• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

إشكاليات الأدب الفلسطيني

إشكاليات الأدب الفلسطيني
د. نزار نبيل أبو منشار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/10/2016 ميلادي - 25/1/1438 هجري

الزيارات: 4524

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إشكاليات الأدب الفلسطيني

 

يقاسي الأدب الفلسطيني مجموعة من العوامل السلبية التي تحاصره من حيث شكله ومضمونه، ومن أهم هذه الإشكاليات:

أولاً: بضاعة مُزجاة!

من السهل أن تجد لأعمالك ألف ناقد، يبين فيها جوانب الرقي ومواطن الضعف، ولكنك بحاجة إلى منحنى الرسم البياني للتطلع إلى تاريخ أي أمر تقوم به، فالأمور مجزوءة، وإنما تجد لكل شيء أصلاً وجذوراً.

 

اللغة العربية – لغة القرآن – قد اعتراها في عصور الإسلام المتأخرة ضعف ووهن، وصارت بحاجة إلى يد حانية تطبطب لها على جراحها علها تلتئم، فقد عكَّر صفوها دخيل المصطلحات، وشاعت لها البدائل من اللهجات التي تعارف عليها الناس واصطلحوا على العمل بها، حتى أصبحت ركاكة اللفظ سمة بارزة، وجفاف المعاني صفة واضحة، وتغلغل إلى كبد اللغة سوس الخلط وعفن التجديد.

 

وقد وصلتنا اللغة - التي تذوب أناملنا ونحن نتأمل فيها حتى صرنا نعشقها حداً لا يمكن وصفه - ضعيفة ركيكة، هجر الناس سحرها، وارتضوا بالدون من الكلمات واللهجات، حتى إنه ظهرت بعض التجمعات تدعو إلى تدعيم فكرة ابتكار لغة سهلة يتفاهم بها الناس كبديل عن اللغة العربية الأم.

 

لن أجعل الاحتلال شماعة، ولكن الخيوط التي تحرك هؤلاء متصلة بأصابع الاستعمار الدولي، فمجرمو العصر يدركون تمام الإدراك أن اللغة هي أساس فهم القرآن، وإذا تمكنوا من العبث بمكانتها أو الحط من سموّها، أو إبعاد الناس عن بديعها، ستكون لهم خطوة ناجحة، في طريق التغريب الطويل.

 

من الحمق بمكان أن نطفئ سراج عيوننا عن الواقع الذي مرت به لغتنا الرؤوم، فأين الوفاء بذلك؟ وأين حفيف الانتماء للغة أعطتنا حتى بنت كياننا؟

 

هذه الأغلال الثقيلة، والانتكاسات المتتالية، والاستهتار من جانب أبناء اللغة في صيانتها من التحريف، كل ذلك قادنا إلى نفق مظلم، صرنا فيه نسير يمنة ويسرة على غير هدى، حتى استبيحت القواعد، واحتلت البلاغة، وأُسر البديع، وانهار صمود المبنى، وباتت اللغة تشكو إلى الله ما نابها من البلاء.

 

وبصبر جميل، تلقف الجيل الحاضر من الأدباء والشعراء هذه اللغة وما فيها من العيوب التي يندى له الجبين، فبنى عقله وفق هذه المشارب العكرة، وترعرع على اضطراب لغة تئن، حتى صارت المدارس تنزل بمستوى الحديث إلى مرتبة واهية لكي يستطيع الطلبة فهمها، فبدل أن تخطوا الأمة خطوات النهضة، صارت أكثر العقبات تواجهنا هي كيفية بناء المنطلقات السليمة للغة التي سيبدأ منها أي إبداع.

 

لقد قمت بتدريس اللغة العربية، واطلعت على المستوى التعليمي الذي تضمنته المناهج، ولست ألوم واضعها – مع وجود بعض الأخطاء والعثرات – ولكني أقدر أن بعد الناس عن اللغة في الخطاب الإعلامي والمجتمعي والأسري سلّم المدرسة نماذج من" الطلبة الخام "، تقتضي الضرورة أن تتدرج معهم في ألف باء اللغة حتى ولو مضى على التحاقهم بالمدارس سنوات طوال.

 

ازاء هذه المعلومات المقيدة، نزل سقف العطاء العام، وصار الطالب ينتقل من مرحلة التعليم الأساسي إلي الثانوية وهو يحمل مفاتيح التعامل مع اللغة فقط، حتى إذا وصل إلى مرحلة الدراسة العليا كان حاله لا يعدو أمرين:

الأول: أن يقصد أبواب العلوم الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو العلمية المنتشرة في الكليات الجامعية.

والثاني: أن يدخل إلى كلية الآداب في قسم اللغة العربية، وهذه هي النوعية التي يعقد عليها الأمل الأدبي.

 

فالنوعية الأولى وهم أغلب شرائح المجتمع من الطبقة المثقفة يبتعدون يوماً بعد يوم عن معين اللغة، وبالتالي؛ يزداد فقرهم بالعلم فيها، ويتخرجون من كلياتهم التخصصية وليس معهم إلا ذكريات بائدة من علوم اللغة العربية وتفرعاتها.

 

والنوعية الثانية، هم الذين طرقوا بوابات التخصص العربي، وتوزعوا على كليات الأدب والشعر والنقد والبلاغة، واتصلوا بقواعد اللغة، وأولئك فيهم من محتاجي العون الكمّ الكبير، وإن ما تصدره الكليات التخصصية للمجتمع لا يعدو كونه عدة كوادر ذات كفاءة عالية أو متميزة، يمكنهم من خلالها التوسع والعطاء والإبداع.

 

عائق كبير، وسد أمام سيل الطموحات والآمال والتوقعات، جهل مدقع، وبعد منسي، وجيل تائه، ومتخصصون دون خط الإبداع، ومن نجا من هذه وقع في تلك، ومن نجا منها جميعاً اصطدم بحواجز الواقع المجتمعي، ولا ترى من يفلح إلا صاحب إرادة طوفانية، لا تقهرها صعوبات، ولا تحدها آفاق.

 

ثانياً: الانضباع بالغرب وأدبه

بدلاً من تأصيل التراث الأدبي الهائل الذي ورثه أدباء هذا العصر، ظهرت طائفة من الأدباء في زماننا تغاضت عن كل مثالب الحضارة الغربية وسلبياتها التي تغمرها من رأسها إلى أخمص قدميها، وباتت عيونهم لا ترى إلا أضواء الشوارع، وناطحات السحاب، فلم يكلفوا أنفسهم عناء المحاولة في البحث عن بواطن هذا الشعب، أو أسرار تركيبته، أو الظلام الدامس الذي يعشش في قلوب أفراده.

 

أما التقدم التكنولوجي فنحن لا ننكره بحال، وكذا الوضع المادي الذي وضعهم في حال من السعة والترف والرفاهية المفرطة[1]، ولكننا – أبناء الإسلام – تعلمنا في أساسيات فهمنا الإسلامي أن نبني أحكامنا على الحقائق المدروسة، والدراسات المنهجية، إلا على أمر يريد غيرنا إظهاره إلينا لنحكم عليه به.

 

هذا الإغراق في المادة حد الإشباع لا يشكل آله ضغط محكمة على رقابنا، فنحن لنا حضارتنا العريقة، ولدينا تراثنا الخصب، ولدينا العقل الذي نال أهلية الإبداع، فلماذا نسلم رقابنا إلى عدونا الحقيقي؟ ونستسمحه أن يقبض عليها بحزم، أمن العقل هذا؟!

 

وبأي منطق نجعل من مفكري العالم الغربي يرتقون في أذهاننا إلى درجة يصبحون فيها كأنهم مفكرونا؟

ولماذا صرنا نتماشى مع دعاوى الغرب دون أن نضعها في ميزاننا الخاص لنحكم عليها بها.؟

إن هذا من سوء التقدير، وإن عاقبة الانضباع غير محمودة العواقب في الحال والاستقبال.

دعونا هنا نتحدث عن بعض جوانب الانبهار غير المبرر في ثقافة لا تمت إلى ثقافتنا الخاصة بأي صلة، فأدباء " عصر الدهشة " مخدعون بكل ما جاء عن الغرب، سمّه ودسمه، فتراهم قد استحالوا أبواقاً للأدب الغربي، يقتدون بهم في سيرتهم وصورتهم، ويجعلون من أسمائهم مشاعل، ومن كلماتهم ترانيم تطرب لها الآذان، حتى مبادئهم التي رفعوا لها الشعارات صارت تلقى لدينا قبولاً وفق سياسة الخنوع التام التي أتقنها هؤلاء " الأدباء " [2].

 

هؤلاء التائهون قد رفضوا قرار الإبرة المغناطيسية في بوصلتهم، واختاروا أن يلاحقوا " فلاش" الأنوار البراقة التي ترسل تجاهنا من هنا وهناك، تريد منا أن ننفصل عن تاريخ زاهر، وحركة علمية قدنا ركابها، فكنا أهل الأدب وأهل الفن، وأهل العلم التجريبي والتجريدي، وتركنا بصماتنا الواضحة في علم الطب والفلك والجغرافيا والعلوم السياسية وفنون التعامل الدولي وأساسيات البناء والهندسة وغيرها.

 

شاء أدباء عصر الدهشة أم أبوا، فإن عراقة هذه الأمة وأصالة نبعها سيعودان بها إلى معرفة ذاتها، وتقرير هويتها وكينونتها، لتعيد إطلاق شرارة البدء في عملية الترشيد، ومسيرة التجديد على نور وبصيرة، ليجددوا مجداً درس، وحضارة طمست، وماضياً قد تلهّى عنه بنوه حتى أدمنوا على أفيون الغرب وأدبه، وتناسوا أصل وجودهم.

 

الأمر المثير للدهشة، أن نجد مثل هؤلاء الذين وصلوا إلى مرحلة علمية متقدمة، باتوا يرددون شعارات لا يعقلون مراميها وأهدافها، بل هم كالببغاء يعيد الكلمات التي يسمعها، بلا عقل ولا وعي.

 

وهذا ما بينه الأديب الأستاذ محمد قطب حين قال: (( والغريب في الأمر، أن موقفهم ذلك لم يصدر من عند أنفسهم، فقد كانت كتابات المستشرقين تصدر النغمة الأولى، فيتلقفها دعاة الغزو الفكري، ويرددونها بلا وعي أو ربما بوعي، لتخذيل كل من يحاول إعادة الأمة إلى مجدها القديم)) [3].[4]..

