من نفائس المخطوطات .. شرح كتاب سيبويه للسيرافي الموقع بخطه

من نفائس المخطوطات

شرحُ كتابِ سيبويهِ للسيرافيِّ المُوَقَّعُ بخطه

حينما نَشَرَ الدكتور حسين علي محفوظ مقالته عن نفائس المخطوطات العربية في إيران، في مجلة معهد المخطوطات العربية سنة 1376 (1957م)، المجلد الثالث، ص 3-78 = لَفَتَ الأنظارَ في ص 65 إلى مخطوطٍ نفيسٍ تحويه خزانة محمد علي داعي الإسلام في طهران، هو "شرح كتاب سيبويه للقاضي السيرافي المتوفى سنة 368 بخطه"، ورغم ذلك لا أعلم أحدًا ممن حقق هذا الشرح اطَّلع على هذه النسخة، فضلًا عن أن يعتمدها.

ولا ريب أن هذه النسخة -إن ثَبَتَ أنها بخط السيرافي- تعدُّ أمًّا وأصلًا، لا يجوز لمحقق الشرح أن يحيد عما فيها، إلا إن اقتضاه إلى ذلك داعٍ من الدواعي المعتبرة في أصول تحقيق التراث.

وقد حاول عدد من الباحثين الوقوفَ على هذه النسخة النفيسة فلم يفلحوا، وذكر الأستاذ الدكتور سيف بن عبدالرحمن العريفي -حفظه الله وبارك في علمه- شيئًا من ذلك في أول تحقيقه كتاب الادِّغام من شرح كتاب سيبويه للسيرافي ص 65، 66.

ولقد وقفت على ترجمةٍ لصاحب الخزانة التي تحوي هذا المخطوط النفيس في ص 426 من العدد 43 من مجلة "يغما" الصادرة باللغة الفارسية سنة 1371، فَهِمت منها أن اسمه سيد محمد علي داعي الإسلام، وأنه ولد سنة 1296 في آمل (مازندران)، ثم درَّس في حيدرآباد في الهند، وألَّف كتبًا، منها: فرهنك نظام فارسي، وتوفي سنة 1371.

ويبدو أن خزانته تفرقت بعد وفاته، فآل منها 23 مجلدًا إلى برويز صديقي، ثم اشترتها منه جامعة طهران، على ما أفاده هادي شريفي في دراسته عن المخطوطات الإسلامية في إيران، ضمن موسوعة "المخطوطات الإسلامية في العالم" الصادرة عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 1/381.

ووجدت في فهرس خزانة عبدالمجيد (أو: عبدالحميد) مولوي في مدينة مشهد بإيران أربع مخطوطات كان الدكتور حسين علي محفوظ قد عدَّها ضمن نفائس خزانة محمد علي داعي الإسلام، وهي:

1- حسن لآلئ الدرر بإيجاز المختصر للمقاصد الحسنة فيما اشتهر، لمحمد بن عبدالباقي الزرقاني، بخط محمد مراد سنة 1139.

2- الرسالة السليمانية في التجويد، لمحمد القارئ بن شمس الدين الكاظمي بخطه سنة 1088.

3- الكشكول فيما جرى لآل الرسول، بخط عبدالله بن حسن بن محمد بن النجار سنة 762.

4- المغرب، للمطرزي، كتب سنة 994.

ينظر: نشرة "نسخه هاى خطى" الصادرة باللغة الفارسية عن جامعة طهران، المجلد الخامس، سنة 1387 (1967م)، ص 23، 35، 91، 97.

ووجدت أيضًا في مكتبة جامعة هارفارد بأمريكا ثلاث مخطوطات كانت في ملك محمد علي داعي الإسلام، أهدتها إليها امرأة تدعى "ايران جويت Iran jewett" سنة 2009م، وهي:
1- رسالة العروض والقافية (بالفارسية)، لمحمد مسيح فسائي.

2- مجموع في التنجيم والكهانة والأعداد (بالفارسية).

3- الجزء الثالث والأربعون من شرح كتاب سيبويه، للسيرافي.

وبعد معاينة المخطوط الأخير منها أيقنت أنها نسخة شرح كتاب سيبويه للسيرافي التي يبحث عنها الدارسون، وأنها قد رحلت من إيران إلى أمريكا بعد وفاة مالكها بستين سنة تقريبًا.

تحتفظ بهذا المخطوط حاليًّا مكتبة جامعة هارفارد الواقعة بمدينة كامبردج في الولايات المتحدة الأمريكية، بالرقم "438Ms Arab "، ويقع في 364 ورقة، جاء شرح كتاب سيبويه للسيرافي في الأوراق 1-352، وبعده ورقة فيها تقييدات وفوائد بخط قديم، ثم ورقة فارغة، ثم ورقة فيها تفسير عتيق لآيات من سورة الأنعام، لم أعرف صاحبه، ثم قطعة في 9 ورقات من معجمٍ لغويٍّ أظنه "الجامع في اللغة"، لمحمد بن جعفر القزاز القيرواني المتوفى سنة 418، فيها أكثر كتاب الباء منه.

وشرح السيرافي في المخطوط ليس تامًّا، بل هو 16 قطعة متفرقة، غير متصلة بما قبلها وما بعدها، وهو مقسم إلى أجزاء، الموجود تامًّا منها ستة، هي 58 و67 و68 و70 و76 و80، ويقع كل جزء في 30 ورقة، إلا الجزء 70 ففي 17 ورقة فقط، وإلا الجزء 80 ففي 35 ورقة، ويوجد أول الجزأين 43 و77 ولا يوجد آخرهما، وتوجد أواخر أربعة أجزاء ولا توجد أوائلها، منها الجزءان 57 و66، وتتفاوت الأوراق الموجودة من كل جزء، والأجزاءُ الباقية لا أوائل لها ولا أواخر.

والجدول التالي يرتِّب القطع المذكورة حسب تسلسلها في مطبوعة دار الكتب العلمية ببيروت، وإنما عزوت إليها على كثرة سقطها وتحريفها، لكونها الوحيدة الكاملة فيما أعلم:

وقد كُتبت النسخة بخط واحد؛ سوى القطعة الأولى منها والقسم الأول من القطعة 11؛ فكتبا بخط آخر.

وهي مكتوبة في حياة السيرافي، فإنه قرأها، وصححها، وأجاز بها أحد تلاميذه، إذ كتب بخطه في أول الأجزاء 43 و67 و68 و70 و76 و77 و80:

"قرأه عليّ إلى آخره أبو محمد الحسن بن علي المدائني

وكتب الحسن بن عبدالله السيرافي"

وكتب أعلى كل ورقة من هذه الأجزاء –إلا الجزء 77-: "نظرت فيه".

لكن جاء في أول الجزء 58 بخط السيرافي: "قرأه عليّ إلى آخره أبو محمد الحسن بن عبدالله المدائني"، فلعل هذا سهو، أو يكون من النسبة إلى الجد، والمدائنيُّ هذا نحوي مذكور، توفي سنة 379، وله ترجمة مقتضبة في معجم الأدباء 2/932، وإنباه الرواه 1/350، وبغية الوعاة 1/516، وقد يكون هو كاتب معظم هذه النسخة.

وهناك فرق ظاهر بين خط السيرافي وخط معظم النسخة، أما القطعة الأولى والقسم الأول من القطعة 11 فهناك فرق يسير بين خطهما وخط السيرافي، لكنه غير ظاهر، والأمر يحتاج إلى خبير في الخطوط، فقد تكون النسخة مكتوبةً بعدَّة خطوط، أو تكون أجزاءٌ من نسخة السيرافي التي بخطه –إن ثبت أن تلكما القطعتين بخطه- دخلت ضمن هذه النسخة، وعليه فالقول بأن النسخة كلها بخط السيرافي بعيد، والمؤكد أنه نظر فيها، وأجاز صاحبها، وصححها.

وقد تناثرت التصحيحات والإلحاقات في حواشي النسخة، ولعل كثيرًا منها بخط السيرافي حينما كان ينظر في النسخة، فخطُّها قريب من خطه.

وفي أثناء النسخة بلاغات بالقراءة، يختلف خطها عن خطوط النسخة، بلفظ: "بلغ"، تنظر في: 8/أ و16/ب و89/ب و145/ب و163/ب و281/أ و325/ب و326/ب و342/ب، وبلفظ: "بلغتُ قراءةً"، تنظر في: 59/أ 154/أ و178/أ و203/أ و206/أ و248/ب و273/أ و340/أ، وبلفظ: "بلغتُ" في: 322/أ، وعلى أواخر بعض أجزائها: "بلغتُ قراءةً على القاضي أبي سعيد أيده الله، وسمع أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد الكاملي"، ينظر: 97/أ و229/أ و352/ب، ولم أقف على ترجمة لهذا الكاملي.

ولمعاينة هذه النسخة وتحميلها ينظر هذا الرابط:

http://pds.lib.harvard.edu/pds/view/16961565

هذا ما أردت بيانه، راجيًا أن يكون فيه فائدة للمهتمين بالتراث، والحمد لله على توفيقه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.