الخوف والرجاء في القرآن الكريم

ملخص الرسالة

الخوف والرجاء في  الكريم

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على خير عباده الذي اصطفى، بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزوغ عنها إلا هالك، وبعد:

فقد تعرضت لموضوع الخوف والرجاء في القرآن الكريم، وحاولت أن أتناوله من جميع جوانبه، فقد تطرقت إلى أقسام الخوف والرجاء، وبينت المحمود منهما والمذموم، وذكرت أسبابهما التي تبعث عليهما، وتدفعان صاحبهما إلى الجد والمثابرة والعمل بعد الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.

وبحثت في فضائل الخوف والرجاء، والآثار المثمرة الناجمة عنهما، فأعظم فضائل الخوف، أن الله تعالى يدخل أصحابه الجنة، ويشملهم برضوانه، قال الله تعالى: (وَلِمَنْ َ خاف مَقَامَ رَبِّهِ جَنََّتان) وقال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ َ ذلِكَ لِمَنْ َ خشِيَ رَبَّه) وأعظم فضائل الرجاء أنه يفتح باب الأمل لصاحبه ويبعد عنه اليأس والقنوط، قال الله تعالى: (قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَُفوا عََلى أَنُْفسِهِمْ لا َتقَْنطوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُُّنوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَُفورُ الرَّحِيمُ).

ومن الآثار الناجمة عن الخوف والرجاء التزام الطريق السويّ المستقيم الذي يُرضي الله تعالى ويدخل الجنة.

المقدمة:

الحمد لله الذي جعل الخوف من جلاله وعقابه سوطًا يَُقوَم به اعوجاج عباده وانحرافهم عن الصراط المستقيم، وجعل الرجاء في عفوه ومغفرته منارًا يُضيء سماء المذنبين التائبين، والصلاة والسلام على خير البرية والأنام محمد بن عبد الله وصحبه الكرام.

أما بعد:

إن للقلوب أعمالًا منها الحسنة ومنها السيئة التي تظهر آثارها، ويجني الانسان ثمراتها، ومن هذه الأعمال الحسنة التي لها أكبر الأثر في حياة المسلم، الخوف والرجاء، فإن شجرة الإيمان لا تثمر ثمراتها الطيبة المرجوة، إلا في ظل من الخوف من الله تعالى والرجاء فيه، فالخوف من الله تعالى والرجاء فيه جناحان يطير بهما المقربون إلى ما يشتهون من مقام محمود، ويصلون بهما إلى جنان الخلد والنعيم المقيم الدائم إن شاء الله.

فالخوف من الله تعالى ينبع من حُسن معرفته، وكمال العلم به، فهو ليس وجلًا مبهمًا لا يُدرى مأتاه أو نتائجه، بل هو شعور واضح بجلال الخلاق العليم، وما ينبغي إكنانه له من مهابةٍ وإعظام.

والرجاء يكون بالله تعالى وحده، لأن الفضل ينبثق من ذي الجلال والإكرام، فإنه الملك الجليل الشأن، الذي انبسط سلطانه على كل شيء، فهو في السماء إله، وفي الأرض إله، يعطي ويغدق، لأن الكمال نعته، سواء عرف البشر ذلك أم جهلوا.ومن أعمال القلوب التي ستطرق في هذا البحث ان شاء الله، المحاسبة والتقوى والشكر والرضا.

سبب اختيار البحث:

الخوف من الله تعالى ومن عقابه، والرجاء في فضله وكرمه، قد يخطئ الناس فهمهما أو التعامل معهما، فقد يغتر كثير من الناس، ويمنون أنفسهم بأماني الرجاء الكاذبة، دون أن يشمروا عن ساعد العمل وإثبات حُسن الطلب، وفي المقابل قد يدفع الخوف المفرط من الله تعالى صاحبه فيخرجه إلى القنوط واليأس.

وقد يتبادر إلى الذهن أن الخوف والرجاء ضدان، وقد يتساءل المسلم أيهما أفضل؟ الرجاء والطمع في كرم الله، أم الخوف وخشية الله تعالى؟

من هنا عزمت على الكتابة في هذا الموضوع، لتوضيح أن الخوف والرجاء متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما، فهما كالجناحين للطائر لا يستوي الطيران إذا فقد أحدهما، فهما معًا يصححان مسير المسلم، ويُقومان اعوجاجه.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في الأمور التالية:

1) الوقوف على المفهوم الصحيح للرجاء، حتى لا يكون تمنيًا وغرورًا لا يعطي النتائج، ولا يثمر الطاعات.

2) معرفة أقسام الخوف والرجاء، وإنهما يتأرجحان بين المحمود والمذموم، وبيان درجات كل منهما.

3) معرفة الأسباب الباعثة على الخوف والرجاء، مع البيان والتوضيح.

4) عرض المظاهر المرافقة للخوف والرجاء، حتى يكونا في الطريق السليم دون إفراط أو تفريط.

5) الوقوف على فضائل الخوف والرجاء، والثمرات الطيبة لكليهما على حياة المسلم في

6) الدنيا والآخرة.

7) الوقوف على الآثار الناجمة عن الخوف والرجاء في حياة المسلم، وأهميتها في تقويم سلوكه.

الدراسات السابقة:

لقد زخرت المكتبات بكتب الأخلاق قديمًا وحديثًا، وتنوعت طرق التأليف وأساليب العرض، وكان موضوع الخوف والرجاء متناثر الأطراف في ثناياها، لا يعطيك مؤَلفٌ منها صورة كاملة واضحة عنهما، بل ما نُقصَ في هذا المؤَلف تجده في مؤَلفٍ آخر وتحت مسمىً آخر، فما يكون هنا فضلًا قد يكون هناك أثرًا. وأكثر مؤَلف رأيته، جمع فأوعى في هذا المجال هو كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وما بعده من المؤلفات كانت تنقل عنه.

ولم أقف إلا على مؤَلفٍ واحدٍ يحمل عنوان الخوف والرجاء، وهو من إعداد صفوت عبد الفتاح محمود، لكنه لم يتناول الموضوع من جميع جوانبه، ورأيت بعض المؤَلفات على شبكة الإنترنت معروضة الاسم فقط، دون الإشارة إلى محتواها، ومنها:

الخوف والرجاء للإمام الغزالي - رحمه الله-، الخوف من الله تعالى، لمحمد شومان الرملي، الخوف والطمأنينة في القرآن الكريم لماجدة محمد. وأشير هنا إلى أن ما سيميز دراستي عن غيرها أنها ستسلك مسلك التفسير الموضوعي، وهي بهذا تختلف عن المسلك الذي اتبعه الامام الغزالي-رحمه الله- لذلك لا أعلم أحدًا من العلماء تناول هذا الموضوع تناولًا تفصيليًا شاملًا على هذه الصورة التي سيتم عرضها إن شاء الله تعالى.

منهجية البحث:

اتبعت في بحثي المنهج الاستقرائي التحليلي، وتركزت عنايتي فيه على الأمور التالية:

1) بيان المفهوم الصحيح للخوف والرجاء، وبيان أقسامهما ودرجاتهما، وفضائلهما والآثار الناجمة عنهما.

2) دراسة الآيات القرآنية الكريمة ذات العلاقة بالموضوع، وتتبعها من خلال المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

3) الرجوع إلى أمهات كتب التفسير، والإطلاع على تفسير الآيات الكريمة.

4) تخريج الأحاديث النبوية الشريفة، وذلك بعزوها إلى مصادرها، مع ذكر حكم العلماء عليها، وتتبع الإسناد والحكم عليه إن لم يكن الحديث في الصحيحين، أما إذا ورد في أحد الصحيحين، فقد اكتفيت بعزوه إلى مصدره.

5) توضيح بعض المصطلحات أو المفاهيم التي قد يشكل على القارئ فهمها، وذلك في هامش التوثيق.

وقد جاء هذا البحث اضافة إلى المقدمة والخاتمة في أربعة فصول على النحو التالي:

أما المقدمة ففيها وصف للبحث، وسبب اختياره، ومشكلته، والدراسات السابقة، ثم منهجية البحث.

وأما الفصل الأول: فقد تناولت فيه معنى الخوف والرجاء لغة واصطلاحا والتقابل بينهما.

وأما الفصل الثاني: فتناولت فيه أقسام الخوف والرجاء ودرجاتهما.

وأما الفصل الثالث: فتناولت فيه أسباب الخوف والرجاء ومظاهرهما.

وأما الفصل الرابع: فتكلمت فيه عن آثار الخوف والرجاء وفضائلهما.

الخاتمة:

أحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أن أعانني بحوله وقوته على إنهاء البحث وإخراجه في هذه الصورة، وأصلي وأسلم على خير الأنام، سيدنا محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم.

أما بعد:

لقد تم بحول الله هذا البحث، وقد توصلت من خلاله إلى النتائج التالية:

1) الرجاء والخوف متلازمان، لا يكون أحدهما دون الآخر، فهما كالجناحين للطائر، إذا استويا استوى الطائر وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص.

2) الخوف قسمان: منه ما هو مشروع، مثل الخوف من مقام الله، والخوف من عذاب الله، ومنه ما هو غير مشروع، مثل الخوف من السلطان، والشيطان، والأعداء.

3) الخوف على ثلاث درجات: القصور، والإفراط، والاعتدال، فالقاصر هو الذي يورث البكاء المجرد عن فعل الصواب، مثل: البكاء عند تلاوة القرآن الكريم، أو عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب رجع القلب إلى الغفلة، فهو خوف قليل الجدوى من جهة عدم تأثيره بالكف عن المحظورات والدفع إلي الطاعات. أما الخوف المفرط: فهو الذي يُخرج عن حد الاعتدال، ويوصل إلى اليأس والقنوط. وأما المحمود: فهو المعتدل الذي يرضاه الله تعالى ورسوله، لأنه الخوف الذي ُترجى ثماره ويسعد صاحبه في الدنيا والآخرة.

4) من رجا شيئًا استلزم رجاؤه أمورًا ثلاثة:

أ- محبة ما يرجو.

ب- خوفه من فواته.

ت- سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.

5) الرجاء ينقسم إلي قسمين، منه المحمود ومنه المذموم، فالمحمود يكون بالعمل بالأمر والنهي وحسن الظن بالله تعالى أنه سيرحمه، والمذموم: هو ترك العمل بما أمر الله تعالى والطمأنينة إلى مغفرة الله تعالى.

6) للخوف أسباب أجملها بما يلي: الخوف من الله تعالى، فيكون بخوف ذاته العلية وبخوف عذابه، والخوف من المكروه، فمنه مكروه لذاته، مثل الخوف من سكرات الموت وشدته، ومنه المكروه لغيره، كمن يخاف حرمان التوبة قبل الموت.

7) للخوف مظاهر تظهر على صاحبه منها: البكاء والحزن.

8) من أسباب الرجاء: سعة رحمة الله تعالى، وإحسان الظن به، وشفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

9) من فضائل الرجاء المثمرة التي تعود على صاحبها بالنفع والبركة: الشكر، الرضا، إعظام المسألة، هجران السوء.

10) للخوف المحمود آثار تظهر على صاحبه منها: الالتزام بالطاعات والقربات، اجتناب المنهيات والمحرمات، والمحاسبة، والجرأة والشجاعة في طلب الحق والانتصار له.

11) من فضائل الخوف وثماره: المغفرة والأجر الكبير، ودخول الجنة، ورضا الله تعالى، الاستظلال بظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله.

12) الرجاء الصحيح المحمود له آثار تنعكس على صاحبها منها: انشراح الصدر، إخلاص العمل والبعد عن الرياء، ويمنع القنوط من رحمة الله تعالى.

13) من فضائل الرجاء المحمود: مغفرة الذنوب، وفتح باب الأمل، وتحصيل ما يرجى به دخول الجنة.

فهرس المحتويات