اختيارات الشيخ النووي في كتاب الحج

ملخص الرسالة

المقدمة

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دين قويمًا، وهدانا إلى صراط مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.

والصلاة والسلام على خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا". أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

فإن الاشتغال بالفقه من أفضل الطاعات؛ لأن به يعرف الحلال والحرام، ويدين الخاص والعام، وتبين مصابيح الهدى من ظلام الضلال، وقد من الله على كثير من عباده بالاشتغال بهذا العلم، فمنهم المصنف ومنهم المختصر ومنهم الشارح، فوفوا وأجادوا. فحصل لهم بذلك الشرف والأجر العظيم. ورغبة في الحصول على هذا الشرف عزمت على أن أدلى بدلوي، وأنهل مما نهلوا وذلك بالبحث في هذا العلم، راجية أن أكون ممن أراد الله بهم الخير، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((أن من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)).

وقد من الله عليّ بأن وفقني لخدمة شيء من تصانيف الشيخ النووي، وإن كنت أعلم أني لست من أهل هذا الشأن، ولكن حرصًا مني على الإفادة من علم هذا الشيخ الجليل والتأسي بعبادته اخترت الكتابة في ترجيحاته وذلك في باب من أبواب الفقه وهو الحج، ووضعت له عنوان (اختيارات الشيخ النووي في كتاب الحج).

أهمية البحث وسبب اختياره:

تبرز أهمية البحث في اختياري لموضوعه وهو: "كتاب الحج"، لما لهذه الفريضة من أهمية دينية في حياة كل مسلم، فهي أحد أركان الإسلام الخمسة.

قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)).

تم تحديد أبعاد البحث في هذا الموضوع بجمع اختيارات النووي في أحكام الحج، لأن هذه الاختيارات لا يجمعها كتاب مستقل، فأقوم بجمع شتات بعض هذه المسائل من كتب النووي نفسه، وأجمعها في هذا البحث كي يتسنى الرجوع إليها في سهولة ويسر، دون عناء أو مشقة لمن أراد ذلك من  طلاب العلم ومريديه.

أما سبب اختياري لهذا الموضوع فمن جهتين:

الأولى: تحديد شخصية صاحب الاختيارات بكونه الإمام النووي، لأنه من أهل الاجتهاد والفهم الصحيح الدقيق، فهو الموثوق به في العلم عامة، وفي المذهب الشافعي خاصة. وهو من الشخصيات البارزة في هذا المذهب.

وبالرغم من أن النووي علم وغنى عن التعريف، إلا أن من حقه علينا إظهار علمه وفضله. فهو الإمام المجتهد، المصنف والشارح.

وتسليط الضوء على اختياراته يبرز مكانته العلمية، واجتهاداته الفقهية أكثر وأكثر، وذلك حتى يسهل الرجوع إلى اختياراته في هذا الموضوع دون عناء البحث عنها في بطون الكتب وأمهات المراجع.

الثانية: قد سبق أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وأنه فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولأنني أجد في نفسي قصورًا وعجزًا في فقه أحكامه، وهي متعددة ومتفرعة وكل منها من الأهمية بمكان في حياة المسلم وعقيدته.

فالكتابة الفقهية في هذا الموضوع تتيح لي الوقوف على الكثير من أحكامه والإلمام بها إلمامًا صحيحًا في ضوء اختيارات النووي.

وأيضا لجهل الكثير من الناس بأحكامه، والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذه الفريضة لا تجب إلا على المستطيع مرة واحدة في العمر، فهي لا تتكرر كتكرار الأركان الثلاثة الأخرى: الصلاة والصيام والزكاة.

منهج البحث:

1- سرت في البحث على الموضوعية التامة فلم أكن أرجح أقوال الشيخ النووي إلا بعد طول نظر وتأمل في الأدلة التي استدل بها، فإن بدا لي أن الراجح غير قوله لم أرجحه.

2- اقتصرت على المسائل التي اختارها النووي بقوله: "الأصح"، أو "أصحهما"، سواء أكان أصل هذه المسائل أقوالا للإمام الشافعي أم أوجها للأصحاب. أما التي اختارها بقوله: الصواب، أو الأظهر، أو الأشهر، فلم أتعرض لها لأنها ليست من اختيار النووي.

3- رتبت هذه المسائل (التي اختارها النووي) حسب ورودها في "كتاب الحج".

4- بعد تحديد المسائل اتبعت الآتي:

أ- وضعت عنوانًا مناسبًا لكل منها في البحث.

ب- قدمت لكل مسألة بمقدمة أحصر فيها محل الخلاف.

ج- غالبًا ما كنت أؤخر الرواية أو الطريق الذي اختاره النووي لأهميته، وليتسنى لي أن أفصل القول فيه.

د- رجحت بين الروايات مع بيان السبب.

5- حرصت على أن أقتفي أثر النووي في الاستدلال بالأحاديث، فلا أستدل إلا بما كان صحيحًا أو حسنا، أما الضعيف فلا أتطرق إليه إلا إذا لم يوجد غيره، عندئذ أستدل به مبينة ضعفه وقول العلماء فيه ما أمكن.

وإذا كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بعزوه إليهما. وإن كان في غيرهما عزوته إلى مصدره مع الحكم عليه من خلال أقوال العلماء فيه إلا فيما لم أقف على حكم فيه.

6- رتبت المراجع بحسب المتقدم منها، فقدمت الشرح الكبير للرافعي على الروضة للنووي، كما قدمت الروضة على المجموع.

7- بينت في الهامش أقوال العلماء في المذاهب الأخرى في المسائل التي يكون للنووي ترجيحًا فيها، وما عدها فلا. لما سيأتي من أن الترجيح في المذهب الشافعي قد يكون بما يوافق أقوال المذاهب الأخرى.

8- قد استدل للقول الآخر أن لم يكن له دليل من كتب المذاهب الأخرى مبينة ذلك بقولي: "ويستدل له، أو يحتج له".

9- قمت بعمل "خريطة" وضحت فيها المواقيت وحدود الحرم، لأني لم أجد في الكتب التي بين يدي، "خارطة" تجمع بين المواقيت وحدود الحرم.

فاستعنت بأهل العلم في ذلك، وبينت بعض المناطق التي يظن البعض أنها من الحل وهي من الحرم، لما في معرفة ذلك من الأهمية بمكان، فإن الحرم له أحكام خاصة من سقوط دم القرآن عن أهله، ووجوب الإحرام من الحل حين الإحرام بالعمرة، وتحريم عضد الشجر وغير ذلك من الأحكام، واكتفيت ببيان المناطق الموجودة في أقصى الحرم، وما دونها من المناطق لاشك أن لها حكم الحرم.

10- ترجمت للأعلام المذكورين في الرسالة إن لم يكونوا من مشاهير الصحابة والتابعين وغيرهم.

المصطلحات التي استخدمتها في البحث:

1- المراد بالشيخين الرافعي والنووي.

2- ابن حجر هو الشيخ ابن حجر الهيتمي.

أما ابن حجر العسقلاني فقد ذكر بلقبه.

3- فيما يتعلق ببعض المراجع: إن كان المرجع له عدة طبعات، أو شرح بعدة شروح فإني كنت أوضح ذلك بذكر الطبعة أو الشارح إن لم يسبق الأخذ عنه. أو تخلل ذلك الرجوع إلى الكتاب بالطبعة الأخرى أو الشرح الآخر، كصحيح البخاري بفتح الباري، أو صحيح البخاري بحاشية السندي.

أما الكتب التي طبعت مستقلة ثم طبعت مع كتب أخرى فإني كنت أشير إلى ذلك، كقولي: المهذب مع المجموع، فإن كان المرجع هو المستقل ذكرته دون إضافته إلى المجموع.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده أبلغ الحمد وأكمله وأزكاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى بتتميم دعوته ورسالته وصلاة الله على جميع النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذه أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث:

1- منهج الشيخ النووي في الترجيح:

أ- القول المعضد بالدليل الذي لا معارض له سواء كان قديمًا أو جديدًا. هو مذهب الشافعي، حيث صح عنه: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله، فقولوا بسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ودعوا قولي".

ب- القول الجديد للشافعي هو مذهبه، إذا نص في الجديد على خلاف القديم، لكن إذا لم يخالف القديم الجديد أو لم يتعرض لتلك المسألة في الجديد، فالعمل يكون بالقديم.

جـ- إذا تساوى القولان رجح المتأخر منهما إن علمه، وإلا فما نص الشافعي على رجحانه، وإلا فما ذكره في بابه ومظنته، وذكر الآخر في غير بابه، وإلا فما فرع عليه، وإلا فما قال عنه مقابلة فيه نظر.

د- فإن لم يكن ثمة مرجح اعتمد ما صححه الأكثر والأعلم والأورع، فإن تعارض الأعلم والأورع، قدم الأعلم.

ه- إن لم يجد ترجيحًا عن أحد اعتبر صفات الناقلين للقولين، والقائلين للوجهين.

و- ما وافق أكثر أئمة المذاهب.

2- أن للشيخ النووي منهجًا علميًا في كتابة البحوث فينبغي على طالب العلم الوقوف عليه قبل الشروع في كتابة أي بحث.

3- أن الترجيح بما يتعارف عليه الناس جائز ما لم يكن مخالفًا للشرع، فإذا تعارف الناس على ترك ما يجلب المنة مثلاً، جاز أن يرجح به، فيترك الفعل لأجله.

مثال ذلك: مسألة الحاج إن لم يجد الراحلة، ولكن تبرع أجنبي بثمن الراحلة لم يلزمه قبوله، لأن عليه في قبول ذلك منه، وفي تحمل المنة مشقة.

4- أن الأدب مع العلماء وأهل الفضل لا يمنع من الحكم على أقوالهم بالضعف والغرابة إن كان ذلك لأجل النصح للبحث، لا لغرض التنقيص.

وقد حدث هذا كثير من الشيخ النووي رحمه الله، ومن ذلك ما قاله في الحكم على قول يروي عن الإمام الشافعي، فوصفه بأنه: قول غريب وضعيف جدًّا.

5- أن المذهب الشافعي أكثر توسعًا وتفريعًا من المذاهب الأخرى في أحكام الحج.

6- أن مسألة اشتمام الطيب، وحكم قصد ذلك مختلف فيه كما مر، ومعلوم أن الكعبة تغسل وتطيب في العادة، في الواحد من ذي الحجة فينبغي النظر في ذلك.

7- أن كتاب المجموع المطبوع في دار الفكر يحتوي على أخطاء مطبعية كثيرة، منها ما هو جلي لا يلبس المعنى، ومنها ما يلبس المعنى بغيره، فينبغي تصحيحه وتحقيقه وفق القواعد العلمية الصحيحة، ومن أمثلة ذلك ما وقع في مسألة مجاوزة الميقات، حيث قال: "وإن عاد بعده، لم يسقط سواء كان النسك ركنا كالوقوف والسعي، أو سنة كطواف الوقوف والصواب كطواف القدوم، كما صرح بذلك الشيخ الرافعي وهذا الخطأ ظاهر، وقد لا يلبس المعنى.

أما ما يلبس المعنى فمثاله، ما جاء في مسألة دم الفوات حيث قال النووي: "وممن صرح بتصحيحه الرافعي وغيره، ولا يلزمه قضاء عمرة مع قضاء الحج عندنا بلا خلاف، ويجب عليه دم للفوات وهو شاه، لأنه صرح بعد ذلك بنحوه.

وبعد:

فهذا ما انتهى إليه البحث، فإن وفقت في ذلك فمن الله، وهو جهد متواضع. أسأل الله الأجر والثواب عليه، وأن تعم به الفائدة للخاص والعام.

وإن قصرت فما أنا إلا بشر والكمال لله وحده.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.

فهرس محتويات البحث