مفهوم الوقف في القرآن الكريم وتغيره بتأثير أوجه القراءات المختلفة من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الكهف

ملخص الرسالة

مفهوم الوقف في القرآن الكريم

وتغيره بتأثير أوجه القراءات المختلفة

من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الكهف

المقدمة:

الحمد لله الذّي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور، رفيع الدّرجات، لا يعجزه شئ في الأرضين والسّموات، أنزل كتابه على نبيّه عليه الصّلوات والسّلام، هدى للنّاس وعلى آله وأصحابه وأتباع منواله إلى يوم الدّين.

وبعد:

فإنّ علم القرآن أجمل ما به تحلى الإنسان، وخير علم أفنى فيه الإنسان عمره، واستعمل الفكر له وفهمه، فقد جاء عن أفضل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة، والذّي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران[1]".

فالقرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى نزل به الرّوح الأمين جبريل عليه السّلام على النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام.

وقد كان عليه الصّلاة السّلام يعرض القرآن على جبريل في كل عام فيسمعه منه، وفي العام الذّي لحق فيه بالرّفيق الأعلى عرض عليه القرآن مرتين، وتلك العرضة الأخيرة، التي تواتر نقلها وصحّ سندها، لا يجوز لأحدٍ إنكارها، فقد أجمع العلماء على أنّ من أنكر شيئًا من ذلك عالما بقرآنيته فقد كفر.

وإنّ الله تعالى جعل القرآن أعظم المعجزات، وفصل فيه الحكم والآيات، ومن هذا المنطلق كان كل علم له علاقة بالقرآن عظيمًا في نفسه، جليلًا بحسبه ونسبه، يشرف به أهله وقاصدوه، ويسمو به أصحابه ومريدوه.

وكان أول علم حظي بهذه العلاقة الشّديدة علم القراءات وعلم الوقف، إذ أنهما يخدمان القرآن الكر يم من جهة ألفاظه وكيفية تلاوته، وأداء كلماته، ومعرفة وقوفه.

وقد خدم العلماء هذان العلمان من القرون الأولى، وبذلوا فيهما جهودًا جبارة في ذلك، فنظموا ونثروا وكتبوا وحرروا، وجمعوا ما تفرّق وتفرّع، وأبرزوا ما خفي، وبينوا المتواتر والشّاذ والصّحيح والسّقيم، وما يجوز الوقف عليه ومالا يجوز الوقف عليه في القرآن الكريم.

وإنّ العلماء قديمًا اهتموا بكل ماله علاقة بالقرآن الكريم من علم القراءات والوقوف والتفسير وغيرهم، منذ عهد الصّحابة ومن بعدهم، وآثارهم دالة على ذلك، ومما يدل على عناية الصّحابة رضوان الله عليهم بعلم الوقف، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه: قال " لقد عشنا برهة من دهرنا وإنّ أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السّورة على محمّد صلىّ الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، لقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يوقف عنده"[2].

وقد روي عن علي في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4][3]قال: الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف[4].

ولا زالت جهود العلماء متواصلة في بيان حقيقة هذا العلم، فمنهم من أفرده بالتّصنيف (كابن الأنباري) في الإيضاح و(أبي جعفر النّحاس)، في القطع والإئتناف و(أبي عمرو الدّاني) في المكتفى، والشّيخ (زكريا بن محمّد الأنصاري)، في المقصد لتلخيص ما في المرشد، (والأشموني) في منار الهدى، ومنهم من أفرد له بابًا خاصًا في كتابه ك- (ابن الجزري) في النّشر، وفي المقدمة الجزرية، وفي التّمهيد، (والسّيوطي) في الإتقان (والزّركشي) في البرهان (والزّرقاني) في مناهل العرفان.

وكل هذه الجهود كانت في بيان الوقوف الجائزة، وغير الجائزة على طريقة سرد الآيات وبيان ما يكون الوقف عليه تامًا، وما يكون الوقف عليه غير تام؛ ولذا فقد رأيت أن أكمل جهود هؤلاء السّابقين وأتابعهم من حيث وقفوا، حتى يكمل بناء صرح هذا العلم، والله الموفق والهادي إلى الصّراط المستقيم، فيكون موضوع بحثي:

مفهوم الوقف في القرآن الكريم

وتغيره بتأثير أوجه القراءات المختلفة

من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الكهف

(جمعا ودراسة)

فالله تعالى أسأل أن يوفقني لحسن الاختيار ويجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم إنّه نعم المولى ونعم النّصير.

أهمية الموضوع وسبب اختياره:

وتتجلى أهمية هذا الموضوع الجليل وسبب اختياره في النقاط التالية:

1- شدّة تعلق هذا الموضوع بكتاب الله عزّ وجلّ من حيث الأداء الحسن.

2- تعلق هذا الموضوع بمعاني القرآن الكريم من جهة المعنى والإعراب والتّفسير والقراءات.

3- لأنّ جهود السّابقين لم تفرد هذا الموضوع ببحث مستفيض؛ كما أنّ الدّراسات القرآنية الحديثة لم تُعنَ به على نحو يوضح الوقوف المتغيرة بتغير أوجه القراءة.

4- لأنّ طريقة البحث العلمي تُعنى بخدمة جهود السّابقين، والمتابعة من حيث وقفوا.

5- لأنّ بمعرفة هذا العلم تتبين معاني الآيات، ويؤمَن الاحتراز عن الوقوع في المشكلات.

خطة البحث:

تشتمل خطة هذا البحث على مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة وفهارس:

وقد اشتملت المقدمة على:

1- أهمية الموضوع وأسباب اختياره.

2- خطة البحث

3- منهج البحث.

التمهيد: (مفهوم الوقف) وفيه مبحثان:

المبحث الأول: مدخل لعلم الوقف وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: معنى الوقف في اللغة والاصطلاح.

المطلب الثاني: نشأة الوقف وتطوره.

المطلب الثالث: أهم ما كتب فيه.

المبحث الثاني: مدخل لعلم القراءات، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: معنى القراءات في اللغة والاصطلاح.

المطلب الثاني: أنواع القراءات.

المطلب الثالث: اختلاف القراءات في ضوء حديث الأحرف السّبعة.

الباب الأول: دراسة نظرية في مصطلحات الوقف وتحته ثلاثة فصول:

الفصل الأول: نشأة المصطلحات.

الفصل الثاني: روافد تعدد المصطلحات.

الفصل الثالث: أنواع المصطلحات.

الباب الثاني: تغير مفهوم المصطلح بتغير أوجه القراءات في النّصف الأول من القرآن الكريم، وتحته أربعة فصول:

الفصل الأول: الوقف التام وتغيره.

الفصل الثاني: الوقف الكافي وتغيره.

الفصل الثالث: الوقف الحسن وتغيره.

الفصل الرابع: أنواع وقوف أخرى.

الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها خلال هذا البحث والتوصيات.

الفهارس: وتتضمن الفهارس التالية:

أ- فهرس الآيات.

ب- فهرس الأحاديث والآثار.

ج- فهرس الأعلام المترجم لهم.

د- فهرس الألفاظ الغريبة.

ه- فهرس المصادر والمراجع.

و- فهرس الموضوعات.

منهج العمل في هذا البحث:

سأسلك في هذا البحث - إن شاء الله تعالى - المنهج التالي:

1- إحصاء وجمع القراءات التي ورد ذكرها في السّور ولها أثر في الوقف.

2- تصنيف هذه القراءات بحسب أنواع الوقوف.

3- اذكر الآيات التي صنفتها وأبين التغيير الذّي يحدث في الوقف بتغير القراءة، وبيان المعنى التفسيري أو اللغوي إذا اقتضى ذلك.

4- عزو كل قراءة إلى قارئها من القراء العشرة وغيرهم.

5- توثيق القراءات بعزوها إلى مصادرها الأصيلة.

6- الحكم على القراءة من حيث التّواتر والشّذوذ.

7- عزو الآيات إلى مواضعها بذكر السّورة ورقم الآية.

8- تخريج الأحاديث الواردة في البحث.

9- الاعتماد على رواية حفص من طبعة مجمع المصحف النّبوي في عرض الآيات.

10- شرح الكلمات الغريبة الواردة في البحث.

11- أترجم للقراء والأعلام الوارد ذكرهم في البحث.

12- الالتزام بعلامات الترقيم وضبط ما يحتاج إلى ضبط.

13- تصنيف القراءات حسب مصطلحات الوقف على ما يواقف رواية حفص عن عاصم.

14- ومن منهجي أنني إذا وجدت أحدًا من علماء الوقف قال بالتمام في أحد الوقوف اعتمدته ثم ذكرت رأي مخالفه إن كان هناك مخالف.

الخاتمة

أولًا: نتائج البحث:

أما النتائج التي توصلت إليها خلال هذا البحث بفضل الله ومنّه فهي في النقاط التالية:

1- إنّ الوقف الجيد اهتم به النّبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ردّ على الخطيب الذّي قال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما). فأرشده النّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما كان ينبغي أن يقف عنده.

2- الصّحابة رضوان الله عليهم والتابعين كذلك اهتموا بالوقف اللائق الذي لا يفسد المعنى وحديث عبد الله بن عمر يشهد لذلك (لقد عشنا برهة....).

3- إنّ الوقف يطلق في اللغة ويراد به الكف عن الفعل والحبس، ولكن عرف القراء يراد به قطع الصّوت على الكلمة زمنًا ما، يتنفس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض عنها.

4- إنّ علم الوقف علم عظيم اهتم بالتأليف فيه المتقدمون والمتأخرون؛ إذ متعلقه - هو كتاب الله تعالى - أشرف العلوم على الإطلاق ومؤلفاتهم الغزيرة تشهد لذلك.

5- إنّ القراءة سنة متبعة يأخذها الخلف عن السلف فلا مجال للرأي فيها، وهي محفوظة بحفظ الله ورعايته لها، ولذا نقلت إلينا هذه القراءات بطرق صحيحة متواترة عن النّبي - صلى الله عليه وسلم -.

6- أركان القراءة الصّحيحة ثلاثة وهي: صحة السّند، وموافقة الرّسم العثماني، وموافقة وجه من وجوه اللغة العربية، فلو اختل شرط من هذه الشّروط في قراءة، أعتبرت تلك القراءة شاذة كما بينه الإمام ابن الجزري رحمه الله.

7- إنّ حديث نزول القرآن على سبعة أحرف لازال المراد منه محل بحث وتنقيب، فقد يفتح الله على شخصٍ بما لا يفتح على غيره، والخروج منه بنتيجة يكون راضيًا بإذن الله تعالى.

8- إنّ تسمية الوقوف بتام، أو كاف، أو حسن، أو قبيح ليست ببدعة كما يراها بعض العلماء - كالقاضي أبي يوسف -؛ إذ كل ذلك لبيان المراد من كلام الله تعالى على الوجه الأكمل.

9- ينبغي للقارئ أن يتحرى الوقف المناسب للقراءة التي يقرأ بها؛ إذ الوقف يتغير من قراءة لقراءة، فلا يستوي الوقف على (أمنًا) لمن قرأ مثلًا: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بالفتح على الخبر، أومن قرأه بالكسر على الأمر.

10- إنّ سبب تعدد مصطلحات علم الوقف هي تلك العلوم التي لا يستغني عنها كل من أراد الخوض في هذا العلم، من علم قراءات، وتفسير، ولغة، ففي إعراب يحسن الوقف على موضع، وفي غيره لا يحسن ذلك، وفي تفسير يتم المعنى على موضع وفي غيره لا يتم ذلك، وفي قراءة يتم الوقف على موضع وفي غيره لا يتم ذلك.

التوصيات: وهي مجملة فيما يأتي:

1- العناية الفائقة بمثل هذه الموضوعات؛ إذ الطالب يستفيد في مثله في معرفة الوقف المناسب وتميزه من غيره.

2- متابعة هذا المشروع إلى آخر القرآن الكريم سواء من قبل هذا الباحث أو من باحث آخر حتى يكمل بناء صرح هذا الموضوع وينال حقه من العناية.

3- أن تكون تلك الخطة التي تأتي بعد هذا البحث خطة موحدة على نمط واحد موافقًا لسابقه.

4- كل من يقف على خطإ في هذا البحث فليحسن الظن بكاتبه؛ إذ هو طالب مبتدئ، وليلصح ما وقع فيه من الخطأ؛ إذ الكمال لربّ العالمين والحمد لله أولًا وآخرًا.

فهرس الموضوعات