• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

مجنون سعدى

مجنون سعدى
سمير بن الضو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/5/2017 ميلادي - 27/8/1438 هجري

الزيارات: 4417

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مجنون سعدى

 

ذاتَ مساءٍ من مساءاتِ شهرِ مارس، أَذِنَ الله للسماءِ أن تُسقِط كلَّ ما كانت تذخره من أمطارٍ في الأيام الخوالي، على بلدٍ تحفُّه الجبال من كل جانب، وتحرسه أشجار الصنوبر الباسقة الذُّرا من كل ريح صرصرٍ عاتية، فتساقطتِ الأمطار على هذا البلد الأمينِ حتى كأنها تهطلُ من أفواه القِرَب، فتبللتِ الشوارع ومُلئتِ الأنهارُ والأودية، وعمَّ الخيرُ أرجاءَ البلد كلها.

 

وكان عليٌّ خارج البيت، ولم تكن معه مَطَرِيَّةٌ تَقِيهِ من ضربات المطر، وتحميه من لسعات الصقيع، فاجتمعا عليه كما تجتمع زمرة مِن الأسود على غزالٍ أهيف انعزل عن سِرْبه ليُواجه شراسَةَ العيش في الغابة وحده، فافترساه كما شاء لهما الهوى، حتى إذا رمق صاحبُنا عليٌّ بطرف عينيه مَخبأً بجانب أحد البيوت، عجَّل إليه لعلَّه يكون أكثر رأفة وحنانًا من الأمطار المتساقطة على رأسه العاري.

 

فلبث عليٌّ في مخبئه قليلًا حتى أمسكتِ السماء عن القطر، فنفض ثيابَه مِن البلل، وحكَّ إحدى يَديه بالأخرى حتى سُمِعت لهما خَشْخَشَةٌ مثل خَشْخَشَةِ أوراق الشجر حينما تُململها نسمات الريح في فصل الخريف، ونظر إلى ثيابه فألفاها كأنها لوحةٌ زيتيةٌ لرسَّامٍ مجنون لكثرةِ ما تحملُ أسماله البالية من البُقَعِ المُرَقَّعة الكثيرة الألوان، ولم ينصرف عن تأمله في أسماله إلَّا حين أحسَّ بالبرد يلسعه مِثل لسعة النحلة الطنَّانة، حينها أخَذَتِ الدُّموعُ تسيلُ مِغزارًا ومدرارًا على خَدِّ عليٍّ كما سالت قبل قليل دموع السماء على خدِّ الأرض، إلَّا أن دموعَ عليٍّ كانت أكثر غزارة وسيلانًا، وكانت مصحوبة بالكثيرِ من الألم والتوجُّع والحسرة.

 

وبعد برهةٍ من موسيقا الدموع، وهُنَيهةٍ من نغماتِ البكاء، مالتِ الذكرى بِعليٍّ إلى ماضٍ بعيد؛ حيث كان وأهله يَحيون حياةَ الرغد، ويعيشون عيشةَ التَّرف؛ فقد كان أبو عليٍّ شيخًا مُطاعًا في قومه، له مِن الأملاك والبساتين والريَّاض ما يُتعِب مَن يُريد أن يُعدِّدَها أو يُحصِيَها، وله كلمةٌ نافذة كأنها السهم أطلقه الكُسَعِيُّ من قوسِهِ المُتقنة الصنع، فلا يُخطئ سَهمٌ درج من وَسطها، وكذلك كانت كلمته في قومه، لا تُردُّ ولا تُعصى، وكان عليٌّ مِن بين هذا كلِّه شابًّا وسيمًا مليحَ الوجه، أبيضَ اللون يُشبه الرجل الإنجليزيَّ حين يرتدي بذلة أنيقة، لكن عليًّا كان أبهى وأحلى في عباءته العربية القانية اللون، له حظٌّ من الذَّكاء وعليه من المهابة ما يجعلُك تتهَيَّبُ أن تبدأه بالكلام، وفوق هذا كان حليمًا رؤوفًا بمن معه، كثير الرَّماد، طويل النِّجاد، وكثيرًا ما كان يخرج إلى البيداء ليقنص الغزلان والوعول، وكان يُحبُّ العلمَ والعلماء، ويحضر إلى مجالسهم، ويجلس في حلقاتهم، ولم يَكُ في عليٍّ ما قد يَعيبه به العائب؛ فقد كان أصفى مِن الصفاء وأطهر من الطهر، ولو لم يَخْتَص الله نفسه بالكمال وحده جلَّ جلاله، لكان عليٌّ كاملًا ليستْ فيه شائنة، ولكن كما قيل:

• لكلِّ جوادٍ كبوة، وكذلك كان عليٌّ ذا كبوة.

كان يَحمل بين جوانحه كبوةَ العشق والداء المخامر، فقد شُغِفَ بابنة عمِّهِ سُعْدَى، وهي الأخرى كذلك شُغفتْ به حبًّا، وعشِقته ملءَ الأرض عِشقَا، وسُعْدَى كانت من أجمل فتيات البلد، لا يستطيع هذا اليراع المُسْوَدُّ الجبين أن يصف كلَّ ذلك الحُسن المُتَشَعْشِعِ البرَّاق، وأنَّى له أن يصف كلَّ ذلك؟!

 

ولم تكن دقَّاتُ قلبِ عليٍّ تَدُقُّ من أجل أن يحيا حياة الدنيا، إنَّما كانت تَدُقُّ من أجل أن يحيا حياةً أخرى في عالم غريب عن عالَمنا، هي حياةُ الغرامِ والهُيام، وحياة العشقِ والجوى.

هذي الحياة التي كانت تستمِدُّ بريقَها من عينَيْ سُعْدَى، والتي كانت تستمِدُّ جمالها مِن جمال مُحيَّا سُعْدَى فأحبَّها عليٌّ حبًّا لم تعرفِ الإنسانيةُ حبًّا مثلَه، وكيف لا يحبُّها كلَّ هذا الحب، وهو كلَّما رفع عينيه إلى السماء تذكَّر ثَغْرَ سُعْدَى، وكلَّما نظر إلى النجوم في الليالي الدياجي تَذكَّر بسمةَ سُعْدَى، وكلما غرَّد بلبلٌ على فننٍ مِن أفانين أشجار الصنوبر الباسقة الذرى تذكَّر غناء سُعْدَى حين كانت تغنِّي له شعرَ العبَّاسِ بن الأحنف.

 

لذلك كان عليٌّ لا يبرح منزلَ عمِّه، من أجل استراق النَّظر إلى حبيبة قلبه وتَوْءم روحه، ولا يزالُ على هذه الحال، حتى ضجر منه العمُّ ومِن مجيئه في كل يوم بدون سبَب، فصار كلما رآه يسأله عن سبَب مجيئه ويُغلظ عليه في القول، ولكنَّ عليًّا يستطيع حملَ جبال الأرض كلها على عاتقه مِن أجل نظرة واحدة لحبيبته سُعْدَى، فكيف بقولٍ يخرج مِن فَم عمه تذروه نسمات الريح ذَروًا، وتطحنه مطاحن الحبِّ طحنًا، فلا يجد هذا القول مهما كان غليظًا إلى مَسمعَي عليٍّ سبيلًا.

 

وبالرغم من هذا فقد احترَز عليٌّ وصار كلَّما ورَد بيتَ سُعْدَى اخترع علَّةً يعتلُّ بها في مجيئه، وابتدع سببًا يُمكِّنه مِن غشيان بيت عمه، فصار عليٌّ كأنه يتمثَّل بقول الشاعر حين قال:

كم جئتُ سُعدى بأسبابٍ ملفَّقة ♦♦♦ ما كان أكثر أسبابي وعِلَّاتي

 

كانت هذه هي حالَه مع ابنةِ عمِّه سُعْدَى، حتى خيَّم عليه ذلك اليومُ المشؤوم، أشأم يومٍ مرَّ عليه في حياته كلها، يوم كان والي البلد يطوف على رعيَّته مع ابنه البكر ينثران العطايا والدنانير، ويسألان عن حال الرعيَّة، فكان موكبهما كموكب ملكٍ مُظفر رجع مِن معركته يحمل رؤوسَ أعدائه على رؤوس الرماح.

 

فكانت النِّساء والأطفال يُطِلُّونَ مِن سطوح المنازل ويزغردون، والرجال والشيوخ يهتفون بالوالي أنْ: عاش لنا الوالي ودامت لنا أيامه، حتى إذا رمق ابنُه البكرُ سُعْدَى تطلُّ من طاقة إحدى البيوت أحبَّها وأغرم بها منذ الوهلة الأولى، فكان منه أن أشار إلى أبيه أَنِ انظر يا أبي إلى تلك الفتاة، تلك التي كأنها مِن حسنها من حور الجنَّة، ولما انتهى طواف الوالي على رعيته وعاد الموكب إلى قصر الولاية، كلَّم الولدُ والدَهُ:

• ما رأيك يا أبتِ في تلك الفتاة، فقد أُغرمتُ بها وأحببتُها، وإني لأظنها من رهطٍ شرفاء.

• إن كنتَ أحببتها وتريدها لنفسك فلك ما شئتَ، ولكن ألا نسألُ عنها وعن أهلها أولًا؟

• بلى، افعل يا أبي، فطلب الوالي حاجبَ بابه، فلمَّا حضر وصَف له الدار التي كانت الفتاة تطلُّ منها على الموكب وسأله أن يأتيه بخبرها.

 

قال الحاجب:

• حبًّا وكرامة، سآتيك به قبل أن يَنفضَّ مجلسك هذا.

 

فراح الحاجب إلى مكتبه ونادى غُلامه:

• يا غلامُ، أخبرني عن كيتِ وكيت؛ وقصَّ عليه الخبر.

 

فقال له الغلام:

• إنها دار شريفٍ من ملأِ القوم، وإني أحسبك تعني ابنته سُعْدَى، هي والله من أجمل فتيات البلد، بل من أحاسنهنَّ خَلْقًا وخُلقًا، وما رأى الناس عليها هفوة من قبل؟

 

فانصرف الغلامُ، وسار الحاجبُ إلى مجلس الوالي، فسلَّمَ وقال:

• أبشِر أيها الوالي، فقد جئتُك بما تقرُّ به عينك، ويُسعد ولدَكم المُفدَّى، إنها بنت شريفٍ من أغنياء البلد، وعِترتهم تُدانيكم في الحسب والشرف.

فغمرَتِ الولدَ سعادةٌ افترَّت منها أسنانه البيضاء، فما كان من الوالي حين رأى سعادةَ ابنه البكر إلَّا أنْ أصدر أمرَه للحاجبِ أن يحمل مِن الأثوابِ أجملَها، ومن العطايا أثمنها، ويذهب بها إلى بيت سُعْدَى.

 

فحُملتِ العطايا والأثواب إلى دار سُعْدَى، فسُرَّ مَن رأى عطايا الوالي سُرورًا جمًّا، وزاد السرور حين أخبرهم الحاجبُ برغبةِ الوالي في مصاهرتهم، فاستحالتِ الدارُ على أهل سُعْدَى جنَّةً دانيةً ثمارُها مِن وقع خبر المصاهرة، واستحالت على سُعْدَى كأنها قبرٌ أو حفرة مظلمة كالحة، لا قرار لها، وأظلمت في عينها الدنيا، فصارت زرقة السماء لهيبًا يَسَّاقطُ على رأسها، ولكن ماذا تفعل؟ وهي التي لا حول لها ولا قوَّة، ضعيفة الجناح كسيرته، وابن عمِّها هل ستتركه هكذا وتروح إلى قصر الولاية؟ وأين الحبُّ؟ وأين كل تلك الأشياء التي كانت بينهما؟ وأين تلك الوعود التي تواعدا بها؟

 

قالت:

• لا ومائة ألف لا، والله لأثورنَّ عليهم، لستُ أنا التي تَستسلِمُ للعجزِ والضعفِ يفعلان فيَّ الأفاعِيل، فأرسلت إلى عليٍّ مَن يخبره بالأمر، وحين علِمَ عليٌّ بالخبرِ لم يشحب لون وجهه، وما جنَّ جنونه، ولم يصرخ ولم يكسر كلَّ ما حوله، بل بدت عليه سمات التؤدَة والأناة، وانتظر حتى خيَّم الليل بجلابيبه السوداء، فامتطى فرسه النعامة، واتَّجه صوبَ دار سُعْدَى، فإذا دنت الفرس مِن الدار بدأت تصهل صهيلها المعهود، فأطلَّت سُعْدَى من طاقتها التي تفزع إليها كلَّما جاء عليٌّ ليراها، فلمَّا أبصرها قال لها:

• هل صحيحٌ ما نُمِيَ إليَّ؟

 

قالت:

• هو كذلك يا عَليُّ، فما العمل؟

 

قال:

• العمل أن ترفضي هذا الزواج طبعًا.

 

قالت:

• الأمرُ أكبر مِنِّي، ورفضي لا يملك لهذا تغييرًا، إنه ابن الوالي يا عليُّ، وقد عزم أبي على أن يُزَوِّجَنِيه.

 

قال:

• سأحاربُ أباكِ وأحارب الدنيا كلها إن تمَّ زواجك من ابن اللخناء هذا.

يقول عليٌّ مقالته هذه والدموع تغرق رياضَ خدَّيه.

 

فبكت سُعْدَى لبكائه، وقالت:

• ما رأيتك مِن قبلُ تبكي يا حبيبي.

 

قال:

• إني لأشعر أنِّي سأفقدك للأبد، فأقسمت له سُعْدَى أنها لن تكون لغيره، وإن كان فضمَّةُ القبر أحبُّ إليها من ضمَّةِ غيره، ورجع عليُّ منكسرًا يجرُّ أذياله ذلًّا وعجزًا.

 

فإذا حلَّ الصباح لبسَ عليٌّ أبهى ثوبٍ لديه، وصحب أباه إلى بيت عمِّه، فتولَّى أبو عليٍّ الكلامَ وقال يُخاطب أخاهُ:

• يا أبا سُعْدَى، والله ما فعلتَ شيئًا إن فرَّقتَ بينهما، وأنتَ تعلم أنهما يُحبَّانِ بعضهما البعض منذ أيام الصِّبا، وإني أحلف عليك بالله إلَّا رجعتَ عن عزمك هذا، واجمع بينهما، وعليَّ أن أمهرها بأكثر من مهر ولدِ الوالي وإن كان فيه ثبوري، فما قولك يا أخي؟

 

قال أبو سُعْدَى:

• يا أُخَيَّ، إنَّ عليًّا تأخَّر عن طلبِ الفتاة حتى سبقه إليها ولد الوالي، وما أملك أن أردَّه بالرفض بعد أن وافقتُ في أوَّل الأمر، فما هذا من المروءة في شيء.

 

فقال عليٌّ:

• يا أيها الناس، أتمنعون قلبين متحابَّين مِن أن يجتمعا ويأتلفا، إن هذا كان عند الله وزرًا عظيمًا! يا عمَّاه، لا يغرَّك ما رأيتَ من سلطانِ الوالي وحياته المُترفة! يا عمَّاه، إن أرباب القصورِ العوالي يعيشون في همٍّ ونصَب! يا عمَّاه، أترضَى أن تدفع بفلذة كبدك إلى همٍّ ونصب؟ يا عمَّاه، هل ترضى بأن تجبر بُنيَّتكَ على زوجٍ هي لا تحبُّه؟

 

قالت سُعْدَى:

• إيه وايم الله يا أبي لا أحبُّه ولا أرضى بغير عليٍّ عِوَضًا.

 

قال أبو سُعْدَى:

• إنِّي أعطيتُه كلمتي ووعدتُه وعدًا، وما أنا بالذي يرجع في كلامه، ولا بالذي ينكث عهدًا، فانفضُّوا عنِّي فقد قُضيَ الأمر الذي فيه نشتجر.

 

فأسرعت سُعْدَى إلى غُرفتها والدَّمعُ يغسلُ خَدَّيْها غسلًا، فنهضَ أبو عليٍّ مُغضبًا وقال:

• هَلُمَّ يا ولدي، لا بقاء لنا ها هُنا، وخرج عليٌّ وسحابتا الهمِّ والغضبِ تُخيِّمان فوق رأسه، وأَقسَم على أبيه:

• والله لأقتُلَنَّ واليَ الشؤمِ هذا وولده.

وبعد أيَّامٍ خرج موكبُ الوالي يحمل ابنَه عريسًا إلى دارِ سُعْدَى من أجل حَمْلها والرجوع بها إلى قصر الولاية، فلمَّا رآهُ عليٌّ في حُلَّتِه الفخمة، وثوبه الذي يَختالُ فيه، انقضَّ عليه يُريدُ أن يَضربه بذبابِ سيفِه، لكنَّ الحرَّاس كانوا أكثر يقظة، فمنعوا عليًّا مِن الوصول إلى الوالي وابنه، فأُمرَ به فسُجِن، وحَملَ الموكبُ سُعْدَى إلى قصر الولاية، وحينما سمِعتْ بما حصل لحبيبها أقسمت ألَّا تعيشَ في كنفِ رجلٍ غير عليٍّ، فما كان منها إلَّا أن اتَّصلت ببعض الخدم، وطلبت منها أن تأتيها بخنجر، فلمَّا أحكمت عليه يدها، طعنت نفسَها وفاءً بقسمها، لكنَّ الطعنة لم تكن قوية بما يَكفي لتذهب بحياة سُعْدَى في حينها، فأتَوْها بالطبيب، ولكنَّ الطبيب أخطأ خطأً في علاجها فقضتْ بينَ يَدَيْه.

 

وحملتِ الرَّيحُ خبرَ موتِ سُعْدَى إلى مَسمعَي عليٍّ فحزن عليها حزنًا بحجمِ السَّماء، حتى ضعف جسمه وكاد يموت على فراقها حزنًا، وبعد فوات الأوان علم الوالي وابنه بقصَّة حبِّ سُعْدَى، فأشفقا على عليٍّ وأخرجاه من السِّجن واعتذرا له، ووجَّها له الأموالَ الجزيلة تعبيرًا عن أسفهما وأنَّهما مجتمعان معه في المصيبة التي حلَّت به.

لكنَّ عليًّا لم يَقبل منهما أيَّ شيء، وراحَ يهيم على وجهه في الأرض بعد أن هجر وطنَه وبلاده.

 

فتحوَّل ذلك الثَّراء الفاحش إلى فقرٍ مدقع، وتحوَّل ذلك التَّرف والرَّفاهية في العيش إلى ضنكٍ وضيق، وتحوَّل ذلك القلب المليء بالحبِّ إلى قلبٍ مليءٍ بالذِّكريات والأحزان المؤلمة التي يفوح منها عبق سُعْدَى، فاستحالتْ دنيا الناس على عليٍّ جحيمًا مستعرة، ولم ينتبه عليٌّ إلَّا حينَ أحسَّ بالبردِ يلسعه كَرَّةً أخرى، فغدا يبحثُ له عن مكانٍ آخر يختبِئُ فيه من ضرباتِ المطر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إلى مجنونِ ليلى (قصيدة)
  • مذكرات مجنون لغوي
  • مجنون مع الناس أم عاقل وحدك؟

مختارات من الشبكة

  • من لا يجب عليه الصوم (الصغير والمجنون)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خلع الصغير غير المميز والمجنون والمحجور عليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي (1307هـ : 1376هـ)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الزكاة في مال الصبي والمجنون (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حوار مع مدخن (2) المجنون(مقالة - ملفات خاصة)
  • ما ورد في تجنب آكل البصل والثوم الصلاة في المساجد وإبعاد الصغير والمجنون عنهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة عقلاء المجانين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما أنت بنعمة ربك بمجنون(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب