• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    تربية الحيوانات (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل ماجستير
علامة باركود

الفكر السياسي عند الإمام الشوكاني: دراسة مقارنة

محمد محمد علي محمد

نوع الدراسة: Masters resume
البلد: مصر
الجامعة: جامعة القاهرة
الكلية: كلية دار العلوم
التخصص: الفلسفة الإسلامية
المشرف: د. السيد رزق الحجر
العام: 1993م

تاريخ الإضافة: 3/7/2010 ميلادي - 21/7/1431 هجري

الزيارات: 26414

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

الفكر السياسي عند الإمام الشوكاني

دراسة مقارنة

تمهيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الحكم وإليه يُرجَع الأمر كله، وأشهد أن رسولنا محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - خاتم النبيين وصفوته من خلقه.

 

وبعد:

فمنذ سقوط الخلافة الإسلامية سنة 1924م، دارَتْ معارِك عنيفة بين أطرافٍ شَتَّى حول هذا الحدث الجَلَل، فمن الناس مَن هَبَّ مُدافِعًا من الخلاقة التي احتضرت، مُطالِبًا علماءَ الأمَّة وأولى الأمر فيها بتحمُّل مسؤولياتهم نحو هذه الكارثة، مُقترِحًا الآراء التي أوصله إليها اجتهاده[1].

 

ومنهم مَن رآها فرصة سانحة لهدم الفكر السياسي في الإسلام من القواعد، واقتلاعه من الجذور[2].

ومنهم مَن كانت حركته ردَّ فعلٍ للاتِّجاه الأخير، فقام بدحض هذه الفرية التي تقول: لا سياسة في الدين[3].

 

وعلى كلٍّ فقد كان لأعداء هذا الدين ما أرادوا، فماتت الخلافة، وخفَتَت الأصوات المُنادِيَة ببعثها من مرقدها رُوَيدًا رُوَيدًا حتى تلاشت تمامًا في نهاية المطاف.

 

ومنذ بداية العقد الثاني من هذا القرن شاء الله أمرًا، فانبعثت الصحوة الإسلامية رشيدة هادية، وبدأت تُنَبِّه المسلمين وتُذَكِّرهم أن دينهم (دين ودولة)، (شريعة وسياسة)، وأن شريعة الله - تعالى - واجِبَة التطبيق، تطبيقًا كليًّا لا يتجزَّأ، في كلِّ نواحيها، وأنه لا خِيَار لنا إزاء هذه الإرادة الربانية، والأوامر الإلهية.

 

وعلى أثر ذلك قام كثيرٌ من الباحثين - في شتَّى فروع العلم - ببحث الفكر الإسلامي لدى بعضٍ من الفلاسفة (كالفارابي)، أو لدى بعض الفِرَق (كالشيعة) و(المعتزلة)، أو عن بعض المؤسسات (كالدولة العقدية)[4].

 

ولكن الاتِّجاه إلى (الفقهاء) وخاصَّة (أهل الحديث) منهم، وبالأخص (أصحاب الاتِّجاه السلفي) كان - على ما أعلم - غير مطروح.

 

وكان ذلك باعثًا حثيثًا لي بالأقدام على دراسة الفكر السياسي عند أحد الفقهاء، شجَّعني على ذلك أن (قسم الفلسفة الإسلامية) بدار العلوم العامِرة قد تَبَنَّي هذه الدراسات واتَّجه إليها، تلك الدراسات التي تهتمُّ بالفكر الإسلامي عمومًا، سواء في النواحي التربوية أو الاجتماعية أو السياسية، أو مناهج البحث وفلسفة العلوم، ليخرج للأمَّة الإسلامية بل لكلِّ الأمم دراسات تفيدها في واقعها الراهن، ولا يكون مصيرها الوضع على (أرفف) المكتبات هامِدَة لا جدوى من ورائها ولا طائل!

 

ووجدتني شديدَ الميل إلى (تراث الشوكاني) لأسبابٍ كثيرة منها:

أولاً: أن الرجل قد توافرت عليه دراسات كثيرة في مجالات شتَّى؛ كالتصوُّف، وعلم الكلام والفلسفة، والتفسير، والحديث، والتربية[5]... ولكن الجانب السياسي في فكره وإنتاجه - فيما أعلم - لم يمسَّه أحدٌ من قبلُ على أهميته القصوى.

 

ثانيًا: أن الشوكاني - بالرغم من أنه من المتأخِّرين (ت1250 هـ) إلاَّ أن إنتاجه غزير ومتنوِّع وعميق[6]، يجمع بين المنهج السلفي والأسلوب القريب المأخذ - في غالب مؤلَّفاته - من ثَمَّ فإن الدارس لتراثه يخرج بحصيلة علمية طيبة، وزاد ثقافي واسع، يأخذ بيده إلى الوقوف على كثيرٍ من علوم الشرع؛ ممَّا يساعد على الانطلاق بعد ذلك من أرض صلبة غير متهاوية، فأردت - أو أراد الله لي - ألاَّ أُحرَم من هذا الخير العميم، وأنا في بداية حياتي العلمية.

 

ثالثًا: أن شخصية الشوكاني بنشأتها والملابسات التي أسهمت في تكوينها العلمي والفكري تكاد تكون فَرِيدة؛ فالرجل نشأ في بيئة زيدية، لها فقهها الخاص، ولها فكرها المتميِّز، ولها عقائدها التي تقترب بها أو تبتعد عن غيرها من فِرَق الإسلام، ولا بُدَّ أن الشوكاني قد تأثَّر بهذه البيئة - سلبًا أو إيجابًا - ثم لَمَّا نما تحصيله العلمي وأدرك مرتبة الاجتهاد خلع ربقة التقليد عنه، وصار مجتهدًا مطلقًا، لا يلوي على شيءٍ غير الدليل.

 

ثم من رحاب العلم والفتيا والتأليف انطَلَق الشيخ إلى ساحة القضاء والسياسة والحكم - مع ما بين المجالين من هُوَّة واسعة، فكانت كلُّ هذه الملابسات من أكبر الدوافع وأهمها في اختياري لموضوع هذه الدراسة، علَّني أكشف عن شيءٍ ما جديد في فكر هذا العلاَّمة المحقِّق.

 

رابعًا: أن الاهتمام بالجانب (السياسي) في (الفقه الإسلامي) وعند (فقهاء الإسلام) يكاد يكون مهملاً من المتخصِّصين في (الفكر والفلسفة) أو في (الفقه والشريعة)، وإذا كان ثَمَّة دراسات أُجرِيت فهي عن (فقهاء) من غير أهل السنة والجماعة، كالإمام (الماوردي) المعتزلي[7]، وإن كانت عن أحدهم فهي تتناوَل تحليل الجانب التاريخي أو الأدبي، لكن نادرة هي تلك الدراسات التي اهتمَّت بالجانب الفكري والتطبيق العملي عند الفقهاء.

 

ولَمَّا كان الإمام الشوكاني مسك الختام في هذا العقد الفريد من الفقهاء السلفيين والمحدِّثين الحافظين والمفسِّرين البارِعين واللغويين المبرزين، أردت أن أكشف النقاب عن هذا الجانب المستور في فكره.

 

خامسًا: تشجيع أساتذتي لي على الإقدام على هذا البحث، وإضافتهم (للجانب المقارن) في هذه الدراسة، كي تكون ثريَّة - بإذن الله تعالى - كان من أهم الأسباب التي بَثَّت العزيمة في نفسي لكي أخوض هذا الغمار الخضمَّ.

