• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

التناص عربيا وغربيا

التناص عربيا وغربيا
بوطاهر بوسدر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/12/2017 ميلادي - 29/3/1439 هجري

الزيارات: 77467

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التناص عربيًّا وغربيًّا


أولاً: التناصُّ عند العرب:

التناص لغة مصدر للفعل تناصّ (تناصص بفك الإدغام)، وهو على وزن تفاعل الدال على المشاركة. وعندما نبحث في المعجم عن الكلمة نجد أنها بمعنى الازدحام، فقد جاء في تاج العروس "تَنَاصَّ القَوْمُ: ازْدَحَموا"[1]. وهذا المعنى قريب من المشاركة، وهذا يعني أن هناك توافقا بين الدلالة المعجمية والدلالة الصرفية التي يوحي بها وزن الكلمة. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة نقرأ " تناصى يتناصى، تَنَاصَ، تناصيًا، فهو مُتناصٍ تناصى القومُ: أخذ بعضُهم بنواصي بعض في الخصومة ..هبّتِ الريحُ وتناصتِ الأغصانُ: علَقت رءوس بعضها ببعض"[2]. وفي هذا دلالة الاشتباك والازدحام والتداخل، رغم أن الفعل تناصى من الناصية، ولعلها قريبة من النص لأنها ظاهرة ومرفوعة و"الفلاة تُناصي الفلاة: أي تتصل بها."[3] من المناصاة وهي قريبة من مفهوم التناص لأنه اتصال بين النصوص.

 

لقد أدرك العرب القدامى تداخل النصوص، وأخذ بعضها من بعض، سواء في الشعر أو النثر، يقول زهير ابن أبي سلمى:

ما أرانا نقول إلا معاراً *** أو معاداً من لفظنا مكرورا[4]


إذا كان الشطر الثاني من البيت يدل على أن الشعراء أصبحوا لا يأتون بالجديد في شعرهم فهو يكررون المواضيع فإن كلمة "معاراً" في الشطر الأول تحيل على مفهوم التناص، فهي تدل على أخذ الشاعر من شعر غيره. وهذا ما أحس به زهير بن أبي سلمى" فهو يشعر أنهم يبدؤون ويعيدون في ألفاظ ومعان واحدة، ويجرون على طراز واحد، طراز تداولته مئات الألسنة بالصقل والتهذيب، فكل شاعر ينقح فيه ويهذب ويصفي جهده حتى يثبت براعته"[5]. وهذا التداخل أو التفاعل النصي، أكده النقاد العرب قديماً، فأبو هلال العسكري يقول "ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم، والصب على قوالب من سبقهم"[6]. وأحمد بن أبي طاهر(ت385) يؤكد أن كلام العرب" ملتبس بعضه ببعض، وآخذ أواخره من أوائله، والمبتدع منه والمخترع قليل إذا تصفحته وامتحنته.... ومن ظن أن كلامه لا يلتبس بكلام غيره فقد كذب ظنه وفضحه امتحانه"[7].

 

ومما يدل كذلك على وعي العرب بمفهوم التناص، وحضور النصوص القديمة في النصوص الجديدة، تلك الطريقة المشهورة لتعلم نظم الشعر، والمتمثلة في قراءة أشعار العرب وحفظها ثم نسيانها، وقد ذكر ابن خلدون هذه الطريقة في مقدمته، وعلق الناقد الجزائري عبد المالك مرتاض على ذلك قائلا: "أو ليس هذا هو التناص؟ أو ليس هذا هو حوار النصوص السابقة مجسدة في النص الحاضر المكتوب، فيما يزعم الحداثيون الغربيون على الأقل؟"[8].

 

لكن العرب وإن كان لهم وعي بمفهوم التناص فهم لم يستعملوا المصطلح بل استعملوا مصطلحات أخرى "في الحقل البلاغي (كالتضمين، والتلميح، والإشارة، والاقتباس... إلخ)، وفي الميدان النقدي (كالمناقضات، والسرقات، والمعارضات... الخ). وكلها تقترب قليلاً أو كثيراً من مفهوم (التّناصّ)"[9] وسأحاول أن أضيء بعض هذه المصطلحات:

♦ الاقتباس: هو عند البعض "أن يُضَمِّنَ المتكلّم كلامه من شعر أو نثر كلاماً لغيره بلفظه أو بمعناه، ... دون أن يعزو المقتبس القول إلى قائله"[10]. وهناك من يرى أن الاقتباس هو "أن يضمن المتكلم كلامه كلمة من آية، أو آية من آيات كتاب الله خاصة."[11] ومن أمثلة الاقتباس: "قول ابن نباتة السعدي في بعض خطبه: فيا أيها الغفلة المطرقون! أما أنتم بهذا الحديث مصدقون؟ ما لكم لا تسمعون! ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾[الذاريات: 23]"[12].

 

♦ الاستشهاد: غالبا ما يكون بالقرآن والحديث، ويتميز عن الاقتباس بالتنبيه على الكلام المستشهد به. ويقول القلقشندي إنه قليل الوقوع في الكلام والدوران في الاستعمال، ويعرفه بأن "يُضمَّن الكلام شيئا من القرآن الكريم، ويُنبَّه عليه مثل قول الحريري في مقاماته: فقلت وأنت أصدق القائلين ﴿ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ﴾"[13].

 

♦ التضمين: "هو أن يضمّن المتكلّم كلامه كلمة من آية أو حديث أو مثل سائر أو بيت شعر"[14] وهناك من يرى أن التضمين هو "أن يضمّن الشاعر شعره بيتا من شعر الغير، مع التصريح بذلك إن لم يكن البيت المقتبس معروفا للبلغاء»[15] ومثاله "قول عنترة العبسي:

إذ يتقون بي الأسنةَ لم أخمْ *** عنها ولكني تضايقَ مقدمي

 

ضمنه مسلم بن الوليد، فقال:

ولقد سما للخرميّ، فلم يقلْ  *** يومَ الوغى: إني تضايقَ مقدمي"[16]

 

إلا أن مسلما لم يصرح لشهرة عنترة وشهرة معلقته.

 

♦ التلميح: هو كالتضمين ومعناه " أن يشار إلى قصة أو شعر من غير ذكره، كقول أبى تمام:

فو الله ما أدرى أأحلام نائم *** ألمّت بنا أم كان في الرّكب يوشع؟

 

أشار إلى قصة يوشع - عليه السّلام - واستيقافه الشمس"[17] حيث طلب من الله أن يوقف الشمس في القصة المعروفة "ومن التلميح ضرب يشبه اللُّغْز، كما روي أن تميميا قال لشريك النميري: "ما في الجوارح أحب إلي من البازي" فقال: "إذا كان يصيد القطا". أشار التميمي إلى قول جرير:

أنا البازي المطل على نمير *** أتيح من السماء لها انصبابا

 

وأشار شريك إلى قول الطرماح:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا *** ولو سلكت طرق المكارم ضلت"[18].

 

- التوارد: وهو أن يتفق الشاعران في شعرهما دون أي يسمعا بعضهما، والتوارد كثير في أشعار العرب: قال امرؤ القيس:

وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيهم *** يقولون: لا تهلك أسىً وتجمل

 

وقال طرفة بن العبد:

وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيهم *** يقولون: لا تهلكْ أسىً وتجلدِ"[19]

 

ودون أن نخوض في بقية المصطلحات القريبة من مفهوم التناص، يمكن التأكيد على أن العرب قديما عرفوا المفهوم، وأدركوا ما للنصوص من علاقات، ومدى تأثيرها في بعضها.

 

أما عند العرب في العصر الحديث، فالدارسون لم يتفقوا من حيث المصطلح حيث نجد كثرة الترجمات منها: التناص، التناصية، التداخل النصي، النصوصية، تداخل النصوصية، النص الغائب، العبر نصية. إلا أن مصطلح التناص كان الأكثر استعمالا.

 

يعتبر الناقد المغربي محمد بنيس أول من حاول الاستفادة من فكرة التناص الغربية وتطبيقاتها، وقد تناول المفهوم بمصطلح التناص، ثم التداخل النصي، ثم هجرة النصوص، في كتابه "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة بنيوية تكوينية". وهو يرى أن التناص يقوم على ثلاث آليات، هي الاجترار والامتصاص والحوار[20].

 

وقد استعمل محمد مفتاح مصطلح التناص، ثم حوار النص، ثم استعمل مصطلح التخاطب الذي يعرفه بأنه " وجود علاقي خارجي بين أنواع من الخطاب، وداخلي بين مستويات اللغة"[21]، ويقسم مفتاح التناص إلى داخلي وخارجي، فالأول يكون بين أعمال الكاتب والثاني يكون بين أعماله وأعمال غيره[22].

 

أما الناقد سعيد يقطين فقد استعمل مصطلح التفاعل النصي، فهو يقول: "إننا نستعمل التفاعل النصي مرادفا لما شاع تحت مفهوم التناص أو المتعاليات النصية كما استعملها جنيت بالأخص"[23] ويرى أن التفاعل النصي له ثلاث أنواع: (Intertextualité) التناص،(Métatextualité) الميتانصية، (Paratextualité) المناصة. ويرى أن للتفاعل النصي ثلاثة أشكال: ذاتي يكون بين نصوص الكاتب، وداخلي يكون بين نصوص الكاتب ونصوص معاصريه، وخارجي يكون بين نصوص الكاتب ونصوص سابقيه[24].

 

وقد ناقش صلاح فضل مفهوم التناص في عدد من كتبه منها "شفرات النص"، وهو يرى أن التناص ليس مجرد نصوص سابقة أو متزامنة، بل هو إنتاج جديد فهو "عمل تحويل وتمثيل عدة نصوص يقوم به نص مركزي يحتفظ بزيادة في المعنى"[25]. ويعرف الناقد الجزائري عبد المالك مرتاض التناص بقوله إنه " حدوث علاقة تفاعلية بين نص سابق ونص حاضر لإنتاج نص لاحق"[26] وهذا يعني أن التناص تبادل للتأثير بين عدة نصوص.

 

وخلاصة القول إن العرب عرفوا قديما أشكالا عديدة من التناص وتدارسوها نقديا، ولكن المصطلح غريب عنهم. أما العرب في العصر الحديث فقد عرفوا المصطلح عن طريق الترجمة، وكان للمغاربة السبق في تناول المفهوم ودراسته كما نجد عند محمد بنيس، ومحمد مفتاح، وسعيد يقطين، وثلة أخرى من النقاد المغاربة. كما اهتم به بعض المشارقة كصلاح فضل وصبري حافظ وسامية محرز.

 

ثانيا: التناص عند الغربيين

إن كلمة التناص Intertextualité في اللغات الأروبية كالفرنسية مثلا، تتكون من جزأين، الجزء الأول هو السابقة inter والتي تدل على التبادل، والجزء الثاني هو textaulité الدال على النصية أو النص، مما يعني أن المصطلح يدل على التبادل النصي أو تبادل النصوص.

 

أما في الاصطلاح، فتعود الإرهاصات الأولى لمفهوم التناص في الغرب للدراسات المقارنة في الأدب، والتي تناولت علاقة التأثير والتأثر بين النصوص في الثقافات المختلفة. وقد كانت بعض إشارات النقاد تدل على بداية الوعي بالمفهوم كقول شكلوفسكي Chklovski مشيرا إلى الظاهرة:"كلما سلطت الضوء على حقبة ما، ازددت اقتناعاً بأن الصور التي نعتبرها من ابتكار شاعر إنما استعارها من شعراء آخرين"[27]. وكان بعض الشكلانيين غير شكلوفسكي كجاكوبسون Jakobson، وإيخانباوم Eikhenbaum، قد" أشاروا إلى ما يمكن أن يكون من تفاعل بين النصوص. إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون استدراكا لم يولوه الأهمية التي يستحقها."[28].

 

لقد دخل المفهوم إلى النقد مع ميخائيل باختين الذي أطلق عليه مصطلح" الحوارية" أو تعددية الأصوات، وقد طورت كريستيفا المصطلح إلى التناص سنة 1969. وبدأ الاهتمام بالتناص كآلية وأداة للمقاربة والتحليل يتزايد، ففي سنة 1976 أصدرت مجلة البويطيقيا عددا خاصا عن التناص، وأقيمت ندوة عالمية عنه بإشراف ريفاتير في جامعة كولمبيا بالولايات المتحدة، وتبنت مصطلح التناص بعد ذلك أغلب الاتجاهات النقدية.

 

أما فيما يخص تعريف التناص فهو تلك العلاقات التي تربط نصا بنصوص أخرى، سواء ربطا مباشرا أو ضمنيا، بوعي أو بغير وعي. ويرى ليتش Leitch أن "النصّ ليس ذاتاً مستقلة، أو مادة موحدة، ولكنه سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى… إن شجرة نسب النصّ شبكة غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً أو لا شعورياً"[29].

 

ونجد اللساني ميشال أريفي يتبنى مفهوم التناص، ويعرفه بأنه تداخل النصوص في نص معطى "وفي نقده (التناصّي) يرى آريفي أنه يمكن لنصّ ما أن يحمل في مضمونه نصّاً آخر، ويثبت أن أعمال (جاري) الثلاثة: (القيصر والدجال)، و(آبو ملكا)، و( آبو مقيّداً) تشكل تناصّاً واحداً"[30].

 

أما الناقد الشهير رولان بارت فيؤكد أن" كل نص تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو أخرى، إذ نتعرف نصوص الثقافة السالفة والحالية، فكل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة"[31]، ونسيج من "الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة"[32]. ويرى بارت أن "التناصّية هي قدر كل نصّ، مهما كان جنسه. ولا تقتصر على التأثر فحسب."[33] وقد عبر عن تناصية كل نص بقوله إن"النص هو جيولوجيا كتابات"[34]، فهو إنتاج متراكم من النصوص يشارك فيه الكاتب و القارئ ويشكل شبكة متفرعة من التناصات.

 

وتناول امبرتو ايكو التناص من وجهة نظر تركز على القارئ ففي كتابه "دور القارئ" وضح أن "القارئ يتحمل العبء الأكبر في فك رموز النص، واستحضار تناصاته الغائبة، أو استنباط شيفرات تناصاته الحاضرة، ليصبح النص خليطا من نصوص، وتناصات كثيرة"[35]. وهذا ما سماه إمبيرتو إيكو بالمشي الاستنباطي، أو المشي خارج النص. وفي نفس الاتجاه نجد مقاربة ريفاتير للتناص حيث جعله آلية خاصة للقراءة الأدبية، وعرفه بأنه " إدراك القارئ للعلاقة بين نص ونصوص أخرى قد تسبقه أو تعاصره"[36].

 

وعموما لقد ساهم عدد كبير من الباحثين والنقاد في نشر مفهوم التناص لكن الفضل يعود لثلاثة باحثين في نشأة وتطوير المفهوم وهم باختين وكريستيفا وجيرار جينيت:

1- درس باختين أعمال دوستويفسكي Dostoïvski [37] وفرانسوا رابلي François Rabelais، وتوصل إلى وجود أصداء، وأصوات لنصوص أخرى من التاريخ، والفلكور، والأدب الشعبي وهذا ما سماه الحوارية Dialogisme بين النصوص. وقد حاول باختين أن يضع يده على تلك الأصوات الأولى التي ساهمت في تكوين الرواية من خلاله مؤلفاته ككتاب "شعرية دوستويفسكي" 1963 و كتاب " فرانسوا رابلي والثقافة الشعبية" 1965. والحوارية عند باختين لها في الرواية ثلاثة مظاهر، أهمها التهجين (L' hybridation) وهو" مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضًا التقاء وعيين لسانيين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ"[38]، ويمكن التمثيل للتهجين كما يراه باختين بتداخل اللغة العربية والعامية في الإبداع الأدبي أو اللغة الفصحى الفصيحة والأقل فصاحة .

 

وإلى جانب مصطلح الحوارية وضع باختين مصطلح تعددية الأصوات Polyphonie حيث وجد أن روايات دستويفسكي تتميز بهذه التعددية فهو يقول:" إن كثرة الأصوات وأنواع الوعي المستقلة وغير الممتزجة ببعضها وتعددية الأصوات polyphone... كل ذلك يعتبر بحق الخاصية الأساسية في روايات دوستويفسكي Dostoïevski"[39].

 

ورغم أن مصطلحات باختين لم تشرح ولم تفسر كما يجب، ولم تدعم بالأمثلة الكافية، إلا أن تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov وضح آراءه حول الحوارية في كتاب "ميخائل باختين، المبدأ الحواري". وقد ساهمت آراء باختين في فتح الطريق لظهور مصطلح التناص مع جوليا كريستيفا.

 

2- جوليا كريستيفيا: تعد جوليا من أهم النقاد خدمة للنص والتناص وعلم النص بصفة عامة، وقد ظهر مصطلح التّناصّ Intertextualité للمرة الأولى على يدها عام 1966 في مجلة (تل كل) TEL QUEL الفرنسية، مستفيدة من مفهومي الحوارية، وتعددية الأصوات اللذين جاء بهما باختين، وطورتهما منفتحة على منطلقات فكرية متعددة. وهي ترى أن "كل نصّ هو عبارة عن فسيفساء من الاقتباسات، وكل نصّ هو تشرّب وتحويل لنصوص أخرى"[40].

 

لقد تحدثت جوليا كريستيفا عن التناص في كتاب "نظرية الجماعة"[41]، ثم تطرقت للمفهوم في كتاب "سيميوطيقا: أبحاث من أجل تحليل دلائلي" الذي نشر 1969، وهو سلسلة من المقالات كتبتها بين سنتي 1966-1969. وقد طبقت نظريتها حول التناص من خلال كتابها نص الرواية Le texte du roman حيث درست وفق تصوراتها ومفاهيمها النصية و التناصية رواية (جيهان دوسانتري Jéhan de Saintré) للكاتب الفرنسي أنطوان دولا سال Antoine De la Sale. وقد وجدت في دراستها لهذه الرواية عدة أشكال للتناص[42] يمكن جمعها في شكلين:

• تناص شكلي: يتجلى في حضور شكل الرواية وتصميم الرواية بحسب الأبواب والفصول.

 

• تناص مضموني: يتجلى في حضور نصوص من بيئات مختلفة، وأنواع متعددة كالشعر الغزلي، و النص الشفوي للمدينة، و خطاب الكرنفال.

 

وأصبح التناص بعد كريستيفا مفهوما حاضرا في كثير من الاتجاهات والتيارات النقدية المعاصرة وفي كثير من المجالات و الفروع المعرفية.

 

3- جيرار جينيت: بدأ الناقد الفرنسي جيرار جينيت يبحث في الشعرية، وموضوعها، فأكد في كتابه مدخل إلى النص الجامع سنة 1979 إلى أن موضوع الشعرية هو النص الجامع أو جامع النص. يقول جيرار جنيت في هذا الصدد:" ليس النص هو موضوع الشعرية، بل جامع النص أي مجموع الخصائص العامة أو المتعالية التي ينتمي إليها كل نص على حدة. ونذكر من هذا الأنواع: أصناف الخطابات وصيغ التعبير والأجناس الأدبية"[43]. لكن جينيت ما لبث أن عدّل من رأيه هذا في كتابه أطراس 1983، حيث أصبح موضوع الشعرية هو النصية المتعالية أو المتعاليات النصية يقول بهذا الصدد:" لا يهمني النص حاليا إلا من حيث تعاليه النصي، أي أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص، وهذا ما أطلق عليه التعالي النصي وأضمنه التداخل النصي (التناص)"[44]، ثم يقول متحدثا عن التناص "وأقصد بالتداخل النصي (التناص) التواجد اللغوي سواء أكان نسبيا، أم كاملا، أم ناقصا لنص في نص آخر، ويعتبر الاستشهاد أي الإيراد الواضح لنص مقدم ومحدد في آن واحد بين هلالين مزدوجين أوضح مثال على هذا النوع من الوظائف"[45]. وهكذا يظهر أن جينت ضيّق مفهوم التناص وحصره في ثلاث صور هي الاستشهاد (Citation) و السرقة (Plagiat)، والتلميح.(Allusion) إلا أنه في الوقت نفسه توسع من خلاله وأدخل أشكالا أخرى من التعالق أو التداخل النصي اصطلح عليها المتعاليات النصية، وتمكن من خلالها من "تطوير نظرية التناص و توسيع أنماطها بتمييز بعضها عن بعض، وإبراز نقط تقاطعها وتداخلها"[46].



[1] الزبيدي، تاج العروس، ج 18، ص 182.

[2] أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مج3، ص 2224.

[3] نشوان بن سعيد الحميرى، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، تح جماعي: حسين العمري - مطهر الإرياني - يوسف عبد الله، دار الفكر المعاصر (بيروت - لبنان)، دار الفكر (دمشق - سورية) ط1، - 1999 م، ج10، ص 6627.

[4] ينسب هذا البيت كذلك إلى كعب بن زهير .

[5] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي، دار المعارف، دط، دت، 226.

[6] أبو هلال العسكري، الصناعتين، تح:علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - بيروت، 1419 هـ، ص217.

[7] أبو علي الحاتمي، حلية المحاضرة، 28/2، عن عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، ص16.

[8] عبد الملك مرتاض، الموقف الأدبي،ع 330، ص17.عن محمد حسين، التناص في رأي ابن خلدون، فكر ونقد، ع32، أكتوبر 2000.

[9] محمد عزام، النص الغائب، ص 41.

[10] عبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني، البلاغة العربية، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1996، ج2، ص 537.

[11] ابن حجة الحموي، تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي الأزراري (المتوفى: 837هـ)، خزانة الأدب وغاية الأرب، تح: عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال-بيروت، دار البحار-بيروت، الطبعة الأخيرة 2004م، ج2، ص455.

[12] أحمد بن علي القلقشندي (ت: 821هـ)، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، دار الكتب العلمية، بيروت، دط، دت، ج1، ص 237.

[13] المرجع نفسه، ج1، ص234.

[14] شهاب الدين النويري (المتوفى: 733هـ)، نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1423 هـ، ج 7، ص 126.

[15] مجدي وهبة و كامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، ط2، 1984، ص 108.

[16] أسامة بن منقذ (المتوفى: 584هـ)، البديع في نقد الشعر، تحقيق: الدكتور أحمد أحمد بدوي، الدكتور حامد عبد المجيد، مراجعة: الأستاذ إبراهيم مصطفى، الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - ص249.

[17] بهاء الدين السبكي (المتوفى: 773 هـ)، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تح: الدكتور عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003 م، ج2، ص 338.

[18] عبد المتعال الصعيدي، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، مكتبة الآداب، الطبعة: السابعة عشر: 1426هـ-2005م، ج4، ص 702.

[19] أسامة بن منقذ، البديع في نقد الشعر، ص217.

[20] ينظر: محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة بنيوية تكوينية، دار العودة، لبنان، ط1، 1979، ص253.

[21] محمد مفتاح، التشابه والاختلاف نحو منهجية شمولية، ص44.

[22] محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ص 125.

[23] سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي: النص والسياق، ص92.

[24] المرجع نفسه، ص 100.

[25] أحمد الزعبي، التناص نظريا وتطبيقيا، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع، ط2، 2000، ص17.

[26] نقلا عن عبد الستار جبر الاسدي، ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية، مجلة فكر ونقد، ع28، أبريل، 2000.

[27] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 38.

[28] المختار حسني، ترجمة الفصل1 من كتاب جيرار جينيت: أطراس: الأدب من الدرجة الثانية، فكر ونقد، ع 16، فبراير 1999.

[29] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 29.

[30] نقلا عن المرجع نفسه، ص35.

[31] نقلا عن: محمد خير البقاعي، آفاق التناصية المفهوم و المنظور، ص 42.

[32] رولان بارت، لذة النص، تر، فؤاد صفا، الحسين سحبان، دار توبقال للنشر، ط2، 2001، ص33.

[33] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 32.

[34] نقلا عن: أحمد الزعبي، التناص نظريا وتطبيقيا، ص 13.

[35] نقلا عن المرجع نفسه، ص 16.

[36] نقلا عن: عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، ص 20.

[37] أديب روسي شهير كان له دور مهم في الحركة الثقافية والفكرية الروسية من أعماله الجريمة والعقاب وبيت الموتى.

[38] باختين ميخائيل: المتكلم في الرواية، تر: محمد برادة، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1985، مج 5، ع 30، ص 114، نقلا عن نعيمة فرطاس، نظرية التناصية والنقد الجديد (جوليا كريستيفا أنموذجاً)، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 434، يونيو، 2007.

[39] باختين ميخائيل، شعرية دستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، ط1، 1986، ص 10.

[40] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص30.

[41] المقصودة بالجماعة جماعة تل كل. والكتاب مشترك شارك فيه فوكو وبارت ودريدا سولرز وجوليا ونشر 1968.

[42] ب.م.دوبيازي Pierre Marc de Biazi: "نظرية التناص"، تر: المختار حسني، فكر ونقد .العدد 28، أبريل 2000.

[43] جيرار جينيت، مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمان أيوب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، دت، ص1.

[44] المرجع نفسه، ص 90.

[45] المرجع نفسه، ص ن.

[46] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1992، ص23.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدخل لعلم الببليوغرافيا
  • تاريخ الكتابة والتأليف عند العرب

مختارات من الشبكة

  • المتعاليات النصية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التناص في قصيدة اعتراف للشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التناص من دواعي البيان (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التناص: مفهومه وخطر تطبيقه على القرآن الكريم (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التناص من دواعي البيان!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التناص بديلا عن السرقات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في التناص(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • التناص في شعر الجواهري(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشاكل والتناص في نماذج من شعر أبي العباس الجراوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصة نوح عليه السلام في القرآن دلالة على النبوة.. حوار كارلوس سيغوفيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب