الاستغناء في اللغة العربية (دراسة صرفية ونحوية)

ملخص الرسالة

الاستغناء في اللغة العربية

(دراسة صرفية ونحوية)

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على النبي الأمين محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فتعد ظاهرة الاستغناء إحدى أهم الظواهر اللغوية التي تطرأ على الكلام العربي؛ إذ اعتمدها الاستعمال اللغوي رغبة في التخلص من كل ما من شأنه أن يؤثِّر على الكلام ثقلًا أو إطالة، مستعملًا في ذلك (الإبدال) و(الحذف).

ولأهمية هذه الظاهرة وأثرها في الكلام العربي؛ نالت اهتمام الباحث ورغبته في خوض غمارها، مع ما فيها من صعوبة تكمن في تداخل بعض مواضع الظاهرة بظواهر لغوية أخرى تتشابه معها في اعتمادها الإبدال والحذف، وفي اختلاف تفسيرات العلماء في هذا الموضع أو ذاك، مما يجعله يتأرجح بين الاستغناء والنيابة أو التعويض، بحسب اختلاف هذه التفسيرات، وكان على الباحث الرجوع إلى أهم مصادر العربية وأقدمها التي سجلت لنا الكلام العربي الفصيح، وما تحتويه هذه المصادر من تعقيدات في أسلوبها في بعض مواضعها، وصعب على الباحث اقتناؤها. ولظهور هذه الظاهرة في المستويين الصرفي والنحوي؛ فقد دأبت هذه الدراسة على تبين مواضعها في كلا المستويين، ولكن منهجية البحث اقتضت تقسيم مواد البحث على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة.

اشتمل التمهيد على تعريف الاستغناء عند القدماء، ومحاولة وضع تعريف له، مستندًا إلى الفروق الدقيقة بين الاستغناء والظواهر اللغوية الأخرى كالنيابة، والتعويض.

وتناول الفصل الأول الاستغناء في الأسماء فاشتمل على مبحثين تناول الأول الاستغناء في الأسماء في الصرف، في حين تناول المبحث الثاني الاستغناء في الأسماء في النحو، وانقسم كل منهما على قسمين: الأول الاستغناء بالإبدال، والآخر الاستغناء بالحذف.

أما الفصل الثاني، فقد تناول الاستغناء في الأفعال، واشتمل أيضًا على مبحثين: الأول منهما تناول الاستغناء في الأفعال في الصرف، والآخر الاستغناء في الأفعال في النحو، ولقلة اتساع الظاهرة في (الأفعال) قياسًا على ما هي عليه في الأسماء والحروف، لم يقسم المبحث الواحد على ما قسم عليه في الفصل الأول والثالث.

أما الفصل الثالث، فقد تناول الاستغناء في الحروف، واشتمل أيضًا كما في سابقيه على مبحثين: الأول تناول الاستغناء في الحروف في الصرف، والآخر الاستغناء في الحروف في النحو، وانقسم كل مبحث منهما قسمين، كما هو الحال في الفصل الأول، تناول الأول منهما الاستغناء بالإبدال، والآخر الاستغناء بالحذف.

وجاءت الخاتمة متضمنة النتائج التي توصل إليها البحث.

بقي أن أقول: إن عملي هذا قد بذلت فيه جهدًا لا يعلمه إلا الله تعالى، فأرجو أن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأرجو أن أكون قد وفِّقت فيه، فإن كان ذلك فبفضل من الله، وإلا فإنه من نفسي ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله أولًا وآخرًا.

الخاتمة:

الاستغناء ظاهرة لغوية بارزة، وردت في التراث اللغوي موزَّعة ومبثوثة في كتب اللغويين والنحويين، فجاءت هذه الدراسة محاولة جمع ما تفرَّق، ساعية من خلال ذلك إلى توضيح الحدود الفاصلة لهذه الظاهرة عن الظواهر اللغوية الأخرى، وقد توصلت هذه الدراسة إلى الآتي:

1- يُعَدُّ سيبويه أول من حاول وضع تعريف لهذه الظاهرة، وقد بيَّن فيه الجوانب المختلفة لها، غير أن تعريفه لم يصغه في موضع واحد، وإنما جاء متفرقًا في كتابه.

2- الذين جاؤوا بعده لم يضيفوا شيئًا على هذا التعريف، بل أنقصوا منه ما كان سيبويه قد ذكره، فاقتصروا على ذكر أن الاستغناء هو (الاستغناء بالشيء عن الشيء الآخر حتى يصير المستغنى عنه مسقطًا)، ولم يذكروا في ذلك الوجهين الآخرين اللذين ذكرهما سيبويه إلى جانب هذا الوجه.

3- يمكن عدُّ سيبويه النحويَّ الأول الذي عالج هذا الموضوع بشكلٍ وافٍ لم يسبقه إليه أحد، غير أنه لم يضع هذا الموضوع تحت باب يشمل فيه جميع جوانب الاستغناء المختلفة، وإنما جاء ذلك كتعريفه مفرقًا في كتابه، يستثنى من ذلك ما عقده من باب كبير تحدث فيه عن الاستغناء عن (الفعل) في المستوى النحوي.

والذين جاؤوا بعده قصَّروا أيضًا في الإيفاء بذكر هذه الظاهرة عما جاء به سيبويه، إلا ما كان من ابن جني في كتابه الخصائص، والسيوطي في الأشباه والنظائر في النحو، فقد خصَّصَا بابًا للاستغناء في كتابيهما ضمَّناه بعضًا من مواضع هذه الظاهرة، اقتصرا فيه على الجانب الصرفي منه دون التطرق إلى ما وقع منه في المستوى النحوي، بل إن ما ذكراه من الجانب الصرفي لم يكن إلا على سبيل التمثيل، غير أن ابن جني عقد في الخصائص بابًا في شجاعة العربية، تكلَّم فيه عن الحذف الذي هو أحد آليتي الاستغناء.

4- بيَّنت هذه الدراسة أن الاستغناء ظاهرة تقع في المستويين الصرفي والنحوي، وتتسع فيهما اتساعًا كبيرًا مع تفاوت في مواضعها.

5- بيَّنت هذه الدراسة أن للاستغناء آليتين هما (الإبدال) و(الحذف)، واعتمادًا على ذلك حاول البحث أن يقسم (الاستغناء) على: (الاستغناء بالإبدال)، و(الاستغناء بالحذف)، مع أن المستغنى به في (الحذف) يكون وكأنه بدلًا من المستغنى عنه، إلا أن ثمة فرقًا بين النوعين أظهرته هذه الدراسة.

6- بيَّنت هذه الدراسة أن كلا نوعَي الاستغناء يقعان في المستوى الصرفي والنحوي بدرجات متفاوتة.

7- بيَّنت هذه الدراسة الفروق الدقيقة بين الاستغناء ظاهرة مستقلة وظواهر لغوية أخرى تشاركها في آلية الحذف كالنيابة والتعويض، إلا أن ثمة فرقًا بين اعتماد الاستغناء هذه الآلية واعتماد الظواهر اللغوية الأخرى لها؛ إذ إن الاستغناء يعتمد الحذف كمرحلة أولى وأخيرة دون أن يحل فيه المستغنى به موضع المستغنى عنه، وإنما يقتصر على إغناء موضع المستغنى عنه دلاليًّا، على حين النيابة والتعويض يحتل فيها النائب أو المعوض موضع المنوب أو المعوض عنه، تاركًا موضعه الأول وإعرابه ووصفه، ليحل محل ما أصبح بديلًا عنه، وبهذا يقتصر المستغنى به على إغناء موضع المسقط دلاليًّا فقط، وقد يغني عنه وظيفيًّا كما كان ذلك في الاستغناء عن الضمير في الربط.

8- تقع هذه الظاهرة في الأسماء والأفعال والحروف بدرجات كبيرة، إلا أنها متفاوتة فيما بينها في درجة الاتساع.

9- تحتل الظاهرة الحيز الأكبر في الأسماء؛ إذ إنها تظهر فيها في كلا المستويين الصرفي والنحوي بكلا نوعَيْها الاستغناء بالإبدال والاستغناء بالحذف، فيظهر الاستغناء بالإبدال في الصرف والنحو، وهو في الصرف أكثر منه في النحو؛ إذ يشمل في الصرف مواضع كثيرة تكاد تشمل غالب المباحث الصرفية، فهو يظهر في التثنية وجمع التصحيح وجمع التكسير والتصغير وأبنية اسم الفاعل وأبنية المصدر، إلا أنه في جموع التكسير أكثر اتضاحًا، ويكون في كثير من أوزانه كما بيَّن البحث ذلك في المبحث الأول من الفصل الأول، وظهور الاستغناء بالإبدال في النحو في الأسماء أقلُّ نسبيًّا من ظهوره فيها في الصرف.

والاستغناء بالحذف هو الآخر يظهر فيها بشكل واضح، إلا أنه في النحو أكثر بكثير منه في الصرف؛ إذ إنه في الصرف ينحصر في الاستغناء عن (الواو) و (الياء) اللذين هما ضميران، على حين اتسع في النحو ليشمل غالب المواضع التي يقع فيها الاسم ضمن بنية التراكيب النحوية.

10 - تأتي الحروف في المرتبة الثانية بعد الأسماء من حيث كثرة وقوع الظاهرة فيها، وهي تكاد تتقارب مع الأسماء في اتساع الظاهرة فيها، وهي كالأسماء يظهر فيها كلا نوعَي الظاهرة في كلا المستويين الصرفي والنحوي، إلا أنهما في المستوى النحوي أكثر اتساعًا مما هما عليه في المستوى الصرفي؛ إذ ينحصر الاستغناء بالإبدال في المستوى الصرفي في الاستغناء عن تاء التأنيث والاستغناء عن ياء النسب، على حين يتسع في المستوى النحوي ليظهر في غالب حروف المعاني ويقتصر عليها فلا يظهر في حروف المباني. وكذلك الحال في ظهور الاستغناء بالحذف فيها، فهو في المستوى النحوي أكثر منه في المستوى الصرفي، وهو في المستوى الصرفي ينحصر في حروف المباني، على حين يقتصر في المستوى النحوي على حروف المعاني، وهذا طبيعي فيهما طبقًا لمجال كل منهما.

11- تقلُّ الظاهرة نسبيًّا في الأفعال قياسًا بظهورها في الأسماء الحروف في المستويين الصرفي والنحوي، فهي لا تقع بكلا نوعيها فيهما، وإنما يقتصر كل مستوى بظهور نوع واحد فيه، فالاستغناء عن الفعل في الصرف لا يكون فيه إلا الاستغناء بالإبدال، وهو فيه قليل جدًّا على خلاف ما كان ذلك في الأسماء والحروف، ويقتصر الاستغناء في الأفعال في النحو على الاستغناء بالحذف، ولا يظهر فيه الاستغناء بالإبدال، إلا أن الاستغناء بالحذف في الأفعال أكثر اتساعًا مما هو عليه في الأسماء والحروف، ومع هذا لا يجعله بمستوى الأسماء والحروف في مدى ظهور الظاهرة فيهما.

12- رصدت الدراسة بعض مسائل الخلاف حول بعض المواضع، مما جعلها تتأرجح بين الاستغناء والنيابة والتعويض، وقد رجح البحث في بعض المواضع رأي هذا العالم أو ذاك في جعل هذا الموضع من الاستغناء، ويتضح ذلك جليًّا في الاستغناء عن عامل المفعول المطلق.

وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.