• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

مراحل تطور النقد

مراحل تطور النقد
بشرى الشمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2025 ميلادي - 13/7/1446 هجري

الزيارات: 2700

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مراحل تطور النقد

 

بدأ النقد قديمًا شكلًا من أشكال التأثُّر الانطباعي الخاص للناقد لإطلاق حكمه على عملٍ ما، من خلال شعوره ودرجة تأثره بهذا العمل وذَوقِهِ الخاص، ناهيك عن التأثير النفسي، والخلفية الاجتماعية والثقافية للناقد التي تؤثر في قراءته للنص، وتجعله قاصرًا في إعطاء هذا النص ما يستحقه من دراسة، وتحليل، وتفسير، وتقييم، فبحسب (تيبوديه) أن: "قبل القرن التاسع عشر كان هناك نقَّاد، لكن لم يكن هناك نقد"[1]، فلم يكن النقد نقدًا بوصفه نوعًا أدبيًّا قائمًا بذاته، بل هو انطباع شخصي، وسنذكر بإيجاز مراحل تطور النقد عند العرب.

 

النقد من الجاهلية إلى الإسلام:

النقد في الجاهلية:

قد يطرأ على أحدهم تساؤلًا حول النقد في الجاهلية: هل كان هناك نقد في العصر الجاهلي؟ إذا أردنا الحديث عن النقد بمفهومه الآن، فبالتأكيد لن نجد نقدًا في الجاهلية يوازي هذا المفهوم كعلم قائم له أساليبه ومناهجه، ولكن لأن العرب أهلُ فصاحةٍ وبلاغةٍ، كان لوجود النقد حضور وإن كان بشكله البسيط البدائيِّ الفطري الملازم للبشرية، فالإنسان بطبعه ناقدٌ، وبراعة العرب في الفصاحة والبلاغة جعلت لهذا النقد دورًا، حتى وإن اقتصر على معايير المجتمع آنذاك، نابعة انطباعاتهم هذه حول استحسان ما استحسنوه ذوقًا ذاتيًّا، واستهجان ما استقبحوه؛ إذ كان النقد نقدًا مجتمعيًّا جامعًا، معبرًا عن الذوق العام السائد عند الشعراء آنذاك، الذين كانوا يتبارَون في إظهار فصاحتهم وبلاغتهم الشعرية، ونقد بعضهم أشعار بعض، وكان ما يُمارَس في سوق عكاظ نوعًا من أنواع النقد أيضًا، حتى ذُكِرَ أن الناس كانت تعيب على النابغة الذبياني الإقواءَ[2] في قصيدته:

أَمِن آلِ مَيَّةَ رائِحٌ أَو مُغتَدِ
عَجلانَ ذا زادٍ وَغَيرَ مُزَوَّدِ
أَفِدَ التَرَجُّلُ غَيرَ أَنَّ رِكابَنا
لَمَّا تَزُل بِرِحالِنا وَكَأَن قَدِ
زَعَمَ البَوارِحُ أَنَّ رِحلَتَنا غَدًا
وَبِذاكَ خَبَّرَنا الغُدافُ الأَسوَدُ

 

فهو لم يلتزم برَوِيِّ البيت وحركته الأخيرة، وضمَّ آخر البيت الثالث، فتعرَّض للنقد في هذا الموضع من القصيدة.

 

وأيضا يُخبر عن طرفة بن العبد أنه سمِع المتلمس مرةً يُنشد شعرًا في وصف الجمل في قوله:

وقَد أتَناسى الهَمَّ عِندَ احْتِضارِهِ
بِناجٍ عَليْهِ الصَّيْعَرِيَّة مُكدَمِ

فقال طرفة: "استنوق الجمل؛ لأن الصيعرية سِمَةٌ في عنق الناقة لا في عنق البعير"[3]، وجملة طرفة حكمٌ نقديٌّ أطلقه، وأصبح مَثَلًا يجري على ألسنة الناس بعد ذلك.

 

وهذا يدل على أن العرب في العصر الجاهلي مارسوا النقد كذلك، إلا أن هذا النقد يتصف بالجزئية والذاتية، وكان تبعًا لِما يتركه من أثر في لحظة سماعه.

 

النقد في صدر الإسلام:

وإذا انتقلنا إلى بداية النقد في صدر العصر الإسلامي، قد نستطيع القول بأن النقد بدأ بمفهومه العام في ذلك العصر مع بداية نزول القرآن الكريم، وتحديدًا بعد نزول سورة الشعراء في الآية التي خصَّ الله تعالى بها الحديث عما يفعله ويقوله الشعراء عادة في أشعارهم، وقد يعتبر هذا أولَ نقدٍ في العصر الإسلامي يُوجَّه للشعراء عامة؛ في قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء: 224 - 227]، فقسَّم الله تعالى الشعراءَ بين ضالٍّ ومؤمن، وبالتأكيد سيكون وقع هذه الآية في نفوسهم وقعًا عظيمًا، كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لِأن يمتلئ جوفُ أحدكم قَيحًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا))[4]، هذا كله قد جعل الشعراء يتنبَّهون لشأن مسلكهم الشعري الذي كانوا يسيرون عليه، فأعادهم الإسلام مرة أخرى موجِّهًا ومُعلِّمًا لهم، ومؤطرًا لمفاهيم الشعر وأغراضه، وألفاظه ومعانيه، التي كانت قبل ذلك منها ما يتنافى مع تعاليم الإسلام وأخلاقياته.

 

فأثَّر الدين في الشعر من ناحية استخدام الأغراض الشعرية، التي اعتاد عليها العرب في الجاهلية، أما القالب الشعري فبقِيَ ثابتًا على ما كان عليه في العصر الجاهلي؛ مثل: بداية القصيدة في الوقوف على الأطلال، والألفاظ المستخدمة والتراكيب بقِيت موجودة وحاضرة بقوة عند الشعراء بدرجات متفاوتة، ولم يأتِ التغيير بشكل كُلِّيٍّ وكامل، ولم يضمَّ كل الشعراء وإن كان ظاهرًا عند البعض بشكل مباشر، والآخر بشكل غير مباشر، إلا أن الغالبية بقُوا متمسكين بما اعتادوا عليه قديمًا، فبالإضافة إلى الوقوف على الأطلال، والنسيب، بقِيَ وصف الخمرة والتغزُّل بها لم يختفِ؛ لأن هذا النهج في بناء وتركيب القصيدة طوال سنوات حياتهم لن يتأتَّى لهم تغييره بصورة كلية بعد الإسلام مباشرة، فحتى حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصيدته في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، التي أنشدها في فتح مكة، كان من بين أبياتها مدح للخمرة:

إذا ما الأشرباتُ ذُكرنَ يومًا
فَهُنَّ لِطَيِّبِ الرَّاحِ الفِداءُ
نُولِّيها المدامة إن ألَمنا
إذا ما كانَ مَغثٌ أو لِحاءُ
ونشربُها فتَترُكنا ملوكًا
وأُسُدًا ما يُنَهنِهُها اللِّقاءُ

 

ويقصد في أبياته هنا أنه إذا أتينا بما نُلام عليه، صرفنا اللوم إلى الخمر، واعتذرنا بالسُّكر، وأننا إذا شربناها جعلتنا نتخيل أنفسنا مُلوكًا وأسودًا لا تهابُ اللقاء، وهو مدح صريح ومباشر للخمر مثل عادة شعراء الجاهلية.

 

وقول كعب بن زهير في قصيدة (البردة)، وهي في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا:

تَجْلو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسمت
كأنَّه منهلٌ بالرَّاح معلولُ
شُجَّتْ بذي شَبمٍ من ماء مَحْنِيَةٍ
صافٍ بأبْطحَ أضْحى وَهوَ مَشْمولُ

 

وهو في بيته هنا شبَّه ريحَ فمِها بريح الخمر الطيبة؛ ففيه مدح للخمر وإن كان مدحًا ضمنيًّا، عدا أنه من النسيب أيضًا، على الرغم من أنها قصيدة لمدح النبي، وهي عادة جاهلية كذلك.

 

وهذا لا يمنع القول، بأن التأثير الإسلامي "المحافظ" على الشعر العربي في تلك الحقبة كان ظاهرًا بشكل كبيرٍ ومُهذِّبٍ له، إما بشكل مباشر عن طريق الآيات والأحاديث، أو غير مباشر، متمثل في التمسك بتعاليم الدين الإسلامي التي كانت رادعة في ذات الشاعر المسلم نفسه، عدا ذلك فالنقد في هذه الفترة كان امتدادًا لحال النقد في الجاهلية، ولم تظهر أي تطورات في مفهوم النقد وخروجه عما كان عليه في العصر الجاهلي، وعن النقد في تلك الفترة يقول الدكتور شوقي ضيف: "على كل حال لا ينمو النقد، ولا يَقْوَى في عصر صدر الإسلام، وإنما ينمو ويقوى في العصر الأموي حين استقر العرب في المدن والأمصار، وتأثروا بالحضارات الأجنبية من جانبيها المادي والعقلي، فتطور شعرهم وتطورت معه أذواقهم"[5].

 

الشعر بين الجاهلية وصدر الإسلام:

أسهب بعض الباحثين والمفكرين في الدراسة لتلك الفترة حول أسباب تراجع قوة الشعر وجزالته، وبعضهم أعادوا ذلك إلى تعاليم القرآن التي حدَّت من شاعريتهم في الموضوعات المتناوَلة والألفاظ والمعاني التي اعتادوا عليها في الجاهلية، وقد يُعزى ذلك إلى أن الشعراء كانوا أكثر حذرًا في استخدام الألفاظ؛ خشية وقوعهم في الحرام من اللفظ والمعنى، مما يُعرِّضهم للنقد القرآني مرة أخرى، وهذا التوجيه الذي حدَّده الإسلام وإن كان قد جعل من الشعراء أقلَّ حِدَّةً وقوة، وهو اتجاه ذهب إليه الكثير من النُّقَّاد والمفكرين في المقارنة بين شعر الجاهلية وصدر الإسلام، وهذا إن حدث، فهو خاص في البداية فقط، ربما نتيجة حرصهم على عدم الوقوع في المحظور، وهم حديثو عهدٍ في الإسلام، وانشغالهم أيضًا بأمر الدين الجديد وتعاليمه، والجهاد والفتوحات، "فتشاغلت عنه العرب... ولَهَت عن الشعر وروايته"[6]، إضافة إلى ما يحمله القرآن الكريم من إعجاز فاق بلاغتهم، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته: "ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبي والوحي، وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمِهِ، فأُخرسوا عن ذلك، وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانًا، ثم استقر ذلك وأُونس الرشدُ من الملة، ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره، وسمِعه النبي صلى الله عليه وآله، وأثاب عليه، فرجعوا إلى ديدنهم منه"[7]، والحق أن للقرآن الكريم تأثيرًا إيجابيًّا لا يمكن إغفاله، وأثرًا بالغًا ساهم في نقل اللغة العربية ودلالاتها إلى مراحلَ أكثرَ جمالية وإبداعية في تطور أساليب البيان المتَّبعة وتشكيلها، والحقيقة أن هذا التوجيه القرآنيَّ يعتبر بداية ظهور أهمية دور النقد في تلك الحقبة، حتى دراسة المفكرين والعلماء للآيات القرآنية، ومحاولة إظهار الصور البلاغية والجمالية هي في مفهوم الأدب دراسة تحليلية عميقة، تُبرِز ما للآيات القرآنية من جزالة الألفاظ، وقوة المعاني، وما لها من أساليب بلاغية وجمالية وبيانية، تستحق الوقوف عندها مطولًا، أوليس هذا كله هو سر الإعجاز القرآني؟

 

النقد في العصر الأموي:

نما وتطور النقد في ثلاث بيئات في العصر الأموي؛ هي الحجاز والعراق والشام، ومع هذا التطور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية عند المسلمين في تلك البيئات، كان من الطبيعي تطور الثقافة والحركة الأدبية في تلك الفترة أيضًا، فازدهرت حركة الشعر، وفي ازدهار الأدب ازدهار للنقد، ونتيجة احتكاكهم بثقافات الشعوب الأخرى، ظهرت بيئات مُهيَّأة لهذا التطور كما ذكرنا، وما يميِّز العصر الأموي هو وجود نقَّاد عُرف عنهم النقد واشتهروا به؛ مثل: عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، ويُكنى ابن أبي عتيق، كان ناقدًا لشعر عمر بن أبي ربيعة، إذ انتقد قوله:

ويذكر بينما ينعتنني أبصرنني
دون قيد الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى: أتعرِفْنَ الفتى؟
قالت الوسطى: نعم، هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيَّمتَها
قد عرَفناه وهل يخفى القمر؟

 

فعاب عليه ابن أبي عتيق قوله هذا فقال: "أنت لم تنسب بها، وإنما نسبت بنفسك"؛ أي: تغزلت بنفسك.

 

والسيدة سُكَينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، عُرف عنها النقد، وكان الشعراء يحتكمون عندها، وقد عابت على نصيب بن رباح قوله في هذا البيت:

أهِيمُ بدَعْدٍ ما حييت فإن أَمُتْ
فوا حزنا من ذا يَهِيم بها بعدي

ورأت أنه من الصواب لو قال:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت
فلا صلحت دعدٌ لذي خُلَّة بعدي

وقالت: قبَّحه الله وقبح شعره، فما له همِّة إلا من يتعشَّقها بعدَه[8]، فهي انتقدت المعنى الذي ذهب إليه الشاعر بما يجب أن يكون عليه العاشق.

 

وكان الناقد يُعَدُّ في العصر الأموي بمثابة القاضي الذي يحكم بين شاعرين، يتباريان في الشعر أمام جمهور المستمعين والشعراء في نوادٍ ليلية، أُقِيمت خصوصًا لهذا النوع من المبارزات الشعرية، وأكثرها شهرة ما كان بين جرير والفرزدق من نقائض، وكل شاعر منهم ينتقد قصيدة الآخر، ويذُمُّها ويهجو شاعرها، ويمدح نفسه وعشيرته، "فيتقدم بقية الشعراء ويُبدُون ملاحظاتهم على الشاعرَين"[9].

 

وقد أشار شوقي ضيف إلى أثر الإسلام في الشعراء؛ مما ساهم في خروج ما اشتهر في العصر الأموي بالشعر العُذري؛ وهو الغزل العفيف الطاهر الذي يخُصُّ محبوبة واحدة، فأصبح هذا الشعر معروفًا خاصة عند شعراء نجد وبوادي الحجاز، وفقهاء المدينة ومكة، التي كانت قصائدهم أكثر صفاء ونقاء وبراءة، "وكأنما أضفى الإسلام على المرأة وعلاقاتها بالرجل عند هؤلاء الشعراء ضربًا من القدسية، أحاطها بهالة من الجلال والوقار"[10]، وهذا التأثير لا ينطبق على جميع الشعراء بدرجة واحدة بالتأكيد، بل إن هذا الشعر يقابله شعر آخرُ؛ وهو الشعر الصريح أو العُمَرِيُّ[11]، ويعني التغزل بأكثر من محبوبة، والتصريح بالعلاقة بينهما، وإضافة إلى ذلك، ظهرت في العصر الأموي أغراض شعرية جديدة؛ منها الشعر السياسي؛ بسبب الصراع على السلطة في تلك الفترة، وأصبح هناك شعراء في كل حزب سياسي؛ أمثال: الطرماح بن الحكيم عند الخوارج، والكميت بن زيد عند الشيعة، وعبدالله الرُّقيات عند الزبيريين، والأمثلة كثيرة.

 

النقد في العصر العباسي:

تحوَّل الأدب في العصر العباسي من فطرة وسليقة تميَّز بها العربُ، إلى فنٍّ وصنعة، فمع توسع الدولة الإسلامية ودخول الكثير من غير العرب من فارس والترك، وغيرها من الأمصار المفتوحة إلى الإسلام، واندماجهم في المجتمع العربي، حتى ظهر شعراء من المولَّدين ذوي الأصول غير العربية، واتساع الثقافة والمعارف والعلوم أدى إلى بروز علم يُعنَى بالأدب والنحو واللغة، وتأثر النقد الأدبي كذلك نتيجة هذا الاندماج والاتساع في العلوم والثقافة العربية التي لم تَعُدْ قاصرة على العرب، ودخول أفكار جديدة من تلك الشعوب تمازجت مع الفكر العربي، وكان لكل هذا تأثير إيجابي أيضًا؛ إذ ساهم في إثراء وفهم واستيعاب شروط البلاغة بشكل أعمق، فاتسعت دائرة الأدب واتسعت معها دائرة النقد، وبعد أن كان النقد قاصرًا على الاستحسان والاستهجان دون التعليل، أصبح النقد في العصر العباسي خاضعًا للتعليل، وذكر أسباب ما استحسنوه وما استهجنوه من قصائد السابقين، وقصائد شعراء العصر نفسه، وظهرت الخصومة بينهم بسبب تفضيل شاعر على شاعر، والتعصب لأحدهم دون الآخر، والدفاع عنه عبر ذمِّ الشعراء الآخرين، وتعدَّى ذلك عند بعضهم إلى تأليف الكتب لإثبات شاعرية شاعرٍ أو التقليل منه، وقد حظِيَ أبو تمام والمتنبي بما لم يحظَ به الشعراء من خصومات ومناقشات حول شاعريتهما بين مؤيدين ومعارضين، وقد ذُكر "أن علماء البصرة كانوا يقدِّمون امرأَ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرًا والنابغة، وكان أهل العالية لا يعدِلون بالنابغة أحدًا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدًا"[12].

 

ومن الأمثلة على النقد في العصر العباسي ما يُذكَر عن الفضل الأحمر[13] أنه فضَّل قصيدة مروان بن حفصة التي مطلعها:

طرقَتْكَ زائرة فحيِّ جمالها
بيضاءَ تُخلط بالجمال دلالها

على قصيدة "الأعشى" التي مطلعها:

رحلت سمية غدوة أجمالها
فأصاب حبَّةَ قلبه وطحالها

فقال خلف الأحمر معلقًا على هذه القصيدة: "والطحال ما دخل في شيء قط إلا أفسده، وأما قصيدة مروان سليمة كلها"[14]، وهكذا، لم يكتفوا بذكر تفضيلهم أو عدم تفضيلهم للأبيات فقط، بل عللوا سبب اختيارهم، وقد أصبح للنقد في هذا العصر قواعدُ وأصولٌ.

 

ومن أشهر المؤلَّفات الخاصة بالنقد في العصر العباسي؛ نذكر منها: كتاب نقد الشعر، وكتاب نقد النثر لمؤلفهما قدامة بن جعفر، كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني.

 

النقد في العصر الأندلسي:

يزخَر تاريخ الأندلس بالأحداث التي أثرت كثيرًا في الحركة الشعرية والأدبية، ولكنني سأُوجز ما يهُمُّني هنا فيما يخص مراحل انتقال وتطور الشعر والنقد في الأندلس، وكما هو معروف أن الحكم الإسلاميَّ في الأندلس استمر قرابة ثمانية قرون، وفي هذه الفترة الزمنية الطويلة لا بد من أنها شهدت تطورًا واضحًا وكبيرًا في الحركة الشعرية والأدبية في تلك البلاد، فقد مرَّ الأدب في الأندلس بثلاث مراحل، بدءًا من المرحلة الأولى؛ وهي مرحلة التقليد، وفي هذه الفترة أبقى العرب الذين انتقلوا للاستقرار في الأندلس على القالب الشعري والأدبي المشرقي، وحافظوا عليه، واعتزوا به، واعتُبرت هذه المرحلة امتدادًا لِما كان عليه الشعر في المشرق، فلم يشهد تطورًا كبيرًا، وأكثر ما يختصر الحال في تلك المرحلة قول ابن بسَّام في مقدمة (الذخيرة): "... إلا أن أهل هذا الأفق، أبَوْا إلا متابعة أهل الشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نَعَقَ بتلك الآفاق غرابٌ، أو طنَّ بأقصى الشام والعراق ذباب، جَثَوا على هذا صنمًا، وتَلَوْا ذلك كتابًا محكمًا"[15]، وابن بسام هنا كان ناقدًا لوضع الأدب عند أهل الأندلس، يعيب عليهم تتبعهم لشعراء المشرق، إلى أن انتقلوا إلى المرحلة الثانية؛ وهذه المرحلة مرحلة الانتقال؛ إذ شهدت هذه المرحلة بداية الانفصال عن المشرق، ومحاولة التحرر الأولى، فكانت مرحلة الوسطية ما بين المحافظة على القديم ومحاولة التجديد، فلم يعُدِ الحنين للشرق حاضرًا كما كان في الجيل الأول، فأبناؤهم لم يرتبطوا بالمشرق إلا من خلال ما يسمعونه ويقرؤونه عنه، وأصبحت الأندلس وطنًا حاضرًا بكل جوارحهم، وشعور الانتماء الكلي له سمح لبوادر الانفصال الأولى بأن تظهر عليهم، فشهِدت تلك المرحلة تخفُّفًا من القالب الشعري الذي كان عليه في المشرق، وإن كان محافظًا على بعض الأغراض الشعرية، ولكنه أصبح أكثر خفة وقربًا للنفس من خلال اختيار الألفاظ السهلة الواضحة، وظهرت الموشحات الشعرية وهو نوع جديد من الشعر وُلد أندلسيًّا، واختص به أهل الأندلس دون غيرهم، وأبرز ما يميز هذه المرحلة هو بروز النثر بجانب الشعر، فأَوْلَوه اهتمامًا، وظهرت المؤلفات النثرية؛ مثل: حي بن يقظان لابن طفيل، والتوابع والزوابع لابن شهيد، أما المرحلة الأخيرة فوصل التحرر من المشرق تحررًا كاملًا، فلم يعُد هناك ارتباط به، وصار الشعر يستمد من الحياة الأندلسية أساليبه وفنونه، وإن كان الشعر مرَّ بمراحل تطور، فالنقد كان موازيًا له في هذه المراحل، فلم يشهد النقد في المرحلة الأولى أي تطور، وظلَّ على ما هو عليه، بل حتى الناقد منهم كان اهتمامه منصبًّا على شعراء المشرق، متتبعًا لهم، ناهلًا منهم، فظهرت كتب المعارضات، وهي أشبه بالمماثلة والمحاكاة، كأن يسير الشاعر على خُطى شاعر آخر، ويحاول أن يأتي بمثل ما صنع، "... فابن فرج الجياني وضع كتابه (الحدائق) معارضًا كتاب (الزهرة) لداود الأصفهاني، والطرطوشي عارض (إحياء علوم الدين) للغزالي"[16]، إلى أن وصل النقد في الأندلس مبلَغًا طوَّر من الرؤية النقدية، واضعًا لها أصولًا وأساسًا للتفكير النقدي، الذي اختلف عما كان عليه في السابق؛ فابن عبدربه في (العقد الفريد) ناقش موضوع السرقات الأدبية التي أسماها الاستعارة، "لم تزل الاستعارة قديمًا في المنظوم المنثور، أحسن ما تكون أن يُستعار المنثور من المنظوم، والمنظوم من المنثور، وهذه الاستعارة خفية لا يُؤبَه بها؛ لأنك قد نقلت الكلام من حال إلى حال، وأكثر ما يجتلبه الشعراء، ويتصرف فيه البُلغاء، إنما يجري فيه الآخر على مذهب السَّنن الأول، وإما في منظوم وإما في منثور، أن الكلام بعضه من بعض"[17]، فأظهر ابن عبدربه تساهلًا في موضوع الاستعارة بين المنظوم والمنثور الذي سيأتي ذكره لاحقًا في الكتاب، ولكن ما يهُمُّنا هنا هو مفهوم الاستعارة الأدبية الذي ناقشه ابن عبدربه، وفصَّل به وأعطى رأيه حوله، وهو قضية نقدية شائكة، بل إن ابن عبدربه ناقش مسائلَ نقدية أخرى في كتابه، ومنها العلاقة بين اللفظ والمعنى؛ فيقول: "شُبِّهت المعاني بالأرواح، والألفاظ بالأجساد واللباب، فإذا كَتَبَ الكاتب البليغُ المعنى الجَزْلَ، وكساه لفظًا حسنًا، وأعاره مخرجًا سهلًا، ومنحه دالًّا مونقًا، كان في اللقب أحلى، وللصدر أملا"[18]، وكذلك انتشرت المجالس الأدبية، ومنها مجالس المنصور بن أبي عامر الأدبية والفكرية، التي لعبت دورًا هامًّا في تبلور النقد والتذوق الفني، وساهمت في إثراء الحركة النقدية الأندلسية، بل أهم ما يُميِّز النقد في العصر الأندلسي هو الانفصال عن الدين، واستقلال الشعر بعيدًا عن المحاكم الدينية؛ فيقول قدامة بن جعفر في هذا الأمر: "إن المعاني كلها مُعرَّضة للشاعر، وله أن يتكلم منها فيما أحب وآثر... وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى... أن يتوخى من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة"[19]؛ أي: إنه هنا أوصى بصب اهتمام الشاعر على حُبْكَتِهِ الشعرية، وله في هذا أفقٌ لا حدَّ له، فوصل النقد في العصر الأندلسي إلى أقصى درجات النضج التي شهدتها الحركة النقدية الأدبية، مع بروز أسماء عدة أَثْرَتِ النقد والأدب في تلك الحركة؛ أمثال: ابن عبدربه، وابن حزم، وابن شهيد.



[1] النقد الأدبي، كارلوني وفيلو، ص10.

[2] الإقواء في الشعر هو اختلاف حركة الروي بين نصب ورفع وكسر، وهي من عيوب القوافي الستة.

[3] مجمع الأمثال، أبو الفضل الميداني، ج2، ص93.

[4] صحيح البخاري، الراوي عبدالله بن عمر.

[5] النقد، شوقي ضيف، دار المعارف، ص29.

[6] طبقات فحول الشعراء، ابن سلَّام، دار المعارف، ص22.

[7] مقدمة ابن خلدون، ص581.

[8] المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين الأبشيهي، ص74.

[9] النقد، شوقي ضيف، دار المعارف، ص33.

[10] تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي، د. شوقي ضيف، دار المعارف، ص177.

[11] نسبة إلى عمر بن ربيعة، شاعر مخزومي قرشي.

[12] العمدة في محاسن الشعر وآدابه، القيرواني، ج1، 98.

[13] من علماء البصرة في اللغة والنحو.

[14] النقد الأدبي، أحمد أمين، هنداوي، ص381.

[15] الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ابن بسام، ج1، ص2.

[16] تاريخ النقد في الأندلس، محمد رضوان، ص46.

[17] العقد الفريد، ابن عبدربه، ص338.

[18] المصدر السابق، ص249.

[19] نقد الشعر بين ابن قتيبة وابن طباطبا العلوي، عبدالسلام عبدالعال، دار الفكر العربي، ص19.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشعر نثرا
  • الشعر بين الذاتية والوعي الجمعي
  • نقد نصوص الكتاب العربي المخطوط

مختارات من الشبكة

  • مراحل النقد (مرحلة الالتفات والإحيائية)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل النقد (مرحلة الانبهار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراحل نشأة وتطور علم الاجتماع الديني وعلاقة الدين بالحياة الاجتماعية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مراحل التطور الحضاري للنظم الاجتماعية في العهد العثماني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الأولى من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الثانية من مراحل الخطاب المكي في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرحلة الجامعية من أخطر مراحل العمر .. فانتبهوا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المرحلة الثالثة من مراحل الرمزية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب