• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

غرض الرثاء في شعرنا العربي القديم

غرض الرثاء في شعرنا العربي القديم
المصطفى المرابط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/11/2021 ميلادي - 27/3/1443 هجري

الزيارات: 38583

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غرض الرثاء في شعرنا العربي القديم

 

الرثاء من بين أغراض الشعر العربي القديم وفنونه الأصيلة، التي أولاها الشاعر عناية خاصة، ونظم عليه أجود أشعاره، وأعمقها أثرًا في نفس المتلقي.

 

والرثاء من الموضوعات البارزة في شعرنا العربي كذلك؛ إذ طالما بكى شعراؤنا مَن رحلوا عن دنياهم، وسبقوهم إلى الدار الآخرة، وهو حالة من البكاء تتعمق في القدم، فمنذ وجد الإنسان وجد أمامه هذا المصير المحزن، مصير الموت والفناء، الذي لا بد أن يصير إليه، فيصير أثرًا بعد عين، وكأن لم يكن شيئًا مذكورًا[1]، وبنظرة ناقدة لهذا الغرض الشعري المتجذر في الثقافة الشعرية العربية منذ الجاهلية، يتحقق لنا اليقين بأن العرب عرفت فن الرثاء قديمًا، فقد كانت تُقام المآتم للميت؛ حيث يجتمع النساء للصياح والعويل، وقد ظل ذلك في الإسلام؛ إذ أباحه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم محرِّمًا ما كان يقترن به من خمش للوجوه بالجلود، وحلق الرؤوس، وإنما أباحه لِما فيه من تنفيس عن أهل الميت وشفاء لمصابهم فيه[2]، ومنظومات الشعراء في شعر الرثاء كثيرة، وقد كانت تتميز بكونها صادقة ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمشاعر الإنسانية والنفسية العميقة؛ وذلك لأن شعر الرثاء فنٌّ يرتبط بالموت، وقد كان شعر الرثاء من أقدم الشعر سبقًا؛ لِما فيه من عناصر الشعبية الجماعية، والدين والحكمة، والمواعظ الطبيعية المعدن والبسيطة المسالك[3].

 

الرثاء في اللغة:

الرثاء والمرثية في اللغة من رثى الميت بالشعر: إذا قال فيه مرثية، وترثِّي الميت: نَدْبُهُ والترحم عليه، ورثى لفلانٍ: رقَّ له مرثاة؛ فالمعاني اللغوية إذًا ثلاثة:

• الرقة لشخص إشفاقًا عليه.

• بكاء الميت وتعداد محاسنه والترحم عليه.

• مدحه شعرًا[4].

 

وقد ورد في لسان العرب: "ورثى فلان فلانًا يرثيه رثيًا ومرثية: إذا بكاه بعد موته، قال: فإن مدحه بعد موته قيل: رثاه يرثيه ترثية، ورثَّيْتُ الميت (بتشديد الثاء) رثيًا ورثاء ومرثاة ومرثية، ورثيتُه: مدحته بعد الموت وبكيته، ورثوت الميت أيضًا: إذا بكيتُه وعددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعرًا[5].

 

جاء في لسان العرب كذلك في مادة رثأ: رثأت الرجل رثأً: مدحته بعد موته، لغة في رثيته، ورثأت المرأة زوجها كذلك، وهي المرثئة، وقالت امرأة من العرب: رثأت زوجي بأبيات، وهمزت، أرادت رثيْتُه[6].

 

وجاء في القاموس المحيط: "رثيت الميت رثيًا ورثاء ورثاية، بكسرهما، ومرثاة ومرثية، مخففة، ورثوته: بكيته وعددت محاسنه، كرثَيْتُه ترثية، وترثيته، نظمت فيه شعرًا وحديثًا عنه أرثي رثاية: ذكرته وحفظته، ورجل أرثى: لا برم أمرًا، ورثى له: رحمه ورق له، وامرأة رثاءة ورثاية: نوَّاحة[7].

 

ويدخل في باب الرثاء كذلك الندبُ والتأبين والعزاء، أما الندب: فهو بكاء النفس ساعة الاحتضار، وبكاء الأهل والأقارب كذلك بذكر العبارات الحسنة مع الإسراف في النحيب، وقد كان الندب المصحوب بالنواح شائعًا في الجاهلية؛ حيث كانت عادة الناس وأعرافهم وقتئذٍ تقضي بالمبالغة في إظهار الحزن والبكاء على الميت، حتى إنهم كانوا يستأجرون نساء سُمِّين بالبواكي، يقُمن في عزاء الميت بالندب، يخمشن خدودهن، ويشققن ثيابهن، ويرفعن أصواتهن بالبكاء، وبذكر ألفاظ تفيد الحزن على فراق الميت وخصاله العظيمة التي كان يشتهر بها، ولما جاء الإسلام حرَّم هذه العادة طبعًا، ووقف لها الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليهم بالمرصاد، ويذكر شوقي ضيف في كتابه الرثاء: "أما الندب: فبكاء الأهل والأقارب حين يعصف بهم الموت، فيئنُّ الشاعر ويتفجع؛ إذ يشعر بلطمة مروعة تصوب إلى قلبه، فقد أصابه القدر في ابنه أو في أبيه أو في أخيه، وهو يترنح من هول الإصابة ترنُّح الذبيح، فيبكي بالدموع الغِزار، وينظم الأشعار يبث فيها لوعة قلبه وحرقته، وقد ينظر فيرى الموت مطلًّا نُصب عينيه، وهو ينحدر راغمًا إلى حفرته، ولا ناصر له ولا معين، ويصيح ولا ينفعه صياحه، ففم الهاوية يقترب منه ويوشك أن يلتقمه، فيبكي ويلحن بكاءه على قيثارة شعره تلحينًا مشجيًا كله آلام وحسرات"[8].

 

والتأبين: وهو تعداد الخصال والأوصاف الحسنة التي اشتُهر بها الميت في حياته، والإشادة به وبأخلاقه وبمناقبه، كالمروءة والعفة والحياء، والشجاعة والبطولة والكرم، وفي عادات العرب وأعرافهم كان يجتمع أهل الميت في بيت، فيجعلون يذكرون مآثره ومناقبه، غير أن موقف الإسلام من التأبين يختلف باختلاف المقصود منه، ويدور بحسب الممارسة، فإذا كان يتم بشكل يؤدي إلى إثارة الأشجان، وتجديد اللوعة للميت، والحزن على موته وفراقه، كان غير جائز، واعتُبر ضربًا من النياحة المذمومة، أما إذا اجتمع أقرباء الميت وذكروه بما كان فيه قيد حياته من خصال وأخلاق وصفات حميدة، من دون مبالغة أو زيادة، ومن دون أن يجعلوا من اجتماعهم ذاك عادة دورية يجتمعون لها في وقت معلوم، اعتُبر جائزًا لا حرج ولا معصية فيه، وقد ذكر شوقي ضيف في كتابه "الرثاء" قائلًا: "وليس التأبين نَوَاحًا ولا نشيجًا على هذا النحو، بل هو أدنى إلى الثناء منه إلى الحزن الخالص؛ إذ يخرُّ نجم لامع من سماء المجتمع، فيشيد به الشعراء منوِّهين بمنزلته السياسية أو العلمية أو الأدبية، وكأنهم يريدون أن يصوروا خسارة الناس فيه، ومن هنا كان التأبين ضربًا من التعاطف والتعاون الاجتماعي، فالشاعر فيه لا يعبر عن حزنه هو، وإنما يعبر عن حزن الجماعة وما فقدته في هذا الفرد المهم من أفرادها؛ ولذلك يسجل فضائله ويلح في هذا التسجيل، وكأنه يريد أن يحفرها في ذاكرة التاريخ حفرًا حتى لا تنسى على مر الزمان"[9].

 

أما العزاء، فصبرٌ على كارثة الموت، التي تحل بالأهل أو الأحبة والأصحاب، ونوع من التأمل والتدبر في ظاهرة الموت والفناء، كسُنَّة كونية متعددة الأسباب، تسري وتحل بكل المخلوقات والموجودات، وإن طال عمرها وأمد حياتها.

 

وتعزيتك الرجل تسليتُك إيَّاه، والعزاء هو السلوُّ وحسن الصبر على المصائب، وخير من المصيبة العوض منها والرضا بقضاء الله والتسليم لأمره تنجُّزًا لما وعد من حسن الثواب، وجعل للصابرين من الصلاة عليهم والرحمة[10]، ويذكر كذلك شوقي ضيف في كتابه "الرثاء": "والعزاء مرتبة عقلية فوق مرتبة التأبين؛ إذ نرى الشاعر ينفذ من حادثة الموت الفردية التي هو بصددها إلى التفكير في حقيقة الحياة والموت، وقد ينتهي به هذا التفكير إلى معانٍ فلسفية عميقة، فإذا بنا نجوب معه في فلسفة الوجود والعدم والخلود، ومرد هذا كله أن الحياة ظل لا يدوم"[11].

 

بين الرثاء والمدح

وبين غرضي الرثاء والمدح علاقة إنسانية وطيدة وعميقة الجذور والأصول، مع أن ظاهر الأمر يوحي باختلاف شديد وفرق كبير بين الموضوعين، فليس بين الرثاء والمدح فرق، إلا أنه يخلط بالرثاء شيء يدل على أن المقصود به ميت، مثل "كان" أو"عدمنا به كيت وكيت"، وما يشاكل هذا من التعابير والألفاظ ليعلم أنه ميت، وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع، بيِّنَ الحسرة، مخلوطًا بالتلهف والأسف والاستعظام، إن كان الميت ملكًا أو رئيسًا كبيرًا[12]، بهذا يكون الرثاء في الأصل نوعًا من المدح، ويكون بتعظيم الممدوح وذكر مناقبه وصفاته الكريمة ومناقبه الجليلة، لكن من شرطه حتى يسمى رثاء، ويطابق مدلوله، ويتسق مع معناه أن يكون هذا الممدوح ميتًا؛ أي: قد قضى نحبه وغادر الحياة، تاركًا الأشجان والأحزان تستحوذ على ذويه وأقربائه.

 

وقد كانت حاجة الإنسان العربي منذ انبثاق نموذجه الشعري الأصيل إلى فن الرثاء ملحة وكبيرة؛ وذلك لما عرفه نظام حياته وعلاقاته الاجتماعية منذ الفترة الجاهلية من استشراء للقتل، ومن كثرة للحروب، ومن شيوع للأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع القبلي، إضافة إلى سيادة عادة الثأر والانتقام بين الناس، والتي أحالت الحياة شكلًا من أشكال الموت الدائم والدم المُراق والمنسكب، وحاصرتها داخل دائرة ضيقة من القتل والإعدام والقتل المضاد؛ ونظرًا كذلك للخصوصيات التي يتميز بها فن الرثاء عن غيره من الفنون الشعرية الأخرى؛ حيث كان يمثل موقفًا مهمًّا للاعتبار والاتعاظ، ولحظة ضرورية يعيد معها الإنسان مراجعة ذاته وأعماله وعلاقاته ونظرته للأشياء من حوله، ووقفة باكية حكمية يتذكر من خلالها قوة الموت القاهرة، وينتبه إلى جبروت آلة الزمن الكاسحة التي لا تُرحم ولا تُحابي ولا تنتظر أحدًا، لقد كان الرثاء يشكل حالة نفسية وعقلية تقف معها الذات الإنسانية مطولًا أمام هذا القانون ذي الخاصية الكونية، الذي يحكم الطبيعة والكون، ويُعَدُّ شرطًا أساسيًّا ينظم سيره منذ البداية الأولى حتى النهاية، قانون الحياة والموت.

 

ولقد كان من عادة القدماء أن يضربوا الأمثال في المراثي بالملوك الأعزة، وبالأمم السالفة، وبالوعول الممتنعة في قلل الجبال، وبالأسود الخادرة في العِياض، وبحُمُر الوحش المتصرمة بين القفار، وبالنسور والعُقبان والحيات؛ وذلك لبأسها وقوتها وطول أعمارها، وهذا في أشعارهم التي ينشئونها كثيرٌ وموجود لا يكاد يخلو منه شعر[13]، فتجدهم يذكرون: إن أعظم الملوك سلطانًا وقوة وبطشًا قد جاء يوم مسهم فيه الموت، وصاروا مجرد ذكرى في سجل التاريخ تتداولها الألسن، وإن أعتى الوحوش والأُسْدِ وغيرها من الحيوانات الضارية المُعمِّرة قد طالها الفناء وقضى عليها الموت.

 

وليس من عادة الشعراء أن يقدموا قبل الرثاء نسيبًا، كما يصنعون ذلك في المدح والهجاء، وقد قال ابن الكلبي وكان علَّامة كبيرًا: "لا أعرف مرثية في أولها نسيبٌ إلا قصيدة دريد بن الصمة:

أرثَّ جديدُ الحبل من أم معبدٍ ***بعافية قد أخلفت كلَّ موعدِ[14]

 

لقد كان الشاعر يسلك سبيلًا واضحًا ومنهجًا معروفًا في نظمه، ينطلق بالوقوف على الأطلال وسؤال الديار، وتذكر الأحبة الظاعنين، ثم الانتقال في رحلة إلى الصحراء عبر ناقة عظيمة يشبِّهها بثور أو حمار وحشي، أو غير ذلك، فيحكي بعد هذا واصفًا ما تراه عينه من أشياءَ وحيواناتٍ وموجودات، ثم ينتهي أخيرًا إلى الغرض الرئيسي، الذي من أجله يقصد القصيدة، غير أنه عندما كان يتطرق الشاعر العربي القديم لغرض الرثاء كان في الغالب الأعم يخرج على هذا النهج المعروف المتواطَأ عليه في بناء القصيدة، ويكسره؛ حيث كان يفرض عليه موقف بكاء الأحبة ورثائهم اختصارَ المسافة، وتجاوز النسيب، وذكر الأطلال والنساء وغير ذلك؛ لأن فيه ما لا يليق بمقام الحزن والألم البكاء.

 

رثاء النفس:

من الظواهر الشعرية الفريدة التي عرفها الشعر العربي في فن شعر الرثاء ما يسمى بـ"رثاء النفس"، وفيه يكون الراثي هو المرثي عينه؛ حيث كان يحصل هذا النوع من الرثاء في العادة عندما كان يشعر الشاعر بدنوِّ أجله ونهاية حياته، واقتراب سهم الموت منه، وقد حصلت هذه الحالة الشعرية مع عدد كبير من الشعراء في الجاهلية؛ نذكر منهم: طرفة بن العبد، وامرؤ القيس، وبشر بن أبي خازم، وغيرهم كثير؛ حيث تضمنت دواوينهم قصائد رثائية يرثون فيها أنفسهم، ويبكونها، ويتحسرون عليها، ويذكر ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء" أن أول من سبق إلى رثاء النفس في الجاهلية هو يزيد بن خذاق؛ إذ يورد في الكتاب قائلًا: "قال أبو عمرو بن العلاء: أول شعر قِيل في ذم الدنيا قول يزيد بن خذاق:

هل للفتى من بني الدهر من واقي
أم هل له من حِمام الموت من راقي
قد رجَّلوني وما بالشعر من شَعَثٍ
وألبسوني ثيابًا غير أخلاقِ
ورفعوني وقالوا أيما رجل
وأدرجوني كأني طيُّ مِخراقي
وأرسلوا فتية من خيرهم نسبًا
ليُسندوا في ضريح القبر أطباقي
وقسموا المال وارْفَضَّت عوائدهم
وقال قائلهم: مات ابن خذاقِ
هوِّن عليك ولا تولع بإشفاقٍ
فإنما مالنا للوارث الباقي[15]

 

ومن روائع القصائد الجاهلية أيضًا التي يرثي فيها الشاعر نفسه رثاء حزينًا يبكي من خلاله ما جرى معه ذاكرًا سبب موته ونهايته - قصيدةُ بشر بن أبي خازم التي مطلعها:

أسائلةٌ عُميرة عن أبيها *** خلال الجيش تعترف الركابا

 

وكان بشر قد أسَرَ غلامًا من بني وائلة بعدما أصابه بسهم، فلما أيقن أنه ميت أطلق الغلام، وقال له: انطلق وأخبر أهلك أنك قتلت بشر بن أبي خازم، ثم اجتمع إليه أصحابه فقالوا له: أوصِ، فقال هذه القصيدة وهو يجود بنفسه ويرثيها ويفخر بقومه، وهي من جيد شعره.

أسائلة عميرة عن أبيها
خلال الجيش تعترف الركابا
تؤمل أن أؤوبَ لها بنهبٍ
ولم تعلم بأن السهم صابا
فإن أباك قد لاقى غلامًا
من الأبناء يلتهب التهابا
وإن الوائلي أصاب قلبي
بسهمٍ لم يكن يُكسى لغابا
فَرَجِّي الخيرَ وانتظري إيابي
إذا ما القارِظُ العنزي آبا
فمن يكُ سائلًا عن بيت بشرٍ
فإن له بجنب الرده بابا
ثوى في ملحد لا بد منه
كفى بالموت نأيًا واغترابا
رهينَ بِلًى وكلُّ فتًى سيبلى
فأذري الدمع وانتحبي انتحابا
مضى قصد السبيل وكل حيٍّ
إذا يُدعى لميتته أجابا
فإن أهلك عمير فرُبَّ زحف
يشبه نقعه عدوًّا ضبابا
سموتُ له لألبسه بزحفٍ
كما لفَّت شامية سحابا
على رَبِذٍ قوائمه إذا ما
شأته الخيل ينسرب انسرابا
شديد الأسر يحمل أريحيًّا
أخا ثقة إذا الحَدَثان نابا
صبورًا عند مختلف العوالي
إذا ما الحرب أبرزتِ الكعابا
وطال تشاجر الأبطال فيها
وأبدت ناجذًا منها ونابا
فعزَّ عليَّ أن عجل المنايا
ولما ألقَ كعبًا أو كلابا
ولما ألقَ خيلًا من نميرٍ
تضِبُّ لِثاتها ترجو النهابا
ولما تلتبس خيل بخيلٍ
فيطعنوا ويضطربوا اضطرابا
فيا للناس إن قناة قومي
أبت بثقافها إلا انقلابا
هم جدعوا الأنوف فأوعبوها
وهم تركوا بني سعد يبابا[16]

 

وكان امرؤ القيس - الذي اشتُهر بلقب الملك الضِّلِّيل - قد رأى مرة قبر امرأة عند سفح جبل "عسيب" حيث مات، فقال راثيًا نفسه، معبرًا عن الوحدة والغربة التي تجتاح الميت وهو تحت التراب:

أجارتنا إن الخطوب تنوبُ
وإني مقيم ما أقام عسيبُ
أجارتنا إنا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيبُ
فإن تصلينا فالقرابة بيننا
وإن تصرمينا فالغريب غريبُ
أجارتنا ما فات ليس يؤوبُ
وما هو آتٍ في الزمان قريبُ
وليس غريبًا من تناءت ديارُهُ
ولكن من وارى التراب غريبُ[17]

 

أما طرفة بن العبد البكري الذي مات ولمَّا يجاوز سنُّه السادسة والعشرين عامًا، فقد نظم قصيدة رائعة وهو في السجن ينتظر تنفيذ حكم الإعدام عليه، الذي قرره في حقه الملك عمرو بن هند؛ حيث قال راثيًا نفسه، باكيًا حاله، طامعًا في العفو والصفح:

ألا اعتزليني اليوم خَولةُ أو غُضِّي
فقد نزلت حدباء محكمة الغضِّ
أزالت فؤادي عن مقر مكانه
وأضحى جناحي اليوم ليس بذي نهضِ
وقد كنت جَلدًا في الحياة مدرِّئًا
وقد كنت لبَّاس الرجال على البغضِ
وإني لحلوٌ للخليل وإنني
لمُرٌّ لذي الأضغان أُبدي له بغضي
وإني لأستغني فما أبطر الغنى
وأبذل ميسوري لمن يبتغي قرضي
وأعسر أحيانًا فتشتد عسرتي
وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي[18]

 

غرض الرثاء ودلالاته في القصيدة العربية القديمة

تتميز القصيدة الرثائية ببنائها الشعري الخاص؛ فهي لا تخضع في شكلها وهيكلها الفني لذات القواعد والأسس التي عرفناها في أغراض الشعر الأخرى، ويرجع ذلك تحديدًا إلى طبيعة الموقف والمقام المحيط بأجوائها، وكذلك إلى السياق العام الذي ينظم فيه الشاعر مرثيته، وهو الموقف الموسوم بالبكاء والتأسي والحزن، والمشحون بلغة الوجع والحسرة بسبب الفراق والافتقاد إثر حادث الموت المفاجئ؛ حيث لا يمكن - والحالة هذه - افتتاح القصيدة بالوقوف على الأطلال وبتذكر الأحبة الظاعنين، أو بالتغزل بالحبيبة، أو بذكر غير ذلك مما تفتتح به القصيدة العربية قديمًا ولا ينسجم وطبيعة الحدث، ولا يتواءم ومقتضى الحال، وقد اعتاد الشعراء في مقابل ذلك على نهج شكل معين، واتباع أسلوب خاص من أشكال بناء القصيدة؛ حيث سلكوا سبيلًا وهندسة محددة تراعي المقام، وتأخذ الوضعية النفسية للشاعر والمتلقي على حد سواء بعين الاعتبار؛ إذ بقراءتنا لعدد من القصائد الشعرية، وببحثنا في معظم المرثيات القديمة نلفي أن أصحابها يقدمون لها في الافتتاح بذكر الموت، ويبتدئون فيها بالحديث عن حتمية وقوعه وعن قوته القاهرة المسببة للفناء، التي تفتك بجميع المخلوقات على اختلافها وتعدد أنواعها، سواء الضعيف منها أم القوي؛ إذ الكل أمامها سواء، ومهما عمر الإنسان وطال أمد حياته، فلا بد أن يأتي يوم يجد فيه نفسه عاجزًا أمام قوة الموت؛ يقول الشاعر المخضرم كعب بن زهير في قصيدة البردة ذائعة الصيت:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يومًا على آلة حدباء محمولُ[19]

 

وبعد الاستهلال بذكر الموت - موضوع القصيدة ومحورها الذي ستدور حوله الأحداث - ينتقل الشاعر إلى مرحلة ثانية أساسية في بنائه مرثيته، من خصوصياتها أنها تكون مشحونة بلغة التفجع والصدمة، ويكثر فيها ذكر هول المصيبة، مع الإشارة إلى الأسباب التي أدت إلى موت المرثي الفقيد وزمان الحادث ومكانه، كما يقف الشاعر الراثي في هذه المرحلة وقفة قد تطول أو تقصر عند الأثر البالغ والوقع الكبير، الذي خلَّفته فاجعة رحيل المرثي المفاجئ والصادم في أهله، وفي الشاعر نفسه تحديدًا؛ حيث تغلب على معجم الألفاظ المستعملة مفردات تحمل دلالة التألم والتوجع، وتتضمن معاني الحزن والبكاء، وتنطوي على معاناة الشاعر الشديدة مع المصيبة، ويعد هذا البعد الدلالي جوهريًّا في قصائد الرثاء التي لا تقوم إلا بقيامه، ثم بعد ذلك يبلغ الشاعر إلى مرحلة مهمة في القصيدة الرثائية، فيما يسمى بالتأبين، وهو الذي يكون بتعداد خصال الميت ومناقبه، ويعمد الشاعر في هذا المقطع من القصيدة إلى التفصيل والإطناب شيئًا ما؛ حيث يستدعي من معجمه أحسن الألفاظ وأجودها على الإطلاق، ويصوغ من مخيلته أروع الصور والتشبيهات، ومن عقله يرتب أجمل المعاني والأفكار، وأخيرًا يصل إلى مقطع التأسي والتعزي وهي آخر مرحلة من بنائه الشعري الرثائي، يعمد فيها الشاعر إلى عزاء نفسه ويتوجه بالمواساة إلى أهل المرثي المكلومين.

 

لقد كانت هذه في العموم أهم مراحل بناء القصيدة الرثائية كما رصدها النقاد والباحثون، والتي درج الشعراء القدماء على احتذائها، وسلك مسلكها في بكائهم وحزنهم على فراق من أصابهم سهم الموت من أقربائهم وذويهم، لكن غرض الرثاء كان دائمًا ينطوي على دلالات ضمنية وصور وخلفيات يصدر عنها الشاعر في رؤيته للموت كحقيقة حتمية، حيَّرت العقول، وتساءل عنها الإنسان في كل الأزمنة التاريخية، وفي كل الأمكنة والبقاع.

 

أشهر شعراء الرثاء في الجاهلية والإسلام:

لقد أبدع في فن الرثاء شعراء كثيرون يشهد نقاد الشعر ورواته بإجادتهم في القول الشعري فيما بين العصرين الجاهلي والإسلامي، ويظل القاسم المشترك الوحيد بين جميع هؤلاء الذين خاضوا في هذا الغرض خوضًا، واقتحموا عوالمه وأسراره تجربتهم الخاصة والذاتية المؤلمة التي عاشوها مع فراق أقربائهم من الأهل والأحبة والأصحاب؛ حيث ذاقوا مرارة الفقد، ورأوا عن قربٍ مشهدَ اختطاف الموت لأعزاء لهم لا يعوضهم شيء في هذه الدنيا مهما غلا؛ لذلك كانت مشاعرهم وأحاسيسهم التي بثُّوها في قصائدهم الباكية والتأبينية خالصة لا تساورها شائبة، وكانت مراثيهم المفعمة بالألم والبكاء، والحسرة والناطقة بالمآسي والمعاناة - صادقةً بما لا يترك مجالًا للشك، ونابعة من أعماق القلب، ومنبثقة من صلب النفس ومن جذورها الإنسانية، وإذا كان غرض الرثاء في الإسلام يختلف عنه في الجاهلية؛ نظرًا لطبيعة التحول الشرطي والموضوعي الذي حصل في نمط الحياة ككل، وفي فلسفة الوجود، وفي فهم وتصور ظواهر الكون، فإن الشعراء ظلوا في مراثيهم ملتزمين ببكاء أحِبَّتِهم، وبذكر مناقبهم وصفاتهم العظيمة، وداعين لهم بالرحمة والطمأنينة.

 

في الجاهلية:

وقد تميز غرض الرثاء لدى الشعراء في المرحلة الجاهلية بمميزات فريدة تَمْتَحُ من روح العصر، وذلك عائد بالأساس إلى النظرة الشائعة التي كان يحملها أفراد المجتمع وقتئذٍ عن الموت، وإلى عقائدهم الخاصة في الحياة والفناء والدهر والطبيعة، والحياة ما بعد الموت، هل هي موجودة أم لا؟ حيث ساد الاعتقاد آنذاك بعقائدَ وأفكار فاسدة؛ إذ انتشر الإيمان بالفناء التام والنهائي، وبعدم وجود حياة أخرى ينبعث إليها الإنسان بعد زمن من موته، وقد نبغ في هذه المرحلة الجاهلية في غرض الرثاء عدد كبير من الشعراء، قاسمهم المشترك أنهم تعرضوا لحوادث مؤلمة وفواجعَ قاسية في حياتهم، فقدوا على إثرها أقرباء لهم وأحبة وأصحابًا أعزاء، كانت تربطهم بهم روابط إنسانية صادقة ونبيلة، وتصلهم بهم أسباب الحياة والرفقة والصحبة والمتعة، ما ترك في نفوسهم جراحًا عميقة لا تندمل، وآلامًا دفينة جعلتهم يكرسون ما بقي من حياتهم بعد ذلك في البكاء والنحيب والتحسر؛ ومن بين هؤلاء الشعراء نذكر:

 

• المهلهل بن أبي ربيعة: واسمه عدي، وقال يعقوب بن السكيت: اسمه امرؤ القيس، وهو ابن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وإنما لُقِّب مهلهلًا؛ لطيب شعره ورقته، وكان أول من غنَّى من العرب في شعره، وقيل: إنه أول من قصد القصائد وقال الغزل، فقيل: قد هلهل الشعر؛ أي: أرقه، وهو أول من كذب في شعره، وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي، وكان فيه خنت ولين، وكان كثيرَ المحادثة للنساء، فكان كليب يسميه زير النساء[20].

 

• الأعشى باهلة: وقد ذكره محمد بن سلام الجمحي في طبقة المراثي، واسمه عامر بن الحارث بن رياح بن عبدالله بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن – رثى المنتشر بن وهب بن عجلان بن سلمة بن كراثة بن هلال بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن[21].

 

• دريد بن الصمة: وهو دريد بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن بكر بن علقة بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان[22]، وقد عاش دريد بن الصمة طويلًا، أدرك الإسلام لكنه مات على شركه، ونظرًا لما تميز به من شجاعة وإقبال على ساحات المعارك والحروب، فقد عدَّه محمد بن سلام الجمحي في كتابه "طبقات فحول الشعراء" من الشعراء الفرسان.

 

وتزخر الخزانة العربية بشعراءَ آخرين أبدعوا في غرض الرثاء، وأنتجوا قصائد رائعة فيه، غير أن الذي يجعلنا نقف عند هؤلاء دون غيرهم هو اقتصار معظم أشعارهم التي نظموها على هذا الغرض؛ وكذلك نظرًا لتعرضهم لحوادث قاسية في حياتهم، ذاقوا معها من كأس موت الأقرباء وفرقتهم، فكرسوا جراء ذلك ما بقي من حياتهم في البكاء والأنين، وتذكر ذكرياتهم ومواقفهم مع المرثيين.

 

في الإسلام:

أما في ظل الإسلام ومع التغيير الكبير الذي أحدثته أفكاره ومواقفه ونظرته المغايرة للكون وللخلق وللموت والحياة التي أتى بها، فقد أضحى لشعر الرثاء معنى مختلفًا وذوقًا جديدًا، وتزيَّنت القصيدة الرثائية في هذا العصر الإسلامي بمفاهيمَ وألفاظ مستحدثة غير مألوفة، ساهمت في نحتها بالأساس المعتقدات الوافدة، ذلك أن الدين الجديد قد أعاد صياغة وتنظيم الكثير من القناعات والطروحات الزائغة، وجاء بأخرى لم تكن موجودة ولا سابق لها في التشريعات القديمة، لقد غيَّر الإسلام نظرة الإنسان إلى مفاهيم الموت والحياة، والزمن والبعث والحشر، وإذا كان اليأس من الحياة في ظل حتمية الموت هو جوهر معتقد الجاهليين، الذين لم يكونوا يؤمنون بالبعث والنشور والحساب؛ حيث انبروا من أجل تحقيق الخلود إلى البطولة في الحرب والسعيِ إلى الفناء في ساحات الوغى والقتال، وإلى المروءة والكرم، وغيرها من الأخلاق التي تخلد اسمهم، وتجعله يتردد على ألسنة الناس، فقد باتت الحياة الدنيا في ظل المعتقد الإسلامي الجديد زائلة غير ذات قيمة تُذكر، بينما الحياة الحقيقية التي خَلَقَ الله الإنسان من أجلها هي تلك التي يحياها الناس بعد موتهم، وحشرهم من جديد وحسابهم أمام العدالة الإلهية، وأخذهم الجزاء الذي يستحقونه.

 

وقد تجلَّت هذه المعتقدات الجديدة في شعر الرثاء بشكل واضح لدى شعراء العصر الإسلامي؛ حيث غَزَتِ القصيدة العربية حينئذٍ عبارات ومفاهيم وألفاظ غير مألوفة، ولم تكن تجد مكانًا لها في الشعر، وذلك من قبيل ذكر توحيد الله، والإيمان بصفاته الجليلة، وذِكْرِ الحساب والعقاب، والجنة والنار، والصلاة والثواب والرحمة، والملائكة والعرش والحشر، وغيرها كثير، وفي هذا يذكر حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى قصائده يرثي النبي الكريم:

 

ما بال عينك لا تنام كأنما
كُحلت مآقيها بكحل الأرمدِ
جزعًا على المهدي أصبح ثاويًا
يا خيرَ من وطِئ الحصى لا تبعدِ
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني
غُيِّبتُ قبلك في بقيع الغرقدِ
بأبي وأمي من شهدت وفاته
في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللتُ بعد وفاته متبلدًا
متلددًا يا ليتني لم أولدِ
أُأقيم بعدك بالمدينة بينهم
يا ليتني صُبِّحتُ سمَّ الأسودِ
أو حلَّ أمر الله فينا عاجلًا
في رَوحة من يومنا أو في غدِ
فتقوم ساعتنا فنلقى طيبًا
محضًا ضرائبه كريم المحتدِ
يا بِكرَ آمنةَ المبارك بكرها
ولدته محصنةً بسعد الأسعدِ
نورًا أضاء على البرية كلها
من يُهدى للنور المبارك يهتدي
يا ربِّ فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثني عيون الحسدِ
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال والعلا والسؤددِ
والله أسمع ما بقيت بهالكٍ
إلا بكيتُ على النبي محمدِ
يا ويح أنصار النبي ورهطِهِ
بعد المغيب في سواء الملحدِ
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحت
سودًا وجوههم كلون الإثمدِ
ولقد ولدناه وفينا قبرُهُ
وفضول نعمته به لم يجحدِ
والله أكرمنا به وهدى بِهِ
أنصاره في كل ساعة مشهدِ
صلى الإله ومن يحفُّ بعرشه
والطيبون على المبارك أحمدِ

 

إنها قصيدة رثائية عظيمة في رثاء خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، غنية بألفاظ مستقاة من روح عقيدة الإسلام، ومن عمق نظرته الجديدة للكون والحياة والموت، أومأ فيها حسان بن ثابت بصورة إيحائية إلى إيمانه في ظل الدين الجديد بالبعث والحشر بعد الموت، وذلك عندما دعا الله أن يحشره ويجمعه مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنة الفردوس:

يا رب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تثني عيون الحسدِ
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤددِ

 

وكما كان حال فن الرثاء في المرحلة الجاهلية؛ فقد اشتُهر في العصر الإسلامي كذلك بعض الشعراء بإبداعهم وبراعتهم وإجادتهم في غرض الرثاء؛ حيث خلَّفوا من ورائهم قصائد وأشعارًا رائعة خلَّدها الديوان الشعري العربي، واحتفى بها وبأصحابها أيما احتفاء، وإن كانت في هذه المرحلة قد اكتست الأشعار طابعًا مختلفًا نوعًا ما من حيث المضامين والتصوير الفني، ومن هؤلاء الشعراء الإسلاميين نذكر:

• متمم بن نويرة: وقد جعله محمد بن سلام الجمحي في كتابه "طبقات فحول الشعراء" في طبقة المراثي متبوئًا المرتبة الأولى؛ حيث يذكر: "وصيَّرنا أصحاب المراثي طبقة بعد العشر طبقات، أولهم متمم بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، رثى أخاه مالكًا"[24].

 

• الخنساء: وجاءت في المرتبة الثانية في طبقة المراثي، وهي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهتة، رثت أخويها صخرًا ومعاوية[25].

 

• كعب بن سعد الغنوي: هو كعب بن سعد بن عمرو بن عقبة - أو علقمة - بن عوف بن رفاعة، أحد بني سالم بن عبيد بن سعد بن جلان بن غنم بن غني بن أعصر، رثى أخاه أبا المغوار[26]، وقد أورده كذلك صاحب كتاب "طبقات فحول الشعراء" ضمن طبقة المراثي.



[1]الرثاء، شوقي ضيف، ص: 5.

[2] الرثاء، شوقي ضيف، ص: 12.

[3] المرشد إلى فهم أشعار العرب، الجزء الرابع، القسم الأول في الأغراض والأساليب، ص: 337.

[4] المصطلح النقدي في نقد الشعر، ص: 147.

[5] لسان العرب، المجلد الرابع عشر، ص: 309.

[6] لسان العرب، الجزء الأول، ص: 83.

[7] القاموس المحيط، مادة: رثى، ص: 1286 – 1287.

[8] الرثاء، شوقي ضيف، ص: 5.

[9] الرثاء، شوقي ضيف، ص: 6.

[10] كتاب التعازي والمراثي، ص: 9.

[11] الرثاء، شوقي ضيف، ص: 6.

[12] العمدة، الجزء الثاني، ص: 757.

[13] العمدة، الجزء الثاني، ص: 763.

[14] العمدة، الجزء الثاني، ص: 763.

[15]الشعر والشعراء لابن قتيبة، ص: 386.

[16] ديوان بشر بن أبي خازم، ص: 35، 36، 37.

[17] ديوان امرئ القيس، ص: 83.

[18] ديوان طرفة، ص: 66.

[19] ديوان كعب بن زهير، ص: 64.

[20] الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، الجزء 5، ص: 37.

[21] طبقات فحول الشعراء، الجزء الأول، ص: 203.

[22] ديوان دريد بن الصمة، ص: 9.

[23]شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ص 150 – 151 - 152

[24]طبقات فحول الشعراء الجزء الأول ص 203

[25]طبقات فحول الشعراء الجزء الأول ص 203

[26]طبقات فحول الشعراء الجزء الأول ص 204





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أعاصير تستحق الرثاء
  • الرثاء في شعر باشراحيل (1)
  • الرثاء في الشعر العربي
  • الرثاء ما بين أندلس الأمس واليوم!
  • الرثاء في الشعر العربي
  • رثاء الدكتور العشماوي والشيخ العامري للداعية عبد الله بانعمة (1974-2023م)

مختارات من الشبكة

  • براعة الوصف في شعر ابن الرومي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الشعر العربي في تشاد جسر للتواصل العربي الإفريقي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفهوم الغرض الشعري(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عجز القراءات الحداثية عن تحقيق الغرض من تفسير القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أغراض شعر ابن القم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مباحث ومشكلات في الأدب المقارن العربي (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عرفت رجالا كثيرين عبر النت بغرض الزواج(استشارة - الاستشارات)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: لا تتخذوا أصحابي غرضا بعدي(مقالة - ملفات خاصة)
  • المعنى القرآني وغرضه الإقناع والتأثير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوقف معقول المعنى مصلحي الغرض مستقبلي النظرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب