• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صفة الحج: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / مكتبة المخطوطات / المخطوطات المصورة / العلوم الشرعية / سيرة وتاريخ
علامة باركود

رحلة من نابلس إلى إسلامبول

رحلة من نابلس إلى إسلامبول
أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/6/2012 ميلادي - 16/7/1433 هجري

الزيارات: 13880

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رحلة من نابلس إلى اسلامبول

سنة 1257هـ/1841م


لأدب الرحلات أهمية متميزة في التعرف على كثير من تفاصيل الحياة العادية التي يغفل عن ذكرها المؤرخون، فهذه الحياة بما تتضمنه من ملبس ومأكل، وخدمات عامة، وتقاليد مرعية في بلد ما ، من شأنها أن تلفت نظر الرحالة الغريب عن ذلك البلد، بينما لا يجد فيها المؤرخ – غالباً- ما يستحق الذكر، لا لسبب إلا لأنها عادية في نظره، مألوفة لديه تماماً، ومن ثم لا يجد فيها من الجدة ما يستحق أن يسجله لقارئه.

 

وهذه الرحلة التي نعرف بها الآن واحدة من الرحلات المهمة التي كتبت في القرن التاسع عشر، كتبها أديب شاب، من أسرة مقدسية معروفة، ووصف فيها وقائع سفره من نابلس في فلسطين، إلى استانبول، نقدمها للقار ئ اليوم، راجين أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى ما تتضمنه أمثالها من كتب الرحلات من فوائد حضارية جمة.

 

ليس على مخطوطة الرحلة اسم مؤلفها، كما خلت من عنوان، ربما لسقوط الورقة الأولى منها، وقد اكتفى مفهرسها بالقول أنها "لم يُعلم مؤلفها"[1]، بيد أننا توصلنا إلى أن اسمه  (عبد القادر) بدلالة ما ذكره  في آخر قصيدة لامية له يمتدح فيها أسرته وينوه بأقاربه:

وما أنشدَ الوَلهانُ عبد القادرِ
فهذا مديحي فيكم وتغزُّلي

 

وليس في الرحلة بعد هذا ما يكشف عن حياته، إلا أنه يفهم منها أنه من أسرة مقدسية عريقة تعرف بآل أبي السعود، وقد عَبَّر هو عن اعتزازه بها وبتراثها الروحي والثقافي. وكان مصطفى مراد الدباغ قد ذكر في كتابه (بلادنا فلسطين)[2] أن آل أبي السعود من أقدم العائلات المقدسية حيث تقطن القدس منذ نيِّف وسبعة قرون، وأن لها أملاك كثيرة فيها، منها الزاوية الفخرية التي تضم احدى أهم المكتبات في بيت المقدس المعروفة بالمكتبة الفخرية[3]، وكانت الزاوية الفخرية تعرف كذلك باسم الزاوية الرفاعية، وتقع داخل الحرم المقدسي الشريف، ويتولى عليها شيوخ من عائلة أبي السعود. ومن أعلام الأسرة صوفية ومفتون، منهم محمد أبو السعود، الذي تولى إفتاء الشافعية في القدس، وتولى الخطابة التدريس وتوليته الأوقاف المهمة للحرمين القدسي والإبراهيمي، وتوفي في اسلامبول سنة 1228هـ/1813م[4]. ومنهم ولداه أحمد ومصطفى فأنهما تقلدا إفتاء الشافعية ونيابة الشرع على المذهب الشافعي، ويبدو أن الاحترام الكبير الذي حظي به الشيخ أبو السعود في إسطنبول كان سبباً لتعيين حفيده محمد تاج الدين بن مصطفى نقيباً على إشراف القدس في سنة 1228هـ/1813م، وفي العهود التالية تولى أفراد من هذه الأسرة مهام تدريسية في المدارس والمساجد فضلاً عن إقامة حلقات الذكر في زوايا المدينة[5]. ويظهر أنه كان شاباً حينما قام برحلته هذه، وأن أمه كانت يومذاك على قيد الحياة، لأنه استأذنها للقيام بالرحلة، ولكنه لم يُشر إلى أبيه مطلقاً مما دَلَّ على أنه كان متوفياً. أما أخوته فقد ذكر منهم الشيخ حامد، ونعمان، ومن أعمامه الشيخ محمد أبو السعود، وذكر أولاد عم له هم خليل أفندي وأحمد أفندي وعلي أفندي. ولا توضح الرحلة شيئاً عن سيرته الشخصية، إلاّ أنه يقطن مدينة نابلس مع أمه في وقت قيامه بالرحلة، بينما كانت اسرته، ومنهم عمه وأخوه، مستقرة في موطنها القدس. ومن ناحية أخرى فإنه كان شاعراً لأنه سجل فيها نماذج مما كان ينظمه من الشعر في مختلف المناسبات، وشعره على أية حال ضعيف، وفيه من الخلل في الوزن الكثير، كما أن نثره نفسه لا يخلو من ركّة أحياناً، أو نزول إلى العامية كما سنرى، ولم نقف على تاريخ وفاته بسبب أن لم يترجم له أحد[6].

