توجيهات الفراء النحوية للقراءات في "معاني القرآن" جمعا ودراسة

ملخص الرسالة

توجيهات الفراء النحوية للقراءات

في "معاني القرآن"

جمعا ودراسة

المقدمة

الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أحمده سبحانه على توالي نعمه، وأصلي وأسلم على نبينا المختار محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فمن مِنن الله علي أنْ وفقني للبحث في موضوع يتصل بكتابه العزيز، فكان هذا البحث الذي أتناول فيه بالدراسة التوجيه النحوي للقراءات عند الفراء، وقد دفعني لاختيار هذا الموضوع أمور، منها:

١- صلة هذا الموضوع بالقرآن الكريم وقراءاته.

٢- أنّ الفراء إمام من أئمة الكوفيين، بل هو أحد المؤسسين لمذهبهم.

٣- أنّ كتابه "معاني القرآن" من أول الكتب المؤلفة في إعراب القرآن وقراءاته.

وقد جاء هذا البحث في قسمين تسبقهما مقدمة وتمهيد، وتتلوهما خاتمة وفهارس، أما التمهيد فاشتمل على مبحثين، أحدهما عن حياة الفراء وآثاره بإيجاز، والآخر عن المراد بالتوجيه.

أما القسم الأول فضم القراءات التي وجهها الفراء نحويا، وقد سلكت في جمع توجيهاته وتصنيفها المنهج الآتي:

١- جمعت القراءات التي وجهها الفراء، ونص على أنها قراءة، وقد بلغت تلك القراءات ثلاثمائة وستين قراءة.

٢- صنفت القراءات بحسب توجيه الفراء لها، جامعا المتماثل منها في مسألة واحدة، فإذا تعدد توجيه الفراء للقراءة فإني أصنف بحسب التوجيه المختار عند الفراء، فإنْ لم يختر نظرت إلى التوجيه الذي قدمه إلا في مواضع قليلة خالفت ذلك؛ لأنّ توجيهه الآخر قائم على مسألة خلافية مشهورة.

٣- رتبت القراءات بحسب توجيهها وفق ترتيب ألفية ابن مالك، وقد جاءت في ستة وعشرين بابًا منها، وما خرج عن ذلك جعلته في آخر المسائل المدروسة.

٤- درست من القراءات التي تماثلَ فيها توجيه الفراء ما يفي بالدلالة على مذهبه ومنهجه في توجيه القراءات، وأثبت الباقي.

أما في دراسة كل توجيه فإني اتبعت المنهج الآتي:

١- تصدير المسألة بالآية موضع القراءة، فإنْ تعلق بتوجيهها آيات أخرى قبلها أو بعدها ذكرها معها.

٢- ذكر نص الفراء الذي ذكر فيه القراءة وتوجيهها عنده، فإنْ كان النص طويلًا اكتفيت بما يدل على التوجيه منه.

٣- تقديم توجيه الفراء على غيره من التوجيهات، ثم إيراد التوجيهات الأخرى مرتبة بحسب الزمن.

٤- دراسة التوجيهات والموازنة بينها ومناقشتها ثم اختيار ما ظهر لي رجحانه.

٥- توثيق القراءات والنقول وتخريج الشواهد من مظانها.

أما القسم الثاني من الرسالة فقد اشتمل على ستة فصول:

الفصل الأول: منهج الفراء في توجيه القراءات:

وقد اشتمل هذا الفصل على المباحث الآتية:

١- أساليب الفراء في توجيه القراءات.

٢- ما يراعيه الفراء عند التوجيه:

أ- مذهبه النحوي.

ب- المعنى.

ج- مراعاة النظم القرآني من أول الآية.

د- الآيات المشابهة.

هـ- القراءات الأخرى في الآية.

و- رسم المصحف.

٣- العناية بالتعليل والاحتجاج.

٤- الاكتفاء بذكر وجه واحدٍ من وجه التخريج أو ذكر أكثر من وجه.

٥- الاستطراد في التوجيه بتجويز ما لم يقرأ به عنده.

٦- جمع القراءات ذات التوجيه الواحد.

٧- توجيهه القراءات المتواترة والشاذة على حد سواء.

الفصل الثاني: طرائق التوجيه عند الفراء:

وقد اشتمل على المباحث الآتية:

١- الإضمار.

٢- الحمل على الزيادة.

٣- الحمل على المعنى.

٤- الحمل على لغات العرب.

٥- التقديم والتأخير.

الفصل الثالث: الأصول التي اعتمد عليها الفراء في التوجيه:

وقد اشتمل على مبحثين:

١- السماع.

٢- القياس.

الفصل الرابع: موقف الفراء من القراء والقراءات:

وقد اشتمل على مبحثين:

١- موقفه من القراء:

أ- قراء الكوفة.

ب- قراء البصرة.

ج- قراء الحجاز.

د- قراء الشام.

٢- موقفه من القراءات:

أ- الطعن في القراءات.

ب- المفاضلة بين القراءات وأسسها:

١- قواعد العربية.

٢- المعنى.

٣- رسم المصحف.

٤- القراءات الأخرى في الآية.

٥- إجماع القراء.

ج- التسوية بين القراءات.

د- السكوت عن الطعن أو المفاضلة أو التسوية.

الفصل الخامس: موقف الفراء في توجيهاته من النحويين:

وقد اشتمل على مبحثين:

١- موقفه من البصريين.

٢- موقفه من الكوفيين.

الفصل السادس: التقويم:

وقد اشتمل على المباحث الآتية:

١- التوجيه والقاعدة النحوية عنده.

٢- مدى الاعتدال في التوجيه.

٣- مدى الدقة في النقل والنسبة.

٤- الإنصاف والتحيز.

ثم ختمت البحث بخاتمة، أودعت فيها أبرز النتائج التي ظهرت لي، ثم كانت فهارس البحث الفنية، وهي: فهرس الآيات، وفهرس القراءات، وفهرس القراءات المدروسة، وفهرس الحديث والأثر، وفهرس أقوال العرب، وفهرس الشعر، وثبت المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.

ولم يسلم البحث من بعض العوائق التي عرضت له، ومنها:

١- غموض عبارة الفراء في بعض المواضع وإعراض العلماء بعده عن شرح مراده، وهذا استدعى تكرار القراءة والتروي مع ربط نصه بما قاله النحويون والمفسرون؛ لعله يساعد في الكشف عما يريد.

٢- تناثر توجيه القراءة بين كتب توجيه القراءات والتفسير والنحو والأمالي.

٣- اشتمال توجيه القراءة أحيانا على أكثر من مسألة نحوية في أبواب متفرقة، وبعض تلك المسائل مختلف فيها، وهذا يوجب النظر فيها جميعا قبل الخروج بالرأي المختار.

٤- التوقّف الطويل في بعض توجيهاته لمخالفتها ما عزاه إليه بعض النحويين.

لكن هذه العوائق وغيرهما مما عرض لي قد ذُللت بفضل الله - سبحانه وتعالى - ثم بفضل المشرف على الرسالة شيخي الدكتور عبد الرحمن بن صالح السلوم؛ فإنه ما فتئ يمحض النصح، ويصلح المعوج مع سعة بال ودماثة خلق، وكان خير معينٍ لي مذ بدأت الطلب، وله علي أيادٍ كثيرة، أسأل الله أن يجزيه عني خير الجزاء.

وأشكر أيضا كلية اللغة العربية وقسم النحو والصرف وفقه اللغة اللذين سهلا لي المضي في هذا البحث، كما أشكر كل من أعانني في هذا البحث، وأخص بالشكر د. سيف ابن عبد الرحمن العريفي الذي كان له الفضل في إرشادي إلى هذا الموضوع.

والحمد لله أولًا وآخرا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخاتمة

بعد أنْ من الله علي بإتمام هذا البحث أجمل أبرز النتائج التي ظهرت لي، وهي:

١- كتاب "معاني القرآن" من الكتب المتقدمة التي حوت كثيرا من القراءات سواءً أكانت موافقة لرسم المصحف أم كانت من الحروف المخالفة، وقد وجه الفراء أكثرها دون تمييز بينها؛ لأنّ من مقاصده في كتابه تأصيل العربية، وبيان وجوه النطق فيها.

٢- استوعب الفراء في بعض القراءات الأوجه التي يمكن أنْ تحمل عليها، وهذا يدل على تمكنه وسعة علمه.

٣- كانت عبارة الفراء في بعض توجيهاته غامضة، وذلك أدى إلى أمور منها: عسر فهم مراده، وتعدد الآراء التي عزيت إليه، وإعراض المعربين بعده عن ذكرها.

٤- غّلط بعض النحويين الفراء في بعض توجيهاته، واعتمدوا في تغليطهم على مذهب البصريين، وفي ذلك إلزام له بما لا يلزم.

٥- التصريح بالتوجيه أو التقدير المنبئ عن التوجيه هما الطريقان اللذان سلكهما الفراء في توجيه القراءات، وإن كان الأول هو الغالب عليه.

٦- تعددت الأمور التي يراعيها الفراء عند توجيهه القراءات، وأكثر ما يراعيه مذهبه النحوي والمعنى.

٧- تعددت أوجه الإعراب التي يذكرها الفراء في بعض القراءات، ومرد ذلك في الغالب: غياب العلامة الإعرابية، والاشتراك فيها، والإضمار.

٨- يستطرد الفراء في بعض الآيات بتجويز ما لم يبلغه أنه قرئ به، وقد ظهر أنّ الفراء لا يريد بذلك تجويز القراءة بكل ما يوافق العربية ولو كان غير مروي، وإنما قصد به بيان وجوه النطق في العربية.

٩- الفراء إمام حافظ يستحضر القراءات؛ فحين يوجه القراءة يضم إليها ما بلغه من قراءات تماثلها في التوجيه.

١٠- الحذف من الطرائق التي سلكها الفراء في التوجيه، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه توسع فيه توسعًا بلغ به حد الإسراف، وأنّ ذلك من مظاهر الترعة البصرية عنده، والحق أنّ الفراء لم يكن منهجه كمنهج الكوفيين الموسوم بالبعد عن الحذف والتقدير؛ فقد قال به كما قال به النحويون الآخرون، لكن ذلك لم يبلغ به حد الإسراف.

١١- توسع الفراء في القول بالزيادة؛ فأكثر المواضع التي ذهب فيها إلى الزيادة كان قوله مرجوحًا.

١٢- من صور الحمل على المعنى عند الفراء تذكير المؤنث، وتأنيث المذكر، والتوهم، والحمل على المحل، والتضمين.

١٣- السماع والقياس هما الأصلان اللذان اعتمد عليهما الفراء في التوجيه، وكان اعتماده على السماع هو الأغلب.

١٤- استشهد الفراء بالحديث في موضع واحد، واستشهاده في هذا الموضع الفرد لا يخرجه عن حكم أبي حيان حين سلكه في سلك العلماء الذين أهملوا الاحتجاج بالحديث الشريف.

١٥- الفراء كان ثقة يتثبت في الرواية، ولا يروي إلا عمن يثق بعربيته وفصاحته؛ لذا لا التفات لمن رماه بتغيير الشواهد أو رواية أبيات مصنوعة لا يحتج بها.

١٦- أُخذ على الكوفيين اعتدادهم بالنادر والشاذ وجعله أصلًا يقاس عليه، وهذا لا نجده عند الفراء؛ فإنه لحن بعض القراءات، وشكك في بعض ما رواه عن العرب، ولو كان الفراء يعتد بالشاذ والنادر لكانت القراءات وما رواه عن العرب أولى بالقبول.

17- عني الفراء عناية بالغة بقراء أهل الكوفة، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ؛ إذ عني الفراء بقراءته إيرادًا وتوجيهًا واستدلالًا بها، بل إنه ليختار القراءة لأجل موافقتها قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

18- عناية الفراء بقراءة أبي بن كعب - رضي الله عنه -، تقارب عنايته بقراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وقد كان الفراء في بعض المواضع يقر ما في الذكر، فيقول: وفي إحدى القراءتين.

١٩- أغفل الفراء قراء الشام، فلم يذكر أحدًا منهم، وإنما ذكر مصفحهم في بعض المواضع.

٢٠- اختلف الباحثون في موقف الفراء من القراءات؛ فمنهم من يرى أنه يقبل القراءات ويصوبها وإنْ كانت شاذة عنده، ومنهم من يرى أنّ الفراء خطأ بعض القراءات، وذلك مظهر من مظاهر الترعة البصرية عنده، والحق أنّ الفراء اختلف موقفه من القراءات بين الطعن والمفاضلة والتسوية والسكوت عما تقدم، وهو الأكثر.

٢١- من الباحثين من ذهب إلى أنّ الفراء ومن قبله شيخه الكسائي هما اللذان فتحا باب الطعن للبصريين الخالفين لهما، أما المتقدمون من البصريين كسيبويه والأخفش فلم يؤثر عنهما الطعن في القراءات، وقوله هذا مردود بطعن المتقدمين من البصريين في القراءات؛ فالأخفش طعن في القراءات في غير موضع من كتابه "معاني القرآن".

٢٢- تردد الفراء في بعض القراءات بين الطعن فيها وقبولها، ويظهر لي أنّ ذلك يرجع إلى أسباب، منها: تشكيكه في صحة الدليل الذي يسند القراءة، أو ضعف الوجه الذي حملت عليه القراءة وخفاؤه.

٢٣- وافق الفراء سيبويه في خمسة توجيهات، وخالفه في أحد عشر توجيهًا، أما الأخفش فقد وافقه في سبعة عشر توجيها، وخالفه في ستة توجيهات، ومع وقوف الفراء على آراء هذين العلمين وإفادته منهما فقد أغفل ذكرهما، وفي هذا شيء من عدم الإنصاف.

٢٤- الفراء شديد التعظيم لشيخه الكسائي، ومن مظاهر ذلك تحسين القراءة؛ لأنّ الكسائي قرأ بها، وفي التوجيهات وافق الفراء الكسائي في تسعة توجيهات، وخالفه في ستة منها، ومن مظاهر موقفه من الكسائي أنه حين يوافق الكسائي لا يشير إلى ذلك، وحين يخالفه أو حين يتوقف الكسائي في قراءة ما فإنّ الفراء يشير إلى ذلك.

٢٥- بعض توجيهات الفراء في كتابه جاءت مخالفة لما عزاه إليه النحويون، لذا أرى أن يخص كتابه بمزيد عناية، ويستخلص ما فيه من آراء للفراء، فتلك الآراء أصح مما ذكره النحويون في كتبهم؛ لأنها في كتابه الذي أملاه في آخر حياته.

٢٦- تكلف الفراء في بعض توجيهاته، وكان من أسباب ذلك التزامه مذهبه، وبيان ما تجيزه الصناعة النحوية، وكون القراءة من القراءات المشكلة.

٢٧- لم يحفل الفراء بعزو أبيات الشعر إلى قائليها، أما القراءات فإنه عني بعزو أكثرها، وقد كان الفراء في عزوه دقيقًا.

٢٨- رمي الفراء بالتعصب، وقد ظهر لي أنّ الفراء لم يسلم منه، لكن ذلك لا يبلغ به الوصف الذي وصفه به الجاحظ حين اتهمه بسرقة كتاب سيبويه.

٢٩- كان الطبري متابعًا للفراء في توجيهاته، لكن ذلك لم يمنعه من مخالفته في بعض المواضع.

٣٠- عزا بعض المعربين كالبيضاوي وأبي حيان بعض توجيهات الفراء إلى المتأخرين عنه، وربما كان ذلك لعدم وقوفهم على كتابه "معاني القرآن" وأخذهم عنه.

٣١- يتجوز بعض المؤلفين في إعراب القرآن وقراءاته، فينصون على إجماع النحويين على تلحين قراءة من القراءات، وقد تكون تلك القراءة من القراءات السبعية مع أنّ كثيرًا من النحويين قد ذكروا لها توجيهات عدة.

تلك هي أبرز النتائج التي ظهرت لي من البحث، وأسأل الله أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.