 

صعوبات الدراسة:

كثيرة هي تلك الصعوبات التي واجهَتْنِي أثناء عملي في هذه الدراسة، ولعلِّي اذكر هنا أهمها:

1- وجود كثيرٍ من المادَّة العلمية التي تخصُّ الإمام الشوكاني، والتي يتطلَّبها هذا البحث في صورة مخطوطة في مكتبات اليمن، ولولا توفيق الله - تعالى - ثم مساعدة بعض الأساتذة المخلِصين لي، ما تمكَّنت من الحصول على شيءٍ منها، والحق أنني كنت أوشكت على الانتهاء من هذه الدراسة، ولَمَّا يتيسَّر لي الاطِّلاع على كثيرٍ ممَّا يخدمها، وكنت قد يئست من الظفر بشيءٍ من تلك المخطوطات، ولكن الله - سبحانه - مَنَّ على ببعضها في صورةٍ (ميكروفيلمية) أتعبتني في قراءتها، ولكنَّها هوَّنت عليَّ كثيرًا من المصاعب البحثيَّة، وهيَّأت لي مادة علمية ثمينة، أظنُّ أنها تُنشَر لأوَّل مرَّة عن الإمام الشوكاني.

 

2- قناعتي الشخصية أنه لكي أنتج دراسة فكرية - وفي الفكر السياسي بالذات - عن مفكِّر مسلم - بله فقيه وأصولي ومفسر... يجب أن أدرس جميع مؤلَّفاته وأعرف وجهته السياسية، بل أتقمَّصه، حينئذ سأتفهَّمه وأفهمه، وأستطيع أن أنتج خطابًا مُؤيدًا له ومُنافحًا عنه، أو مُعارضًا له وناقدًا - إذا اقتضى الأمر ذلك - مُلتزمًا بالنزاهة العلمية والموضوعية الفكرية.

 

وهذا شيء كنت أتصوَّره شبه مستحيل، فمؤلفات الشيخ بقدرِ ما هي عميقة ومتخصِّصة بقدرِ ما هي ضخمة ومتنوِّعة[8]، ولكنِّي استعنت بالله وتعايشت مع تراث شيخي ما يربو على أربع سنوات مُتواصِلات، قرأت فيها جُلَّ مؤلفاته، واستفدت منها استفادةً عُظمَى، ووظَّفت كثيرًا منها لكي تخدم هذه الدراسة.

 

3- تفرُّق المادة العلمية الخاصة بالشوكاني، والتي تخدم هذه الدراسة في كتبه جميعًا بدون استثناء، مطبوعة ومخطوطة، أسفار كبار ورسائل صغار؛ فقد أجد نصًّا في فقهه - مثلاً - مرَّة في كتاب (السِّيَر)، وأخرى في كتاب (الجهاد)، وثالثة في كتاب (النكاح)، ورابعة في كتاب (القضاء) ... إلخ، وقد أجد نصوصًا في "تفسيره"، لكنها أوزاع شتَّى من أوَّل القرآن الكريم إلى آخره، وكذلك بالنسبة لسائر كتبه ومؤلفاته.

 

أمَّا الجديد في هذه الدراسة فهو الاستفادة من كلِّ كلمة سطرها الشوكاني في (تأريخه) و(تراجمه) لرجالات وعُظَماء القرن الثامن الهجري وما بعده حتى عصره هو، فقد عكفت على هذا التاريخ دراسةً وتحليلاً حتى خرجت منه بمادَّة علميَّة أفادتني كثيرًا، خاصة حينما تَمَّ لي توظيفها لهذه الكيفية التي يجدها المطَّلِع على هذه الدراسة المتواضعة.

 

4- موضوع هذه الدراسة بالفعل يقع في منطقة مُتاخِمة لعلوم وتخصُّصات شتَّى، فهو جزء أساس في كتابات علماء الكلام مُتقدِّمهم ومُتأخِّرهم، وهو باب ثابت في كتب الفقهاء، وهو ممَّا يهتمُّ به علماء الفلسفة ودارسوها إذ فنُّ تدبير المدينة ركنٌ من أركان الفلسفة العمليَّة منذ القِدَم، أضِفْ إلى ذلك أن هذه الدراسة - وأعني: الفكر السياسي - ممَّا يهتمُّ بها الحقوقيون والسياسيون؛ لأن كلاًّ منهم يدرس القانون الدولي، والفكر السياسي.

 

وهكذا وجدتني مُطالَبًا بأن أكون طالبًا وباحثًا في كلِّ هذه المكتبات؛ الكلامية، والحديثية، والفقهية، والفلسفية، والحقوقية، والسياسية، بين مصادر قديمة جدًّا، ومؤلفات صدرت بالأمس القريب، وبقدر ما كان هذا أمرًا مُرهِقًا ومُتعِبًا، بقدر ما كان مُمتِعًا وشيِّقًا.

 

5- الدراسة المقارنة - التي اقترَحَها القسم - لم تكن في حسباني، ومن ثَمَّ كان منهجها غير محدَّد في ذهني، بل لم يكن واضِحًا بالمرَّة، وعانيت كثيرًا حتى استطعت أن أقف على مسارٍ معلوم أنطلق من خلاله، لعلِّي أذكره بعد سطورٍ في (خطة الدراسة).

 

خطة الدراسة:

قسمت هذه الدراسة إلى (تمهيد)، وأربعة (فصول) (وخاتمة).

 

أمَّا التمهيد فقد جعلته خاصًّا بالشوكاني المفكِّر والتراث، كمدخل ضروري للتعريف بالشخصية المحورية التي تقوم هذه الدراسة أساسًا على بحث خطابها الفكري ونتاجها السياسي، والعوامل والظروف التي أثَّرت في نشأتها، والوقوف بصورة سريعة على فكرها العام الذي يرتبط ولا شكَّ بفكرها السياسي، وقد فكَّرت كثيرًا أن أضرب صفحًا عن هذا التمهيد، أو أن أختصره وأوجزه في بضع صفحات، لكنِّي رجعت عن هذا التفكير لسببين:

أولهما: أنه من الظلم للقارئ أن أحرمه من هذه الجوانب المهمَّة وأُحِيله إلى مَن ترجم للشوكاني، أو درسه قبلي، وقد يُعَدُّ هذا من سلبيات الرسالة، بل قد يُحسَب مأخذًا خطيرًا عليها.

ثانيهما: أنني قدَّمت هذا (التمهيد) بصورة جديدة لم أقلِّد فيها أحدًا ممَّن درس الشوكاني قبلي، حرصت فيها أن تُكتَب بقلم الشوكاني نفسه، ممَّا يُعَدُّ إضافة جديدة ينبغي أن تصدر بها هذه الدراسة.

 

وقد اشتَمَل هذا التمهيد على خمسة مباحث:

المبحث الأول: التعريف بالإمام الشوكاني ذكرت فيه: اسمه، وانتسابه، ولقبه، وكنيته، ومولده، ونشأته، وأسرته، وشيوخه، وتلامذته، وشمائله، وآراء العلماء فيه، ووفاته.

 

المبحث الثاني: بيئته العامَّة؛ تحدثت فيه عن مناقب أهل اليمن في الأثر، ثم عرجت سريعًا على الأحوال الطبيعية، والسياسية - داخلية وخارجية - والظروف الدينية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والإدارية، لليمن السعيد إبَّان الفترة التي عاشها شيخنا - رحمه الله.

 

وقد ركَّزت في هذا المبحث على الظروف السياسية الداخلية والخارجية لعلاقتها الوطيدة بتكوين فكر الشيخ، وأجملت هذه الأحوال في كليات خمس:

1- الصراع على السلطة.

2- اضطراب الأمن والخروج عن طاعة الأئمَّة.

3- ضعف الأئمَّة واستيلاء الوزراء على مقاليد الحكم في بعض الأحيان.

4- علاقة الحكَّام بالعلماء.

5- العلاقة الخارجية مع الدولة العثمانية، والدعوة الإصلاحية السلفية في نجد، ودولة (محمد على) في مصر.

 

المبحث الثالث: مصادر فكر الشوكاني: وقد كان هذا المبحث - في الحقيقة - فصلاً كاملاً بذلت فيه جهدًا كبيرًا، وخرجت منه بفوائد عظيمة وجليلة - وما زال مكتوبًا عندي - ولكني نزولاً على توجيهات أستاذي المشرِف اختصرته في أربع صفحات لا غير؛ لأنه بالدراسة الأصولية أوثق من الدراسة الفكرية, وأشرت فيه إلى المصادر التي انطَلَق منها الشوكاني في فكره عامَّة وفكره السياسي خاصَّة، وفي مقدِّمتها القرآن والسنة، ثم شرع مَن قبلنا، والإجماع، وقول الصحابي، والقياس، والاستصحاب، والاستحسان، والمصالح المرسلة.

 

المبحث الرابع: الفكر العام للشوكاني: وفيه تناولت بإيجازٍ غير مُخِلٍّ فكره العقدي، والثقافي، والأصولي الفقهي، تأسيسًا على أن هذه الجوانب جد مهمَّة للانطلاق إلى فهم فكره السياسي.

 

المبحث الخامس والأخير في هذا التمهيد: عن الدراسات السابقة التي قام بها الباحثون قبلي في تراث الشوكاني، منها الجوانب الصوفية، والتفسيرية، والكلامية الفلسفية، والحديثية، والتربوية، والأدبية، وتحدَّثت عن كلِّ دراسة وقفت عليها بنبذة وجيزة ذاكِرًا لفضل كلِّ مَن سبقني إلى دراسة تراث هذا العلاَّمة المحقِّق، والمفكِّر المدقِّق.

 

ثم بعد ذلك: لب الرسالة وموضوعها يتكوَّن من أربعة فصول:

الفصل الأول: (الفكر السياسي الإسلامي قبل الشوكاني):

وجاء هذا الفصل لغرضين أساسين:

الأول: أنه توطئة لا محيص عنها للانطلاق إلى دراسة فكر الشوكاني السياسي.

الثاني: أنه أساسٌ في (الدراسة المقارنة) التي هي جزء لا يتجزَّأ من هذا البحث.

 

وقد بدأت هذا الفصل بتوطئة عرفت فيها (الفكر) و(السياسة) و(الفكر الإسلامي) و(الفكر السياسي) و(الفكر السياسي الإسلامي)، ثم تحدثت عن علاقة السياسة وفكرها بالفلسفة وأربابها.

 

وعرجت على القواعد السياسية في الكتاب والسنَّة وخرجت من هذا المبحث بالمفاهيم والقواعد التي انطلقت منها كأساس لهذه الدراسة في فصولها التالية لهذا الفصل.

 

وشرعت بعد ذلك أعرض بأمانة ونزاهة للدعاوى الزائفة التي يُرَوِّج لها العلمانيون وأذنابهم من أنه لا يوجد فكر سياسي في الإسلام، وبعد عرض شبهاتهم عدت عليها داحضًا ومفندًا، وفي أثناء هذه الردود على تلك الدعاوى الباطلة ذكرت جهود علماء الإسلام ومفكِّريه في مجال السياسة وفكرها على اختلاف تخصُّصاتهم وتنوُّع مشاربهم ومصادرهم وافتراق مناهجهم أو اتِّفاقها، وركَّزت بصورةٍ ما على الأئمَّة الأربعة الفقهاء المشهورين؛ لأن الدراسة عن علَمٍ من أعلام الفقه، نهج نهجهم في الاجتهاد، وسار على دربهم في الصدع بالحق، فكانوا هم السابقين، وكان ممَّن تبعهم بإحسان.

 

واختتمت هذا الفصل بالدراسات الأكاديمية التي بحثت في (الفكر السياسي الإسلامي) قبل الشوكاني، سواء في دائرة المفكِّرين؛ كالماوردي، وابن حزم، والفارابي، وابن رشد، والعز بن عبدالسلام، أو في دائرة الفِرَق؛ كالمعتزلة، والعلويين، والشيعة، والباطنية، وإخوان الصفا، والجعفرية، أو في محيط المؤسَّسات كالدولة، والأزهر الشريف.

 

وكما فعلت في (الدراسات السابقة) عن الشوكاني فعلت ها هنا، فذكرت كلمة موجزة عن كلِّ دراسة، واعترفت بالسبق والفضل لكلِّ مَن سبقني في هذا المجال الحيوي.

 

وبعد الفصل الأول جاء الفصلان الثاني والثالث، وفيها (قضايا الدولة) و(قضايا الإمامة) على الترتيب، وهما الفصلان اللذان عقدت فيهما الدراسة المقارنة، وقد كنت أمام خيارات عديدة في طريقة إجراء هذه المقارنة، فيمكن مقارنة الشوكاني بالفكر السياسي الإسلامي على العموم، والفكر الزيدي على الخصوص، ويمكن توسعة ذلك فيشمل عرض فكر أهل السنَّة وسائر مقالات الإسلاميين وغيرهم، ويمكن التوسُّع أكثر بالانتقال إلى الفكر الغربي في جانبه السياسي، ويمكننا أن نُضِيف إلى ذلك وجهات نظر المحدَثين من المفكِّرين الإسلاميين.

 

وظللت مترددًا أقدِّم خطوة وأؤخِّر أخرى حتى وقفت على نصٍّ لأستاذنا الدكتور: مصطفى حلمي يقول عن منهجه المقارن في إحدى دراساته: "... وأمَّا منهجنا فإذا كُنَّا أحيانًا نلجأ للمقارنة في بعض الجزئيَّات أو الفروع فإننا لا نُقارِن المقارنة العامَّة بين الإسلام وغيره، وكيف نفعل ذلك وقد حسمت آية ظهور الإسلام القضيَّة برمَّتها؟! وبعبارة أخرى: نحبُّ أن نؤكِّد أنَّنا لا نُوازِن بين العقيدة الإسلامية والمذاهب الفلسفية؛ لأن الموازنة تقتضي المساواة بين الطرفين، بينما حقائق الوحي أسمى وأجلُّ من معارف البشر، ومقوِّمات الغلَبَة للإسلام ظاهرة الآن...

 

إن منهجنا يتجاوَز طريقة الموازنة، ويعلو إلى طريقة النقد قبولاً وردًّا من مقولة: (الحكمة ضالَّة المؤمن)، وتطبيق هذا المنهج يجعلنا نقبل من المذاهب الفلسفية ما لا يتعارَض مع عقيدة التوحيد وشرع الله - تعالى - من ذلك مثلاً: قد نقبل استيعاب دروس (التقنية) من النظام الاشتراكي دون مبادئه، وليس هناك ما يمنع - أيضًا - من الإشادة بالسلوك العملي والنشاط الدؤوب لأصحاب المذهب العملي البرجماتي رافضين رفضًا باتًّا فكرة (أن الحق أو الخير كالسلعة المطروحة في الأسواق، قيمتها لا تقوم في ذاتها، بل في الثمن الذي يُدفَع فيها فعلاً)، مع الارتفاع بغاياتنا العملية - في الوقت نفسه - إلى طلب الآخرة ونحن نسعى في هذه الحياة الدنيا، كذلك لا نختلف مع (الفلسفة الوضعية) في ربط الأسباب بالمسببات وفق منهج علمي مدروس، ولكن في الوقت نفسه نُؤمِن بالغيب وبعَوْنِ المَدَدِ الإلهي الذي يأتي مُؤيِّدًا للإنسان المؤمن المخلِص في عمله الآخِذ بالأسباب، المتوكِّل على الله - تعالى - في آنٍ واحد"[9].

 

وكان هذا النص هاديًا لي في إجراء الدراسة المقارنة في فصلي: (الدولة) و(الإمامة)، فتركت النمط الموحَّد، وجعلت المقارنة حرَّة تحكمها طبيعة المسالة المراد المقارنة فيها بين فكر الشوكاني وغيره من (أفراد) أو (فِرَق)، (متقدمين عليه) أو (لاحقين به)، من (المسلمين) أو (غيرهم).

 

الفصل الثاني: قضايا الدولة:

وبدأت هذا الفصل بتعريف مصطلح (الدولة) لغويًّا، وفلسفيًّا، وسياسيًّا، وحقوقيًّا، ثم عرفت (الدولة الإسلامية) واستعمال الشوكاني لهذا المصطلح.

 

وتعرَّضت للنظريات التي بحثت في موضع (نشأة الدولة) وخرجت بنتيجة مؤدَّاها: أن الدولة الإسلامية لها صيغة خاصَّة، ولها طبيعة مختلفة، لا يصدق عليها إلا كونها (نظام إسلامي)، وبعد ذلك عرضت لموضوعين هما عمودَا هذا الفصل:

الأول: أركان الدولة الإسلامية، وهي أربعة: أمَّة، وإقليم، وقانون، وسلطة.

الثاني: أسس الحكم في الدولة الإسلامية، وهي أيضًا أربعة: العدل، والشورى، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

أمَّا الأركان ففصَّلت الثلاثة الأولى منها في هذا الفصل، وفصَّلت الركن الأخير في فصل مستقلٍّ يأتي يعد هذا الفصل مباشرة.

 

أمَّا الركن الأول - وهو الأمَّة - فقد بدأت بسبب اختياري لمصطلح (الأمَّة) وتفضيله على مصطلح (الشعب)، ثم عرَّفت الأمَّة لغويًّا، وقرآنيًّا، وحديثيًّا، وعرضت استعمالات الشوكاني لهذا المصطلح.

 

ثم تحدثت عن مميِّزات وخصائص (الأمَّة الإسلامية) من خلال فكر الشوكاني وغيره من المفكِّرين والعلماء.

 

وطرحت سؤالاً يقول: إذا كان للأمَّة الإسلامية كلُّ هذه المكانة التاريخية فأين هي اليوم في الواقع العالمي؟ وأين دورها هذا المزعوم؟


وأجبت عليه إجابةً أظن أنها معلومة لكلِّ ذي حجر.

 

أمَّا الركن الثاني - وهو الإقليم - فقد عرَّفت بمعناه، وتحدَّثت عن إقليم الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها رسولنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم بيَّنت أن فُقَهاء الإسلام - ومنهم شيخنا الشوكاني - قد أطلقوا على (إقليم الدولة الإسلامية) اسم (دار الإسلام).

 

وعرضت للشروط التي ذكَرَها الشوكاني وإخوانه الفُقَهاء لاعتبار (الدار) دار إسلام، وبيان وجوب الهجرة إلى (دار الإسلام) من (دار الكفر)، وأنها باقِيَة إلى قيام الساعة لا تنقطع.

 

وأشدت بوعي الشوكاني وإدراكه وتوسُّطه في أمر (دار المعاصي) أو (دار الفسق)، وردِّه لآراء المتشدِّدين الذين غلوا في مذاهبهم حتى ساووا المعصية بالكفر وأخرجوا (الدار) ومن فيها من الإسلام بمجرَّد ظهور المعاصي وانتشارها.

 

واختتمت هذه الأركان بالحديث عن (القانون) في الدولة الإسلامية، وبيَّنت أن (الأمَّة) و(الحاكم) كليهما مقيَّدان بما جاء في (قانون الإسلام)، وعرَضت للفكر الشوكاني حول (جذور السياسة) و(فصل الدين عن الدولة)، واستخدامه لمصطلح (القانون)، وإسقاطه لمعارفه العلمية على واقعة المعاش.

 

ثم بيَّنت جذور (القانون) من وجهة النظر الإسلامية، وما هو ثابِتٌ فيه وما هو متغيِّر، وقارنت فكر الشوكاني في هذه الزاوية بِمَن جاء بعده من مفكِّرين محدَثين، وعرَضت لحكم مَن أعرض عن (قانون الله) وحَكَّم غيرَ شرعه - تعالى.

 

وختمت هذا الرُّكن بعرضٍ لمشروعٍ تقدَّم به بعض المفكِّرين المحدَثين لإحياء العمل بشرعة الإسلام وقوانينه العادلة.

 

ثم جاء الدور للحديث عن (أسس الحكم) أو (نظام الحكم) في (الدولة الإسلامية) وهي أربعة أسس:

الأساس الأول (العدل): وقد بيَّنت معناه اللغوي، وتعريف الشوكاني للعدل الإسلامي السياسي، ومكانة العدل في الإسلام، وأوضحت أن العدل في الإسلام ليس اقتصاديًّا فحسب، بل هو في كافَّة شؤون الدولة والحكم والإدارة والسياسة، ثم تحدَّثت عن واجب (دولة الإسلام) في إقامة هذا (العدل الإسلامي)، والالتزام به في كلِّ المجالات التي أوضَحَها القرآن الكريم.

 

ومن خلال نصوص الشوكاني عرضت لجزئيَّات مهمَّة في هذا الأسِّ العظيم من أسس الدولة الإسلامية؛ مثل: المساواة بكلِّ معانيها وفروعها، وتحريم الظلم والاعتداء حتى على غير المسلمين، ورفض التمايُز والطبقيَّة، والعدل القضائي، والعدالة الاجتماعية وقضيَّة التوزيع، والملكية الفردية، والتكافل الاجتماعي.

 

وقد توسَّعت في نقل (نصوص) من صميم ما يدخل في بحثنا هذا، ولكنِّي رأيت - بناءً على توجيهات أستاذي المشرِف - أن أكتفي بما هو مُدَوَّن الآن في صفحات هذه الدراسة حتى لا نُتَّهم بالتعدِّي على تخصُّص إخواننا الباحثين في (الفقه والشريعة)، واكتفيت بالإحالة على مظانِّ هذه النصوص التي حذفتها.

 

الأساس الثاني: وهو (الشورى)، فقد بدأته كالعادة بتعريفها، وعرض مادَّتها في القرآن والسنَّة، ثم تحدَّثت عن مدى إلزاميَّة الشورى عن عدمها، ثم عن كيفيَّتها، وأشكالها، وأهلها، ونطاقها، كل هذا أعرِض فيه آراء الشوكاني مقارنةً بما أجده مُناسِبًا من آراء غيره من مفكِّري الإسلام.

 

الأساس الثالث: وهو (الجهاد في سبيل الله): فقد بدأته بتعريف الشوكاني للجهاد لغةً وشرعًا، والعلاقة بين (الجهاد) و(القتال) في فكر الشوكاني.

 

ثم تحدَّثت عن (سلوك المجاهِدين) في نظر الشوكاني، وبيان أهميَّة هذا الأساس لا كعلامة على وجود الدولة وقيامها فحسب، بل كضرورةٍ لاستمرارها وعدم انهيارها.

 

ثم تحدَّثت عن مكانة (الجهاد في سبيل الله) في دين الإسلام من خلال قلم الإمام الشوكاني متعرِّضًا لما ذكره من حكم الجهاد، وحكمه على الأفراد المنتَسِبين لدولة الإسلام، ثم تعرَّضت - من خلال نصوص الشوكاني - لقضيَّة (الدفاع) و(الهجوم) في (الجهاد الإسلامي)، وهل يُشتَرط في (الجهاد الإسلامي) وجود أمام أعظم أو لا.

 

بعد ذلك تعرَّضت لمحاور الجهاد الأربعة:

(جهاد الكفار، جهاد أهل الكتاب، جهاد البُغَاة، جهاد المرتدِّين)، ذاكِرًا لأقلِّ القليل من الأحكام الفقهيَّة مُحاوِلاً عرض هذا الموضوع بصورة فكريَّة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

 

واختتمت هذا الأساس بنقلٍ عن فيلسوف مسلم من المعاصِرين يبيِّن لنا فيه (الجهاد اليوم في سبيل الله) كيف يكون، وإلى مَن يتوجه به؛ لكي تكتمل الاستفادة من خلال هذه النظرية المقارنة.

 

وأخيرًا، اختُتِم هذا الفصل بالحديث عن:

الأساس الرابع: وهو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومكانته في دين الله - تعالى - وحال الأمَّة إذا تخلَّت عن هذا الأساس الذي هو للإسلام كالعمود للبناء.

 

ويبيِّن هذا المبحث أن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ليس مُتَوجِّهًا إلى (الدولة) و(المؤسَّسات) فحسب، بل هو على الأفراد أيضًا، كلٌّ حسب طاقته واستطاعته.

 

وعرضت بعد ذلك لكيفيَّة التعرُّف على (المعروف) و(المنكر) وميزان ذلك بقلم الشوكاني، الذي شَنَّ حملة ضَرُوسًا على (العلماء) المتقاعِسِين عن هذا الواجب بدعوى أن التغيير العملي - أي: باليد - إنما هو (للحُكَّام) دون غيرهم.

 

واستخلصت - من خلال نصوص الشوكاني - القواعد التي ينضَبِط بها هذا الركن الركين والتي ينبغي أن تكون واضحة وجليَّة وراسخة في ذهن كلِّ مسلم، بله المسؤولين والحكام.

 

الفصل الثالث: كان عنوانه (قضايا الإمامة) وتعرَّضت فيه الدراسة لبحث نشأة هذا القضايا في صدر الإسلام، ولمكانة هذه القضايا عند أهل السنة وغيرهم من فِرَق الإسلام، وبيَّنت مدى ما بين الفريقين من تبايُن وتقابُل وافتراق، إذ عَدَّها أهل السنة من مسائل الفروع مع الاهتمام بمسائلها وبحثها والتدقيق فيها، وعَدَّها الشيعة ركنًا أساسًا من أركان الإيمان، وكان ميل الشوكاني واتِّجاهه مع أهل السنَّة والجماعة.

 

وجاء هذا الفصل في توطئة، وستة مطالب، وخاتمة.

 

أمَّا التوطئة فكانت لمصطلحات البحث؛ أعني: مبحث (الإمامة) التي تتطلَّب من حيث كثرتها والفروق بينها من جهة، ومن حيث جرت العادة على استخدام هذه المصطلحات كمترادفات من جهة أخرى، وإن كان هذا الاستخدام المعتاد بعيدًا عن الدقَّة بعض الشيء في بعض الأحيان، أقول: من هاتين الحيثيَّتين رأيت أفراد هذه المصطلحات، وجعلها مقدمة بين يدي هذا الفصل.

 

وعرضت فيها لمصطلحات: (الإمام والإمامة)، (الخليفة والخلافة)، (الأمير والإمارة)، (المَلِك والمُلْك)، (السلطان والسلطنة)، (الرئيس والرئاسة)، (الحاكم والحكم)، (الوالي والولاية).

 

ذكرت في كلٍّ منها استعمالات الشوكاني لها، وجعله بعضًا منها مُترادِفة المعاني، وتحفُّظه على إطلاق البعض الآخَر، مع مقارنة ذلك باستعمالات غيره من علماء الإسلام وفِرَقِه.

 

ثم ذكرت خُلاصة هذا المطلب في نهايته ودلفت منها إلى المطلب الأول وهو:

• حكم نصب الإمام: وبيَّنت فيه إجماع الأمَّة - سلفًا وخلفًا - على وجوب نصب إمام للمسلمين، وأوضحت أدلَّتهم النقلية - من الكتاب والسنة - والعقلية - من النظر والواقع - على هذا الإجماع الذي ما شَذَّ عنه إلا مارِقٌ من هذا الدين، ثم ذكرت أنه مع إجماعهم على هذا الحكم اختلفوا في صفات الإمام وشروطه، وكان هذا دليلنا إلى المطلب الثاني:

• صفات الإمام وشروطه: وهي قسمان: قسم اتَّفقوا عليه؛ كالذكورة والبلوغ والعقل والإسلام والحرية، وهذا لم أُعِره كبيرَ اهتمامٍ؛ لأنه لا إشكال فيه.

 

والقسم الآخر اختلفوا فيه؛ فمنهم مَن رآها صفات لازِمة وشروطًا متحتِّمة لصحَّة انعقاد الإمامَة من الأصل، ومنهم مَن رآها صفات مرجِّحة ولكنها غير مُلزِمة ولا تبطل الإمامة بفقدها وهذه الصفات أو الشروط هي: (العدل، والعلم، والعصمة، والنسب القرشي، والدعوة إلى النفس، والأفضلية، وظهور المعجزات على يديه).

 

وفي كلٍّ منها عرَضت ما وجدت من نصوص الشوكاني في صورة مقارنة كالعادة.

 

• ثم جاء مطلب كيفيَّة تولِّي منصب (الإمامة)، وهل هو بالخروج والدعوة إلى النفس، أو بالاختيار من الأمَّة ممثَّلة في (أهل الحل والعقد)، أو بالعهد والتعيين، أو بالوصية، وبيَّنت رأي الشوكاني من كلِّ هذه الطُّرُق، وأوضحت مذهبه الذي تبنَّاه.

 

• أمَّا مطلب واجبات الإمام فقد سردتها كما جاءَتْ في كلام فُقَهاء الإسلام ومُفَكِّريه - ومنهم الشوكاني - ثم أردفت ذلك بتقسيمها تقسيمًا حديثًا إلى واجبات شرعية دينية، وأخرى سياسية، وثالثة عسكرية، ورابعة اجتماعية اقتصادية، وذكرت تحت كل قسم نصوصًا للشوكاني.

 

• وجاء مطلب حقوق الإمام وسلطانه متمِّمًا للمطلب السابق؛ إذ إنَّه لا يستطيع أن يؤدِّي ما عليه من واجبات بغير طاعةٍ من أفراد الأمَّة، ونصح منهم وإعانة، وهو لا يستحقُّ هذه الحقوق إلا إذا أدَّى ما عليه من واجبات، وهكذا ظهر ما بين المطلبين من الترابُط والتكامُل.

 

وقد ركَّزت على حق (الطاعة) وبيان مداها ودائرتها، ثم فصَّلت - من خلال نصوص الشوكاني - سلطات الإمام التي خوَّلها له الشرع.

 

• وكان المطلب الأخير في هذا الفصل عن: التنازُع على الإمامة والخروج على الإمام: بيَّنت فيه - بطريقة المقارنة - متى يكون هذا الأمر مشروعًا، ومتى يكون ممنوعًا، وما هي الضوابط والقواعد التي وضعها العلماء لهذا الأمر الخطير.

 

وعرَضت أيضًا لمسألة (وحدة الإمامة) أو (تعدُّدها) في زمن واحد.

 

وجعلت خاتمة هذا الفصل مقتطفات من مشروعٍ تقدَّم به أحد الأساتذة المتخصِّصين في النظم الإسلامية، قدَّمه في أوائل السبعينات من هذا القرن لإحياء الخلافة الإسلامية، أو الإمامة العظمى بصورة تتناسَب والظروف العالمية المتطوِّرة، ورأيت في تقديمه شحذًا للعقول أن تتدبَّر هذا الأمر الجَلَل وتفكِّر فيه طالما بات واجبًا في أعناقنا جميعًا.

 

الفصل الرابع والأخير: وكان عنوانه (الممارسات العمليَّة للإمام الشوكاني في مجالات السياسة)، وقد يبدو هذا الفصل غريبًا أو خارجًا عن موضوع الدراسة وعنوانها، ولكني رأيته فصلاً ضروريًّا بل جوهريًّا؛ لأن الإسلام عرف السياسة واقعًا وتطبيقًا، ودعا إليها كذلك قبل أن يعرفها فكرًا ونظرًا، والعبرة في هذا الدين بالعمل لا بالقول المجرَّد عن المصداقية والتفاعل.

 

ومن ثَمَّ فقد أجهدت نفسي - وربما أكون قد أجهدت غيري - في بداية هذا الفصل لترسيخ هذه القاعدة؛ قاعدة أن الأساس في هذه الشريعة إنما هو أن يقول ما يفعل، ويفعل ما يُؤمَر، وإذا كان هذا عامًّا في أفراد الأمَّة فهو بالعلماء وأرباب الفكر أخصُّ، فلا يجوز لهم أن تخالِف ممارساتُهم أفكارَهم النظرية، ولا يجوز لهم أن يكتموا العلم والحق الذي أخذ الله به الميثاق عليهم أن يبيِّنوه للناس ولا يكتموه.

 

بعد ذلك بيَّنت وظيفة العلماء السياسية تجاه الحاكم، وتجاه الرعية، ثم انطلقت أوضِّح الفهم الذي كان أساسًا لانطلاق الشوكاني العملي في مجالات السياسية، وهو شمولية الإسلام وواقعيته ويسره.

 

ثم دلفت أسجِّل مشاركات الشوكاني ومساهماته وممارساته في مجالات السياسة، وقد جعلتها في خمسة محاور، أو خمس زوايا هي:

• علاقته بالحكام.

• تولِّيه للمناصب السياسية.

• نشاطه في مجال الحسبة.

• إرشاداته السياسية والاجتماعية.

• تأريخه السياسي ورصده الاجتماعي.

 

عارِضًا لهذه الممارسات في صورة تحليلية ونقدية واضِعًا في حسباني أن الشوكاني - كعالم ومفكِّر - لن ينطلق في ممارسته من سيف وسنان، وإنما بقلم ولسان، قد يكون أحدَّ من كلِّ بتَّار.

 

ثم كانت خاتمة الدراسة التي عرضت فيها على هيئة نقاط لأهمِّ النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة، ذاكِرًا لبعض ما رأيت من توصيات ناتِجَة عن مُعايَشة هذا الجانب الخصب الحيوي من جانب فكرنا الإسلامي الأصيل.

 

وبعدُ، فإني مع ما بذلته في هذه الأطروحة المتواضعة من جهد المقلِّين، لا أقدِّمه بشرط البراءة من كلِّ عيب، فقديمًا قالوا: مَن ألَّف فقد استهدف، وما شأني فيه إلا كشأن مَن حاوَل تدوين بحث أو تأليف كتاب، فقد يُواتِيه التوفيق والإجادة فيه، وقد يتنكَّب به طريق الوصول إليه، وكفى بالمرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه.

 

واللهَ - سبحانه - أسألُ أن يعفو عن كلِّ خطأ وزلل، وأن يُوَفِّق له مَن يُصلِحه ويسدُّ خلله، وأن يجزي الجميع بفضله أوفر الجزاء، والله واسع عليم.

 

خاتمة الدراسة:

في ختام هذه الدراسة أسجِّل هنا أهمَّ النتائج التي خرجت بها من خلال البحث، والمقارنة وتتلخَّص في النقاط الآتية:

1- مكانة الإمام (محمد بن على الشوكاني) العلمية والفقهية والفكرية تكاد تكون كلمة إجماع، فقد شهد بها القاصي والداني، مَن عاصَرَه وعامَلَه ومَن جاء بعده وتفقَّه على كتبه، ويكفي أن أسجِّل هنا - زيادة عمَّا دوَّنته في تمهيدي - ثناء أحد تلاميذه غير المباشِرِين عليه: "هو الإمام، العلامة الرباني، والسهيل الطالع من القطر اليماني، إمام الأئمَّة ومفتي الأمَّة، بحر العلوم، وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفَّاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، نادرة الدهر، شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، علاَّمة الزمان، ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهَّاد، أوحد العبَّاد، قامِع المبتدِعين، آخر المجتهدِين، رأس الموحِّدين، تابع المتَّبِعين، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، قاضي قضاة أهل السنة والجماعة، شيخ الرواية والسماعة، عالي الإسناد، السابق في ميدان الاجتهاد، على الأكابر الأمجاد، المطَّلِع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها"[10].

 

وهو بهذا يُعَدُّ علامة بارِزة في سجلِّ المجدِّدين في الإسلام إذ "كان شعب اليمن متلهِّفًا إلى عالِم مجتهِد يستطيع توحيده فكريًّا وعقديًّا، ويطرد من الأذهان الأباطيل الشيعيَّة التي تفرض عليه الوصِيَّة والقداسة والتقِيَّة، فجاء الشوكاني ونادَى في كلِّ فتاويه بالوحدة الفكرية الفقهية والعقديَّة، وخطَا الشعب وراءه، فتأسَّست مدارس في شمال اليمن وجنوبه يدرس فيها كتب الشوكاني وفكره"[11].

 

فلا غرو أن اعتبره البعض هو مجدِّد المائة الثالثة عشرة من الهجرة[12].

 

وقد قال بعضهم: "ولقد منح الله رب العالمين - سبحانه - من بحر فضل كرمه الواسع هذا القاضي الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمان الأخير جُمِعت لغيره:

الأول: سعة التبحُّر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها.

الثاني: سعة التلاميذ المحقِّقين والنُّبَلاء المدقِّقين، أولي الأفهام الخارِقَة، والفضائل الفائقة.

الثالث: سعة التصانيف المحرَّرة والرسائل والجوابات المحبَّرة التي تسامى في كثرتها الجهابذة الفحول، وبلغ في تنقيحها وتحقيقها كلَّ غاية وسول..."[13].

 

2- أن أثر الإمام الشوكاني باقٍ حتى يومنا هذا، فمدرسته قائمة ممتدَّة ويشهد بذلك الواقع وسجله العلماء؛ فالأستاذ الدكتور: أحمد صبحي يقرِّر أنه: "قد ظهر في المذهب الزيدي تيَّار قوي يميل إلى أهل السنَّة بعامَّة، وإلى السلف وأهل الحديث بخاصَّة، وقد مثَّله كثيرون... منهم: ابن الوزير، وابن الأمير، والشوكاني، وما زال تأثير الأخير في مدرسته قائمًا إلى يوم الناس هذا"[14].

 

ويقول آخَر: "ولا أظن شيئًا من هذه البِدَع قائِمًا اليوم باليمن بفضل رجال الدين من مدرسة الشوكاني"[15]، وإن كنت أتحفَّظ على لقب (رجال الدين)، والأصوب هو (علماء الدين).

ويقول أحد تلامذته: "وانتشرت في الأمصار مؤلفاته، ونقلت إلى شوارع الديار، ونوازح الأقطار؛ كنجد وعمان، ومدائن وخراسان، وما عداها من البلدان.

 

نعم؛ انتشر علم الرجل في الهند ومصر، وكوَّن تلاميذ الشوكاني مدارس تحمل اسمه في كلٍّ من صعدة وتعز وزبيد وذمار واب "وتنادَتْ جميع طلبة العلم من صنعاء المحروسة بشعاره، والاقتفاء بآثاره، والوقوف عند إصداره وإيراده؛ لعلمهم بانهيار علل أضداده العليلة، واضمحلال شُبَهِهم الركيكة، ولم يبقَ خارِجًا عن هديه، ومخالِفًا أمره ونهيه إلا مَن غلب عليه الحسد له، على ما أتاحه الله وقدَّره له من حظ العلم الموفور"[16].

 

وإن كان البعض يأخذ "على مدرسة الشوكاني في هذا القرن ما أخذ على مدرسة ابن تيميَّة في القرون السابقة؛ لأنها تُبالِغ في التعصُّب له، حتى تقع بهذا في تقليده في كلِّ ما ذهب إليه، ولا يكون هناك فرق بينها وبين مَن يقلِّد غيره، وقد حملها هذا على الوقوف عند المسائل التي أثارها في الفروع، يُدافِعون عنها بما كان يدافع به، ويردِّدونه قرنًا بعد قرن، كأنه ليس هناك مسائل غيرها يجب أن تخالف فيها المذاهب المشهورة..."[17].

 

وإذا صَحَّ هذا عن مدرسة الشوكاني - في هذا القرن - فليس هذا بمطعن في مؤسِّس المدرسة، ولكنه ثلمة في أولئك التلاميذ الذين خالَفُوا مبادئ إمامهم الذي كان حربًا على التقليد وأهله، إلاَّ أننا نظنُّ أن هذه المؤاخذة - إن وُجِدت - فليست بهذه الدرجة من السوء، فقد شهد آخَرون لهذه المدرسة بأنها لا تزال "قائمة إلى اليوم على أقوى ما تكون ورجالها يضيق عنهم الحصر، وكلهم على مبدأ الاجتهاد"[18].

 

3- أن حظَّ المسلمين لم يكن سيئًا، ومؤلفاتهم وإسهاماتهم لم تكن قليلةً في (علم السياسة) منذ اهتمَّ الفقهاء، والمتكلِّمون، والفلاسفة، والمؤرِّخون بعلم السياسة وفكرها ونظمها من خلال الإسهامات العلمية، والمؤلفات النظرية، من ثَمَّ فإن الدعاوى التي تُرَوَّج من قِبَل بعض المغرِضِين حول (عدم إمكانية) بناء علم سياسة إسلامي - هي دعاوى زائفة، وكل ما جاء به أصحابها فهو أباطيل وشبهات.

 

4- أن الدولة الإسلامية الأولى التي أسَّسها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانت - فضلاً عن كونها النموذج الأمثل من حيث المبادئ والقِيَم والتطبيق للأحكام السياسية الثابتة - هي دولة قد اكتملت عناصر بنائها اكتمالاً كاملاً، فقد ضمَّت أمَّة تعيش في إقليم - هو دار الإسلام - ولها قانونها الخاص - هو الشريعة الإسلامية - وله سلطة تحكمها على رأسها النبي الخاتم - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

5- أن نظام الحكم في الدولة الإسلامية يقوم على أسس أربعة: (الشورى، والعدالة، والجهاد في سبيل الله - تعالى - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهذه الأسس الكبيرة تشمل في طيَّاتها أسسًا أخرى كثيرة كلها ترجع إلى سياسة الخلق بهذا الدين لتُحقِّق لهم السعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنهم بهذه الأسس القويمة يتلبَّسون بالمهمة الكبرى التي خلَقَهم الله لها.

 

6- أن هذه الأسس التي قدَّمناها - وكذلك ما سوف نذكره في البند القادم - لا تخضع في تطبيقها وتنفيذها إلا للأوامر الشريعة الصحيحة والثابتة، أمَّا كيفيَّة تطبيقها وطريقة تنفيذها فغير ثابتة في إطار واحد لا تخرج عنه؛ لأنه إذا سلمت القاعدة للتطبيق فقد يكون في طريقة تطبيقها عشرات الأوجه، حسب مقتضيات العصر وظروف المكان، وطبيعة البيئة... إلخ هذه الاعتبارات التي وضعَتْها الشرعية في الحسبان فحدَّدت - في دستورها العظيم المتمثِّل في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة - الأطر العامَّة، ووسعت في طرق تنفيذها وإعمالها، فالواجب علينا ألا نضيِّق واسعًا، ولا نحجِّر فسِيحًا.

 

7- أن إقامة الخلافة الإسلامية واجِبٌ على الأمَّة بالإجماع، لم يشذَّ عن ذلك أحدٌ ممَّن يُعتَدُّ به، والإجماع - كما أوضحت الدراسة - هو الأساس الأعظم في المسائل السياسية الشرعية، ولا يملك أحدٌ أن ينقض هذا الإجماع ولا أن يبدِّله، ومن ثَمَّ فهذا الواجب ما زال ولن يزال في أعناقنا جميعًا، كلٌّ على حسب قدرته واستطاعته وما خوَّله الله له من منصب، ومنَحَه من علم، فليتقِ الله امرؤٌ في نفسه، وكل امرئ حسيب نفسه.

 

8- أن الإمام الشوكاني - رحمه الله - كانت له مشاركاته وإسهاماته وممارساته العملية في مجالات سياسية عديدة، وأنه أوجب على العلماء تبوُّؤ تلك المناصب حتى ولو لم يكن الحاكم عادلاً؛ لأنه إذا فرَّ العلماء من هذه المسؤولية فقد تُسنَد إلى مَن لا يُحسِنون سياستها الشرعية، ولا يُراعون فيها الواجبات المرعية.

 

9- ومع موافقة الإمام الشوكاني لجمهور أهل السنة في (قضايا الإمامة) وجزئياتها؛ كطريقة نصب الإمام، وشروطه، وسلطاته... إلخ، فإنه له جوانب فكرية تجديدية لا يخرج بها عن الطريق المستقيم من جهة، ولكنه يراعي الظروف والأحوال والملابسات من جهة أخرى، ولنضرب على ذلك مثالاً واحدًا - فضلاً عمَّا مَرَّ في ثنايا الرسالة - حيث يقول صاحب "الأزهار" في مسألة (الخراج): "ولا يزد الإمام على ما وضعه السلف"، ويعلِّق الشوكاني على هذا بقوله: "الإمام العادل الناظر في مصالح المسلمين له أن يفعل ما فيه مصلحةٌ لهم على وجهٍ لا يضرُّ بالعاملين في الأرض، ولا يكون وضع مَن قبله مانعًا من الزيادة التي تقتضيها المصلحة، كما لا يكون مانعًا له من النقصان الذي تقتضيه المصلحة، فله رأيه ونظره المطابق لمراد الله، وإذا اقتضى نظره نزع الأرض من أيديهم نزَعَها، وإذا اقتضى نظره وضعها في يد قومٍ آخرين فعَل، فقول المصنف: "ولا يزد الإمام على ما وضعه السلف" لا وجه له ولا دليل عليه، إلا مجرَّد إيجاب تقليد الآخر للأول، وإهمال النظر في المصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص".

 

فانظر إلى هذا الذي أرساه الشوكاني - رحمه الله - تجده هو بعينه الذي يتنادى به المجدِّدون الملتَزِمون بالجادَّة السائرون على هدي كتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وإذا جاز لهذه الدراسة المتواضِعَة أن تُوصِي بشيء انطلاقًا من أن ((الدين النصيحة))، و((الدالُّ على الخير كفاعله)) فلنُشِر إلى هذه التوصيات فيما يلي:

أولاً: على العلماء المتخصِّصين في فروع السياسة الشرعية - كعلماء الفقه والشريعة والسياسة، ومعهم العلماء المسلمون المهتمُّون بهذه القضايا والمتخصِّصون في الاجتماع والاقتصاد والفلسفة والقانون، عليهم أن يقوموا في الله - تعالى - ويبيِّنوا للناس - حكَّامًا ومحكومين - وجه الشرعية في هذه الأنظمة السياسية التي تُظِلُّنا الآن بظلِّها، كي يكون بيانهم هاديًا للجميع، بقدر ما هو مُلزِم للجميع؛ لأن تخلِّي العلماء عن هذا الواجب هو الذي ترك الساحة تغلي بالأفكار المتناقضة الناتجة عن نقص العلم، وقصور النظر، وفقدان الوعي التاريخي والنظرة الحضارية والمستقبلية، وعدم الاعتبار بالأوضاع العالمية والملابسات الدولية التي تُحِيط بالأمَّة الإسلامية، أمَّا إذا قام العلماء وهم المستبصرون بكلِّ ما غاب عن غيرهم بأداء هذه الأمانة، فقد برِئُوا من تبعات كتمانها من جهة، وهدوا الأمَّة وأرشدوها - بإذن الله - من جهة أخرى.

 

ثانيًا: ينبغي على المتخصِّصين في زاويةٍ من زوايا (الفكر السياسي الإسلامي) أن ينهضوا بوضع (موسوعة إسلامية متكامِلَة في الفكر السياسي) تعرض لتفاصيل مبادئ وأسس هذا الفكر، وتقدم فيها - في صورة متطوِّرة ومنتظِمة - اجتهادات علماء العصر الثقات في ما يَجِدُّ من مُحدَثات على الساحة العالمية، وتتعرَّض فيها للمقارنة الناقدة - تأييدًا أو معارضة - للأفكار والأيدلوجيات المتصارعة في الأرض قاطبة، وليت هذه الموسوعة تأخذ مكانها العالمي؛ بترجمتها للغات الحية حتى نُسهِم بدورنا في تبليغ هذا الدين نقيًّا صافيًا للعالمين كما أمر الله - تعالى - وأراد.

 

ثالثًا: ينبغي على إخواننا الباحثين في (الفقه) أن يهتمُّوا بزاوية (الفقه السياسي) لدى علماء الإسلام من الفقهاء كافَّة، خاصَّة زاوية المقارنة بين المتقدِّمين من العلماء والمتأخِّرين منهم؛ كي يجدِّدوا هذا الجانب ويُضِيفوا إليه ما تحتاجه الأمَّة الإسلامية في مأزقها الحضاري المصيري الذي نحياه جميعًا، حيث تأفل نجوم الأطروحات الوضعية، ويجب أن يأخذ الخطاب الإسلامي مكانه ومكانته التي أرادها له الله.

ــــــــــــــ
[1] مثل العلامة السيد: محمد رشيد رضا، انظر كتاب: "الخلافة"، أو "الأمامة العظمى".

[2] انظر: الشيخ: على عبد الرازق: "الإسلام وأصول الحكم".

[3] انظر مثلاً: الإمام الأكبر: محمد الخضر حسين: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم".

والشيخ المفتي: محمد بخيت المطيعي: "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"، الأستاذ الدكتور: محمد ضياء الدين الريس: "الإسلام والخلافة في العصر الحديث"، وغير هؤلاء الأعلام الثقات.

[4] انظر: بحثًا مختصرًا عن الدراسات الأكاديمية عن (الفكر السياسي الإسلامي) في هذه الأطروحة: ص 115- 125.

[5] انظر: بحثًا مختصرًا عن هذه الدراسات الأكاديمية عن: (الشوكاني) وفكره وتراثه في هذه الأطروحة: ص 75- 79.

[6] انظر: فكر الشوكاني الثقافي في هذه الأطروحة: ص 62- 69.

[7] يُعارِض البعض كون الماوردي معتزليًّا، ويحتجُّون على ذلك بعدم موافقته على أصول المعتَزِلة الخمسة جميعًا، انظر: د. عبدالوهاب حواس: "المضاربة عند الماوردي"، ط دار الوفاء.

[8] يكفي أن أذكر للقارئ الكريم أن (تفسير) شيخنا يقع في خمسة مجلدات كبيرة، وأن كتابه "السيل الجرار" في الفقه يشتمل على أربعة مجلدات كبيرة، وأن كتابه "نيل الأوطار" في شرح أحاديث الأحكام يشتمل على ثمانية أجزاء في أربعة مجلدات كبار، وأن كتابه في أصول الفقه من أصعب كتب الأصول في تفهُّمه واستيعابه، وأن تاريخه "البدر الطالع" يقع في مجلدين... إلخ كتبه المنشورة، وكلها تحتاج إلى وقت طويل وتركيز مستمرٍّ في متابعتها، ودراستها، وتحليلها، ثم توظيف بعضٍ منها في دراسة فكرية سياسية.

[9] "الإسلام والمذاهب الفلسفية المعاصرة"، دار الدعوة، القاهرة، ط3، 1406 هـ - 1986م، ص 9- 10.

[10] انظر: السيد: حسين السبيعي: بذيل "نيل الأوطار" ص ي.

[11] قاسم غالب وآخرون: مقدمة "السيل الجرار".

[12] انظر هذه الرسالة ص.

[13] الأهدل: "النفس اليماني"، نقلاً عن صديق حسن خان: "التاج المكلل": ص 343 وما بعدها.

[14] انظر: "الزيدية": ص د.

[15] انظر: هامش "أدب الطلب" ص 62.

[16] انظر الشجني: "التقصار"، ورقة 62.

[17] عبدالمتعال الصعيدي: "المجددون في الإسلام": ص 475.

[18] د. إبراهيم هلال: مقدمة "القول المفيد"، ص 28.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • رعاية الفكر في مواجهة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم الثقافة في الفكر العربي والفكر الغربي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مقاصد الشريعة بين الفكر الأصولي والفكر الحداثي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بين فكر الأزمة وأزمة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ثراء الفكر وفكر الثراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفكر السياسي في عصر النبوة(مقالة - ملفات خاصة)
  • العلاقات الدولية في الفكر السياسي الغربي(PDf)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفكر الأخلاقي والدراسات المعاصرة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رجال الفكر والإصلاح في الغرب الإسلامي: الإمام أبو الوليد الباجي نموذجا (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- بسم الله
نوير الغنامي - السعودية 09-02-2014 09:01 PM

مشاء الله تبارك الله
أتمنى أني مثلك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب