شرح أبيات المفصل للإمام فخر الدين الخُوارزمي (عرض)

ملخص الرسالة

شرح أبيات المفصل للإمام فخر الدين الخُوارزمي (عرض)

عاش في القرن الثامن الهجري

المقـدِّمة

الحمد لله الذي رفَع شأن العلم والعلماء، والصَّلاة والسَّلام على سيّدنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه النُّجباء.

أمَّا بعد:

فإنَّ كلَّ أمَّة عريقة حيَّة تَسْعى إلى ربط ماضيها بحاضرها، وتعمل على أداء قسط مِن حقوق السَّلف عليها، وتريد أن تبني صرحَها العلمي وحضارتها الحديثة على أُسس متينة، وقواعد راسخة.

ونشرُ كتب التُّراث بعدَ تحقيقها تحقيقًا علميًّا، هو أحدُ السُّبل الموَصِّلة إلى ما ذُكِر، ولا سيَّما تراث الأمَّة الإسلامية الأصيل.

وإيمانًا منِّي بالجوانب الإيجابيَّة العظيمة لإحياء المخطوطات وإبرازها إلى الوجود، كنتُ أدعو الله تعالى أنْ يوفِّقني إلى اختيار مخطوط جدير بالتَّحقيق، وأنْ ييسِّر لي سبيلَ الحُصُول على نُسخه؛ ليكون (تحقيقه ودراسته) موضوع رسالتي في مرحلة التخصُّص العالي (الماجستير).

وبينما كنتُ أبحث في فهارس مخطوطات اللغة العربية في دار الكتب الظاهرية بدمشق - استوقفني مخطوط بعنوان (شرح أبيات المفصَّل)؛ منسوبٌ إلى الإمام فخر الدين الخُوارزمي، فشعرتُ برغبة شديدة نحوه.

وبعد استخارة، واستشارة، ودراسة سريعة حولَ المخطوط من جوانب مختلفة، علمت أنَّه لم يُطبع، ولم يُحقَّق بعدُ، ولكن تَنَازَعني في اختياره للتحقيق أسبابٌ متناقضة: بعضها سلبية كانت ترغِّبني عنه، وبعضها إيجابيَّة كانت تُرغِّبني فيه.

أمَّا الأولى: فكانت تتمثَّل في الصُّعوبات التي كنت أعلمُ أنَّها ستُواجهني في أثناء التَّحقيق والدِّراسة، منها:

1 - نسبته إلى أكثرَ من مؤلِّف.

2 - أنَّ مؤلِّفه (الحقيقي) شبه مجهول؛ ليستْ له ترجمة في المصادر، ولا يُعرَف عنه غير اسمه المدوَّن على صفحة عنوان نسخة الظاهرية.

3 - تبعثر نسخه في عدة دول.

4 - ضخامة حجم المخطوط.

وأمَّا الثانية - ولها كانت الغلبة - فتمثَّلت في الأمور التالية:

1 - أنَّه من كتب شروح الشواهد النحوية التي لها أهمية كبيرة، ومكانة متميِّزة في تاريخ التأليف في علوم اللُّغة العربية؛ لأنَّها تجمع في ثناياها بيْن كثيرٍ مِن مسائل اللغة، والنحو، والأدب، والبلاغة، والعَروض.

2 - خدمة كتاب المفصَّل للزمخشري (ت538 هـ)، الذي تبوَّأ في القرنين السادس والسابع الهجريين - مكانةَ كتاب سيبويه، ومع ذلك لم يلقَ العناية اللائقة به في العصر الحديث؛ إذ لم يُطْبَعْ من شروحه الكثيرة إلا ثلاثة شروح، ومن شروح أبياته إلاَّ شرحٌ واحد لمتأخِّر.

3 - أهمية هذا المخطوط وقيمته العلميَّة؛ إذ يحوي شرحًا لأبيات المفصَّل التي بلغتْ مع المكرَّر أربعمائة وخمسين بيتًا ونيِّفًا، وامتاز عن غيره من شروح الأبيات بشرح أكثر مِن مائة شاهد نثري من شواهد المفصَّل.

4 - محاولة توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه الحقيقي وجمع المعلومات الوافية عنه.

5 - إبراز هذا المخطوط إلى الوجود محقَّقًا تحقيقًا علميًّا، وتمكين علماء العربية وغيرهم من الإفادة منه.

6 - أصالة مصادره، وكونُ بعضها لا يزال مخطوطًا.

7 - التَّشجيع الذي وجدته من أستاذي الفاضل الدكتور إبراهيم عبدالله رُفيدة - حفظه الله.

ولمَّا تمكَّنتْ هذه الأسباب في نفسي، ورأيتُها معقولةً وكافية لتحقيق هذا المخطوط، عقدتُ العزم، وتوكَّلتُ على الله تعالى، وكان هذا الكتاب.

وقد قسَّمت العمل فيه قسمين:

القسم الأول: الدِّراسة: ويتكوَّن من أربعة فصول، هي:

الفصل الأوَّل: المؤلِّف فخر الدين الخوارزمي: صدَّرتُه بتمهيد تناولت فيه أسبابَ غياب ترجمته في المصادر وتفسير ذلك، ثم تحدَّثتُ عن اسمه ونسبه، وشيوخه وتلاميذه، والفترة التي عاش فيها، ومصنَّفاته.

الفصل الثاني: الزَّمخشري وكتابه المفصَّل: بدأته بالترجمة له، ثمَّ بيَّنتُ أهمِّيةَ كتابه المفصَّل، من خلال منهجه وأقوال العلماء فيه، ثم ذكرتُ طبعاته، وشروحه المطبوعة والمخطوطة والمفقودة والمجهولة المؤلِّف، ثمَّ تحدثتُ عن شروح أبياته، ومنظوماته، ومختصراته، ومقلِّديه، والآخذين عليه.

الفصل الثَّالث: كتاب شرْح أبيات المفصَّل للإمام فخر الدين الخوارزمي:

تَحدَّثتُ فيه عن عنوانه، ونسبته إلى مؤلِّفه، وسبب تأليفه، ومصادره ومنهجه، ثمَّ أجريت مقارنةً بينه وبيْن شرحين آخرين لأبيات المفصَّل؛ هما: المنخَّل للمراغي وتلميذه البخاري، والمفضَّل للنَّعساني، ثم تكلمتُ عن تأثُّره وتأثيره، وانفراداته والمآخِذ عليه.

الفصل الرابع: وصف النُّسْخ المخطوطة، ومنهج التحقيق:

وصفتُ في المبحث الأوَّل النسخ الأربع المعتمدة في التحقيق وصفًا تفصيليًّا، ثمَّ وصفتُ النسَخ الثلاث غير المعتمدة في التحقيق باختصار، وفي المبحث الثاني تحدَّثتُ عن المنهج الذي اتَّبعته في تحقيق نصِّ هذا الكتاب.

وألحقتُ هذا الفصل الأخير بنماذج مِن النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق، ثمَّ بكشَّاف للرموز والمختصرات الواردة في متن الكتاب وحواشي التحقيق.

جزَّأتُ الكتابَ إلى ثلاثة أجزاء؛ لضخامته مِن جِهة، وللتخفيف على مَن أراد الاطِّلاع عليه من جهة أخرى.

القسم الثاني: النصُّ المحقَّق: ويحوي النصَّ الكامل لكتاب شرح أبيات المفصَّل للإمام فخر الدين الخوارزمي، مذيَّلاً بالحواشي التي دونتُها عليه.

أمَّا منهجي في تحقيقه وإخراجه فقد ذكرتُه في الفصل الأخير من القِسم الأوَّل.

وإني إذ أحمد الله تعالى على ما أعان ويسَّر، أتقدَّم بخالص الشكر والتقدير إلى أستاذي الكريم، العالِم الفاضل الدكتور إبراهيم عبدالله رُفيدة - حفظه الله - الذي أشرف على عَمَلي في هذا الكتاب، ورعاه بفضله وعِلمه، وتجشَّم عناء قراءته، ولم يألُ جهدًا في إسداء النُّصح والإرشاد، وتقويم ما اعوجَّ منه بملاحظاته الدقيقة، وتوجيهاته المفيدة، واقتراحاته القيِّمة، ويشهد الله أنَّه لولا توفيقُ الله تعالى، ثمَ تشجيع أستاذي المتواصل لما تمكَّنتُ مِن إنجازه في هذه المدَّة، بل ربمَّا كنت أتوقَّف عن العمل فيه، أو أكتفي بتحقيق بعضٍ منه فقط، فجزاه الله عنِّي خيرَ الجزاء.

وبعد، فلستُ أدَّعي لعملي في هذا الكتاب العِصمةَ والكمال، ولكن حسبي أنِّي أخلصتُ فيه النيَّة، وسلكتُ في تحقيقه منهجًا صارمًا صعبًا، توخَّيتُ فيه الدِّقَّة والأمانة، وقد كلَّفني ذلك من الجهد والمشقَّة والمعاناة ما لا يعلمه إلاَّ الله، ثمَ الممارسون لمثل هذه الأعمال، فإن كنتُ وفِّقتُ فبفضل الله وتيسير منه، وإن كانتِ الثانية فلِعَجْزي وقصوري، وقلَّة خِبرتي في هذا المجال.

واللهَ نسأل الصَّوابَ والسَّداد، ونعوذ به من الشَّطط والزَّلل، والشكر لكلِّ مَن يُنبِّهني على خطأ أو هفوة في هذا العمل، والله الموفِّق وهو الهادي إلى الصَّواب.