• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

خواطري مع الحج

أ. أريج الطباع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/12/2007 ميلادي - 9/12/1428 هجري

الزيارات: 9076

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
كم تاقت نفسي لهذا اليوم الذي يُكْتَب لي فيه الحجُّ، في كل عام كنتُ أتوق لأن أكونَ هناك، وتَحُول الظروف دون ذهابي!

ما أروع منظرَ تجمُّع المسلمين مِن شَتَّى البقاع، على اختلاف ألوانِهم وجنسياتهم، وثقافاتهم، مُلبِّينَ، مُكبِّرين، يتوجَّهون لغاية واحدة، تَجْمعهم (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

كنتُ أُتَابِعُهم مِن خلف الشاشة، وعينِي تفيض بالعَبَرات، ليتني هناك.

حججْتُ فَرْضِي؛ لكنّي كنتُ صغيرةً وقتها، كانتْ صفحَتِي بَيضاءَ، وكُلُّ يوم يمضي بِحَياتِي كانتْ تَتَكَدَّرُ، ولَكَمْ تُقت أن أعيد مسحها من جديد!

أذْكُر مرَّةً حِينما كنتُ طالبةً بالثانوية، سألَتْنَا معلِّمة الدِّينِ: مَن منكُنَّ تتمنَّى لو خُلِقتْ شابًّا لا فتاة؟

كثيراتٌ رفَعْن أيديَهُنَّ وقتها، وكنتُ ضمن هذا الجَمْع، تعجَّبَتْ معلمتي لما تعرفه عني، وابْتدرَتْنِي بالسؤال: لِمَ يا ابْنَتِي؟! تبسمْتُ وقتها وأنا ألحظ تعجبها، وقلت لها بثقة: كي أتوجَّه للجهاد.

وَقْتَهَا كانتْ أحداثُ أفغانستان والروس، كلَّ يوم كانت تجمع التبرعات، يشيد الجميع بالمجاهدين، لم يكونوا إرهابيّينَ وَقْتَها! كم كنتُ أغبطهم، جادُوا بنفوسهم، وتركوا دُنْياهم؛ لغايةٍ تسمو عن غايات البشر، لا يذوقُ حلاوَتَها إلا مَنْ خالَطَ الإيمانُ شغاف قلبه. وقتها تبسَّمَتْ مُعَلّمَتِي، وقالتْ: بسيطة يا بُنَيَّتِي، توجَّهي لِلحجّ فهو جهاد المرأة؛ ربما أقْنعتْنِي وقتها وجلستُ راضية، أحلم بالحج.

وكان حلمي يكبر مع الأيام، وتَحُول بيني وبينه العوائقُ. اليوم كبر أولادي لدرجة تكفي لأن أتركهم وأتوجَّه للحج. فرحَتِي كانت لا تُوصَف وزوجي يُبشِّرُني بأنه حَجَزَ لنا مع حملة لهذا العام.
حتَّى أولادي شارَكُوني فَرْحَتِي، مِن شِدَّة ما رَأَوْا سَعَادَتِي بِهَذِه الرِّحْلَة، وصارُوا يُشارِكُونَنِي عَدَّ الأيام؛ لِلانْطِلاق لِلخيام بمِنى.

بدأنا الاستعداد للحج، واشترى زوجي ملابسَ الإحرام، بيضاء ناصعة، تلتفُّ على جسده دون تفصيل.

لوَهْلَة اقْشَعَرَّ بدني وأنا أقول له: كم تُشْبِه هذه المناشف الكَفَن!

تبسَّمَ وهو يقولُ لي: هذه الغاية منها، أن تذكِّرَنا بهذا اليوم، لِنَرى الدنيا ضئيلة قصيرة؛ لكننا اليوم نذْهَبُ بأرجُلنا، وغدًا نُساق مُكْرَهينَ.

قال لي: نعم؛ لذلك يسهل علينا الاستعداد، وهل أروع مِن أن تعودي كيوم ولدَتْكِ أمُّكِ؟ لم يبقَ سِوى حقوقِ العباد، فسارعي بسدادها.