 

الرحلة:

ذكر المؤلف سبب قيامه برحلته، وهو زيارته لضريح جده الأكبر محمد أبي السعود في استانبول، والسبب كما يبدو غير مقنع، فهل يمكن أن نتصور أن يقضي شاب شهرين كاملين في سفر مستمر، مع ما يكتنف ذلك من متاعب وأخطار، ليزور قبر جده، مهما بلغ حبه لذلك الجد، والأقرب إلى التصور أنه قصد المدينة طلباً لوظيفة، فهذا كان السبب في زيارة أمثاله لها في ذلك العصر، لا سيما وأن لجده معارف في العاصمة يمكن أن يكونوا مفيدين في تحقيق مثل ذلك الطلب، وقد سبق أن تعين ابن عم له، هو محمد تاج الدين، في منصب قاضي القدس.

 

وعلى الرغم من حرص الرحالة على ذكر تواريخ الرحلة بالأيام والشهور، إلا أنه فاته أن يذكر تاريخ السنة، ومن ثم لم يعد ممكناً معرفة زمن قيامه بها على وجه التحديد، على أنه يمكن التوصل إلى ذلك على سبيل التقريب، فهو حين أشار إلى السلطان محمود الثاني قال" رحمة الله عليه"، وقد توفي هذا السلطان في 19 ربيع الآخر 1255 هـ2 / تموز- يوليو 1839م، فيكون قد قام برحلته بعد هذا التاريخ حتماً، وكان قد شاهد قصراً بناه هذا السلطان في استانبول، وهذا القصر هو الذي أنشأ عنده السلطان عبد المجيد قصر دولمه بقجه سنة 1257هـ/ 1842، وإذ لم يذكر الأخير، فيكون ما شاهده قد سبق إنشائه في ذلك التاريخ، وعليه يمكننا القول أن قيامه برحلته كان في سنة 1256هـ أو 1257م/ 1840 أو 1841م في أكثر تقدير، ونحن نرجح التاريخ الأول لأنه ذكر أن مغادرته نابلس كانت في يوم الاثنين 6 جمادى الأولى، ويوافق هذا التاريخ من أيام الأسبوع - بحسب محول التواريخ لبرنامج كوكل - يوم الثلاثاء، ووجود اختلاف بمقدار يوم واحد أمر محتمل إلى حد كبير.

 

تناهى إلى سَمع عبد القادر أن عمه محمد قد غادر مدينة القدس متوجهاً إلى يافا في طريقه إلى استانبول، فأثار ذلك رغبته في السفر إليها صُحبة العم المذكور، فكان أن استأذن أمه في الالتحاق به، ثم غادر نابلس ليبدأ رحلة طويلة[7]، بعُرف تلك الأيام، قاصداً الحاضرة العثمانية. فقصد أولا الرَّملة، فيافا حيث التقى بعَمِّه، ومن هناك مضت قافلتهما عبر وادي عزون إلى جَلجُولية، ومنها إلى يافا، ومن هناك ركب البحر إلى أرسُوف ومنها إلى بيروت، حيث مكث ثمانية أيام، ثم ركب سفينة بخارية إلى احد موانئ قبرص الجنوبية، ومنه إلى ميناء علايا (العلائية) على الساحل الجنوبي للأناضول، ولبث في هذه المدينة الساحلية عشرة أيام، ومنها، في السفينة نفسها إلى أضاليا (أنطاليا) حيث لبث فيها أربعة أيام، ومن هناك توجه براً، في قافلة صغيرة، إلى كوتاهية، مارّا ببلدات بُردل (بردر) والسندقلي وقرى أخرى، واستغرقت إقامته في كوتاهية أربعة ايام، ومنها إلى يني شهر، فأزنيق، وتقدم، صحبة قافلته، بمحاذاة الشاطئ الشمالي بحيرة ازنيق ماضين صعداً إلى بحر مرمرة، حيث عبروا البحر على ظهر سفينة هناك، ومضوا براً إلى مدينة، أو بلدة، تدعى كيبزه، ومنها اتجهوا إلى أسكدار، حيث زار قبر الجد أبو السعود، وهذا هدف الرحلة، وبعدها انطلق في استانبول يزور معالمها من الجوامع والقصور والأسواق والخانات، ويمضي في رحلة بحرية في بحر مرمرة يزور معالمها الأخرى. وهكذا فقد استغرقت الرحلة كلها شهرين كاملين، قضى منها 29 يوماً في الإقامة في المدن التي مرَّ بها، و14 يوماً في السفر بحراً، و17 يوما في السفر براً. ولم يذكر المؤلف مقدار المدة التي قضاها في استانبول، ولا طبيعة ما قام به من عمل، كما لم يتحدث عن طريق عودته إلى وطنه.

 

تضمنت الرحلة فوائد جمة، أبرزها أن المؤلف وصف فيها المدن والقصبات والقرى التي كان يمر بها، بما يمكن أن يمثل ملاحظات مهمة في مجال الجغرافية الحضرية، وذلك على النحو الآتي:

1- وصف المدن والقرى

تناول الرحالة الأحوال التي كانت عليها المدن والقرى يوم مر بها باشارات فيها نباهة ظاهرة، فقرية رفيدة الواقعة قرب نابلس، مثلا، "سكانها غالبهم نصارى"[8]، وقرية الفندق، "هي خربانة، وأهلُها قد خَرَجت منها من جَوْر الحكام"[9]، وقيسارية " هذه المدينة خربة، قد هدمها الملك صلاح الدين حين فتحها. وأهل يافه يأخذون منها الحجارة لبنائهم"[10]، أما أضالية فهي "في سفح جبل شاهق، ممتدة من أسفله إلى أعلاه، وجميع بيوتها من الخشب، وعليها ثلاثة أسوار من الحجر وخندقين، وأهلها أتراك، وهم أهل مروءة ودين وعقل، ولهم أطباع حسنة، فمنها أن أسواقهم خارج المدينة، وبيعهم وشراءهم كذلك، وإذا أتاهم غريب لا يمكنونه من الدخول إليها، بل لهم محلات معدة خارجها، وكذلك العسكر. ومنها أن القاضي والحاكم والمفتي لا يكونون إلاّ من أهلها خوفاً أن يوقع غيرهم الفساد في مدينتهم، ومنها أن الصبي من أهلها إذا بلغ الحلم ولم يزوجه والده لفقره مثلاً، يخرجونه منها إلى الخارج. وهي رخية يعيش فيها الفقير، فإن أقة اللحم بأربعين فضة، وفيها الليمون الحامض وغيره من الفواكه"[11]، فهذا الوصف تجاوز الجانب المادي للمدينة إلى وصف عادات أهلها وأخلاقهم أيضاً، بل وأسعار المواد التي تباع في سوقها، ومثل هذا ما نوَّه به في كلامه على مدينة البردر إذ قال " وهذه المدينة غزيرة المياه، كثيرة الفواكه، رخيصة الأسعار"[12]. ووصف نوعاً من القرى المتواضعة التي تسمى يُرُك فقال أن هذا الاسم يطلق على بيوت للتركمان "بعضها من القش، وبعضها من الشعر". ولم يقتصر على الوصف العام للمدن والقرى التي مر بها، وإنما تحدث عما تضمه من مرافق عمرانية، مثل:

أ‌- وصف المساجد:

كان الرحالة - كما هو واضح تماماً- متديناً تقياً، ولذلك فإنه كان حريصاً على أداء فروض صلاته في كل أيام رحلته، مهما كانت الظروف الصعبة التي مرَّ بها أحياناً، كما كان حريصاً أيضاً على أن لا تفوته بركة الصلاة في مساجد المدن والقصبات والقرى حيثما مكنته الظروف من الإقامة فيها، وقد جاء وصفه لبعض هذه المساجد دقيقاً. من ذلك مثلاً كلامه على جامع الرملة الكبير إذ قال" وجدته جامعاً محكم البناء، وله صحن واسع، وفي وسط الصحن قبة شاهقة، وهو ثلاثة أكوار ممتدة من المغرب إلى المشرق، وأما الكور الأوسط فإنه أعلى من اللذين من جانبيه، والمنبر من الرخام، وهو مقابل للباب، وفوق الباب سُدّة المؤذنين"[13]. ولم يفته أن يقارن بينه وبين جامع آخر في مدينة نابلس، من حيث التصميم، فقال" وهذا الجامع يشبه جامع النصر الذي هو في مدينة نابلس في جميع بنائه وأكواره وإحكامه، لأنهما كانا كنيستين في زمن الإفرنج، ولما فتح المسلمون بلادنا عملوا غالب الكنائس جوامع". ومثل ذلك وصفه لجامع يافا بأنه"مربع الأركان، وعلى دائر الصحن أروقة من كل الجهات، وفي كل رواق من الجهة الغربية حجرة لطلبة العلم، وفي وسط الصحن مزولة تعرف منها الأوقات"[14]، بل أنه نصَّ على هوية مؤسسه، وما كان عليه قبل عمارته، فقال" وكان قد عمَّره وشيَّده محمد باشا أبو نبُّوت، وكان قبل عمارته آل إلى الخراب، ولما عمَّره المذكور زاد في صحنه وأوقف عليه أوقافاً". كما أنه أورد قائمة بجوامع استانبول الكبيرة، ولم يصفها تفصيلاً، ربما بسبب كثرتها وشهرتها.

 

ب‌- وصف الأضرحة والمقامات:

وكأكثر رحالي عصره، فإنه عُني بالإشارة إلى أضرحة الأولياء ومقامات الصالحين بوصفها معالم على طريق رحلته، من ذلك تنويهه بمقامي الخضر وأبي العباس قرب مدينة نابلس، وبالمقام المنسوب إلى الشيخ الجنيد في "جبل شاهق"[15] قربها أيضاً، ومقام للإمام علي رضي الله عنه قرب الرملة، وهو"محل فيه أبنية وقبب كثيرة"[16]، ومن تلك المقامات مقام علي بن عليل، و"هو على ساحل البحر في أرض أرسوف"[17]، وأشار إلى كراماته ، كما نوه بضريح أبي أيوب الأنصاري في اسكدار، حيث ضريح جده أبي السعود.

 

ج – وصف الجسور والقناطر

في الرحلة اشارات مهمة إلى بعض الجسور والقناطر التي لفتت نظر رحالتنا، من ذلك أنه وصف جسراً خشبياً يقوم على قناطر، في نواحي اسكدار، فجاء وصفه مستوعباً لموضوعه، تناول فيه مواد بنائه، وهوية منشئه، وتصميمه العام، وما إلى ذلك. قال"ولم نزل حتى وصلنا إلى جسر من الخشب المقير الممتد على البحر من الشرق إلى الغرب، ومسافة امتداده نحو عشر دقائق، وهو في غاية من الإتقان، والذي أمر باقامته الملك الأعظم والخاقان المعظم المكرم السلطان محمود رحمه الله رحمة واسعة، وهو من العجائب العجيبة، والخوارق الغريبة، لم يسبق على أحد من الملوك الذين قبله، وله قنطرتين، واحدة تذهب منها القوايق (ضرب من الزوارق)، وواحدة تأتي منها، خوفاً أن تتلاحم مع بعضها فيحصل الغرق، وفي كل قنطرة أوضتين (أي حجرتين)، واحدة على اليمين وواحدة على اليسار، وفيها إناس من العسكر يحرسون خوفاً من الحريق، وهو رحمة للفقير والغني"[18]. ووصف جسراً قرب الدَروَند بأنه " جسر منيع نحو عشر قناطر، والماء يجري من بعض القناطر، وهذا النهر كأنه النيل"[19].

 

د‌- وصف خانات المسافرين

أشار إلى عدد من الخانات التي نزل فيها في طريق رحلته هذه، ووصف بعضها وصفاً جيداً فقال عن خان قديم قرب جلجولية أنه "كبير محكم البناء قديم، من آثار الإفرنج، والظاهر أنه كان كنيسة"[20]، فهذه الملاحظة ذكية كما ترى وتدل على فهم لا بأس به لتطور العمارة في هذه البلاد. كما نوه بخانات أخرى نزل بها مثل خان اللد، وخان السندقلي، وخان يني شهر.

 

هـ- وصف القصور

أثارت القصور الفخمة التي شاهدها في استانبول دهشته، فتحدث عن القصور التي على ساحل مضيق البوسفور، وما أتفق عليها من أموال، فقال أن الناس "يزخرفونها بأنواع الزينة، ويذهبون عليها الأموال الجسيمة بحيث تبلغ كلفة الواحد خمسمائة ألف غرش"[21] هذا مع أنها لا تسكن إلا في الصيف فحسب، وأعد قائمة بأسماء سرايات استانبول الكبيرة وضواحيها ، منها "سراي هَمَيون، وتسمى يَني سَراية، وأسكي سراية أي السراية القديمة، و سراية أسماء سلطان أخت السلطان محمود، وسراية بشكطاش، وسراي شراق يالسي، التي بناها السلطان محمود، وأنفق عليها نحو خمسة وستين ألف ألف غرش، ومات قبل أن يسكنها" ،اي بيلر بيه وهي للسلطان محمود أيضاً. ويقول أخيراً "وأما القصورالتي في المحلات المنزهات داخلاً وخارجاً فلا أعلم لها عدداً لكثرتها"[22]. ووصف موكب خروج السلطان عبد المجيد لصلاة العيد وصفاً جيداً، كما تحدث عن زيارته لآثار النبوة المحفوظة في بعض القصور السلطانية.

 

و‌- معالم أخرى

ولا تخلو الرحلة من اشارات مهمة إلى معالم مختلفة أخرى، منها مثلا وصفه لدير اندريه (دير القديس اندرياس) في قبرس، وقد اضطر ورفاقه في الرحلة إلى النزول فيه برهة من الوقت. كما أشار إلى قلعة قديمة على قمة جبل مَرَّ به قرب نابلس، فلاحظ أنها "كانت قلعة حصينة قد تهدمت من كثرة فتن الفلاحين مع أهالي مدينة نابلس"[23]. ووصف لقرائه أحوال (الكرنتينة) وهي دور الحجر الصحي التي مر بها في الموانئ المختلفة، لا سيما في بيروت، وقبرس، والعلايا، وأضاليا، وبازرجك، وقرطل، وهي أحوال لم تكن إلا بائسة، وقد أعلن هو كرهه لها وعدَّها لا تتوافق مع روح الايمان بالقضاء كما كان يفهمه معاصروه. وفي الواقع فإن هذه المؤسسات لم يكن قد مضى على تأسيسها إلا مدة قليلة، وكانت ظروف عملها والنقص في خدماتها سبباً في ضيق المسافرين الذين كانوا يضطرون إلى الاحتجاز فيها مدة قد تصل إلى أسبوعين أو يزيد.

 

2- وصف البيئة الطبيعية

اهتم الرحالة بالبيئة الطبيعية التي كان يمر بها في أثناء رحلته، من المروج والبساتين والينابيع والأنهار والبحار، وما كان تنتجه تلك البيئة من ثمار متنوعة، وأكثر هذه الملاحظات يدخل في مجال الجغرافية الاقتصادية، مثال ذلك اشارته إلى البساتين التي كانت تجاور قرية رفيدة[24]، ووصفه لبيئة بلدة الفندق إذ قال أنه وجدها "أرضاً مُخضرَّة النبات، كثيرة الأعشاب"، وأشاد بانتاج بساتين غزة من التفاح الفاخر قائلا "يسمى جنس هذا التفاح بياري، وهو مشهور في جميع أوصافه طعماً ولوناً ورائحة، ولا يصير هذا الجنس إلاّ في هذه المدينة المذكورة"[25]. وأشاد ببساتين أضالية وكونها تحفل "بأنواع الفواكه" الرخيصة، ومنها التفاح، ووصف واد خصيب قرب كوتاهية بأنه "واد ظريف لطيف كثير الأشجار، وفيه نهر كبير يدير أرحية نحو العشرة، وماؤه عذب"[26].

 

كما أنه وصف السفر في البحر، ودواره، وعواصفه، وقطاع الطرق فيه من القراصنة، وما إلى ذلك من شؤون.

 

والرحلة بعد هذا تقدم تعبر عن روح عصرها تماماً، فهي تتضمن ألفاظاً من حضارة البلاد التي جرت فيها، من ملبوس ومأكول وسفن وزوارق وعادات اجتماعية وغير ذلك.

 

وأسلوب الرحالة في كتابة وقائع رحلته اسلوب عادي تماماً، فلا سجع، ولا محسنات بديعية، بل هو يميل إلى استعمال تعابير وألفاظ عامية، وفي تقديرنا فإن هذا الأمر زاد من أهمية الرحلة، لأنه ابتعد بها عن التكلف البلاغي الذي اعتاد عليه الرحّالون السابقون في وصف مشاهداتهم، والذي كان يبخس النص شيئاً من صدقه ودقته وعفويته، كما أن استعماله بعض المصطلحات العامية سجل للقارئ لغة ذلك العصر، على أنه أورد أشعاراً كثيرة من نظمه، نظمها توافقاً مع مناسبات رحلته، على أن هذه الأشعار تميل إلى الضعف الشديد، وفيها من الركة والاخلال بالوزن ما يمكن أن يلحظه القارئ بسهولة، لكنه أورد أيضا أبيات لشعراء آخرين، ومنها ما اقتبسه من كتاب ألف ليلة وليلة غير منسوب لأحد.

 

من الرحلة نسخة يتيمة بخط مؤلفها، وهو خط عادي لا يلتزم بقواعد الخط، والنسخة غير مؤرخة، وقد سقطت الورقة الأولى منها، وتقع في 46 ورقة، في كل صفحة منها 17 سطراً، وهي محفوظة في دار الكتب المصرية في القاهرة تحت العدد 755.

 

ونظراً لأهمية هذه الرحلة، وجدة معلوماتها، فقد أقدمنا على تحقيقها ملتزمين بالخطوات الآتية:

1- حافظنا على النص كما كتبه مؤلفه، باستثناء إصلاح بعض الأخطاء النحوية، مما نبَّهنا إليه في الهامش، وإصلاح أخطاء إملائية متكررة، مثل كتابته الألف المقصورة ياء، وقلة تمييزه بين التاء الممدودة والتاء المربوطة، وبين الأخيرة والهاء، واغفاله كتابة الهمزة في أكثر الأحيان.

 

2- لما لم كانت مخطوطة الرحلة خالية من عنوان، فقد وضعنا لها عنواناً موافقاً لموضوعها.

 

3- أضفنا عنونات جانبية استخرجناها من حديثه عن المعالم التي مر بها، وحصرناها بين معقوفات.

 

4- خَرَّجنا أسماء الشعراء اللذين أثبت المؤلف أشعارهم من أبيات أوردها في مناسبات مختلفة، إلا ما لم يكن منسوباً لأحد.

 

5- تابعنا الرحالة في مراحل رحلته، فعَرَّفنا بالمدن والقصبات والقرى والموانئ التي مر بها، وأثبتنا ما تحَوَّل من أسمائها في الوقت الحاضر، لا سيما في بلاد الأناضول. وتعيين أماكنها في الوقت الحاضر ما أمكن ذلك.

 

6- في الرحلة إشارات عديدة لأشخاص التقى بهم صاحبها، وأكثر هؤلاء لم يُترجِم لهم أحد، فحاولنا أن نُعرِّف بهم، أو بأُسرهم في الأقل، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

7- في الرحلة أيضاً ألفاظ عامية، ومنها ألفاظ تركية وأوربية، فشرحنا معناها في مواضعه.

 

8- أضفنا إلى الرحلة صور للمعالم التي مر بها الرحالة، وحرصنا أن تكون قريبة من عهد المؤلف زمناً، لتساعد القارئ على تصور ما كان قائماً في عهده.

 

وأخيراً، فهذه نص جديد[27] لم يُعرف من قبل من أدب الرحلات في العصر العثماني، نقدمه للقراء المهتمين بهذا النوع من الأدب، فهو يقدم شهادة عيان حقيقية عن مجريات الحياة في بلادنا إبان ذلك العصر[28].



[1] فهرس دار الكتب المصرية، قسم الجغرافيا، ص38.

[2] ج10 ق2. ص330 دارالهدي- كفر قرع 1990.

[3] ضمت هذه المكتبة نحو عشرة آلاف كتاب.

[4] جاء في تاريخ جودت أن شيخ الإسلام في الدولة العثمانية دري زاده طلب من الشيخ موسى الخالدي قاضي العسكر أن يحضر أبا السعود إلى استانبول تقديرا لمكانته وعلمه، فسافر هذا إليه وأحضره مع خدمه وأولاده وأحفاده "وأنزل في دار تجاه شيخ الإسلام قرب جامع الفاتح، وأحسن إليه ولجماعته بعطايا من قبل السلطان محمود خان، وكان الشيخ أبو السعود هرماً قد بلغ مائة وإثنتي عشرة سنة فلم يقدر أن يتوجه لسراي السلطان، ورعاية للقاعدة (القادم يزار) عزم السلطان محمود بعد يومين على الزيارة، ثم عدل لأن الشيخ كان مغمى عليه، وأحضر في اليوم الثاني لسراي السلطان ثم أعيد لداره لمرضه، ومات الشيخ أبو السعود في تلك السنة [يقصد سنة 1228هـ] ودفن في تربة أبي أيوب الأنصاري". تاريخ جودت ج10 ص123 نقلا عن الدباغ: بلادنا فلسطين ج10 ق2 ص356.

[5] موقع القدس الآن وموقع هوية ومواقع أخرى.

[6] أشار الدباغ إلى اسمه (عبد القادر أبو السعود المقدسي) فحسب ضمن عدد من أعلام بيت المقدس، ولم يزد على ذلك شيئاً. كتابه: بلادنا فلسطين ج10 ق2 ص358.

[7] وصف مفهرس دار الكتب المصرية موضوع الرحلة بأنها "رحلة من مصر إلى اسلامبول عن طريق الشام" ، مع أنها تبدأ من نابلس وتنتهي باستانبول.

[8] الورقة 3أ.

[9] الورقة نفسها.

[10] الورقة 10ب.

[11] الورقة 36ب.

[12] الورقة 23أ.

[13] الورقة 6ب.

[14] الورقة 9أ.

[15] الورقة 3أ.

[16] الورقة 10أ.

[17] الورقة 10أ.

[18] الورقة 30ب.

[19] الورقة 24أ.

[20] الورقة 5أ.

[21] الورقة 42أ.

[22] الورقة 45أ.

[23] الورقة 3أ.

[24] الورقة نفسها.

[25] الورقة 5أ.

[26] الورقة 22ب.

[27] سبق أن نشرنا من أدب الرحلات، الرحلات الآتية: حسن حسني ورحلته إلى ديار بكر، مجلة بين النهرين ،الموصل العددان 6 و7، 1976، ورحلة اللحافي البغدادي إلى القسطنطينية. مجلة المورد، بغداد، العدد4، المجلد 18، 1989، رحلة طه الباليساني الكردي في العراق والأناضول وبلاد والشام ومصر والجزيرة العربية ، الطبعة 1، بغداد، مديرية الثقافة الكردية، 1999، وط 2، أربيل، مؤسسة موكرياني 2007، رحلة نصوح أفندي المطراقي زاده، ابو ظبي، المجمع الثقافي، 2004، ورحلة القائد العثماني سيدي علي التركي، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2009، وعبد الله السويدي: النفحة المسكية في الرحلة المكية، في العراق وبلاد الشام والحجاز، ط1، أبو ظبي، المجمع الثقافي، 2001، وط2، بيروت 2011، وفضل الله المحبي: الرحلتان الرومية والمصرية،دمشق،2012.

[28] حققنا هذه الرحلة وهي في طريقها إلى النشر قريباً إن شاء الله تعالى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرحلتان الرومية والمصرية لفضل الله الدمشقي
  • رحلة اللحافي البغدادي من بغداد إلى القسطنطينية
  • مدينة نابلس وسكانها في أعين الرحالة فرانسوا ميشو والأخوين بوجولا
  • برج الساعة في نابلس " برج الحميدية "

مختارات من الشبكة

  • هولندا: فريق اليقين ينظم رحلة عمرة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الرحلة في طلب العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إلى السماوات العلى(مقالة - ملفات خاصة)
  • الرحلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: مؤسسة السنة تنظم رحلة عمرة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تباعد الأزمنة وتقارب الغايات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أثر الإسلام في تغيير مفهوم العالم لمعنى الرحلة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كتاب رحلة كارستن نيبور إلى الجزيرة العربية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ‫يوميات فتيات مسلمات (6)‬‬‬‬‬‬(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليابان: رحلات لطلاب المدارس للتعريف بالإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب