الجوهر النضيد في شرح القصيد للإمام أبي بكر بن أيدغدي الشهير بابن الجندي (ت769ﻫ) (من أول سورة آل عمران إلى نهاية سورة المائدة) دراسة وتحقيقا

ملخص الرسالة

الجوهر النضيد في شرح القصيد

للإمام أبي بكر بن أيْدُغْدِي الشهير بابن الجندي (ت769ﻫـ)

(من أول سورة آل عمران إلى نهاية سورة المائدة)

دراسةً وتحقيقًا

المقدمة:

الحمد لله العزيز الوهاب، أنزل على عبده الكتاب، هدى وذكرى لأولي الألباب، موعظةً وشفاءً، روحًا ونورًا، يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا كبيرًا، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد اصطفاه الله من بين الخلائق، وأنزل عليه أفضل كتاب، واختار له أفضل الأصحاب، استنوا سنته، واقتفوا أثره، فَعُنُوا بكتاب ربهم أفضل عناية؛ قراءة وترتيلًا، حتى حركوا بقراءته القلوب، وأحيوا بتلاوته النفوس، وواظبوا على قراءته تلاوة وعرضًا، حتى وصل إلينا متواترًا مسندًا.

أما بعد: فإن علم القراءات من أجل العلوم، وأرفعها قدرًا وذكرًا، وأسماها مكانة وفضلًا، وأدومها بقاءًا وأثرًا، والاشتغال بها من أجل الأعمال وأفضل القربات، وليس من باب المغالاة إذا قلنا إنه أشرف العلوم، وأولاها بالاهتمام والرعاية؛ لشدة تعلقه بأشرف الكتب المنَزلة.

وقد كان القرآن الكريم موضع عناية من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الكرام، ومن تبعهم من العلماء الأجلاء، الذين عكفوا عليه يدرسونه، ويستخرجون كنوزه، فأولوه عناية فائقة، عُنوا بقراءته وتفسيره، وتناولوا كثيرًا من مسائله بالبحث والتوضيح، وتنافسوا في هذا الميدان الفسيح، وأفنوا أعمارهم في تصنيف الكتب التي تخدم هذا القرآنَ العظيمَ، فمنهم من ألف في تفسيره، ومنهم من ألف في رسمه وضبطه وقراءته، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره، وهم بهذا قد أدوا شيئًا من واجبهم نحوه، كل بحسب ما أوتي من العلم، فخلفوا لنا تراثًا علميًا عظيمًا تزخر به المكتبات في أنحاء المعمورة، وكلها تدل على العناية الإلهية بهذا القرآن العظيم: قال تعالى:﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

وبذلك هيأ الله الأسباب التي تحفظ كتابه من التحريف والتغيير قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

وكان من هؤلاء الأعلام الذين انبروا لحفظ كتاب الله والاعتناء به وخدمته، الإمامُ العالمُ المقرئُ أبو بكرٍ بنُ آيْدُغْدِي الشهيرُ بابن الجندي (ت769ﻫ).

وقد أكرمني الله تعالى بنيل درجة الماجستير في تحقيق مخطوط عنوانه (الإفادة المقنعة في قراءات الأئمة الأربعة الشاذة)، والالتحاق بالدراسات العليا، بمرحلة الدكتوراه، في قسم القراءات، بكلية القرآن الكريم، فأردت أن أجمع بين الحسنيين، معرفةَ القراءاتِ الشاذةِ والمتواترةِ، لذلك أحببت أن يكون بحثي متصلًا بالشاطبية التي حفظتها، وعلى ضوئها قرأتُ أجزاءً كثيرة من القرآن الكريم - وأسأل الله أن يعينني على إتمامه لأدخل في شرف قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»[1]- ومن خلال بحثي في بعض شروحها، تأملت (الجوهر النضيد في شرح القصيد) للإمام أبي بكرٍ بنِ آيْدُغْدِي الشهيرِ بابن الجندي (ت769ﻫ) - سبعِمائةٍ وتسع وستين من الهجرة - فوجدت هذه الموسوعةَ قد تضمنت شرحًا وافيًا كافيًا؛ توجيهًا، ولغةً، وإعرابًا، ولم يخل هذا الشرح من الاستدراكات على نظم الشاطبية، وتبيين ما أشكل، وبيان الغريب من الألفاظ.

وقد بُدئ في دراسة هذا المخطوط من حيثُ المؤلفُ والكتابُ:

فقد كتب الدكتور/ حسين العواجي دراسة عن المؤلف وحياته العلمية في (بستان الهداة في اختلاف الأئمة والرواة في القراءات الثلاث عشرة واختيار اليزيدي) لابن الجندي.

وقد شاركني في تحقيق هذا المخطوطِ كلٌّ من الأخوة الفضلاء:

الدكتور/ عبد الرزاق محمد كامل.

والدكتور/ خالد بن محمد إسحاق.

والدكتور/ محمد أحمد برهجي.

والشيخ/ محمد محفوظ.

والشيخ/ عبدالله برناوي.

ومن خلال ما سبق تبين أن المخطوط قد بقي منه جزء كبير لم يحقق، فرغبت أن أشارك زملائي في إتمام تحقيقه.

ولطول هذا الشرح حيث بلغ عدد لوحاته سبعَمائةِ (700) لوحةٍ تقريبًا، اكتفيتُ بدراسة وتحقيقِ قسمٍ منه وهو "من أول سورة آل عمرانَ إلى نهاية سورة المائدة"، ويعادل هذا القسمُ سبعًا وثمانين (87) لوحةً تقريبًا من نسخة مكتبة أيا صوفيا بتركيا الآتي ذكرُها في وصف النسخ، والله الموفق.

أهمية الموضوع:

تتضح أهميةُ هذا الكتابِ في جوانبَ متعددة منها:

• تعلقه بأفضل العلوم، واهتمامه بأميرة المنظومات عمومًا وعلم القراءات خصوصًا؛ الشاطبية.

• تنوُّعه في المادة العلمية وغزارتُها، فهو يسهب في ذكر أقوال العلماء من حيثُ التفسيرُ والتوجيهُ وبيانُ مذاهبِ النُّحاةِ من لغة وإعراب وشرح ألفاظ غريبة.

• اعتماده على شروح مهمة للشَّاطبية؛ كشرح السخاوي (ت643ﻫـ)، وأبي عبدالله الفاسي (ت656هـ)، وأبي شامة (ت665ﻫـ)، وابن جبارة (ت728ﻫـ)، والجَعبري (ت732ﻫـ).

• تضمنه إيضاح شرح شيخه الجَعبري على الشَّاطبية[2] حتى ظنَّ بعض من ذكر شروح الشَّاطبية أنَّ شرح ابنِ الجندي حاشيةٌ على شرحِ الجَعبري[3]، وقد اعتمد ابن الجندي على شروح كثيرة، أهمها شرح شيخه الجَعبري كما ذكر ذلك في مقدمة الشرح[4].

• كثرة المصادر التي رجع إليها في كتابه، ومن أهمها:

1- كتاب السبعة لابن مجاهد (ت324ﻫـ).

2- والغاية في القراءات العشر لابن مهران (ت381ﻫـ).

3- والروضة في القراءات العشر لأبي عليّ المالكي (ت438ﻫـ).

4- وجامع البيان والتيسير كلاهما لأبي عمرو الدَّاني (ت444ﻫـ).

5- والمستنير في القراءات العشر لابن سوار (ت496ﻫـ).

6- والمصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر لأبي الكرم الشهرزوري (ت550ﻫـ).

• رجوعه لمصادر مهمة تعتبر الآن في عداد المفقود كـ"الشرح الكبير على الشَّاطبية لأبي شامة "حيث نقل منه كثيرًا من النصوص، وكتاب "التذكار في القراءات العشر لابن شِيطا"، وهو بذلك قد حفظ لنا بعض نصوص هذه الكتب.

• اهتمامه بشرح ألفاظ أبيات الشاطبية شرحًا وافيًا: ومن ذلك عند قول الشاطبي:

وَقَرْحٌ بِضَمِّ القَافِ وَالقَرْحُ صُحْبَةٌ وَمَعْ مَدِّ كَائِنْ كَسْرُ هَمْزَتِهِ دَلَا وَلَا يَاءَ مَكْسُورًا وَقَاتَلَ بَعْدَهُ يُمَدُّ وَفَتْحُ الضَّمِّ وَالكَسْرِ ذُو وِلَا

• استدراكه على الشَّاطبي، ومن ذلك عند قول الشاطبي:

وَإِضْجَاعُكَ التَّوْرَاةَ مَا رُدَّ حُسْنُهُ وَقُلِّلَ فِيْ جَوْدٍ وَبِالخُلْفِ بَلَّلَا

• استدراكه على بعض شرَّاح الشاطبية، ومن ذلك عند قول الشاطبي:

وَذَكِّرْ فَنَادَاهُ وَأَضْجِعْهُ شَاهِدًا وَمِنْ بَعْدُ أَنَّ اللهَ يُكْسَرُ فِيْ كِلَا

• يبذل قصارى جهده في الرد على من طعن في أي من القراءات المتواترة، ولا يدخر جهدًا أو رأيًا أو قولًا للعلماء في تأييد القراءة إلا ويذكره.

هذه بعض النقاط التي تبين أهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية.

أسباب اختيار الموضوع:

• إن هذا المخطوطَ شرحٌ لمنظومة الشَّاطبية في القراءات السبع، التي تعتبر من أهم مؤلفات القراءات التي رزقت شهرة وقبولًا بين علماء هذا الفن[5].

• هذا المخطوط من الشروح المتقدمة للشاطبية، وقد ضمنه مؤلفه كثير من شروح المتقدمين المعروفة والمشهورة، كما أنه حوى كثيرًا من المفقود.

• مكانة المؤلف العلمية، فهو من تلاميذ الجعبري، ومن شيوخ ابن الجزري رحمه الله.

• تعمق المؤلف في التوجيهات اللغوية التي تكسب طالب العلم ملكة لغوية جيدة.

• المكتبة الإسلامية زاخرة بكتب القراءات المصنفة على مر العصور، وقد خرج كثير منها إلى النور، وبقي من المصنفات ما هو بحاجة ماسة إلى إخراجه بأبهى صورة وأجمل حلة، وجدير بطلبة العلم أن ينبروا لهذا الفن، ويخرجوا كنوزه، ويكتشفوا درره، لذلك رأيت أن أسهم ولو بجزء بسيط لخدمة هذا العلم.

• إن هذا المخطوط قد حقق منه جزء في رسائلَ علميةٍ بمرحلة الدكتوراه بقسم القراءات بكية القرآن الكريم، فأحببت أن أشارك زملائي ولو بلبنة يسيرة لإكمال هذا البناء.

خطة البحث:

وتتكونُ من مقدمة وقسمينِ وفهارسَ على النحو الآتي:

• المقدمة: وتتضمَّن أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخطة البحث، ومنهج الدراسة والتحقيق.

القسم الأول: الدراسة وفيه تمهيد وفصلان:

• التمهيد: ترجمة موجزة عن الشَّاطبي ومنظومتِه وشروحِها، وفيه مبحثان.

المبحث الأول: التعريف بالناظم (الشَّاطبي)، ومنظومتِه "حرز الأماني ووجه التهاني " المعروفةُ بـ"الشَّاطبية".

المبحث الثاني: شروح الشاطبية وتسلسلها تاريخيًا إلى عهد المصنف -رحمه الله-.

الفصل الأول: دراسة موجزة عن الإمام ابن الجندي، وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته، ووفاته.

المبحث الثاني: عصر المؤلف من الناحية السياسية والعلمية.

المبحث الثالث: شيوخه وتلاميذه.

المبحث الرابع: عقيدته ومذهبه الفقهي.

المبحث الخامس: مكانته العلمية، ومؤلفاته.

المبحث السادس: ثناء العلماء عليه.

الفصل الثاني: دراسة الكتاب وفيه خمسة مباحث: ـ

المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب وتوثيق نسبته إلى مؤلفه.

المبحث الثاني: مصادر المؤلف في كتابه.

المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه.

المبحث الرابع: قيمة الكتاب العلمية.

المبحث الخامس: وصف النسخ الخطية التي اعتمدت عليها في تحقيق الكتاب ونماذجُ منها.

• القسم الثاني: النص المحـقق: من أول سورة آل عمران إلى نهاية سورة المائدة.

الفهارس، وهي:

• فهرس الكلمات القرآنية.

• فهرس القراءات الشاذة.

• فهرس الأحاديث النبوية والآثار.

• فهرس اختيارات المؤلف.

• فهرس الشواهد الشعرية.

• فهرس الكلمات الغريبة.

• فهرس الأعلام.

• فهرس الكتب المذكورة في الجزء المحقق.

• فهرس المصادر والمراجع.

• فهرس الموضوعات.

منهج التحقيق:

وقد كان عملي فيه وفق الخطوات المنهجية التالية:

• اعتمدت نسخة مكتبة الأقصى ورمزت لها بالحرف (أ)، ورمزت لنسخة مكتبة أيا صوفيا بالحرف (ب).

• نسخت المتن المرادَ تحقيقُه كاملًا وفق قواعد الإملاء والترقيم الحديثة.

• قابلت بين النسختين، وأثبت الفروق في الحاشية، إلا إن وجدت أن ما جاء في النسخة التركية أصوب أثبتّه وبيّنت ذلك في الحاشية، وهو منهج التلفيق، لكني لم أستعمله إلا قليلا.

• كتبت الآياتِ القرآنيةَ وفق الرسمِ العثمانيِّ إن وافقت قراءةَ حفصٍ، وإن لم توافقه رسمتها إملائيًا.

• عزوت الآيات القرآنية إلى سورها وذكر رقمها.

• وثقت القراءات، وميزت المتواتر من الشاذ.

• خرجت الأحاديث النبوية، فما كان منها في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بالعزو إليه، وما كان في غيرهما من كتب السنة عزوته لمصدره. وفي الغالب أذكر أقوال العلماء فيه من حيث الصحة والضعف.

• عزوت الآثار وأقوال الأئمة إلى مصادرها، فإن لم يتسن الأصل عزوته بواسطة.

• وثقت النصوص والمسائل العلمية من مصادرها الأصلية.

• فسرت غريب الألفاظ، ووثقت ذلك من الكتب المعنية.

• علقت على المسائل التي تحتاج إلى بيان أو تعقيب.

• ترجمت بإيجاز للأعلام.

• خرّجت الأبيات الشعرية، ونسبتها إلى قائليها ما أمكنني ذلك.

• التزمت بعلامات الترقيم، وضبطت ما يحتاج إلى ضبط.

• وضعت الفهارس العلمية اللازمة لتسهيل البحث عند الحاجة.

شكر وتقدير:

قال - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )[6] من هذا المبدأ أتقدم بشكري ودعائي بعد شكر الله لكل من كان له عليّ فضل ومنّة، وفي مقدمتهم من احتضنتني من مراحل تعليمي الأولى الجامعة الإسلامية ممثلة في دار الحديث ثم المعهد الثانوي ثم أميرة الكليات وزهرة الجامعة؛كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، التي من خلالها عرفت علم القراءات، ولا أنسى جهود القائمين على هذه الكلية الذين أولوها جلّ اهتمامهم؛ من عميد غيور على دينه، ورؤساء أقسام يبذلون ما في وسعهم لخدمة العلم وأهله، وأخص قسم القراءات الذي سخر طاقاته لخدمه أهل الله وخاصته.

وأثني بالشكر والتقدير لمن كنت في كنفه في مرحلتي الماجستير والدكتوراه شيخِنا فضيلةِ الأستاذ الدكتور/ محمد بن سيدي محمد الأمين، الذي تفضل عليّ بإشرافه ونصائحه وتقويمه، فقد كان أبًا صارمًا في تربيته، وشيخًا حانيًا في نصحه وتعليمه وتوجيهه لي لما فيه الخير والمصلحة.

كما أوجه شكري وتقديري للأستاذ الدكتور/ أحمد بن محمود مبارك المغربي، والدكتور/ أحمد بن عبدالله بن عبدالمحسن الفريح على تفضلها وقبولهما قراءة الرسالة وتقييمها ولا أستغني عن توجيههما ونصحهما وإبداء الملاحظات التي تزيد الرسالة رونقًا وترفعها شأنًا، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان الحسنات وأن ينفعني بقولهما.

كما أوجه شكري لكل من أسدى إلى معروفًا، وأعانني ولو بكلمة في سبيل إخراج هذه الرسالة العلمية من إخوة وزملاء فضلاء، فالشكرُ كلُّ الشكر لهم بعد شكر الله تعالى، وأسأل الله أن يجعل ما قاموا به في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وأختم مقدمتي بما بدأت به؛ بحمد الله تعالى على ما منّ به عليّ من فضل، وأسأله أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأصلي وأسلم على النبي المختار؛ محمدٍ خيرِ الأبرار، وآله وصحبه الأطهار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فهرس الموضوعات