 

ويقول في موضع آخر: (( كان أول التيه: أننا حملنا أدبنا العربي كله، فوضعناه على الميزان الغربي، فاتضح لنا – ويا للأسف – أنه ليس عندنا أدب )) [5].. فأي ميزان نحتكم إليه؟؟ وكيف يصنع من كان القاضي غريمه.؟ أنها آفات عصرنا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

 

كلمة حق:

لفت انتباهي أثناء تجوالي بين ما وقع تحت يدي من مؤلفات ومصادر تم تهريبها بعيداً عن اعين السجان: كتيب صغير فيه من الخير الشيء الكثير، وقد غلفه الكاتب بهذه الحكمة التي تصلح للاستدلال بها في معرض حديثنا عن هذا الصنف من الناس، يقول الدكتور علي الحمادي: (( أثبتت الدراسات أن كل إنسان يستطيع أن يكون مبدعاً، ما عدا صنفين من البشر، الأول: هم المجانين، والثاني: هم الذين يقررون أن لا يكونوا مبدعين )) [6].

 

مثل أولئك؛ وهم غرقى في حمى الفرح واللهث وراء المدنية البراقة في الغرب قد قبلوا أن يضعوا على رفوف النسيان كل ماضيهم وحضارتهم، وهم بالتالي قد شطبوا ذاتهم، وألغوا عقولهم، وطبعوا على رؤوسهم بخط أيديهم عبارة: (للإيجار)!

 

نتيجة مؤلمة، ومحصلة مأساوية، حينما ترعى أرض فلسطين شاباً وترسله ليتعلم، ويعود لها بما يرفع مكانتها ويكسر عن مآذنها الأغلال، فتراه يعود وهو يحمل لها أغلالا أخرى، ليضيف إلى الهم هماً، وينثر فوق الموت الرماد.

 

إن هؤلاء لم يضيفوا شيئاً إلى رصيد الأدب الفلسطيني المحفوظ في ذاكرة الأيام، فهم ليسوا إلا رواد علم المحاكاة، لا يتصور لأذهانهم أن تتفتح مقدار أنملة فوق ما شاهدوه ورأوه وسمعوه، وبالتالي؛ كان الأدب الصادر عنهم يصب في خدمة كل الاتجاهات إلا أمتهم، وينادي بالتقدم على كل صعيد إلا في مجال أدبهم الذاتي، وكل إناء ينضح بما فيه.

 

نعم.. إنهم صورة نجاح المستعمر في خطواته لاستعباد البشرية، فها هو بث من بين ظهرانينا أناساً يسوّقون إيجابياته، وتتغاضون عن سلبياته، وأي قيمة تعدل ذلك؟ فالعدو عرف المعركة بأسسها، وترك لنا الانبهار بأضواء وعمارات مدنه.

 

ما أجمل كلمة المفكر الإسلامي مالك بن نبي حين وصف حال الاستعمار مع مثل هؤلاء فقال: (( ثم إذا نظرنا في الصراع الفكري من الزاوية الأخلاقية، نراه يحتوي على: دهاء، مكر، خداع، نهم، شراسة، دناءة، سفالة، نجاسة، خبث، خيانة )) [7]. ووالله إنه لحق.

 

وإلى كل الذين انطلت عليهم حيل الغرب وألاعيبه، إن شعبكم بحاجة ماسة إليكم، لتنتشلوه من حضيضه الذي أُوقع فيه، فمدوا له يد المساعدة، ولا تقطعوا به الحبل ليهوي في قاع بئر الاندثار، أنتم أبناء أوطانكم، تربطنا بكم صلات ووشائج وروابط تجذب كل عاقل، فحتى متى أيها الناس سنسير في الضياع برضانا وموافقتنا؟!!

 

ولعلنا فيما ذكرناه قد أوضحنا لدى القارئ الكريم تلك الملابسات التي صاحبت مراحل كتابة الشعر لمن أعجب بالغرب ومدنيته وحضارته؛ حد فقدان التركيز، ولكن الخطر الحقيقي لا يكمن في الضرر الناشئ على أشخاصهم، بل إن المصيبة العظمى حين يقوم هؤلاء بتصدير مواهبهم المحشوة بالأدب الأعور، وإشاعتها بين الناس، فلا تجد هؤلاء – وقد أوتوا من العلم مكانة – إلا وقد ضمخوا أشعارهم بلفظ أجنبي، أو حاكوا أسلوبا مبتكراً في الغرب، أو استحدثوا في علم العروض أو أساليب النظم أموراً لا رصيد لها في لغتنا، ولا تتم عن قصد إلى العطاء المثمر.

 

لن نرفع السيف على رقاب هؤلاء، ولكننا نناشدهم – وهم أهل بصيرة – أن يضعوا لبنة في سور الحصن الحامي للّغة، وأن يخدموها كما ربتهم، وكما صنعت منهم أرقاماً لها ثقل بعد أن كانوا على هامش التاريخ أصفاراً.

 

فيداً بيد نكمل المشوار، وعزم الرجال يحيي الرجال، فهلموا بنا ننهل من جدول الأدب الأصيل، نستلهم القوة التنفيذية، والجرأة الإبداعية، وليكن شعارنا على الدوام.. هؤلاء بنوا حضارتهم، فلنبني حضارتنا وأدبنا.

 

من الأجدر بنا ونحن نلتف حول مائدة الأدب العربي، أن نطهر النوايا، ونضيء فيها سراج الإخلاص، ولندع المجال أمام العقول أن تتلاقح، لنخرج بمشروع مشترك يكون فيه المستفيد الوحيد هو هذا الشعب وعراقته المغمورة.

 

هنا؛ لا بد من التوجيه الصادق، والتخطيط السليم، ورسم السياسات بعيدة المدى، والأهداف المرحلية، وتوضيح الوسائل والأساليب، ونضع الموازين السليمة للنقد والارتقاء، (( نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، ولكننا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في هذه الأوضاع، وتصبغها بصبغة الإسلام، وبدون ذلك لن نصل إلى شيء، نريد أن نفكر تفكيراً استقلالياً يعتمد على أساس الإسلام الحنيف، لا على أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء، نريد أن نتميز بمقوماتنا وشخصيات حياتنا كأمة عظيمة، تجر وراءها أقدم وأفضل ما عرف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد )) [8]..

 

ثالثاً: فقدان المجمعات الأدبية

ليس من الصواب أن نجعل الاحتلال شماعة نعلق عليها كل ما أصابنا، فإن التجربة والواقع الملموس ومجريات الأمور على أرض العمل تثبت أن هناك بصيص أمل لمجتهد مثابر أن يقتحم الميدان، ولكن؛ من يعلق هذا الجرس؟ ومن يقول هأنذا؟

 

انظر إلى المجتمع الغربي نظرة مجردة، إن له قانوناً يتعامل معه، جعل إمكانية الازدهار مطروحة بجدية على مختلف الأصعدة، إنه قانون العمل المؤسساتي، الذي يصهر قدرات الفرد في إطار المجهود الجماعي، وبالتالي؛ يرتفع سقف الصواب في العمل والإدارة بشكل مطرد.

 

رشح من الإحصائيات المسطورة في كتب الإحصاء الأوربي ما يشير إلى ظهور نماذج متميزة في مجالات تخصصية، فقد تعامل العقل الأوروبي بصوابية تامة مع هذا المبدأ الذي هو أصلاً من روح الإسلام، فقام بتجميع عدد من الطاقات ذات الاهتمام المشترك، وأفسح المجال لها بالدعم المادي والمعنوي، ووجه المسيرة نحو خطوط التقدم، فكان من شأن ذلك أن يبزغ فجر عدد من الكتاب والأدباء ممن خاضوا تجربة العطاء الجماعية، وساعدهم المجتمع بتبني إصدارتهم ومجهوداتهم بما خدم طموحهم الكبير.

 

إن الحكمة تلزمنا أن نقلّب الرأي، ونوجد آفاقا جديدة تمكن من اجتياح بوابات المجهول الجاثم أمامنا، وأن نفكر بأسلوب الواقع التجريدي والعلم التطبيقي، من أجل صياغة موجه عارمة من الوعي الدافق.

 

ومن تحت انقاض الواقع، بدأت تشرق شمس بعض الدعوات المنادية بضرورة إفساح المجال أمام المواهب الفلسطينية لتأخذ دورها، لا أن نطمس على مواهبها ونحجم عطاءاتها [9].. يقول الدكتور على الحمادي: (( القدرة على توليد البدائل من أهم المهارات التي ينبغي للمبدع أن يتصف بها، إذ أن كثيرا من الناس يميلون إلى حصر أذهانهم في بديل واحد، وهذا بدوره يؤدي إلى حرمانهم من إيجابيات كثيرة ربما تكون في بدائل أخرى لم يتم التفكير فيها )) [10]..

 

إن الشعب الفلسطيني اليوم بحاجة إلى تفكير ذي صبغة خاصة، حيث إن ظروفه الخاصة تحتم عليه أن يبدع من الوسائل ما يقيه مصارع السوء، ويكفل له في الآن عينه نقلة حضارية، فعنصر الزمن متحرك، والحاجة تفرض علينا أن نحتضن هذه المواهب حتى لو كان يعتريها بعض الضعف، وشتم الواقع المرذول لا يفيد، وعلمتنا مدرسة الحياة أن إيقاد شمعة في الظلام خير لنا من أن نلعن الظلام ألف مرة.

 

لا شك أن إيجاد مثل هذه المؤسسات الأدبية – التي خلا منها المجتمع الفلسطيني – يدفع باتجاه النمو الأدبي، والتخصص الدقيق فيه، فهي كفيلة بإظهار الكفاءات، ودعم العطاء، واتساع المجال أمام الموهوبين للمشاركة في مسيرة التصحيح والنهضة.

 

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت بدايات عمل في هذا الإطار حيث تشكلت في بعض محافظات الوطن، وبعد ما يسمى مرحلة السلام: مؤسسات لرعاية الإبداع الشعري لا سيما في المدن الكبرى، وهذا خدم العمل الأدبي بشكل ملموس، ومجال تطويره وارد، وفرصة نموه إلى آفاق أسمى وأشمل قابلة للتطبيق.

 

حبذا لو وجد هذا الأمر العناية اللازمة له منذ زمن، لكان الواقع قد تغير، فقد أثر فقدان مراكز التجميع الأدبية أو المنتديات الثقافية، أو المراكز الإبداعية على تطور الحركة الأدبية عموما والشعرية خصوصاً حيث اضطر الكثير من الشعراء إلى وأد قصائدهم بسبب ظرف لم يقدم لهم المجتمع فيه أدنى خدمة في هذا المجال.

 

رابعاً: هجرة العقول البشرية

كان من جراء الممارسات الصهيونية المبرمجة على الشعب الفلسطيني، أن أدى الركود الاقتصادي، والرعب الدائم، وحالات البطالة المستشرية، وغيرها من العوامل، إلى توفير بيئة خصبة أمام الناس للتفكير في سبل الرزق وموارد الاقتصاد، في بيئة لا يجدون فيها إلا فوهات البنادق محدقة بهم إينما حلّوا أو ارتحلوا، ولا يسمعون فيها سوى دوي المدافع، وأخبار الشهداء، وإعلانات الإعلام عن المجازر.

 

كل هذا؛ دعا العديد من المثقفين الفلسطينيين من ذوي الخبرة والكفاءة والسبق إلى التفكير في الهجرة - محدودة أو مفتوحة الأمد – إلى البلاد الغربية والعربية، بحثاً عن مآل آمن، ولقمة خبز لا تكدرها رائحة الدماء، ولا يعكرها تصاعد رائحة البارود.

 

هذا الأمر أثّر وبشكل مباشر على الحركة الشعرية الفلسطينية، فباتت تعاني من ضياع المواهب واحدة تلو الأخرى، بعضها خرج والدمع في عينيه، والبعض الآخر أسقط خلفه جرة الفخار عازماً أن يمضي في الطريق، ولا يعود..

 

هؤلاء المبدعين الذين هجروا أوطانهم، أعطوا الحالة الفلسطينية لوناً من الضعف، فصاروا يساهمون في بناء المجتمعات التي ينتقلون إليها على حساب الأرض المباركة وحضارتها الخاصة، مما شكل طعنة نجلاء في أحشاء الوطن النازف.

 

هنا؛ لا بد من مخاطبة هؤلاء المغتربين بكلمات موجزة، فأنتم أيها السادة عماد أمتكم، وعلى أيديكم ستبسط الدنيا بساط الخير، فبأي ذنب تُهجر الأرض، وتحت أي ذريعة يلوَّع قلب الأدب الفلسطيني بفقده خيرة عقوله المبدعة.

 

الواجب على المؤسسات الحكومية والأهلية والتجمعات العشائرية ومراكز القوى والأحزاب والفصائل الفلسطينية أن ترى هذا الجانب وهي تخوض صرعها المحتدم مع عدوها، حتى لا تتكرر مأساة الشعب الجزائري حينما انصرف لأمور الثورة، ونسي في شوارع باريس وأزقتها سبعين ألفاً من المغتربين، بينهم أكثر من ثلاثين ألف طفل، أحتضنهم المجتمع الفرنسي، وزرع فيهم ما شاء من المفاهيم، وحلّت الطامة على الشعب الجزائري.. بتوقيع أبنائه.

 

فمن الضرورة بمكان، أن يفسح المجتمع والمؤسسات والحكومات أمام هؤلاء فرص العمل التي تليق بهم، واستقطابهم إلى العودة إلى أرض الوطن ليُمتّنوا الدرع الحامي، ويسهموا في المعركة التي ستطالهم عاجلاً أم آجلاً، شاؤوا ذلك أم أبوا، وهم بذلك بحاجة إلى لغة راقية حضارية في الخطاب، يكون من شأنها إشعال الانتماء والولاء لقضيتهم وهويتهم، وتقديم البديل اللائق لهم، تشجيعاً لهم على اتخاذ القرار الصائب.

 

وإذا تم تجاهل الأمر، فالعواقب وخيمة، والمسؤولية تطال كل مستطيع، ويكفينا للتدليل أن نسترشد بما حصل مع الأقطار الأخرى، التي تعرضت لسياسات الاحتلال الذي يرضع من نفس الثدي، حتى ولو اختلفت مسمياته.. فماذا استفدنا من تجربة الشيشان؟

 

وماذا اعتبرنا بما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفو؟

وكم من المنافع اقتبسناها من كشمير؟

أليس المستهدف فيها واحداً.؟ أليس الذئب هو الذئب؟ فما لنا نمر على الأحداث مر السحاب دون رويّة وتؤدة.؟

فلنجبر هذه العقول كي تعي، وهذه الآذان كي تسمع، وهذه العيون لكي ترى.

 

خامساً: الوضع الاحتلالي العام:

أخرت هذا العامل حتى لا يظن ظانّ أننا قد استكملنا كل جوانب الصواب، والإعداد المهني، ولكن الاحتلال الهمجي كان حجر العثرة الذي سد أمامنا منافذ التطبيق.

 

صورة العدو معروفة لكل طفل يحبو، ولكل شاب وفتاة، وهي ليست بحاجة إلى كثير من الجهد لبيانها ولكشف وقائعها، فالحال أبلغ في الوصف من الكلام، ولكني أردت هنا أن أعرض للوضع الاحتلالي الدائم والمتعدد الصور، في أمور تخدم الهدف الموضوع.

 

تقطيع أوصال الأرض:

اتبع العدو الصهيوني مع الشعب الفلسطيني سياسة: فرق تسد، فقام وعلى مراحل التاريخ بتقسيم الأرض الفلسطينية إلى مناطق محصورة أشبه (بالكنتونات)، ليسهل عليه القيام بأعماله العسكرية في كل قطاع من قطاعات الوطن؛ بمنهجية تقررها المؤسسة العسكرية الحاكمة.

 

أضف إلى ذلك؛ أن العدو عمد إلى وضع الحواجز والمتاريس الدائمة والمتنقلة على طول الطرق التي تصل المدن الفلسطينية بعضها ببعض، وقام بمنع الناس من العبور، وفرض نظام التصاريح الخاصة، كل ذلك من أجل أن يضبط حركة الشعب الفلسطيني، ويسمح بالعبور لمن أراد، ويمنع من شاء بدون حاجة إلى عذر.

 

هذا الوضع أثر على الجانب المادي من مناحٍ شتى..

الأول: حصر الكفاءات والطاقات في إطار ضيق، بما يعني منع الخبرات والتجارب من الانتقال، الأمر الذي أدى أن يقوم كل تجمع سكاني بجهد منفصل، وفي ذلك ما فيه من إضعاف العمل الأدبي والحجر عليه، وتجفيف منابعه، والقضاء على إبداعاته وطموحاته.

الثاني: منع المبدعين من الشعراء والأدباء من المشاركة في الفعاليات والأنشطة التي تمتد على طول الوطن، مما ترك حالة من الذبول والتراخي، وتحجيم الإبداعات، وطمس العديد من المواهب، لا سيما الناشئة منها.

الثالث: إبعاد الأدباء والشعراء عن مصادر العمل، فيبعدوا هذا عن مصدر تكفّل الإصدار الأدبي، ويمنع هذا من الوصول إلى المطابع في المحافظة الأخرى، وإقصاء ذاك عن مصادر المعلومات ومراكز الإحصاء، وهذا يحطم العمل البحثي الذي يحتاجه كل أديب وكاتب.

 

وأمام عدو لا يرحم، ولا يتواني عن قتل من يخالف الأوامر المجحفة، لمن يكن أمام الأدباء إلا أن يتعاملوا وفق قاعدة العمل بالمجال المسموح، ولك أن تتخيل حجم الإبداعات التي كانت تصدر لو كانت حركة التنقل سهلة ممكنة.

 

والأمر من ذلك.. أن الاحتلال منع الأدباء الموثوقين من السفر إلى خارج حدود الوطن، لتمثيل فلسطين في مجالات الأدب، حتى لا ينقلوا إلى الشعب العربي المسلم في الخارج ما عمّي عنه، الأمر الذي همّش كثيراً من المبدعين، ومنهم من كان بإمكانه فتح آفاق جديدة وواسعة من العمل والعطاء.

بهذا استطاع العدو طعن العمل الأدبي في مقتل، ودفع باتجاه خموله وخمود ناره كلما تأججت أو بان أوارها.

 

الوضع الاقتصادي الخانق:

المال عصب الحياة، وهو قوام المجتمع، ومن السذاجة أن نتصور أن الأعمال والمجهودات تتم لوحدها دون تكاليف ورسوم باهظة، فنحن اليوم في عصر التكنولوجيا والعلم المتقدم، وكل شيء بثمنه – كما يقولون –.

 

تحت مظلة هذه المقدمة، أعرض على أحداقكم كيفية تأثير الوضع المادي على الحركة الأدبية الفلسطينية، وكيف تحطمت الآمال، وشنقت المواهب على حبال الوضع الاقتصادي المتردي.

 

لقد امتلك العدو بتطور رؤيته واعتماده على المعلومات والثورة التكنولوجية خبرة في التعامل مع مراحل الصراع، فصار يعرف من أين تؤكل الكتف، وصار يرصد ويدقق ويتحرى حتى يعرف متى وأين وكيف سيورد سعد الإبل.

 

اقتناع العقلية الصهيونية بضرورة محاربة ظاهرة التعليم الفلسطيني التي انتشرت لا تحدها حدود، ومن أجل ذلك فقد قامت برسم سياسة مضادة تحمل عنوان محاربة الإرهاب، تقصد بها الصمود الفلسطيني، والإرادة الاقتصادية، والأدب العربي، والتخصص الدراسي الدقيق.

 

فقامت بسد الطرق، وفرض نظام حظر التجول، والاستيلاء على المحال التجارية، وحرق الأراضي الزراعية، ووسعت اعتمادها للبنوك التي تمتص السيولة النقدية وتحطم الاقتصاد، وضيقت على التجار، وفرضت الضرائب الباهظة على حركة الاستيراد، وقزّمت حجم التصدير، كل ذلك بفهم واعٍ، وخطة مقررة من المختصين.

 

مفاد هذه الخطة، أن التضييق الاقتصادي سيجعل الإنسان الفلسطيني ينشغل بتوفير قوته وقوت عياله، وستلهيه صعوبة الحياة عن حمل الفكرة، وسيلجئُه الفقر إلى التخلي عن المقاومة، وبالتالي يسهل اقتياد هذا الشعب.

 

وقد أفرزت هذه الخطوات على الصعيد الأدبي تراجعاً واضحاً، من صوره:

1- إيجاد موازنة ما بين الكلمة واللقمة، فالأديب الفلسطيني حين يفكر بطباعة ديوان له؛ سيفكر ألف مرة بالتكاليف الباهظة التي ترافق طباعة الديوان وتنسيقه ونشره، في حين أن وضع معظم الأدباء هم من الطبقة المتوسطة الدخل فما دون، مما يجعلهم في تردد دائم يؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى العزوف عن طباعة إنتاجهم الأدبي.

 

2- زرع التفكير الدائم عن ركود ظاهرة المطالعة، وما في ذلك من كساد للأدب المعروض، الأمر الذي يعني خسارة مادية محتومة للأديب والشاعر.

 

3- تكاليف السفر المرهقة لزيارة المواقع والإشراف على معالم الوطن لرسم صورتها في القصائد، وهذا مكلف مادياً، بقياسه بمستوى الدخل للفرد.

 

عدا عن ذلك، فإن الاحتلال شغل الأديب بهموم بيته وأسرته، فمصادر الدخل محدودة، والوظائف بالكاد تكفي مؤونه شهر، والبيت بحاجة إلى متطلبات من طعام وشراب وكساء وعلاج حالات المرض وتوفير المستلزمات الأساسية للبيت والأسرة على حد سواء.

 

الوضع الأمني:

قيد جديد يفرض، فصل وتعنت واضطهاد يضرب فوق رقاب كل الذين يفكرون بأن يتالق نجمهم، فالشاعر الفلسطيني عنصر في مجتمعه، وبالتالي فإنه مهدد في كل لحظة بالتعرض إلى حملات المداهمات والتفتيش والاعتقال، ويكفي توصية على أقصوصة ورق من المخابرات الصهيونية لتغييب الأديب في زنازين القهر أشهراً تطول، أو سنوات تفيض بالمرارة.

 

ولا يحتاج عدونا إلى أي مبرر، فإذا كنت فلسطينياً فأنت متهم ومجرم بالفطرة، على عكس كل القوانين في العالم، لأنك فلسطيني فأنت متهم، وكل أدلة الدنيا لا ولن تثبت براءتك.

 

فنحن لا نتحدث جزافاً، فقد شهدت السجون موجات من المعتقلين بسبب آرائهم أو مواقفهم أو كتاباتهم أو بحوث أصدروها تتناول ما يشم الاحتلال رائحة أنه تطرف.

 

فمن أي اتجاه جئت، ومن أي مشرب ارتويت، هذا لا يهم، المهم أن تغيب عن الأنظار حتى لا يتأثر أحد بأفكارك.

 

هذه العقبة الكؤود يعرفها كل الأدباء والشعراء والكتاب في أرض المسرى، وهم أمام هذا التحدي منقسمون إلى طائفتين:

الطائفة الأولى: آثرت العزلة السياسية، وصبغت أشعارها بذكر جمال الطبيعة وحب القدس " مظهراً وهندسة " ومديح الأشخاص، ووصف الأرض والثمار والورود، ومال بعضهم نحو الشعر الغزلي؛ حيث لا تهمة!! وهؤلاء تملّكهم الرعب وسطا الخوف على عقولهم وأفئدتهم.

والطائفة الثانية: هم الذين أيقنوا أن اليهود لا ولن ترضى عن أي إنسان حتى يتبع ملتهم، فعرفوا المقصد، وكشفوا الهدف، فما زادهم التهديد إلا صلابة، وما زادهم الوعيد إلا استبسالاً، فأولئك خاب فأل الاحتلال فيهم، وصفعوه بصبرهم وتحديهم وعنفوان قصائدهم التي أرعدت وتألقت في قلوب الناس قبل أوراق الصحف.

 

أما بالنسبة لمصير الفئتين، فالأولى: لا شأن للاحتلال بها، فقد تابت وأنابت واهتدت إلى جادة الصواب!! وأما الفريق الثاني، فقد جهّز العدو لهم من الزنازين غرف ضيافة، ومن السجون دار إقامة وقرار.

 

وفوق آهاتهم.. لا بد أن نسجل لهم هذا الموقف، لأنهم أهل للثناء والمديح، فأولئك الذين رفضوا هيمنة المحتل على عقولهم، وسلطته على أفكارهم، وقيوده على أشعارهم أبدعوا وأجادوا حتى وهم في قلب المحنة، وانظر إلى دواوين الشعر التي أُلفت إبان محنة الإبعاد التي طالت أكثر من أربعمائة كادر فلسطيني، وأقرأ في أدب السجون إن كان صبرك يحملك على طول القراءة [11].

الطابور الخامس.

مصطلح بات معروفاً، إنهم الفئة التي سجدت تحت نعال المستعمر تقول ما قد روته حكايات (ألف ليلة وليلة) شبيك لبيك.. عبدك بين إيديك..

 

لن أخوض في تعريفهم أو وصفهم، أو ما إلى ذلك من أمور، فهي غدت من المعلوم من الدين بالضرورة، ولكني سأسلط الأضواء على دورهم السري وغير المكشوف في حربهم على الأدب الفلسطيني، وتمثل ذلك في عدة أمور.

 

1- بث الشائعات على الكتّاب والشعراء والأدباء وتشويه صورتهم أمام المجتمع الذي يعيشون فيه.

2- وسوسة لا تنقطع عن عدم جدوى المقاومة، وأن ما يبذل فيها من جهد ستعقبه الخيانات، وما هو إلا تضييع للجهد وإفراط بالأمل، لا رصيد له في أرض الواقع.

3- الاستهزاء بالموضوعات والقيم التي يبينها الأدباء في مصنفاتهم ودواوينهم، وذلك لتنفير الناس منها، وبالتالي؛ إبعادهم عن ينبوع القيم والمبادئ، ليتركوهم في حالة من التيه والعشوائية التي تقود حتماً إلى محصلة تساوي: صفر.

4- ممارسة دور خبيث في التأثير على الآباء والعائلات بعدم إرسال أبنائهم للدراسة في الجامعات، تحت حجة أن الوضع الاقتصادي لا يسمح، وأن على الأبناء معاونة آبائهم في توفير سبل الرزق ولقمة العيش، وهذا السمّ المغلف بثوب النصيحة وقع ضحيته العديد من الأشخاص، ممن مورست عليهم الضغوط للقعود، وخصوصاً أصحاب التوجهات التي تؤثر في المجتمع بشكل مباشر، عبر تواصلها الحيوي معه.

 

قد لا يتنبه الكثير من الناس إلى هذه الفئة الشاذة، ويستغربون ما نطرح، ويتساءلون بحسن النية: ماذا يجني العدو من ذلك؟

 

نجيب دون إسهاب، إن ذلك هو ميدان الحرب الأول، فإن كسبه في مجال الكلمة، كان سحق الطلقة عليه أهون وأسهل.

 

تكمن الخطورة في قيام هذه الفئة النشاز بالتأثير السلبي على عدد من الأدباء، بحرق معاني الخير في نفوسهم، أو حتى دعم البعض من أجل إصدار مطبوعات أدبية تتنافى مع أصالة هذا الشعب وتطلعاته، وتطعن ثوابته وركائز الخير فيه، وأذكر ما كتبه الدكتور عبدالله ناصح علوان حين قال:

 

(( ووسائلهم – يا شباب – في بث الفساد والتضليل والإلحاد كثيرة ومتنوعة، في الصحف تارة، وفي البث الإذاعي أخرى، وفي التمثيليات التلفزيونية حيناً آخر، وفي الندوات والمراكز الثقافية مرة، وفي افتتاح المنظمات الدولية المتعددة مرات.. عدا عن الدس المركز السافر الدائم في المناهج والكتب، وأجهزة التعليم والجامعات.. ولا يخفى عليكم – يا شباب – أن هؤلاء العملاء يُختارون من طبقة ذكية ماكرة، عندها من أسلوب المنطق والإغراء والتضليل ما يستطيعون التأثير به على عقيدة الولد وأخلاق البلد)). [12]



[1] انظر: الإعلان الإسلامي، علي عزت بيجوفيتش، تحقيق وترجمة: محمد يوسف عدس، دار الشروق - القاهرة، الطبعة الأولى (1999م)، ص 75.

[2] انظر: الإعلان الإسلامي، ص 49.

[3] الإعلان الإسلامي، ص81 – 80... وانظر كذلك: هلم نخرج من ظلمات التيه، ص 64 –65.

[4] المصدر السابق، ص 66.

[5] هلم نخرج من ظلمات التيه، ص 66.

[6] (30) طريقة لتوليد الأفكار الإبداعية، د. على الحمادي، دار بن حزم للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1990 م، الغلاف الخلفي للكتاب.

[7] بين الرشاد والتيه، ص198.

[8] مجموعة رسائل الإمام، المؤسسة الإسلامية للطباعة والصحافة والنشر - بيروت، الطبعة الثالثة (1984 م)، ص237.

[9] منها على سبيل المثال لا الحصر: المنتدى الثقافي، وبيت الشعر، والمركز الثقافي الإسلامي في الخليل، واتحاد الكتاب الفلسطينيين - رام الله.

[10] 30 طريقة لتوليد الأفكار الإبداعية، ص 13، وانظر كذلك: ألحان الهدى، النادي الفني - الكتلة الإسلامية ذراع الحركة الإسلامية العالمية في جامعة بيت لحم الأدبي الطبعة الأولى 1998 م، ص2.

[11] ألف الكاتب في السجن عدة دواوين شعرية، والتقى بالعديد من الأدباء شاركوه هذا الشرف في التدوين والتأليف.

[12] الشباب المسلم في مواجهة التحديات، ص 75.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إشكالية العمل الإحصائي في فلسطين
  • أغنية صمود للمخيم الفلسطيني
  • لا يضرهم من خذلهم

مختارات من الشبكة

  • الأدب نور العقل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من إشكاليات تحقيق الاجتماع الأخوي (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • 4 إشكاليات تعترض البت في مشروعية العملات الرقمية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشكاليات تطوير محلل صرفي حاسوبي دقيق للغة العربية: محلل الخليل نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التثقيف الذاتي: إشكاليات التشويش وضرورات التحصين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سؤال التربية بين الخطاب الرؤيوي والبديل السوسيوثقافي من خلال كتاب: إشكاليات التربية بالمغرب لمحمد أمزيان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إشكاليات وضوابط عمل صناديق جمع التبرعات بالمساجد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إشكاليات طلب العلم المعاصرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إشكاليات الإعلام الإسلامي المعاصر(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب