نصائح في كتابة البحوث

نصائح في كتابة البحوث

1- مراجعة البحث:

من أهم ما يأخذ به الباحث نفسه أن يُراجِعَ البحث بعد إكماله، ويقوم بإجراء إصلاحات في العبارات والفقرات والترتيب والعناوين، وسوف يكتشف الباحث بدون شكٍّ أن هناك أشياءَ كثيرةً بحاجة إلى تعديل وإصلاح عندما يبدأ بمراجعتها؛ ولكن على الباحث ألَّا يكتفي بمراجعة البحث بنفسه؛ بل يلجأ إلى أصحاب الخبرة ليحصل على مساعدتهم في ذلك، ومن أهم أصحاب الخبرة الأكاديميون والعاملون في مراكز البحوث العلمية ولجان التحكيم، وقد ذكر بعض الكُتَّاب بعض الأمور التي تُساعِد الباحث على المراجعة لعمله؛ وهي أن يسأل نفسه الأسئلة التالية[1]:

• هل تنطوي المسودة على جميع المعلومات التي تشتمل عليها؟

• هل تحتوي على أي شيء يجب ألَّا تشتمل عليه؟

• هل جميع المعلومات صحيحة؟

• هل يوجد تماسُك واتِّساق فيما تقول؟

• هل يخضع كل شيء للتنظيم المنطقي؟

• هل يتم التعبير عن كل شيء بوضوح؟

• هل قمت بعرض نقاطك بإيجاز وبساطة وبشكل مباشر؟

• بعبارة أخرى هل كل شيء مُركَّز؟

• هل يسير استخدام النحو والهجاء وعلامات الترقيم والكلمات على نحو جيد؟

• هل تمَّ تصميم جميع الإحصاءات والأشكال والجداول على نحو جيد؟

• هل تتوافق المسودة أو المخطوطة مع التعليمات؟

2- الالتزام بالمعايير الشكلية:

هناك معايير علميَّة لشكل العمل أو البحث يجب أن يلتزم بها الباحث عند إعداد البحث، وتختلف هذه المعايير باختلاف نوع البحث، وباختلاف الجهة التي يُقدَّم إليها البحث، فالأبحاث العلمية التي تُقدَّم للنشر في المجلَّات المتخصِّصة يجب أن يُراعى فيها قواعد معينة من حيث الشكل، فيجب أن تكون على طول معين مناسب للمجلَّة، وأن تبدأ بمستخلص علمي مُوجَز لكافَّة محتويات الرسالة، وأن تتضمَّن مقدمة تُبيِّن بشكل أساسي طبيعة المشكلة التي يتصدَّى لها البحث، والمنهج المتَّبَع فيه، كما يجب أن ينتهي البحث بنتائج وتوصيات هي خلاصة البحث، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك قواعدَ في الهوامش وقائمة المراجع تختلف من مجلة إلى أخرى.

ولا يختلف الأمر عن ذلك كثيرًا بالنسبة للرسائل الجامعية التي تُقدَّم في مرحلة الماجستير والدكتوراه؛ إذ لا بُدَّ من مراعاة بعض القواعد الشكلية في هذه الرسائل، منها عدد الصفحات، ووضع خطة للرسالة ومقدمة تعرض طبيعة المشكلة محل الدراسة وأهميتها، والنتائج والتوصيات...إلخ.

وعلى الباحث والمؤلِّف أن ينتبه إلى مُراعاة هذه الشروط والقواعد عند إعداد بحثه، وأن يلتزم بها حرفيًّا حتى يحظى بحثُه بالقبول.

3- التضحية:

إن التضحية عاملٌ مهمٌّ وضروري لنجاح الباحث في كتابة بحث أو كتاب يُقدِّم إضافة وفائدة جديدة لبناء العلم، فلا يحسبن الباحث أنه بمجهود قليل يستطيع أن يُقدِّم كتابًا يحظى باحترام وتقدير من القُرَّاء والمتخصِّصين؛ ولذلك لا بُدَّ أن يُدرِك الباحث أو المؤلِّف أن عليه أن يبذل الكثير من الوقت والمال لكي يستطيع أن يأتي ببَحْثٍ أو كتاب ذي فائدة للعلم، فلا بُدَّ أن يقضي الباحث أو المؤلف الأوقات الطويلة في القراءة والبحث في عشرات؛ بل مئات الكتب التي تتَّصِل ببحثه، وأن يستغني في سبيل ذلك عن كثير من المتَع والأحاديث واللِّقاءات اليومية لصالح القراءة، ولا بُدَّ أن ينفق المال في شراء أو توفير المراجع المختلفة أو البحث عنها في مظانِّها في المكتبات ومواقع الإنترنت، ولا شَكَّ بطبيعة الحال أن مثل هذا قد يُؤثِّر وينعكس سلبًا على التزاماته تجاه أسرته أو عمله؛ لكن لا خيار للباحث غير التضحية، وليعتبر بالعلماء والمؤلفين المسلمين القُدامى الذين كانوا يقطعون الفيافي والمسافات الطويلة، ويتنقَّلُون بين البلدان المختلفة من أجل طلب العلم.

وعلى الباحث أن يقرأ الكتب التي تحدَّثَتْ عن قصص العلماء وسيرة حياتهم؛ لكي يعتبر ويستفيد منها، ولعلَّ من الكُتُب الممتعة في ذلك كتاب "وفَيَات الأعيان" لابن خَلِّكَان.

وعلى الباحث أن يبتغي وجه الله تعالى، وأن يقصد رضاه، وأن يسأله أن يُعينه على إعداد البحث، وأن يضع لنفسه هدفًا عظيمًا لخدمة دينه وأُمَّته؛ لأن الإخلاص لله تعالى، والهدف الذي يحمله على عاتقه، سوف ينهضان به كلَّما عثر أو فتر، وسوف يدفعانه إلى تقديم التضحيات ومواصلة البحث حتى يخرج بالنتيجة التي سعى إليها.

إن أسباب الهزال والضعف التي تعتري العمل البحثي بوجه عام في العالم العربي راجعة إلى انعدام التضحية والإخلاص لدى الباحثين والمؤلِّفين؛ مما أدَّى إلى وجود أعمالهم خاوية من التجديد والبحث الرصين والجادِّ.

4- الاستقراء الجاد:

من عوامل النجاح في البحث أن يقوم الباحث باستقراء جادٍّ للوقائع الجزئية، وقد يتطلَّب ذلك من الباحث أن يبذل جهدًا متواصلًا قد يمتدُّ فترة طويلة، فعلى الباحث ألَّا يتوانى في إجراء مثل هذا الاستقراء؛ لأنه الوسيلة للخروج بنتيجة جديدة وتقديم بحث أصيل فيه جدة وابتكار.

5- الابتعاد عن الهوى:

إن من المزالق الكبرى التي قد يقع فيها الباحث هو الاستجابة لداعي هواه؛ فالهوى مزلَّة أقدام، وقع فيها الكثيرُ من العلماء والباحثين، وأدَّى إلى كثير من الفتن بين الناس على مرِّ التاريخ، وليس ذلك قصرًا على التاريخ القديم؛ بل أيضًا التاريخ الحديث يمتلئ بكثير من المذاهب الفلسفيَّة التي أساسها الأهواء؛ ولذلك نرى الإسلام جاء بذمِّ الهوى والتحذير من اتِّباعه، وتوعَّد بالعقوبات الشديدة على من يتَّبع هواه في الدنيا والآخرة.

في التاريخ الإسلامي أدَّى اتِّباع الأهواء إلى كثير من الضلالات والبدع، ونشأت بسببه فِرَقٌ زائغة خرجت من أحكام الدين، يقول الإمام الشاطبي: "وبهذا يظهر أن الخلاف ناشئ عن الهوى المضل، لا عن تحرِّي قصد الشارع باتِّباع الأدلة على الجملة والتفصيل، وهو الصادر عن أهل الأهواء، وإذا دخل الهوى أدَّى إلى اتِّباع المتشابه حرصًا على الغلبة والظهور بإقامة العذر في الخلاف، وأدَّى إلى الفرقة والتقاطُع والعداوة والبغضاء، لاختلاف الأهواء وعدم اتِّفاقها؛ وإنما جاء الشرع بحسم مادة الهوى بإطلاق، وإذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج إلا ما فيه اتِّباع الهوى، وذلك مخالفة للشرع، ومخالفة الشرع ليست من الشرع في شيء، فاتِّباع الهوى من حيث يظن أنه اتِّباع للشرع ضلالٌ في الشرع؛ ولذلك سميت البدع ضلالات، وجاء أن كل بدعة ضلالة؛ لأن صاحبها مخطئ من حيث توهم أنه مُصيبٌ، ودخول الأهواء في العمل خفي"[2].

6- التثقيف الذاتي:

الباحث الطموح يجب أن يحرص على القراءة الواسعة، وأن يعمل على تثقيف نفسه بعلوم مختلفة حتى لا يكون ضيِّق الأُفُق، محدود الفكر، وحتى يصقل تفكيره ويُنظِّمه على أُسس علمية، فلا يليق بالباحث والمؤلف أن يكون ضحل الثقافة ضيق الفكر؛ ولذلك فإن من المفترض على الباحث تنمية ثقافته بقراءة كتب من علوم مختلفة؛ مثل: التاريخ، والحضارة الإسلامية، وكتب الأصول والمقاصد واللغة، وكتب التنمية الذاتية والتقنية الحديثة ونحو ذلك، وعليه أن يختار من تلك الكتب ما يتميَّز بلغة قوية حتى يكتسب من المصطلحات الواردة فيها، ويُكوِّن ثروة لغوية تسعفه عند كتابة بحثه، ومن أهم الكتب التي أنصح الباحث بقراءتها؛ قسم العلوم في مقدمة ابن خلدون، وأجزاء من تاريخ الطبري، وأجزاء من كتب الأدب المشهورة؛ مثل: البيان والتبيين، أو الكامل في اللغة والأدب، وهو كتاب جزيل الفائدة، أو العقد الفريد، أو البصائر والذخائر، أو نحوها من الكتب الأدبية، والكتب التي تطرَّقَتْ إلى أثر العلم الإسلامي في الحضارة الأوروبية، ومجلَّدات من كتب التفسير، وكتب التنمية الذاتية، والكتب المتعلِّقة بتسبيب الأحكام في علم القانون، وكتب القواعد الفقهية، وكتاب "المقاصد" للإمام الشاطبي مع المقدمات التي كتبها في الجزء الأول من "الموافقات"، وكذلك كتاب "مقاصد الشريعة"؛ للإمام ابن عاشور، وأجزاء أو أبحاث من الكتب الفقهية القديمة المليئة بالاستدلالات؛ مثل: كتاب "بدائع الصنائع" للكاساني، و"الوجيز شرح العزيز" للرافعي، وكتاب "بداية المجتهد" لابن رشد، ومجلدات من فتاوى ابن تيمية خاصة في أبواب المعاملات التي تتميَّز بأسلوب علمي وتحليلي كلي رائع في تناول الموضوعات التي تتطرق إليها، وكتب المعلوماتية المختلفة مثل كتب الحاسوب والإنترنت ونحوها من الكتب التي تُساعد الباحث على أن يربط بين بحثه وبين التقنيات الحديثة والمعاصرة، وغير ذلك.