شعرت برُعْب ثانية، كيفَ لي أن أجمع كل مَن عرفت؛ لأسْتَسْمحهُم ليُحلُّوني، فقد مَرَّ عليَّ بِحياتي الكثيرُ، ولا أعرف لمن أسَأْتُ! سارَعْتُ لجَوَّالِي، لِلمسنجر، للهاتف؛ أُرْسِل رسائل سريعة للجميع؛ أسألهن السَّماح، ويوصونني بالدعاء هناك.

سألَتْنِي إحداهُنَّ: هل مِن طبعك التشاؤم عادة؟ لماذا تودعينَ كأنكِ لن تعودي؟
تبسَّمْتُ وأنا أجيبها: أشْعُر بأن الحج لهذه الغاية، وسعيدة أني أستطيع الاستعداد اليوم، أسألُ الله أن يُحْسِنَ خِتامَنا، ويُمَكِّنَنا من الاستعداد قبله.

عادت لذهني صورةُ صحابِيّ كان على فراش الموت، فجمع الجميع يسألهم أن يُحلُّوه، ولم يغمض جفنه حتى اطمأن لذلك.. غفر الله له وبلَّغَنا هذا.

أعْددتُ حقيبة صغيرة، ضمنتها أساسيات فقط؛ كيلا يثقل حملها. كَوْنِي حججْتُ فرضِي، فقد نويتُ هذا العامَ أن أُهْدِيَ حجتي لأحد الأحبة، الذين فارقونا ورحلُوا.

كانتْ أُمّي ليلتها تزور أهل عبير - رحمها الله - عادت لزيارتي، وقالت لي: كدتُ أخبر أمها أنَّكِ ستُهْدِينَها الحَجَّ وتنوينَهُ عنها؛ لكنني آثرت أن أسألكِ قبلها.

فاضَتْ عيني، وأنا أفكّرُ بِأُمّي: كم هي رائعة! بالتأكيد عبير غالية - رحِمها الله - وما أروع أن يكون بيدي أن أُقَدِّم لها هَديَّةً، حتى بعد انقطاع التواصُل بالدنيا!

نَوَيْتُ الحج عن عبير - رحمها الله - ونواه زوجي عن جَدِّه، وتواصَيْنا أن نذكر أحبتنا بالدعوات.

حَضَنْتُ أولادي أُودِّعهم، وودَّعْتُ أهلي، ونظَرْتُ نظرةً أخيرة لبيتي الدافئ ومُستقرِّي، وركبت تختلط المشاعر بداخلي، وأشْعُر بشَوْق لِلوُصول للخيام بمِنى صباح يوم التَّرْوِية.

انطلقتِ السيارة، وخلَّفنا وراءنا كل ما يشدنا لهذه الأرض، لا نحمل سِوى متاعِنا الخفيف.

"صحبة الحج"
هناك داخل أسوار الخيام التقَيْنا. منهنَّ مَن أعرِفُها قبل الحج، ومنهن مَن لم تكُنْ لتجْمَعَنِي بها الأيامُ سِوى بهذه الخيام.

كانت خيامُنا مُعَدَّة لاستيعاب عدد كبير مِن الحاجَّات، تلْتَصِق أماكنُنا معًا دون فاصل، كان ذلك سببًا لتذمُّرِنا بالبداية؛ لكننا سرعان ما حمِدنا الله ونحن نشاهد حجيجًا افترشوا الأرض والتحفوا السماء، وحَمِدنا الله حينما تآلَفَتْ قلوبُنا التي اجتمعت لغاية واحدة.

إحدانا تندَّرتْ حينما دخلتْ وشبَّهتْ خِيامنا بِالمهاجع! فكانَتْ تُذكِّرُنا دومًا بدعوة لإخواننا الأسرى، الذين سُلِبوا حُرّيَّتَهُم؛ لقولهم لا إله إلا الله.

قبل الحج كنتُ أحلم بحج يجمعُني بكافَّة الثقافات، أشعر به بمعنى الحج الحقيقي، وبالفعل كنا بالخيمة أجناسًا مختلفة؛ أُخت من تونس، وأخت من اليمن، وأخت من الأردن، ومن مصر، ومن لبنان، ومن سوريا، ومنَ السعوديَّة... وبخيام مُجَاوِرة لنا جدًّا كان هناك حجَّاجٌ من الهند أيضًا.

وكما تفاوَتَتْ أجناسُنا، تفاوتَتْ أيضًا ثقافاتُنا، وخلفياتنا الشرعية. آلَمَنِي أن أجدَ إحداهُنَّ لا ترتدي الحجابَ أَصْلاً، وتُقَصِّر في صلاتِها، وتَمْلِكُ قلباً مُرْهفًا، ودموعًا قريبة تدرس بالغرب، وتستقي منه ثقافتها، وأخرى ارتدتِ الحجابَ قريبًا، ولم تقطع صلاتَها يومًا، وتُجاهِد ببيئة مُتفلِّتة، تمسك دينها كالماسِك على الجمر!

وبالمقابل كانتْ بيننا الداعيةُ الحريصةُ التي تزوَّدت بمراجعَ عن الحجِّ، ترجع لها البقية؛ يستَفْسِرْنَ منها، ويسألْنَها كُلَّما أشْكل عليهنَّ أمرٌ، وبيننا المِعْطَاءة الحنونة، التي تسعى لإيصال دعوتها بابتسامتها.

كان اجتماعنا معًا له طعمٌ آخر من مناسك الحج، أن نجتمعَ على اختلافنا لغاية واحدة؛ نسعى جميعًا لرضا الله بالنهاية مهما اختلفتِ الطرقُ، تدعو إحدانا الأخرى، وتُنبهها على تقصيرها بأي أمرٍ.

لا ينفي ذلك أن البعض افتقر للأُسْلُوب، والبعض كان الجهل سببًا لابتِعادِه عن الغاية؛ لكن هناك بذلك الجو، كانت تربية النفوس أيضًا، وجَبْلها على حُسْن الخُلُق.

كثيرة هي المواقِف التي تركَتْ أثرها بنفوسنا، ومن أشدها أثرًا على نفسي هذا الموقف:
كان يومُها باردًا جدًّا، استيقظنا مع الفجر، وجاء الإفطار لنتحلَّقَ حوله كعادتِنا، نستمد الدِّفْء من أكواب الشاي، ومن الطَّعام الذي يمدنا بالطاقة للاستمرار على العبادة، ونستعد بالملابس الثقيلة التي تدفع عنا البرد، يومها لم تدفأ أطرافنا برغم استعدادنا بالملابس، وتكوَّرنا تحت الأغطية، ودخَلَتِ الفتاة التشادية التي تحمل الطعام، وهي ترتدي ملابسَ خفيفة، لا تكاد تغطي جسدها النحيل!

سألْتُها: ألا تشعرينَ بالبرد؟ تابَعَتْ عملها وقالت همسًا: بل أكاد أتَجَمَّد! فسحبت غطائي عن كتفي، وأعطيتها إياه، كنتُ أرتدي ملابسَ تقيني البرد وقتها مع هذا الغطاء. دمِعَتْ عيني وأنا أرى أمارات الشكر مِن عينيها، وهي تلتحف به، وتنظر إليَّ مُمْتَنَّة.

فما كان مِن الأخت التي تُجاورني بالمكان إلا أن خرجت سريعًا إِثْرها، وعادت وهِي ترتَجِف من البرد، تحاول أن تغطيَ نفسها بغطاءٍ خفيف أبقَتْهُ لنفسها، لم يكن لديها سِوى رداءٍ واحد يقيها البرد، ووهبتْهُ لِلفتاة الأخرى التي تعمل حينَما رأتْهَا ترتعش مِن بردها!

دمعت عيوننا ونحن نسألها: ألَمْ تُبقِ لنفسكِ شيئًا؟
قالت باسمةً بشفاهها التي ازرقَّتْ مِن البرد: جسدي مُمْتَلِئ أكثر من أجسادهنَّ، ولديَّ هذا الغطاء سيكفيني!
فما كان من البقية إلا أن أعطينها ما يكفيها بردَ ذلك اليوم؛ لكنه كان درسًا بالعطاء لا يُنْسَى!

"يوم عرفة"
كنت أنتظر هذا اليوم بشَوْق، مِن كثرة ما سمعتُ عنه وعن فضله؛ لكنني بنفس الوقت تَهَيَّبْتُ منه، خشيت ألا أشعر بتلك اللذة التي منَّيتُ نفسي بها، خشيتُ أن تغلبني أمور الدنيا، فتسرق مني حظات طالما تقتُ إليها، خشيتُ أن لا تكفيني الساعاتُ هناك، أن يخذلني قلبي ونفسي..

الليلة التي سبقتها كنتُ أعاني صداعًا شديدًا، وأخشى أن يفسد عليَّ متعة الحج. كثيرات شاركْنَنِي تلك اللحظات بقلوبهنَّ، بدعواتهنَّ لِي أن يُخَفِّفَ الله صداعي، ويبلغَنِي يوم عرفة..
أخوات الخيمة لم يقصرْن بالاهتمام، حتى مَن لَمْ أعرفْ منهنَّ قبلُ.

الزنجبيل الدافئ، والليمون، وأقراص الدواء، كانت تأتيني مِن كل صَوْب، الأكف الصادقة التي ترتفع بالدعاء كانت تجعلني أشعر بشعور الجسد الواحد حقيقة.


جوَّالِي الذي كانت تَصِلُني به رسائل الاطمئنان، وسؤال الأقارب والصديقات ودعواتهم، وما يوصونني به من دعوات.

أيْقَظُونا فجرًا، لم نستطِعِ النومَ ليلتها جيدًا، واستيقظنا بوقت باكرٍ جدًّا؛ لنستعد وننطلقَ بعد الشروق.

تجمعنا وانطلقنا بالسيارات بعد أن صَلَّيْنَا الضُّحَى بالخيام. وصلنا عرفة العاشرة صباحًا تقريبًا، أختي كانت تطمَئِنُّ علينا، فقالت لي: هنيئًا لكم أن وصلْتُم بهذا الوقت، فحينما حجَجْتُ لم نستطعِ الوصول قبل الثانية ظهرًا.

كانت معنا بأوراقها ومَراجعها وحِرْصها على السُّنن، فعَينَّاها أميرةً على مجموعتنا الصغيرة، وأخبَرَتْنا أنه يُسَنُّ الدعاء خارجَ الخِيام، وأنَّ السُّنة بعد الزوال، ويكثر من الدعاء.

وأمسكْتُ دِفترًا صغيرًا، ضمنت به الدعوات التي أُوصِيتُ بها، وكانت صفحات كثيرةً، تبسَّمت وقتها، وقالت لي بعجل: أخشى أن أنسى أحدًا دون أن أنْتَبه.

هناك افْترشْتُ الأرض بجوار الخيمة، جلسْتُ على تراب الأرض، وتظلني السماء والشمس، وبدأتُ أسْتعيدُ كلَّ مَن أوصاني بدعاء، بدأتُ أدعو بلساني، كنتُ أسمع ضجيج الناس من حولي؛ دعاء جماعي يصدح، مجموعة يتحدثونَ، محاضرة عن فضل يوم عرفة، كنتُ أسمع وأشتت نفسي، لديَّ الكثير الذي أتوق لأن أدعوه، أحتاج خلوة بدعائي لأشعر بخشوع.

تداخَلَتْ أصواتُهم، ما عُدْتُ أُمَيّز بينها! ضجيج فقط كلمات مُتداخِلة بلا معنى، وصلْتُ بدعواتي لمن فارقونا ورحلوا، فاضَتْ عبراتي، وأنا أتخيل نفسي فيما صاروا إليه!

حمدت الله أن بلغني عرفات، أن أَتَاحَ لنا فرصة؛ نُكَفِّر بها عن خطايانا.

كم ظَلَمْنا أنفسنا! كم قصرنا! كم زهدنا بزوادة نحتاجها بيوم لا ينفع به إلا مَن أتى الله بقلب سليم!

رذاذ مِن الماء كان يُبلّل وجهي، ما عدت أدري أمِن عيني وعبراتي، أم من السماء؟ أم أنهم يرشّون ماء؛ يخففون به وهج شمس الظهيرة؟

لسْتُ أدري أيّهم بلَّلَ وجهي؟ أمِ اختلطت كلُّها معًا؟ لكنها جعلتني أشعر برحمة الله، وكيف يَسَّرَ لنا الحج، وسَهَّل سُبُلَه.

سبق لِي أن قُمْتُ بعمرة عن أشخاص أحببتهم ورحلوا؛ لكنني بهذا الحج كنتُ أشعر بشعور آخر، يختلف كثيرًا عن كل مشاعري التي سبقَتْ، شعور جعلني أشْعُر بالموت أقرب، وجعلني أشعر أنَّ الدنيا لا تدوم.

حينما تَشْعُرُ بِمرارة الظُّلْم مِنْ إِنْسَان، حينما تشعر بأن هناك من ترغب بأن تدعوَ عليه؛ ليكف أذاه عنك، أو عن مَن تحب من الناس. يأتيك شعورٌ قويٌّ يدفعك لرفع أكفكَ نحو السماء؛ لتدعوَ بصِدْق عن كُلّ ما تعجِز عنه بضعفكَ البشري؛ لتلجأ لِمَن تثق به وبقوته وبعدله.

هناك بهذا الموقف كنتُ قد خططت لدعاء كهذا؛ لكنني حينما شعرت بضآلة الدنيا وسخافتها، تضاءلَتْ مشاعري أيضًا، وصفا قَلْبِي بصِدْق، شعرتُ ألاَّ أحدَ بالدنيا يستحقُّ أن أحْمِلَ له مشاعِرَ سلبيةً، تؤذيني قبل أن تؤذِيَه!

وتذكَّرْتُ رحمةَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على مُشْرِكي قريش، حينما سأله جبريل: "أَأُطْبِقُ عليهِمُ الأخْشَبَيْن؟" فقال بما معناه: ((لا، لعل الله يُخرج مِن أصلابِهم مَن يوحده))، ودعا لهم بالهداية.

وحدهم اليهود والمنافقين، وكل مَن أراد بالإسلام سوءًا، لم أتمالك نفسي مِن الدعوات عليهم، وأنا أتذكَّرُ بُيوتًا هُدِّمَتْ، ومساجدَ حُرِّقَتْ، وأسْرَى يَئِنُّون، سُلِبُوا حق الحياة، وأنا أتذكَّرُ شعاراتٍ رُفِعَت، وأفواهًا كُمِّمَت، وأيادي قُطِّعَتْ!

شريط حياتي كان يَمُرُّ أمامي يومها، وأنا أعد أيامي التي مَضَتْ، وأسترجع ما بقي لي منها، بهذا الشريط مَرَّ عليَّ كلُّ مَن صادَفْتُ وأحبَبْتُ، كلُّ ما رأيتُ واكتسبْتُ (منه) مِن خبرات!

دعَوْتُ الله أن يلهمنا الصوابَ، وأن يقِيَنا شرَّ أنفسِنا، وأن يَحفظَنا ويبعدَنا عن مداخل الشيطان.

كانت نفسي تُطمئنني بأنك بخير، ففعلت وفعلت....

وتعود لي ذِكْرَى قصص الصحابة التي قرأتها، وعِشْتُ بين صفحاتها، وأنا أتصوَّر لحية عثمان - رضي الله عنه - المُبَلَّلَة بالدموع كلما تذكَّر عذاب القبر!

وأنا أرى قلق عُمر وخشيته أن يكون من المُنافقينَ، وسؤاله للصحابي الذي ائتمنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أسماء المُنافقينَ: "هل أنا منهم؟"

لله درُّك يا عمر، تَخْشَى النِّفاق وقد بشَّرَكَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة!

يقْشَعِرُّ بدني، وأنا أذكر استغفار الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه، وإكثاره منه!

بكاء أبي بكر الصديق الذي خَشِيَ المشركون أن يُفْتَنَ به نساؤهم وأطفالهم عن دينهم!

كانوا رجالاً بحق، حتَّى دموعهم تشعرُني بالقوة، بقوة إيمانهم، وقوة حُبِّهِم لله.

قوة لا يقابلها إلا شعوري بالخَجَل مِن حالنا، ساعات مَرَّتْ لَمْ أشعر إلا بصوت أذان العصر يرتفع وينادونني؛ لننضمَّ للصلاة وبعدها للغداء. كنت كمَنِ اقتلعوه؛ ليعود للأرض ثانية!

وأسرعنا بالغداء، فما هي إلا سُوَيعات وينتهي الوقت، وينتَهِي هذا اليومُ الذي طالما تُقْنا إليه.

ولسُنَّة أرادها الله بالكون، لابد لكل شيء بالدنيا من نِهايةٍ، وقد مَرَّ يومُ عرفة كما مَرَّتْ قبله أيامٌ كثيرة! لكنَّه لم يكُنْ كأيِّ يومٍ، ولَنْ يَمُرَّ أثرُه الذي تَرَكَهُ بِنُفُوسِنَا حتمًا ما دُمْنا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صفة الحج والعمرة
  • الحج: الترغيب في آدابه، والترهيب من تركه
  • اللقاء (قصيدة)
  • كيف نتزكى بالحج؟
  • مذكرات الحجيج
  • بين الحج والحياة الدنيا
  • زوايا نظر
  • خارطة طريق (خواطر 1)
  • خواطر في طريق الحج

مختارات من الشبكة

  • خواطر الحج (من وحي حج 1435هـ)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحج شعائر ومشاعر وخواطر(مقالة - ملفات خاصة)
  • خواطر الإمام الرافعي في سفر الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • خواطر حول الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • خواطر في أشهر الحج (قصيدة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خواطر حول فريضة الحج(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحج: الآداب والأخلاق(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أنساك الحج وأيها أفضل(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحج الأكبر (فضائل الحج، والحج على الفور)(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
4- من شروط الحج
شروق - السعودية 20-03-2014 10:41 PM

من شروط الحج

الاسلام

والبلوغ

فحج الصغير لا يسقط عنه الفريضة

3- رائعة
مروة يوسف عاشور - السعودية 11-10-2009 07:17 PM
شكر الله لك تلك الخواطر الرائعة أستاذتنا الفاضلة أريج

وكم نحن بحاجة لمثل كلماتك الصادقة؛ لتلين قسوة قلوبنا

تذكرة قيمة وأسلوب مميز..

نفع الله به وأجزل لك العطاء.
2- هل أسمح لقلمي بكتابة ما يحلو له ..
ليلى عبدالله الشامسي - الإمارات 19-12-2007 01:11 PM
الأستاذة الفاضلة .. أريج الطباع

أشكرك من أعماق قلبي ..

لطالما تأملت الناس عبر شاشات التلفاز و تمنيت لو أدرك مشاعرهم ..

تمنيت أن أرى قدوة حقيقة أفعل مثلها عندما ييسر الله لي الحج ..

لطالما تساءلت و هل يملك الإنسان أن يحبس نفسه على الدعاء و الذكر لساعات متتاليه .. يوم تقريبا ..

كنت أقول و هل ستعطيني نفسي ذلك ؟ و هل سيصفو لي قلبي ؟

كلماتك لامست شغاف قلبي .. فأبكتني .. و شوقتني .. لذلك اليوم ..

كنت أتابع بالأمس نقل قناة المجد للشعائر .. و أفكر .. كيف سأفعل ؟ و هل سأجد من أثق به و يفتيني عندما أحتاج .. و هل سأؤدي الحج فيكون مبرورا أم هل ستعتريه نواقص و تقصير و تفريط ..

و الله لا موفق إلا الله .. فيارب عليك التكلان ..

أشكرك أستاذة أريج ..

تابعي خواطرك .. فنفسي تتوق لمثل هذه الكلمات ..
1- ما أجملها من مشاعر!
بنت بوظبي - الإمارات 19-12-2007 11:10 AM
حقاً ، كم هي جميلة مشاعرك، لمست بكلماتك مشاعر مرهفة أشعرتني بأني كنت معك في كل بقعة مررت بها ..

أشكرك على هذه الخواطر الرائعة ونترقب منك المزيد..
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب