قصص وعبر من التاريخ

قصص وعبر من التاريخ

أراد أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله مرةً الخروج من بغداد فاجتاز بعض الطريق وإذا برجل على رأسه سلة فيها بقل وهو يقول لآخر: مذهب ابن عباس في تراخي الاستثناء غير صحيح، ولو صح لما قال الله تعالى لأيوب عليه السلام: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾ [ص: 44] بل كان يقول له: استثن ولا حاجة إلى التوسل إلى البر بذلك. فقال أبو إسحاق: بلدة فيها رجل يحمل البقل يرد على ابن عباس! لا تستحق أن يخرج منها، ثم رجع[1].

من فراسة إياس:

مرّ القاضي إياس بن معاوية رحمه الله فسمع قراءةً مِن عِلية فقال: هذه قراءة امرأة حامل بغلام. فسئل كيف عرفت ذلك؟ فقال: سمعت بصوتها ونفسَها مخالطة، فعلمت أنها حامل، وسمعت صحلاً فعلمت أن الحمل غلام[2].

مشغول القلب:

كان الأمير أحمد بن طولون يتنكر ويطوف بالبلد يسمع قراءة الأئمة. فسمع مرة أحد الأئمة فاستدعى ابن طولون أحد ثقاته وقال: خذ هذه الدنانير وأعطها إمام مسجد كذا؛ فإنه فقير مشغول القلب. ففعل ذلك الثقة وجلس مع الإمام وباسطه فوجد زوجته قد ضربها الطلق، وليس معه ما يحتاج إليه [3].

(المصغّر لا يصغر)

ادعى الكسائي أن من تبحر في علم اهتدى إلى سائر العلوم فقال له أبو يوسف: أنت إمام في النحو والأدب فهل تهتدي به إلى الفقه؟ فقال: سل ما شئت. فقال: لو سجد ساهٍ سجود السهو ثلاثاً هل يلزمه أن يسجد؟ قال: لا؛ لأن المصغّر لا يصغّر[4].

(من بقايا عاد):

كتب قيصر إلى معاوية رضي الله عنه: إني قد وجهت إليك برجلين: أحدهما أقوى رجل ببلادي، والآخر أطول في أرضي. وقد كانت الملوك تتجارى في مثل هذا، وتتحاجى به، فأخرج إليهما ممن في سلطانك من يقاوم كل واحد منهما، فإن غلب صاحباك حملت إليك من المال وأسارى المسلمين كذا وكذا، وإن غلب صاحباي هادنتني ثلاث سنين، فلما ورد كتاب قصير على معاوية أهمّه وشاور فيه أصحابه. فقيل له: أما الأيّد فادع لمناهضته إما محمد بن الحنفية، وإما عبد الله بن الزبير فقال إذا كان الأمر هكذا فالمنافي أحب إلينا. فأحضر محمد بن الحنفية والأيد الرومي حاضر فأخبره بما دعاه له. فقال محمد للرومي: ما تشاء، فقال: يجلس كل واحد منا ويدفع يده إلى صاحبه فمن قلع صاحبه من موضعه أو رفعه عن مكانه فقد فلج عليه، ومن عجز عن ذلك وقهر صاحبه قضي بالغلبة له. فقال محمد: هذا. فجعل يمارسه ويجتهد في إزالته عن موضعه فلم يتحرك محمد. وظهر عجز الرومي لمن حضر. فقال له محمد: اجلس الآن. فجلس وأخذ بيده فما لبث أن اقتلعه ورفعه في الهواء ثم ألقاه على الأرض فسر معاوية وحاضروه من المسلمين. وقال معاوية لقيس بن سعد والرومي الطوال: تطاولا. فقال قيس أنا أخلع سراويلي ويلبسها هذا العلج، فإن ما بيننا يبين ذلك ثم خلع سراويله وألقاها إلى الرومي فلبسها فبلغت ثدييه وانسحب بعضها في الأرض واستبشر الناس بذلك وجاءت الأنصار إلى قيس فقالت: تبذّلت بين يدي معاوية؟!، ولو كنت مضيت إلى منزلك، وبعثت بالسراويل إليه. فقال:

أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عاديّ نمته ثمود وإني من القوم اليمانين سيد وما الناس إلا سيد ومسود وفضلني في الناس أصلي ووالدي وباعٌ به أعلو الرجال مديد[5]

لم تتعود الصيام:

جاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أصبحت صائماً فنسيت فطعمت، قال: لا بأس، قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت قال: لا بأس، الله أطعمك وسقاك، ثم قال: دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام[6].

نهاية المباهل المبطل:

قال ابن حجر رحمه الله: ومما عرف بالتجربة أن من باهل - وكان مبطلاً - لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة. ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين[7].

جزاء المستهزئ بالسنة:

ذكر الخطيب رحمه الله في "الرحلة في طلب الحديث" بسنده إلى أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال: كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط[8].

تذكر متى وُلِدت:

اختصم رجلان إلى إياس بن معاوية فقال أحدهما: إنه باعني جارية رعناء. فقال إياس: وما عسى أن تكون هذه الرعونة؟ قال شبه الجنون. فقال إياس: يا جارية، أتذكرين متى ولدت؟ قالت: نعم، قال: فأي رجليك أطول؟ قالت: هذه فقال إياس: ردها؛ فإنها مجنونة[9].

(البر حتى الموت)

قال الأصمعي رحمه الله: كان حجام بساباط يمضي الأسبوع فلا يدنو منه أحد. فعندها يخرج أمه فيحجمها ليرى الناس أنه غير فارغ فما زال ذلك دأبه حتى أنزف دمها فماتت فجأة. فضرب بفراغه المثل. قال الشاعر:

مطبخه قفرٌ وطبّاخه ♦♦♦ أفرغ من حجام ساباط [10]

( سيّد أهل الجحيم)

أعان بعض المجوس الشاعر الأقيشر في نكاحه فقال يشكره:

كفاني المجوسيّ مهرَ الربابِ فداً للمجوسيّ خالٌ وعم شهدت عليك بطيب الأروم وأنك بحرٌ جواد خضم وأنك سيد أهل الجحيم إذا ما ترديت فيمن ظلم! تجاور هامان في قعرها وفرعون والمكتنى بالحكم

فقال له: منعك قومك وأعطيتك ثم تجعلني في الجحيم؟! فقال له: أما ترضى أن جعلتك من أصحاب الملوك والرؤساء؟ [11].

(خاطبوا الناس على قدر عقولهم)

قال الماوردي رحمه الله: كنت يوماً في مجلسي بالبصرة وأنا مقبل على تدريس أصحابي إذ دخل علي رجل مسن قد ناهز الثمانين أو جاوزها فقال لي: قد قصدتك بمسألة اخترتك لها. فقلت: اسأل، وظننته يسأل عن حادث نزل به فقال: أخبرني عن نجم إبليس ونجم آدم ما هو؟ فإن هذين لعظم شأنهما لا يسأل عنهما إلا علماء الدين، فعجبت وعجب من في مجلسي من سؤاله، وبدر إليه قوم منهم بالإنكار والاستخفاف فكففتهم عنه وقلت: هذا لا يقنع مع ما ظهر من حالة إلا بجواب مثله فأقبلت عليه وقلت: يا هذا، إن المنجمين يزعمون أن نجوم الناس لا تعرف إلا بمعرفة مواليدهم فإن ظفرت بمن يعرف ذلك فاسأله. فحينئذ أقبل علي وقال: جزاك الله خيراً ثم انصرف مسروراً. فلما كان بعد أيام عاد وقال: ما وجدت إلى وقتي هذا من يعرف مولد هذين![12].