَتْها في ذلك اللغات المنتَشِرة في سهول آسيا الإسلاميَّة في منطقة تركستان، والتي تَقاسَم النفوذ عليها الصين والاتِّحاد السوفيتي السابق بعد الحرب العالمية، وحاولوا - بتَخطِيط مُحكَم وبثورة ثقافية على مَدَى نحو ثلاثين عامًا - إزالة الحرف العربي وتحريم الكتابة به، كما حدث الشيء نفسُه في اللغات الإفريقيَّة التي كانت تُكتَب بالحروف العربية، وعلى رأسها اللغة السواحلية في شرق إفريقيا، والتي ظلَّت تُكتَب بحروف عربية حتى سنة 1964، حينما صدر قرار بإزالة الحروف العربية ووضْع اللاتينية مكانها في هذه اللغة، وحدَث ذلك في اللغات الإسلامية في غرب إفريقيا.

 

ولقد حاوَلت هذه الحرب أن تمتدَّ إلى داخِل اللغة العربية ذاتها؛ فظهرتْ صَيْحات منذ أوائل القرن العشرين، تدعونا إلى أن نكتب - نحن أيضًا - لغتنا العربية بحروف لاتينية؛ بدعوى تسهيل تداوُلها في العالم، وما زلنا نرى زحْف الحروف اللاتينية على واجِهات المحلاَّت في كثيرٍ من مُدُن العالم العربي؛ ممَّا يُشَكِّل ظاهرة سلبيَّة لا تَلِيق بأمَّة تحرِص على أن تكون لها شخصيتها وهُويَّتها المستقلَّة.

 

إنَّنا ينبغي في الوقت نفسِه أن نُشِيد بالتجارِب العالمية المُعاصِرة، التي أدركت أهميَّة "اللغة" في المحافظة على شخصيَّة الأمَّة، أو اتَّخذت خطوات إيجابيَّة في سبيل المحافَظة على قوَّة لغتها، أو إحيائها وتوظيفها بقوَّة في الحياة العلمية والعملية؛ ممَّا ترتَّب عليه إحياء شخصيَّة الأمَّة والمحافظة على قوَّتها، وفي هذا الصَّدَدِ نقتَبِس أولاً بعض أبيات من قصيدة جميلة لشاعر صَقَلية "أجنازيا بوتينا" تحمل عنوان: "لغة وحوار" يقول فيها:

ضع شعبًا في السلاسِل

جرِّدهم من مَلابِسهم

سُدَّ أفواهَهم

لكنَّهم ما زالوا أحرارًا

وجَوازات سفرِهم

والموائد التي يأكُلون عليها

والأَسِرَّة التي يَنامُون عليها

لكنَّهم ما زالوا أغنياء

إن الشعب يفتقر ويُستعبَد

عندما يُسلَب اللسان الذي ترَكَه له الأجداد

وعندئذٍ يضيع للأبد

 

ونوَدُّ بعد هذا أن نُشِير في إيجازٍ إلى تجربتَيْن عالميتَيْن مرتبطتَيْن بإحياء اللغة المرتَبِطة بإحياء الهويَّة أو المحافظة على القوَّة؛ وهما: التجربة العِبريَّة، والتجربة الفرانكفونيَّة:

أمَّا التجربة العِبريَّة الحديثة:

فقد بدأَتْ في أواسط القرن التاسع عشر، حين كان اليهود مُوَزَّعين على أكثر من مائة دولة في العالم، وتتحدَّث كلُّ جماعةٍ منهم لغة البلد الذي تَعِيش فيه، ولا تُوجَد اللغة العِبريَّة إلا في بيوت العِبادة، وفي بعض عِبارات التخاطُب والمجامَلة، وكانت تُعتَبَر لغة دينية ميتة، وعندما بدأَتْ فكرة إقامة وطنٍ لليهود رفَع أحد مُفَكِّرِيهم - وهو "إليعازر بن يهوذا" - شِعارًا مهمًّا وهو: "لا حياة لأمَّة بدون لغة"، وقرَّر أن يسعى لكي يجعل من العِبريَّة لغة حيَّة على مستوى الكتابة وتدوين المعرفة والتخاطُب في الحياة اليوميَّة، وبدا هذا الهدف عند اليهود أنفسهم صعبًا إن لم يكن مُستَحِيلاً، ولكنَّه تمسَّك بفكرته رغم سخرِيَة أصدقائه منه، وقرَّر الهجرة إلى فلسطين سنة 1881 مع زوجته وأسرته، وأنشأ أوَّل بيت يهودي تُفرَض فيه اللغة العِبريَّة لغةً للتخاطُب والحديث في كلِّ شؤون الحياة، وساعَدَه على ذلك أفراد أسرته رغم سخرِيَة كلِّ الناس منه، ولكنَّه ظلَّ متمسِّكًا برأيه عامِلاً على إنجاحه أربعين سنة متَّصلة، أسَّس رابطة للمتكلِّمين بالعِبريَّة في فلسطين، وصارَتْ داره منتدى يَتِمُّ الحديث فيه بالعِبريَّة، وأصدر صحيفة بالعِبريَّة، وجعَل جزءًا منها مُخَصَّصًا للأطفال، وحرص على أن يُسَمِّي أبطال قِصَصِهم بأسماء عِبريَّة، وعكَف على تأليف قاموس كبير للغة العِبريَّة، بالاستِعانة بالتُّراث اليهودي واللغات السامية، وابتكار مصطلحات جديدة في كلِّ مجالات المعرفة، وقد استَطاع في حياته أن ينجز منه تسعة أجزاء، وأكمَلَه تلاميذه إلى ستة عشر مجلدًا، وأثمرت دعوته؛ فانتشرت المدارس العِبريَّة في فلسطين، وامتدَّ التعلُّم والتأليف بالعِبريَّة إلى كلِّ المناهج، ثم امتَدَّ إلى الجامعات التي تُدَرِّس كل موادِّها بما في ذلك الطب والهندسة والعلوم بمختلف ألوانها باللغة العِبريَّة، وتُعقَد فيها المؤتمرات على أعلى مستوى بهذه اللغة، مع الاستِفادة من تعلُّم اللغات الأخرى؛ لأنهم يُدرِكون جيِّدًا الفرقَ بين تعلُّم اللغات الأجنبية - وهو أمر مطلوب وضروري لكلِّ حضارة وتقدُّم - وبين التعلُّم باللغات الأجنبية - وهو أمر يقَضِي على الشخصيَّة واللغة القوميَّة على المَدَى البعيد - ولا يُساعِد - كما يقول الباحثون - على تَوطِين المعرفة لَدَى الأمَّة.

 

وامتدَّت تجرِبة اللغة العِبريَّة إلى كلِّ مَناحِي الحياة؛ الاقتصادية والاجتماعية، والفنية والسياسية، فأصبحت المؤتمرات تُعقَد بها، وتكتب لافِتات المَتاجِر والأماكن العامَّة والمنتديات بها، والمسؤولون يُلقُون كلماتهم في أيِّ دولة أجنبيَّة بها، وبهذا الجهد الخارِق استَطاعَتْ أمَّة أن تُحيي لغتها من العَدَم، وأن تَحيَا هي بهذه اللغة، ويتشكَّل لها كِيان وهُويَّة.

 

أمَّا تجرِبة إنعاش اللغة الفرنسية في العصر الحديث:

فقد تَمَّ التخطيط لها بعد التغييرات السياسية التي حدثت في العالم في القرن العشرين بعد الحربَيْن العالميتَيْن، والتي تراجعَتْ بمُقتَضاها مكانةُ الإمبراطورية الفرنسية لصالح القوَّة الأمريكية المُتعاظِمة، وأصبح نفوذ اللغة الفرنسية الذي كان سائدًا في كثيرٍ من أرجاء العالم مُهَدَّدًا بالانحِسار، فتشكَّلت في النِّصف الثاني من القرن العشرين رابطة الفرانكفونية من الدُّوَل التي تتحدث الفرنسية، وشكلت مؤسسات علمية ترعى اللغة الفرنسية في العالم، وتُتابِع المتكَلِّمين بها، وتبحث عمَّا يعتَرِضهم من مشاكل في سبيل المُحافَظة على لغتهم الأصلية أو المُكتَسَبة، وتعقد المؤتمرات التعليمية والثقافية والعلمية باللغة الفرنسية في مختلف البلدان، وترصد استخدام وسائل الإعلام لها، لتُقدِّم التوصيات - وأحيانًا الأوامر - بعدم شيوع الأخطاء أو المستويات الهابِطة في اللغة.

 

وتضمُّ هذه المؤسسة الفرانكفونية في عضويَّتها كثيرًا من الرؤساء وكِبَار المسؤولين والوُزَراء في الدُّوَل الناطِقة بالفرنسية، ومن خِلالها يَتِمُّ تَنسِيق جهودهم جميعًا لحماية اللغة الفرنسية، والعمل على المَزِيد من الانتِشار والصحَّة والحيويَّة لها.

 

إنَّ لُغتنا العرَبيَّة التي تملك مِنْ مُقَوِّمات الصحَّة والحياة والجمال والقابليَّة لاستِيعاب مختلف المعارِف والعلوم والتعبير عنها - بحاجةٍ إلى أن نَبذُل جميعًا لها من الحماية والرِّعاية ما تستحقُّه، انطِلاقًا من جريانها على ألسِنَتنا وأقلامنا في مستوياتها المختلفة، بحسب المقام المُناسِب، فلا نستَخدِم لغة مُتقَعِّرة في موقف حديث؛ لئلاَّ ينفر الناس منها، ولا نتهاوَن في الوقت ذاته بالخطأ وعدم الدقَّة في التعبير، ونَحرِص على الدعوة إلى شُيُوعها في معاملاتنا الاقتصادية، والالتِفات إلى الظاهرة الخطيرة التي تلوِّث وجه المدن العربية بأسماء الرطانات الأجنبية، التي تختَلِط فيها الحروف واللغات اختِلاطًا يُسيء إلى شخصيَّتنا، والعمل على تنْميتها في وسائل إعلامنا بطريقة مَدرُوسة ومنهجيَّة هادفة، بدلاً من الفوضى التي تَسُود في كثيرٍ ممَّا نقرؤه وما نسمعه وما نُشاهِده، وعلى بذْل خطوات جادَّة لتوسيع مجال اللغة العربية في تدريس العلوم في المدارس والجامِعات، وطرْح التساؤل الذي لا بُدَّ منه: لماذا تدرس كلُّ جامعات الدنيا العلوم المتقدِّمة بلُغاتها القوميَّة، إلاَّ نحن في جامعاتنا؟ وهل اللغة البولندية - مثلاً - أكثر قدرة على استِيعاب مصطلحات الطب والهندسة من اللغة العربية؟ ولماذا لا نستَفِيد من التجارِب الرائعة للجامعات السورية في محافظتها على اللغة العربية في تدريس الطب، وتخريجها شريحةً من أفضل الأطبَّاء العرب وأكثرهم نجاحًا حتى في المجتمعات الغربية التي يعملون بها؟ وهل يرتَبِط التقدُّم العلمي بالدراسة باللغة الأجنبية؟ أو بدراسة اللغة الأجنبية والاستفادة منها؟ والتعليم باللغة القومية تَوطِين للعلم وتأكيد للهُويَّة.

 

إن كثيرًا من الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا اليوم ليس من الضروري أن نجد الحلَّ الحاسِم لها غدًا، ولكنَّنا مع ذلك نبغي أن نُصِرَّ على طرْحها ومُناقَشتها مناقشة علمية؛ حتى نصل إلى الإجابة المُناسِبة التي قد تستَرِدُّ اللغة العربية معها حيويَّتها، وتستردُّ الأمَّة مزيدًا من مَلامِح شخصيَّتها وهُويَّتها، وتستردُّ المعرفة مزيدًا من التَّوطِين والانتِشار الحقيقي بين مختلف طبقات الأمَّة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التراث العربي: هوية الماضي وزاد المستقبل (1/2)
  • العلاقة بين اللغة والهوية
  • التراث العربي: هوية الماضي وزاد المستقبل (2/2)
  • الشجاعة الأدبية في الحفاظ علي اللغة العربية
  • مراجعات في التصحيح اللغوي
  • أهمية اللغة العربية ومميزاتها
  • أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها

مختارات من الشبكة

  • جهود علماء كلية اللغة العربية في مجمع اللغة العربية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجمع اللغة العربية الفلسطيني يصدر كتاب: مقاربات في تيسير اللغة العربية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مجمع اللغة العربية المدرسي رؤية مستقبلية لتعزيز اللغة العربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إسبانيا: أهمية اللغة العربية في الحفاظ على الهوية الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أهمية معرفة اللغة العربية لتفسير وتدبر القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللغة العربية: أهميتها ومكانتها في العصر الحاضر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • في حب الضاد شاركت الألوكة مجمع اللغة العربية بالقاهرة احتفالها باللغة العربية(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • أهمية البحث في اللغة العربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إزالة الرماد عن لغة الضاد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الهند: حفل إسلامي بجامعة دار العلوم عن أهمية اللغة العربية(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
6- شكر وتقدير
د بيومي توفيق بيومي مصطفى - مصر 07-10-2012 07:09 PM

بارك الله فيكم وأعانكم ووفقك لخدمة لغة القرآن وبارك للعالم الأستاذ الدكتور أحمد درويش، لي مقال في هذا الموضوع ممكن أنشره؟

سكرتير التحرير:

نرحب بنشر مقالكم ونرجو الاطلاع على شروط النشر على الرابط أدناه:

http://www.alukah.net/Contribute.aspx

5- الموضوع روعة
عنيده - عمان 26-02-2012 06:33 PM

صح لسانك الموضوع روعة

4- اللغة العربية
لولو - مصر-الاسماعيلية 30-04-2011 05:42 PM

الله عليكم بصراحة موضوع جميل جدا

3- اللغة العربية
فطووم - الرياض 22-02-2011 02:34 PM

مقال أكثر من رائع وانقذتن من الأستاذة..

2- رائع
هناء - الأردن 12-01-2011 08:21 PM

مقالة أكثر من رائعة
جزاكم الله خيرا

1- مبدع
علي سعيد - عمان 13-12-2010 02:13 PM

ما شاء بصراحة إبداع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب