أثر العبادة التربوي في تكوين الشخصية وتحديد السلوك

ملخص الرسالة

أثر العبادة التربوي في تكوين الشخصية وتحديد السلوك

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]

ملخص الدراسة

استهدفت هذه الدراسة تقصِّي معنى العبادة، والآثار التربوية المترتِّبة عليها في المدرسة، وأمَّا المنهج الذي اتُّبِعَ في هذه الدراسة فهو المنهج الوصفي التحليلي لِمُلاءمته لطبيعة هذه الدراسة.

تتكوَّن الدراسة الحاليَّة في أربعة فصول نُوقِشَ في الفصل الأول منها أهمية الدراسة وأهدافها وحدودها، وفي الفصل الثاني نُوقِشَ مفهوم العبادة والنتائج السلبيَّة المترتِّبة على المفهوم الضيِّق لها، وأبرز خصائص العبادة التي أكَّدت عليها الدراسة الحاليَّة الشُّمول والوسطيَّة والواقعيَّة، وفي الفصل الثالث تم تقصِّي أثر العبادة على تربية أفراد المجتمع المسلم، ومن بين القضايا التي درست حفظ اللسان والتواضُع وصُحبة الأخيار، وقد أنحصَر الاهتمام في الفصل الرابع في مناقشة أثر العبادة على التربية المدرسية، وحيث إنَّ طبيعة المنهاج الدراسي تعتمدُ إلى حدٍّ كبير على النظرة إلى طبيعة العلم فقد أوضحت الدراسة مكانةَ العلم والتعليم في الإسلام، ثم إنَّ وجود صلة وثيقة بين الأهداف التربويَّة التي يسعى المنهاج إلى تحقيقها وبين شخصية المعلم جعلت الباحثة تُعنَى في الجزء الأخير من هذا الفصل بتربية المعلِّم ومدى ارتباطها بالعبادة، ولا شكَّ في أنَّ المعلم المسلم الذي يعبدُ ربَّه حقَّ عبادتِه يختلفُ في إعداده وتطلُّعاته عن المعلم الديمقراطي وعن المعلم الاشتراكي، وهذه قضيَّة لا بُدَّ من التأكيد عليها لارتباطها بالعقيدة الإسلاميَّة.

واختتمت الدراسة بعدَّة توصيات تُؤكِّد على ضرورة أنْ تكون جميع عناصر المنهاج الدراسي منسجمةً مع العقيدة الإسلامية، وأنْ تهتمَّ الكليات التربوية ببرامج إعداد المعلمين وتدريبهم أثناء الخدمة؛ إذ لا شيء يُهدِّد العملية التربوية أكثر من المهنيَّة التي تجرُّه إلى المادية وتُبعده عن العبادة.

♦♦♦

الفصل الأول

الفصل التمهيدي

أولاً: المقدمة

ثانيًا: أهميَّة الدراسة وتحديدها

ثالثًا: أهداف الدراسة

رابعًا: طريقة الدراسة وحدودها

خامسًا: مخطط الدراسة

أولاً: المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد بن عبدالله ومَن اتَّبعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

لقد شاء الله أنْ جعل الإنسان خليفةً في الأرض لعمارتها وإقامة حُكم الله فيها، وكان ذلك ضِمن إطار مُعيَّن ومحدَّد وصفَه الله - سبحانه وتعالى - لهذه الخلافة، والإنسان عندما خُلِقَ لتحمُّل هذه الأمانة لم يُترَك هملاً، بل أرسَلَ الله إليه الرسل لإنارة طريقه وتوضيح معالم الحلافة له، ولقد أوضح الله - سبحانه وتعالى - هذه الغاية بقوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

والعبادة ليست بالأمر الثانوي الذي يقعُ على هامش الحياة، بل إنَّها المحور الذي تتَّصل به تصرُّفات الإنسان وكل ما يصدر عنه من سلوك؛ ولذا كانت مهمَّة الرُّسل جميعًا الدعوة إلى توحيد الله - سبحانه وتعالى - فقد كان المبدأ الأوَّل في كل رسالة: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [هود: 50].

ويتبايَنُ فهمُ الناس للعبادة؛ فمنهم مَن يراها محصورةً في ركنٍ من أركان الإسلام أو جانب واحد من جوانبه دون أنْ يكون لها أثرٌ في تكوين الأفراد وإعدادهم لمهمَّتهم الأساسيَّة، ومنهم مَن ينظرُ إلى العبادة على أنها ممارسة مستقلَّة بذاتها دون أنْ يكون لها أيُّ أثرٍ على السلوك العام وتكوين الشخصية، فهي أمر خاص بالفرد لا يتَّصل بدنيا الواقع، ومن هنا فإنَّ الباحثة ترغبُ في دراسة العبادة للتأكيد على مفهومها الشامل، ولتوضيح دورها الأساسي في حياة الفرد، وسوف يُركِّز في هذه الدراسة على إبراز الدور التربوي للعبادة في صقل وتنمية وتوجيه السلوك الإنساني.

♦♦♦

الخاتمة

العيادة في الإسلام ذات مدلولٍ شامل، وهي تحملُ في طيَّاتها إلى جانب الطاعة والنظام كثيرًا من الصِّفات الخلقيَّة الحميدة، كما أنها ذات أبعادٍ نفسيَّة وصحيَّة واجتماعيَّة، وتظهر أهميَّة العبادة في اقترانها بالإخلاص والاعتقاد الصحيح؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

فالعبادة رياضة عمليَّة مستمرَّة هدفها تأكيد العقيدة وتجليتها، وحيث إنَّ الإنسان ضعيفٌ فهو عرضةٌ للوساوس والانحراف، ولا يكون الخلاص إلا بتقوية الصِّلة بين الإنسان وخالقه، من هنا تنبعُ أهمية العبادة لأنها تعملُ على إزالة اللبس، وتفتح البصيرة، وتحقق التواصل الدائم مع الحقِّ سبحانه، وإذا وقع الإخلال بها والتقاعس عنها انحدر الإنسان إلى أسفل السافلين؛ لهذا جاء موضوع هذه الدراسة الذي يدور حول العبادة، وما دامت العبادة تُطلق للدلالة على كلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فإنَّ للعبادة دورًا رئيسيًّا في حياتنا وسلوكنا، ومن هنا فإنَّ المسلم مطالبٌ برفض اعتبار العبادة مجرَّد شعائر، وهذا المفهوم الشامل للعبادة ينطوي على مردودٍ تربوي هام، ذلك أنَّه يُؤكِّد على تكامُل السلوك الإنساني الموصول بالخالق - سبحانه وتعالى - وقد نُوقِشَ في الدراسة الحاليَّة تأثير العبادة على تربية أفراد المجتمع المسلم، واتَّضح أنَّ للعبادة أثرًا في تكوين شخصيَّة الفرد، وتقرير هذه الحقيقة يقودُ إلى حقيقة أخرى مُؤدَّاها أنَّ العبادة هدف هام من أهداف المدرسة باعتبار أنَّ المدرسة إحدى المؤسَّسات التربويَّة التي تُسهم في تربية النشء، وهذا الدور الهام الذي تقومُ به المدرسة في المجتمع المسلم يختلفُ في جوهره عن دور المدرسة في المجتمعات الوضعيَّة التي تعتبر الدين - في أحسن الحالات - قضيَّة شخصيَّة لا يجوزُ المدرسة أنْ تتدخَّل فيها.

وما دام الأمر كذلك فإنَّ الصلة تبقى قويَّة بين العبادة وبين المنهج الدراسي، وقد اتَّضحت هذه القضيَّة من خلال مُناقشة عنصرين من العناصر الأربعة التي يتكوَّن كل منهج دراسي وهما الأهداف والمحتوى.

والمعلم ركنٌ أساسي من أركان العمليَّة التربويَّة، وانطلاقًا من هذه الحقيقة فقد درست الصلة القائمة بين العبادة وبين تربية المعلمين، وتبدو أهميَّة المعلم في أنَّه يُعتبر القدوة والحسنة للمتعلِّمين؛ لذا كان لزامًا على كليَّات التربية أنْ تدرك أثرَ المعلم في تربية النشء، وأنْ نعمل تخريج المعلِّمين المسلمين الذين يحرصون على تربية الجيل المسلم، صحيح أنَّ المعلم بحاجة ماسَّة إلى معرفة أساليب التعليم الصحيحة التي تُساعده على ضبط سلوك المتعلِّمين، ونقل الخبرات التعليمية إلى مَداركهم، إلا أنَّه فوق هذا وذالك بحاجةٍ إلى طاقة قويَّة تُمكِّنه من الإخلاص في العمل، ولا طاقةَ أسمى من طاقة العبادة؛ لأنها موصولة بالله - سبحانه وتعالى.

وأخيرًا فإنَّ الباحثة تُوصِي بتبنِّي الأمور التالية:

1- يجب أنْ تكون جميع عناصر المنهج المدرسي مستمدَّةً من العقيدة الإسلاميَّة، وعلى المدرسة أنْ تشجع المعلمين على تقويم كلِّ عنصر من عناصر المنهج بناءً على التصوُّر الإسلامي الصحيح.

2- ضرورة اهتمام كليات التربية ببرامج إعداد المعلمين وتدريبهم أثناء الخدمة، فالمفروض أنْ تخرج هذه الكليات المعلم الداعية الذي يعبدُ ربَّه حقَّ عبادته ويخلص له النية في السرِّ والعلَن؛ إذ لا شيء يتهدَّد العملية التربوية أكثر من المهنيَّة التي تجرُّه إلى المادية وتُبعده عن العبادة.

3- على إدارة المدرسة أنْ تُعامل الجميع بروحٍ ملؤها الأخوَّة والإخلاص، فالمدير المسلم والمديرة المسلمة يحترمُ كلٌّ منهما مشاعر المتعلمين أو المتعلمات، والعبادة تُضفي على المدير المسلم من الصفات ما لا يتوفَّر لدى المدير الديمقراطي؛ لذا تدعو الباحثة إلى الإقلاع عن امتِداح النمط الديمقراطي في الإدارة وسائر المجالات التربوية الأخرى؛ لأنَّ ما لدينا يسمو عليه.

4- يجب أنْ تنعكسَ العبادة بمفهومها الشامل على تصرُّفات المتعلمين وما يصدر عنهم من أقوال، وهكذا فإنَّ من مسؤوليَّات المدرسة أنْ تفهم هؤلاء أنَّ التعليم أكثر من مجرَّد تكرار للعبارات التي يتضمَّنها الكتاب.

والمدرسة مطالبةٌ كذلك بتوفير الأجواء التي تُمكِّن هؤلاء من ممارسة العبادة بمعناها الواسع، وهذا لا يتأتَّى إلا إذا كان المعلِّمون قدوةً حسنة.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا اله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

♦♦♦

قائمة المحتويات