الشاهد النحوي في تفسير (إرشاد العقل السليم لأبي السعود)

ملخص الرسالة

الشاهد النحوي في تفسير

(إرشاد العقل السليم لأبي السعود)

المقدمة

الحمد لله الرحيم الرحمن، الذي أنعم علينا بنعمة القرآن، فقوم به اللسان، حمدًا لنعمه التي لا تعد بالبنان، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين وخير الأصفياء والمعلمين، وعلى آله وصحبه الأوفياء أجمعين.

أما بعد:

فإن كثرة العلماء والمفسرين الذين سخرهم الباري عز وجل للغوص في بحور كتابه العزيز، ما هم إلا فضل من عنده ورحمة، فهو يقول في مصحفه الشريف: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [البقرة: 64]، لأنهم - رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته - قد بذلوا قصارى جهدهم لتبيين معانيه وكشف أسراره وتوضيح قواعده واستنباط الأحكام بأنواعها المختلفة.

فالمتقدمون المحققون اقتصروا على تمهيد المعاني وتشييد المباني، وتبيين المرام وترتيب الأحكام حسبما بلغهم من سيد الأنام عليه شرائف التحية والسلام.

والمتأخرون المدققون قد راموا مع ذلك إظهار مزاياه الراقية وإبداء خباياه الفائقة ليعاين الناس دلائل إعجازه ويشاهدوا شواهد فضله وامتيازه من سائر الكتب الكريمة الربانية والزبر العظيمة الرهبانية.

فمن ذلك كله أحببت أن يكون القرآن الكريم هو الميدان الذي صال به كثير من المفسرين، واخترت من هذا الكم القدير والجم الكبير (أبا السعود وتفسيره) ليكون ذلك الفناء الرحب والسهل الخصب ذو الجنى الرطب، فطرقت باب الشواهد النحوية عنده لأننا ندرك أهمية الشاهد عند المفسر، فهو إما أن يكون موضع استنباط قاعدة نحوية لتكون حجة النحوي في إثبات صحة تلك القاعدة وتقريرها، أو للاحتجاج بالنظير من أجل التقرير، أو تجويز مخالفة القياس أو الرد على تلك المخالفة وتفنيد رأي المخالف وإظهار ضعف مذهبه النحوي أو عرض الآراء النحوية والرد عليها.

فبعد الاستعانة بالله العزيز القدير، على كثير من التدابير، استقر الاختيار على تفسير أبي السعود المسمى: (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) لأنه أحد التفاسير التي عنيت كثيرًا بقواعد النحو واللغة والعلل والشواهد وأقوال العلماء، ومن طريق الإحصائيات التي أجريتها عند قراءتي للتفسير، وجدت أن المؤلف قد جعل للشاهد أهمية تبرز عند مطالعتك للتفسير، فلفتت نظري هذه المسألة.

فثبت القرار - بعد مراجعتي لأستاذي الفاضلين، الدكتور: هشام إبراهيم الحداد والدكتور: محمد أمين البكري، اللذين لم يبخلا علي بالمشورة والنصيحة - على أن يكون عنوان رسالتي موسومًا: (بالشاهد النحوي في تفسير أبي السعود)، فبدأت بجرد مفصل للشواهد الشعرية كافة، والتي بلغت (مئتين واثنين وستين شاهدًا)، فصرفتها كلًا حسب نوعه - نحويًا وصرفيًا - ومن ثم جمعت ما استطعت من معلومات عن كل شاهد بما يستحق، ودونتها بوريقات لتصبح لدي هذه الرسالة التي تكونت مما يأتي:

التمهيد: وتكلمت فيه عن أبي السعود، معطيًا له تعريفًا باسمه ونسبه وحياته شارحًا مختصر لحياة والديه ومالهم وأولاده وما لديهم، ثم تحدثت بإيجاز عن مكانته الاجتماعية والعلمية، معددًا شيوخه وتلاميذه، منهيًا هذا التمهيد بتعريف مصغر لتفسير (إرشاد العقل السليم) وأسلوب مؤلفه، ومجموعة مؤلفاته.

أما الفصول الخمسة، كان أولها بعنوان: (الشاهد وأبو السعود)، فعرفت معنى الشاهد لغة واصطلاحًا مع ذكر الشواهد وأنواع الاستشهاد، ذاكرًا عزوه للشاهد النحوي، ثم بدأت بالشواهد النحوية، فكان الفصل الثاني في باب الأسماء، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول في المرفوعات، وهي: (الفعل، والمبتدأ والخبر، وكان واسمها، والنواسخ، والتعدي واللزوم).

والمبحث الثاني في المنصوبات، وهي: (المفعول به، والمفعول لأجله، والاستثناء، والحال، والتمييز).

والمبحث الثالث كان في المجرورات، وهي: (المجرور بالإضافة، وإضمار المضاف وإبقاء المضاف إليه، والإضافة الى غير المتمكن).

وأما الفصل الثالث فكان في التوابع، وهي من مبحثين:

المبحث الأول: العطف وفيه: (عطف الصفات، والميل مع المعنى والإعراض عن اللفظ، وحذف المعطوف للدلالة عليه).

والمبحث الثاني: البدل وفيه: (البدل التفصيلي، وإبدال الفعل من الفعل، والبدل من الضمير).

والفصل الرابع كان في شواهد الأدوات والحروف وفيه: (إعمال (لا) عمل (ليس)، والنسخ (بلكن)، و(حتى) للغاية، وحذف (أن) الناصبة، وخروج معنى (ربما) للتكثير).

ثم ذكرت بعض الشواهد التي سميتها شواهد نحوية متفرقة، وفيها: (تأويل إفراد الضمير، وإعمال ضمير المصدر، وعودة الضمير على متأخر، وإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة، وجواز الإشارة (بأولاء) إلى غير العقلاء).

وبعدها انتقلت لذكر الشواهد الصرفية، فخصصت له الفصل الخامس الذي تكون من أربعة مباحث، هي:

المبحث الأول في المصادر وفيه: (جواز أن يكون (فعول) مصدرًا، و(فعال) مصدرًا).

والمبحث الثاني في الإفراد والجمع وفيه: (الاكتفاء بالمفرد عن الجمع، وجمع (أب) و(أمة)، وجمع (غزا) مثل (عفا)).

والمبحث الثالث في الإعلال والإبدال وفيه: (قلب الواو همزًا مضموم ماقبلها، وإسكان عين الكلمة).

والمبحث الرابع في الحذف وفيه: (حذف (التاء)، و(لام الأمر)، و(حرف الجر)، و(النون)، و(التنوين)).

وبقيت لدي بعض المسائل التي تفرقت وجب علي ذكرها في نهاية المطاف لأنها ما بدأته وهي: (المفرد للاتصاف بالمعنى المجرد، والاتساع والمبالغة، والشذوذ لضرورة الشعر).

واختتمت هذا كله بالخاتمة، التي احتوت على أهم النتائج التي توصلت اليها، وقائمة بثبت المصادر والمراجع، التي اعتمدت عليها، والتي ذكرت لها بطاقة تعريفية في الهوامش عند ورودها لأول مرة، وعند ورودها في المرة الثانية أذكر اسم الكتاب فقط.

ولا يسعني إلا شرح المصاعب التي واجهتني في مراحل إعداد هذه الرسالة، من قلة المصادر وما تعرضت له مكتباتنا العامة، وصعوبة التنقل بين هنا وهناك وما فرضت علينا من ضروف أمنية قاسية جعلت الفرد منا يفكر كثيرًا ويحسب ألف حساب لتحركه، ومن هذا كله يمكن الجزم بوجود أخطاء وزلات لا يسعني في ظلمة هذه الصعاب أن أنجو منها، ولكن الله أعانني على جمع المادة وإكمال الرسالة على الوجه المطلوب، فأرجو من أساتذتي الكرام أن يمدوني بكل نصيحة وتقويم لأستوفي مادة البحث.

وأخيرًا هذا ما يسره الله لي، فما كان صوابًا فمن عند الله وحده، وما كان خطأً ونسيانًا فمن نفسي ثم الشيطان، والله ورسوله براء من ذلك، ولا أدعي أني بلغت الكمال، فالكمال لله وحده سبحانه، وهذا عمل بشري يوجد فيه الخطأ والتقصير والنسيان، والله أسأل أن يوفق الجميع لخدمة هذا الدين الحنيف، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأخيار وصحبه الأبرار ما تناوبت الأنوار وتعاقبت الظلم والأضواء، وعلى من تبعهم بإحسان مدى الدهور والأزمان.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد الكائنات، فإليك عزيزي القارئ - بعد استكمالي كتابة الرسالة - أهم النتائج التي توصلت إليها وهي:

1- إن كتاب الله العزيز قد حظي بعناية الكثير من المفسرين مثل (الطبري والقرطبي وأبي حيان والزمخشري والألوسي والشوكاني وأبي السعود وغيرهم).

2- إن أبا السعود ينتمي إلى أسرة علمية عريقة معروفة بالتقوى والصلاح، فقد كان والده أحد الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم أبو السعود، وكان أولاده من التلاميذ الذين طلبوا العلم من أبو السعود.

3- إن أبا السعود كان عالمًا من علماء الأمة فقد صنف في أكثر علوم الشريعة: (الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة والنحو والتأريخ) إذ بلغت مؤلفاته أكثر من عشرين مصنفًا.

4- كان أبو السعود على مذهب المدرسة البصرية، في موافقته لأكثر المسائل اللغوية والنحوية، ووافق المدرسة الكوفية في قسم قليل منها، إلا أنه كانت له آراؤه الخاصة التي خالف فيها جمهور المدرستين، وكان ميزانه فيما بينهما، المعنى الذي يقتضيه النص القرآني.

5- وردت في تفسير أبي السعود مسائل نحوية كثيرة، ولا سيما تلك التي اختلف جمهور المدرستين فيها، لنتمكن من القول أن هذا التفسير مصدرًا من مصادر الخلاف النحوي.

6- جعل هذا التفسير من مصادر إعراب القرآن الكريم، فقد كان أبو السعود يذكر الأوجه الإعرابية المختلفة للآية التي يفسرها، فتجد هذا الأمر مع المعنى الذي يقتضيه السياق.

7- لقد كانت شواهد أبي السعود من الشعر أكثر من غيرها، وتأتي بالدرجة الثانية شواهده من القرآن الكريم، وكان يجيز الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف في باب النحو إلا أنه لم يكثر من ذلك، كما لم يكثر من الاستشهاد بمنثور كلام العرب، فلم يذكر في تفسيره سوى ستة أمثال، ثلاثة منها في باب النحو، وثلاثة أخرى في باب اللغة.

8- عني أبو السعود عناية فائقة بالقراءات، ليعد هذا التفسير مصدرًا من مصادر القراءات، فقد كان أبو السعود يذكر القراءات المختلفة للآية، التي ينتهي من تفسيرها إن ثبت أنها قرئت على أكثر من وجه، ويقوم بتوجيهها توجيهًا نحويًا وصرفيًا.

9- يمكن القول إن هذا التفسير مصدر من المصادر التي اعتنت بالكشف عن أصول مفردات القرآن الكريم، فلم يكن أبو السعود يكتفي ببيان دلالات الألفاظ اللغوية ومعانيها المقصودة، كغيره من المفسرين، وإنما كان ينبه على أصولها التي اشتقت منها.

10- إن أبا السعود لم يجعل له منهجًا ثابتًا في تقديم الشاهد، فتجده أحيانًا يقدم الشاهد القرآني على الشاهد الشعري عند ذكر المسألة، وأحيانًا أخرى يقدم الشاهد الشعري على الشاهد القرآني.

11- أخذ أبو السعود مصادره النحوية من علماء العربية في المسائل النحوية المتنوعة فكان من أبرز مصادره في المدرستين البصرية والكوفية: (سيبويه والكسائي والفراء والأخفش الأوسط والزجاج وأبي علي الفارسي وابن مالك وأبي حيان، وغيرهم) ولم يكن - رحمه الله - مجرد ناقل وإنما كان له موقف مما ينقله ؛ يصحح ويخطئ ويقوي ويضعف؛ تبعًا للمعنى الذي يتفق مع مراد التنزيل.

12- إن الشواهد الشعرية التي استخدمها أبو السعود كانت شعراء جاهليين وإسلاميين عاشوا ضمن عصور الفصاحة، إلا أنه كان يجيز الاستشهاد بشعر المولدين أحيانًا كشعر: (ابن المعتز وأبي تمام).

13- كان لأبي السعود كغيره من المفسرين عناية بارزة في تحليل النصوص القرآنية، وبيان دلالاتها اللغوية فكانت له ملاحظات نحوية ولغوية قيمة في هذا الميدان، كان يمكن أن ينتفع بها النحاة واللغويون المتأخرون والمحدثون لو كانوا أكثر أتصالًا بكتب التفسير، وهذا الأمر كان يمكن أن يؤدي إلى النهوض بالدرس النحوى وازدهاره.

فهرس المحتويات