• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

عينية متمم بن نويرة، دراسة إيقاعية

عينية متمم بن نويرة، دراسة إيقاعية
المصطفى المرابط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2022 ميلادي - 21/4/1444 هجري

الزيارات: 15516

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عينيَّة مُتمِّم بن نويرة، دراسة إيقاعية

 

تُعَدُّ عينيَّة مُتمِّم بن نويرة التي قالها في رثاء أخيه مالك من دون شَكٍّ من المراثي الرائعة والخالدة ضمن الموروث الشعري العربي القديم، كما أن موضوعها والفاجعة التي كانت سببًا في نَظْمِها قد شكَّلَتْ موقعَ خلافٍ كبيرٍ بين النُّقَّاد والرُّواة والفقهاء على مرِّ التاريخ الإسلامي.

 

يقول مُتمِّم راثيًا أخاه ابن نويرة:

لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأْبِينِ مالِكٍ
ولا جَزَعٍ مِمَّا أصابَ فأوْجَعا
لقد كَفَّنَ المِنْهالُ تَحْتَ رِدائهِ
فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أرْوَعا
ولا بَرَمًا تُهْدِي النِّساءُ لعِرْسِهِ
إذا القَشْعُ مِنْ حَسِّ الشِّتاءِ تَقَعْقَعا
لَبِيبٌ أعانَ اللُّبَّ منهُ سَماحةٌ
خَصِيبٌ إذا ما راكِبُ الجَدْبِ أوْضَعا
تَراهُ كَصَدْرِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى
إذا لم تجِدْ عِنْدَ امْرِئِ السَّوْءِ مَطْمَعا
ويومًا إذا ما كَظَّكَ الخَصْمُ إنْ يَكُنْ
نَصِيرَك منهم لا تَكُنْ أنتَ أضْيَعا
وإنْ تَلْقَهُ في الشَّرْبِ لا تَلْقَ فاحِشًا
على الكَأْس ِذا قاذُورةٍ مُتَزَبِّعا
وإنْ ضَرَّسَ الغَزْوُ الرِّجالَ رأيْتَهُ
أخا الحَرْبِ صَدْقًا في اللِّقاءِ سَمَيْدَعا
وما كانَ وقَّافًا إذا الخيلُ أحْجَمَتْ
ولا طائِشًا عِنْدَ اللِّقاءِ مُدَفَّعا
ولا بِكَهامٍ بَزُّهُ عن عَدُوِّهِ
إذا هو لاقَى حاسرًا أو مُقَنَّعا
فَعَيْنيَّ هلَّا تَبْكيانِ لِمالِكٍ
إذا أذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعا
وللشَّرْبِ فابْكِي مالِكًا ولِبُهْمَةٍ
شديدٍ نَواحِيهِ على مَنْ تَشَجَّعا
وضَيْفٍ إذا أرْغَى طُرُوقًا بَعِيرَهُ
وعانٍ ثَوَى في القِدِّ حَتَّى تَكَنَّعا
وأرْمَلةٍ تَمْشِي بأشْعَثَ مُحْثَلٍ
كفَرْخِ الحُبارَى رأسُهُ قد تَضَوَّعا
إذا جَرَّدَ القَوْمُ القِداحَ وأُوقِدَتْ
لَهُمْ نارُ أيْسارٍ كَفَى مَنْ تَضَجَّعا
وإنْ شَهِدَ الأيْسارَ لم يُلْفَ مالكٌ
على الفَرْثِ يَحْمِي اللَّحْمَ أنْ يَتَمزَّعا
أبَى الصَّبْرَ آياتٌ أرَاها وأنَّني
أرَى كُلَّ حَبْلٍ دون حَبْلِكَ أقْطَعا
وإنِّي متى أدْعُ باسْمِكَ لا تُجِبْ
وكُنْتَ جدِيرًا أنْ تُجيبَ وتُسْمِعا
وعِشْنا بِخَيْرٍ في الحياةِ وقَبْلَنا
أصابَ المَنايا رَهطَ كِسْرَى وتُبَّعا
فلمَّا تَفَرَّقْنا كأنِّي ومالِكًا
لِطُولِ اجْتِماعٍ لم نَبِتْ لَيْلةً مَعا
فكُنَّا كَنَدْمانَيْ جَذِيمةَ حِقْبةً
مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لن يَتَصَدَّعا
فإنْ تَكُنِ الأيَّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنا
فقد بانَ محمُودًا أخي حِينَ وَدَّعا
أقُولُ وقد طار السَّنا في رَبابِهِ
وجَوْنٌ يَسُحُّ الماءَ حَتَّى تَرَيَّعا
سَقَى اللهُ أرْضًا حَلَّها قَبْرُ مالِكٍ
ذِهابَ الغَوادِي المُدْجِناتِ فأمْرَعا
وآثَرَ سيْلَ الوادِيَيْنِ بِدِيمةٍ
تُرَشِّحُ وَسْمِيًّا منَ النَّبْتِ خِرْوَعا
فَمُجْتَمَعَ الأسْدامِ مِنْ حَوْلِ شارِعٍ
فَرَوَّى جِبالَ القَرْيَتَينِ فَضَلْفَعَا
فواللهِ ما أُسْقِي البِلادَ لِحُبِّها
ولكِنَّني أُسْقي الحَبِيبَ المُوَدَّعا
تَحِيَّتُهُ مِنِّي وإنْ كانَ نائيًا
وأمْسَى تُرابًا فَوْقَهُ الأرْضُ بَلْقَعا
تَقُولُ ابْنَةُ العَمْرِيِّ ما لَك بَعْدَما
أرَاكَ حَدِيثًا ناعِمَ البالِ أفْرَعا
فَقُلْتُ لَها: طُولُ الأسَى إذْ سألْتِنِي
ولَوْعةُ حُزْنٍ تَتْرُكُ الوَجْهَ أسْفَعا
وفَقْدُ بَنِي أُمٍّ تَداعَوْا فَلَمْ أكُنْ
خِلافَهُمُ أنْ أسْتَكِينَ وأضْرَعا
ولكِنَّني أمْضِي عَلَى ذاكَ مُقْدِمًا
إذا بَعْضُ مَنْ يَلْقَى الحُرُوبَ تَكَعْكَعا
وغَيَّرني ما غالَ قَيْسًا ومالِكًا
وعَمْرًا وجَزْءًا بالمُشَقَّرِ ألْمَعا
وما غالَ نَدْمانِي يَزِيدَ وَلَيْتَنِي
تَمَلَّيْتُهُ بالْأهْلِ والمالِ أجْمَعا
وإنِّي وإنْ هازَلَتْنِي قد أصابَني
مِنَ البَثِّ ما يُبْكِي الحَزينَ المُفَجَّعا
ولسْتُ إذا ما الدَّهْرُ أحْدَثَ نَكْبةً
ورُزْءًا بِزَوَّارِ القَرائبِ أخْضَعا
قَعِيدَكِ ألَّا تُسْمِعِيني مَلامةً
ولا تَنْكَئي قَرْحَ الفُؤادِ فَيَيْجَعا
فَقَصْرَكِ إنِّي قد شَهِدْتُ فَلَمْ أجِدْ
بِكَفِّيَ عَنْهُم لِلْمَنيَّةِ مَدْفَعا
فَلا فَرِحًا إنْ كُنْتُ يَوْمًا بِغِبْطةٍ
ولا جَزِعًا مِمَّا أصابَ فأوْجَعا
فَلَوْ أنَّ ما ألْقَى يُصِيبُ مُتالِعًا
أوِ الرُّكْنَ مِنْ سَلْمَى إذًا لَتَضَعْضَعا
وما وَجْدُ أظْآرٍ ثلاثٍ روائمٍ
أصَبْنَ مَجَرًّا مِنْ حُوارٍ ومَصْرَعا
يُذَكِّرْنَ ذا البَثِّ الحزينَ بِبَثِّهِ
إذا حَنَّتِ الأولى سَجَعْنَ لها مَعَا
إذا شارِفٌ مِنْهُنَّ قامَتْ فَرَجَّعَتْ
حَنِينًا فأبْكَى شَجْوُها البَرْكَ أجْمَعا
بأوْجَدَ مِنِّي يَوْمَ قَامَ بِمَالِكٍ
مُنادٍ بَصِيرٌ بالفِراقِ فأسْمَعَا
ألَمْ تَأْتِ أخْبارُ المُحِلِّ سَراتَكُمْ
فَيَغْضَبَ مِنْكُمْ كُلُّ مَنْ كانَ مُوجَعا
بِمَشْمَتِهِ إذْ صادَفَ الحَتْفُ مالِكًا
ومَشْهَدِهِ مَا قَدْ رأى ثُمَّ ضَيَّعا
أآثَرْتَ هِدْمًا بالِيًا وسَوِيَّة
وجِئْتَ بِها تَعْدُو بَرِيدًا مُقَزَّعا
فَلا تَفْرَحَنَّ يومًا بِنَفْسِكَ إنَّنِي
أرى المَوْتَ وقَّاعًا عَلَى مَنْ تَشَجَّعا
لَعَلَّكَ يَوْمًا أنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ
عليكَ مِنَ اللائي يَدَعْنَكَ أجْدَعا
نَعَيْتَ امْرَأً لَوْ كَانَ لَحْمُكَ عِنْدَهُ
لآواهُ مَجْمُوعًا لَهُ أوْ مُمَزَّعَا
فَلا يَهْنَئِ الْواشِينَ مَقْتَلُ مالِكٍ
فَقَدْ آبَ شانِيهِ إيابًا فَوَدَّعا[1]

 

الإيقاع جزء لا يتجزَّأ من رسالة الشاعر في القصيدة، ويُعَدُّ مكوِّنًا أساسيًّا من مكونات المَتْن الشعري لا يمكن إغفاله أو تجاوزه بأي حال من الأحوال، سواء من جانب الشاعر المبدع وهو يهمُّ بنَظْم شعره، أو من جانب الناقِد حين ينبري لسَبْر أغوار النصِّ الإبداعي ومحاولة اكْتِناه مكنونه ودلالالته وأبعادها المختلفة الخفيَّة والجليَّة، ذلك أن الشعر يبقى صناعة تتمثل أساسًا في جملة من المكوِّنات الدلالية والمعجمية والتركيبية، والإيقاعية أيضًا، التي تتشكَّل في تناغم وتناسق والتئام، على الرغم مما قد يبدو في ظاهر الأمر من تضادٍّ وتنافُرٍ واختلافٍ؛ لأن جوهر الشعر قائم على الائتلاف والاختلاف[2].

 

الوزن:

وبالعودة إلى متن عينية مُتمِّم بن نويرة، التي يرثي من خلالها أخاه مالكًا بن نويرة ويُعدِّد مناقبه وخصاله نجد أن الشاعر قد نَظَمَها على وزن الطويل، الذي نُظِمَتْ عليه جُلُّ قصائد الشعر العربي القديم، وذلك في الغالب الأعم استجابة لحالته النفسية والشعورية الموسومة بالاضطراب والتوجع، وقد سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العَرُوض ومؤسسه: لماذا سميت الطويل طويلًا؟ قال: لأنه طال بتمام أجزائه[3]، وهو بذلك لا يجيء مجزوءًا ولا مشطورًا ولا منهوكًا كغيره من أوزان الشعر العربي الأخرى.

 

ولعبدالله الطيب صاحب كتاب "المرشد إلى فهم أشعار العرب" كلمة دقيقة وعميقة الدلالة حول بحر الطويل، تصفه وتصف جلالة قدره وعِظَم مكانته بين أوزان الشعر العربي الأخرى، يقول:

الطويل والبسيط أطولا بحور الشعر العربي، وأعظمها أبهة وجلالة، وإليهما يعمد أصحاب الرصانة، وفيهما يفتضح أهل الركاكة والهجنة، وهما في الأوزان العربية بمثابة السداسي عند الإغريق، والمرسل التام عند الإنجليز، والطويل أفضلهما وأجلُّهما، وهو أرحبُ صَدْرًا من البسيط، وأطلق عنانًا، وألطف نغمًا، ذلك بأن أصله متقاربي...ومما يدلك على سعة الطويل أنه يقبل من الشعر ضروبًا عدة كاد ينفرد بها عن البسيط، مثال ذلك أن الشعراء الغزليين على عهد بني أمية أكثروا من النَّظْم فيه على أنهم أقلوا جدًّا من البسيط...وقد أخذ الطويل من حلاوة الوافر دون انبتاره، ومن رقة الرمل دون لينه المفرط، ومن ترسل المتقارب المحض دون خفته وضيقه، وسلم من جلبة الكامل وكزازة الرجز، وأفاده الطول أبهة وجلالة، فهو البحر المعتدل حقًّا، ونغمه من اللطف بحيث يخلص إليك وأنت لا تكاد تشعر به، وتجد دندنته مع الكلام المصوغ فيها بمنزلة الإطار الجميل من الصورة، يزينها ولا يشغل الناظر عن حسنها شيئًا [4].

 

ويقول حازم القرطاجني عن الطويل في كتابه المنهاج: فالعروض الطويل تجد فيه أبدًا بهاءً وقوةً [5].

 

أما محمد النويهي في كتابه "الشعر الجاهلي: منهج في دراسته وتقويمه" فيرى في بحر الطويل أنه بإيقاعه البطيء والهادئ نسبيًّا يُلائم العاطفة المعتدلة الممتزجة بقدر من التفكير والتملي، سواء أكانت حزنًا هادئًا لا صراخ فيه، أم كانت سرورًا هادئًا لا صخب فيه [6].

 

والحقيقة أن مُتمِّم بن نويرة في خضم بكائه وحزنه الشديد جراء المأساة التي ألمَّت به، قد كان في حاجة ماسة إلى وزن طويل مكتمل الأجزاء - كما ذكر واضع علم العَرُوض – قادر على حمل لواعج قلبه، وفسح الفضاء أمام أنين نفسه المجروحة، الذي لم يتوقف يومًا منذ نزل عليه خبرُ الناعي كالصاعقة المدوِّية، وليس من الضرورة أن يكون الشاعر قد اختار من نفسه، وبشكل إرادي هذا الوزن الطويل، فالشعراء درجوا في القديم على نَظْم الشعر بشكل عفوي وتلقائي.

 

لقد شكَّل تردُّد الوحدات الصوتية المتشكلة في تفعيلات وزن الطويل في مرثية مُتمِّم بن نويرة نغمًا خاصًّا، وخلق رنَّةً موسيقية حملت بين تفاصيلها معاني الحزن والشجن، ومسحة التيه والضياع في بحر لا قرار له من الحسرة والتوجُّع والمأساة.

 

ويقوم بحر الطويل كما هو معلوم على التفعيلات الآتية:

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

والملاحظ كذلك أن هذا البحر ثنائي التفعيلة "فعولن " و"مفاعيلن"، تتكرر تفعيلاته محدثة ترنيمًا موسيقيًّا يتردَّد على مساحة القصيدة كلها بيتًا بيتًا، ومقطعًا مقطعًا، في سياق إيقاعي تتساوق فيه وتنسجم صدور الأبيات وأعجازها انسجامًا لا بُدَّ أنه يُحقِّق إشباعًا لحاجات نفسية ووجدانية عميقة لدى الشاعر، الذي يعيش حالةً من الألم والاضطراب النفسي الحاد.

 

القافية والرَّويُّ:

القافية شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يُسمَّى شعرًا حتى يكون له وزن وقافية [7]، وهي مظهر من مظاهر الإيقاع في البيت الشعري، وتُشكِّل وحدة نغمية تؤدي وظيفة جمالية في البيت أولًا ثم في القصيدة ثانيًا، ولا يقف دورُها عند هذا الجانب التنغيمي الترنيمي كما يتبدَّى من الوهلة الأولى؛ ولكن يتجاوز ذلك إلى حدود خدمة الدلالة والغرض العام من رسالة الشاعر.

 

وقد اختلف الناس في القافية: ما هي؟

فقال الخليل: القافية من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع حركة الحرف الذي قبله، والقافية على هذا المذهب- وهو الصحيح - تكون مرة بعض كلمة، ومرة كلمة، ومرة كلمتين [8].

 

والقافية في مرثية مُتمِّم بن نويرة هذه، وردت كما تمليه طبيعة الموضوع وحالة الشاعر النفسية المضطربة، حيث جاءت منسجمة مع مسحة الحزن الطاغية، محققة انسجامًا وتواؤمًا تامًّا مع مَسْعى الشاعر وبغيته المتمثلة في الانتصار على الموت الذي أصابه غدرًا وجثم على أنفاسه، وكذلك تحقيق تخليد رمزي لأخيه مالك بن نويرة الفقيد الذي تعرَّض للظلم والاعتداء بالقتل من دون وجْهِ حَقٍّ، فصراع الشاعر في واقع الأمر هو مع وحْشِ الموت الكاسر الذي أناخ على قلبه وقضى على أخيه مرموق أمله، حيث حجبه عنه وغيَّبَه.

 

ولم يُنوِّع الشاعر في قافيته، حيث نجد أنها قد جاءت مطلقة متداركة، باشتمالها على حركتين بين الساكنين من بداية القصيدة إلى نهايتها، وقد شكَّل هذا التتابع اللُّغوي في آخر كل بيت موسيقى ونغمًا منسجمًا، يشدُّ أُذُنَ المستمع ويقذف في قلبه ما يعتمل في نفس الشاعر من اضطرابٍ وقلقٍ وعدم استقرار، فيجعله يحسُّ بأحاسيسه، يتألَّم لألمه، ويبكي لبكائه، ويصطبر لصبره على محنته.

 

وقد اختار مُتمِّم بن نويرة رَويَّ العين المفتوح المشبع بألف لينة في آخره، وحرف العين مجهور رَخْو مخرجُه وسط الحَلْق، حيث يذكر إبراهيم أنيس في كتابه الأصوات اللغوية واصفًا حرف العين وصفًا دقيقًا مفصلًا قائلًا: عُدَّ هذا الصوت عند القدماء من الأصوات المتوسطة بين الشِّدة والرخاوة، ولعلَّ السرَّ في هذا هو ضعف ما يسمع لها من حفيف إذا قُورِنت بالغين، وضعف حفيفها يُقرِّبها من الميم والنون واللام، ويجعلها مثل هذه الأصوات أقرب إلى طبيعة أصوات اللين، والعينُ صوتٌ مجهورٌ مَخْرَجُه وسط الحلق، فعند النطق به يندفع الهواء مارًّا بالحنجرة، فيُحرِّك الوترَينِ الصوتيينِ حتى إذا وصل إلى وسط الحلق ضاق المجرى، ولكن ضيق مجراه عند مخرجه أقل من ضيقه مع الغين؛ مما جعل العين أقل رخاوة من الغين [9]، ويذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي: العين سنام الإبل، قال معن بن زائدة:

ألا رُبَّ عينٍ قد ذبحتُ لطارقي
فأطَعَمْتُه مِن عينِه وأطايبِه[10]

أما حركة الرَّويِّ فقد جاءت مفتوحةً في القصيدة، والفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف، وحدوث الصوت الخفي الذي يُسمَّى فتحة أو نصبة، وإن امتدت كانت ألفًا، وإن قصرت فهي بعض ألف، وصورتُها كصورة ألف صغيرة[11]، وتُومئ حركة الفتحة دلاليًّا إلى الكثرة والسعة في الشيء، حتى إن الأخرس إذا أراد أن يُعبِّر عن الكثرة فتح شفتيه وباعَدَ بين يديه، وهي علامة مليئة بالحركة والدافعية؛ ومِنْ ثَمَّ الرغبة في التأثير في المتلقي والعالم الخارجي، ويذهب اعتقاد القارئ لقصيدة مُتمِّم بن نويرة الراثية إلى أن سعي الشاعر الحثيث إلى إيصال ما يعتمل في صدره من آلام عظيمة ودفينة، ورغبته العميقة في إثبات الظلم الذي حَلَّ بأخيه مالك، ومن تم تخليد اسمه في صفحات التاريخ عبر كل الأزمان بعدما غدر به الموت وحرمه معانقةَ الحياة، قد حققتها حركةُ رَوِيِّ العينِ المنصوب المتبوع بألف لينة، التي تكررت في كل القصيدة من بدايتها إلى نهايتها، كما أن اختيار الشاعر لرَويِّ العين في حد ذاته لا يخلو من دلالة نفسية عميقة.

 

وقد تكرَّرت في القصيدة أصواتٌ أخرى غير العين بشكل لافت وغزير، منها حرف الميم الذي تردَّد في مجموع الأبيات أزيد من مائة وثلاث وخمسين مرة، والميم صوت مجهور لا هو بالشديد ولا بالرخو؛ بل مما يُسمَّى بالأصوات المتوسطة، ويتكوَّن هذا الصوت بأن يمُرَّ الهواء بالحنجرة أولًا فيتذبذب الوترانِ الصوتيانِ، فإذا وصل في مجراه إلى الفم هبط أقصى الحنك فسَدَّ مجرى الفم، فيتخذ الهواء مجراه في التجويف الأنفي محدثًا في مروره نوعًا من الحفيف لا يكاد يُسمَع، وفي أثناء تسرُّب الهواء من التجويف الأنفي تنطبق الشفتان تمام الانطباق، ولقلَّة ما يسمع للميم من حفيف اعتبرت في درجة وسطى بين الشدة والرخاوة؛ لأن خاصية الأصوات الشديدة هي الانفجار حين النطق بها، وخاصية الأصوات الرخوة هي نسبة الحفيف الذي قد يصل في بعض الأصوات الرخوة إلى صفير كما في السين والزاي[12]، وقد جاء توظيف الشاعر لحرف الميم بهذا الشكل الغزير استجابة لحاجة نفسية ودلالية عميقة، إذ بعدما أخذ منه الألم الشديد والوجع مأخذه إثر واقعة مقتل أخيه مالك، وأضحى في حالة من الشرود والوهن والشحوب، تقهقرت قدرتُه على الصراخ بأصوات انفجارية ساخطة مزمجرة عالية النبرة؛ ما دفعه إلى الركون مرغمًا ومكرهًا إلى صوت الميم ذي الخاصية الصوتية المتوسطة بين الشدة والرخاوة، وقد كان من نتائج هذا الاختيار أن جاءت قصيدته مطولةً بلغت خمسين بيتًا، فلو كانت الأصوات الطاغية في هذه المرثية انفجارية ما أمكنه أن يستمر إلى هذا الحد من الأبيات الشعرية، ولكان طول القصيدة لا يتعدَّى بضعة أبيات.

 

وإضافة إلى صوت الميم نجد كذلك أن القصيدة قد امتلأت بحرف الكاف الذي تكرر في مجموع الأبيات أزيد من ثلاث وستين مرة، والكافُ صوتٌ شديدٌ مهموسٌ، يتكوَّن بأن يندفع الهواء من الرئتين مارًّا بالحنجرة فلا يحرك الوترينِ الصوتيينِ، ثم يتخذ مجراه في الحلق أولًا، فإذا وصل إلى أقصى الفم قُرْبَ اللهاة انحبَس الهواء انحباسًا كاملًا، لاتصال أقصى اللسان بأقصى الحنك الأعلى، فلا يسمح بمرور الهواء، فإذا انفصل العضوانِ انفصالًا مفاجئًا انبعَثَ الهواء إلى خارج الفم محدثًا صوتًا انفجاريًّا هو ما نُسمِّيه الكاف[13]، ومُتمِّم بن نويرة كان في حاجة ماسَّة إلى صوت انفجاري يشفي غليله، ويسمح له بتفكيك شحنة الغضب والشعور بالظلم الذي مُورِس عليه وعلى أخيه مالك، وقد قام حرف الكاف بتلبية هذه الحاجة، حيث نلفي الشاعر قد انفجر كالبركان في موقفينِ اثنينِ، الأول عندما كان يذكر مناقب أخيه مالك ويحُضُّ على البكاء عليه وعلى خلاله وصفاته الشريفة العظيمة، التي دُفِنَت معه في قبره، والثاني عندما هَمَّ بمساءلة ولوم الشامتين والحاقدين والساكتين عن الحق، الذين شمتوا في موت مالك وأدلفوا مسرورين ضاحكين، ومنهم يذكر المحل بن قدامة.

 

كما تردد في القصيدة حرف الشين واحدًا وعشرين مرة، والشين صوت رخو مهموس، عند النطق به يندفع الهواء من الرئتين مارًّا بالحنجرة فلا يُحرِّك الوترينِ الصوتيينِ، ثم يتخذ مجراه في الحلق ثم الفم، مع مراعاة أن منطقة الهواء في الفم عند النطق بالشين أضيق منها عند النطق بالسين، فإذا وصل الهواء إلى مخرج الشين وهو عند التقاء أول ساكن وجزء من وسطه بوسط الحنك الأعلى، فلا بُدَّ أن يترك التقاء العضوين بينهما فراغًا ضيقًا يُسبِّب نوعًا من الصفير أقل من صفير السين؛ وذلك لأن مجرى السين عند مخرجها أضيق من مجرى الشين عند المخرج، ويلاحظ عند النطق بالشين أن اللسان كله يرتفع نحو الحنك الأعلى كما أن الأسنان العليا تقترب من السفلى، غير أن نسبة هذا الاقتراب أقل منه في حالة النطق بالسين[14]، وهكذا فقد تركت الشماتة، التي أبداها بعض الحاقدين أثرًا سلبيًّا في نفسية الشاعر، وقد أكد انتشار حرف الشين في القصيدة عبر التوالي النغمي الذي حققته حالة الوشاية وشماتة الشامتين التي عاناها شاعرُنا مُتمِّم بن نويرة.



[1] ديوان المفضليات، ص 526 - 544، وكتاب مالك ومُتمِّم ابنا نويرة، ص 106 – 119.

[2] في بلاغة النص الشعري القديم معالم وعوالم، ص 163.

[3] العمدة، الجزء الأول، ص 239.

[4] المرشد إلى فهم أشعار العرب، الجزء الأول، ص 443 - 444.

[5] المنهاج، ص 269.

[6] الشعر الجاهلي: منهج في دراسته وتقويمه، محمد النويهي، ص 61.

[7] كتاب العمدة، الجزء الأول، ص 259.

[8] كتاب العمدة، الجزء الأول، ص 256.

[9] إبراهيم أنيس الأصوات اللغوية، ص 74.

[10] ثلاثة كتب في الحروف، ص 41 – 42.

[11] نتائج الفكر في النحو، لأبي القاسم، عبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، ص 67.

[12] الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص 48.

[13] الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص 71.

[14] الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص 69.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصوت في القصيدة العربية نحو تشكيل البنية الدلالية وتأسيس البنية الإيقاعية

مختارات من الشبكة

  • حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله وأثره في الجانب الاجتماعي والعلمي في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تراجم: المأمون – عبدالحميد الكاتب – عبدالله بن معاوية – طارق بن زياد – الأحنف بن قيس - عمرو بن العاص(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السيرة النبوية للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • مخطوطة حديث محمد بن عبدالله بن المثنى بن أنس بن مالك الأنصاري عن شيوخه(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مالاوي: توزيع التبرعات العينية على المسلمات الأرامل(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ماذا تعرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمام الفقيه محمد بن إدريس الشافعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإمام أبو عمرو البصري وقراءته(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسماء البدريين الأوسيين من الأنصار(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب