ملخص الرسالة

لهجة ربيعة وأثرها في الدراسات اللغوية والقرآنية

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداه، والتزم سنته وسار على نهجه إلى يوم الدين.

لا تخلو لغة من اللغات العالمية من دراسات تفصل دقائقها وجزئياتها بحسب مجالاتها اللغوية، إلا أن هذه الدراسات قد تفاوتت من لغة إلى أخرى كمًّا ونوعًا، وتبقى اللغة العربية من اللغات المتصدرة بعدد الدراسات فيها إن لم تكن الأولى، فقد أولى علماء اللغة عربًا وأجانب هذه اللغة عناية قل نظيرها في اللغات، فاخرجوا لنا من درر مكنوناتها ولآلئ صدفاتها وجواهر عقودها ما تزينت وازدانت وتجملت وارتقت مدارج العلى، فكانت قاب قوسين أو أدنى من اعتلاء عرش مملكة اللغات، وما كان ليكون هذا الأمر لها لولا أن تشرفت وتقدست بحضرة الكلمات الإلهية التي سطرت بانتظام النظم الإلهي القرآني، لترسم صورة من صور الإعجاز اللغوي، الذي لم تحظ به قط لغة من لغات العالم، فلله درها من لغة، وسلمت وسلمت أقلام دارسيها.

فكان لي الشرف أن يكون قلمي أحد الأقلام التي كتبت في هذه اللغة، وأظهرت وأبرزت وجهًا من وجوهها المشرقة، وصفحة من صفحاتها الباهرة، فأبت نفسي إلا السير في طريق قل من اختطه، وبعد المجاهدة وجدت أن دراسة اللهجات من الجوانب التي لم تأخذ حظها الوافر ونصيبها الحق من دراسات العصر الحديث، فشددت العزم وتوكلت على الله واستخرت نفسي واستشرت أساتذتي، فكانت الخيرة من الله في أن أسلك هذا الطريق، فتخيرت بين أمرين في دراسة اللهجات، إما أن أدرسها في أحد الكتب المختصة باللغة وإما أن أدرسها ضمن قبيلة من القبائل العربية المشهورة، وقد وقع اختياري بمساعدة أهل الاختصاص، ولا سيما الأخ العزيز الفاضل الدكتور (أحمد هاشم أحمد السامرائي) على دراسة لهجة ربيعة، لأمرين:

1. لم تحظ ربيعة أو أحد بطونها بعناية الدارسين قديمًا وحديثًا على الرغم من شهرتها بين القبائل العربية.

2. لم تكن قبيلة ربيعة نكرة من النكرات، فهي الفرع العدناني الثاني المقابل لمضر، وهذا ما يؤكد ثقلها النسبي العربي، فضلًا عن رفدها التاريخين العربي والأدبي بتراث لا يستهان به.

بعد أن حصلت موافقة القسم والكلية على هذه الدراسة وتعليمات الأستاذ المشرف وتوجيهاته القيمة، بدأت بجمع كل ما يتعلق بهذه القبيلة من ناحية المستويات اللغوية، فخضت بحار كتب اللغة والنحو والصرف والتفاسير وغيرها، حتى استقام بين يدي قوام هذا الجسم المتكامل، فكانت استقامته على الأقسام الآتية:

التمهيد: وخصصته بدراسة فقه اللغة في علم اللهجات، وقد قسمته على قسمين، تناول القسم الأول (قبائل ربيعة تاريخيًّا وجغرافيًّا) من عدة محاور، هي: نسبهم، ومعنى اسمهم، وبطونهم وهي: بنو عبد القيس وبنو النمر وبنو وائل وبنو بكر وبنو حنيفة وبنو تغلب، وتناول القسم الثاني (لهجة ربيعة) من عدة محاور، هي: المصطلحات اللهجية، وموقف اللغويين من اللهجات، ونشأة اللهجات، ودراسة لهجة ربيعة، وعلاقة ربيعة أو بطونها بلغات القبائل الأخرى، وختمت التمهيد بمخطط بينت فيه لهجات القبائل المشتركة مع ربيعة أو أحد بطونها والمختلفة عنها.

الفصل الأول: وخصصته بالمستوى الصوتي، وقد تناولت فيه عدة محاور صوتية، وهي: الهمز، والإبدال بين الحروف، واللهجات المذمومة، والإمالة، والإشباع، والإدغام، والوقف، والاتباع الحركي.

الفصل الثاني: وخصصته بالمستوى الصرفي، وقد تناولت فيه عدة محاور صرفية، وهي: الميزان الصرفي للأسماء والأفعال، وفعلت وأفعلت، والتذكير والتأنيث، والتخفيف والتشديد، والمد والقصر، والقلب المكاني.

الفصل الثالث: وخصصته بالمستوى النحوي، وقد تناول عدة محاور نحوية، هي: الضمائر، ولزوم المثنى حالة واحدة، وأسماء الإشارة، والظروف، والجزم.

الفصل الرابع: وخصصته بالمستوى الدلالي، وقد تناولت فيه ما استطعت الوقوف عليه من ألفاظ نُسِب استعمالها إلى ربيعة أو أحد بطونها، وبعد أن وجدت أن هذه الألفاظ كثيرة جدًّا، رأيت أن أجعل هذا الفصل معجمًا لغويًّا لها، لا أن أدرسها على أساس الظواهر اللغوية، كالأضداد والترادف والمشترك اللفظي وغيرها، لأخرج مما يقع فيه غيري من اختلاف اللغويين في هذه الظواهر.

وختمت الأطروحة بخاتمة بينت فيها أهم النتائج التي وصلت إليها من خلال رحلتي مع ربيعة.

وألحقت الأطروحة بملاحق أراها نافلة تتمم جزئياتها، وهي: خريطة جغرافية بمواقع القبائل في الجزيرة العربية، وخريطة أخرى بمواقع بطون ربيعة في الجزيرة العربية، وتشجير لبطون ربيعة مستندًا في تشجيره إلى أوثق مصادر الأنساب وأهمها.

لا يمكن لهذا العمل أن ينجز إلا بعد أن مر بعدة أنفاق أبى كل نفق إلا أن يعطل مسيرتها، ولعل ما نمر به من أحداث مأساوية تعصف بأرجاء البلاد عامة وببغداد الحبيبة خاصة أوضح دليل على صعوبة مواصلة البحث العلمي وعسرته، فما نشاهده يوميًّا من القتل والاعتقال والتفجير وغيرها صور للأوضاع الصعبة، فضلًا عن مشقة الحصول على المصادر والمراجع بعدما طالت يد الجهل الحمقاء مكتباتنا العامرة، وما عجزت وما وهنت، فذهبت أطرق أبواب من أجد عنده المصادر والمراجع، وزيادة على ما سبق فإن انشغالي بالواجب الجامعي المكلف به في جامعتنا العلمية الرصينة قد أخذ حيزًا من وقتي.

قامت هذه الأطروحة على مجموعة لا بأس بها من المصادر والمراجع التي تنوعت اختصاصها وعلومها، فمنها النحوية والصرفية والمعجمية وكتب التفسير ودواوين الشعر والمجموعات الشعرية وكتب التاريخ والأنساب واللهجات وغيرها.

وأخيرًا لا يسعني وأنا في هذا المقام إلا أن أقدم شكري الجزيل وامتناني الكبير إلى أستاذي المشرف الأستاذ الفاضل الدكتور سامي مكي العاني، الذي كان مرشدًا وموجهًا لي، واقفًا على جزئيات ما أكتب، على الرغم مما كان يعانيه كغيره من هذا الظرف الطارئ، فكانت لتوجيهاته القيمة والسديدة الأثر الواضح في صفحاتي، فيكفيني فخرًا أني انتميت إلى عمل أنجز تحت إشرافه، فجزاه الله عني خير جزاء.

الآن وأنا أقف على أعتاب المرحلة الأخيرة لدراستي أرى من الواجب علي أن أتقدم بالشكر إلى جميع أساتذتي الذين أسدلوا علي ثوب العلم والمعرفة في هذه الجامعة، ابتداء من دراستي الأولية فالعليا بشقيها الماجستير والدكتوراه، ولا سيما عالم العراق الأستاذ الفاضل الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي، والمرحوم الأستاذ الدكتور عبد الحسين الفتلي، والأستاذ المساعد الدكتور محمد علي حمزة وغيرهم.

وشكري الجزيل إلى عمادة كلية اللغة العربية وعلوم القران المتمثلة بعميدها ورئاسة قسم اللغة العربية وأخواني الأساتذة.

اللهم إن هذا جهد المقل لا أرى فيه كمالًا فالكمال لك وحدك سبحانك عمَّا يصفون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة ونتائج البحث:

ها قد أشرفت رحلتنا الطويلة مع ربيعة على الانتهاء، بعد أن تجولنا في ربوع لغتها، ننتقل في حِلِّنا وترحالنا بين ظواهرها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، لنرتشف من رحيق ضربها شتى ألوان الكلام، فاستقامت الرحلة على المستويات اللغوية الأربعة المسبوقة بالتمهيد والمتبوعة بهذه الخاتمة، على الرغم من كثرة الإغفال عن ذكر هذه القبيلة أو أحد بطونها لا لشيء إنما لمتاخمتها غير العرب، فوسموا لغتها بالهجينة، وبعد البحث خرجت بعدة نتائج، أوجزها بالآتي:

1. يغلب على ربيعة أو بطونها الطابع البدوي، فقد بدا تأثير البداوة في مجموعة من الظواهر اللغوية، منها الهمز في قولهم: (أولئك)، إذ ثبت أن الهمز صفة بدوية.

2. قد تقابل اللغة الربعية لغة مضرية فيتحصل حينئذ انقسام اللغة على كتلتين عدنانيتين، هما: ربيعة ومضر، كورود قولهم: (عدوف)، بالدال منسوبًا إلى مضر، في حين تنطقها ربيعة: (عذوف)، بالذال.

3. لم تنعزل ربيعة عن القبائل العربية الأخرى في لغتها، فقد تشترك مع مجموعة كبيرة من القبائل في لغة واحدة، كاشتراكهم في التلتلة التي نسبت إلى قيس وتميم وأسد وربيعة وعامة العرب.

4. ورد عن ربيعة أنهم تأثروا في اللسان الجزري، من ذلك تأثرهم في اللغة الآرامية في إبدال الذال دالًا، وسبب التأثر اختلاطهم فيهم.

5. اتصفت لغة ربيعة في بعض ظواهرها اللغوية بالرداءة، فقد ورد عن سيبويه أنه وصف قول بعضهم: (مِنْهِم) بالاتباع الحركي بالرداءة، في حين وصف الزجاج قولهم: (الحمدُ ُلله) بلغة من لا يلتفت إليه ولا يتشاغل بالرواية عنه.

6. وردت مجموعة من اللهجات التي انفردت ربيعة بها، فقد اقتصرت نسبتها في كتب اللغة عليهم، كقول اللغويين في الوقف على المنصوب أنه يبدل ألفًا في لغة غير ربيعة.

7. اشتهرت ربيعة أو بعض بطونها بمصطلحات تدل على الظواهر اللهجية، كقولهم: (كشكشة ربيعة) و( كسكسة بكر).

8. وردت مجموعة من اللغات التي انفرد بها بطن من بطون ربيعة من دون البطون الأخرى، وهذا يدل على أن لكل بطن من بطون ربيعة كيانًا لغويًّا مستقلًا، فمن صور هذا الانفراد انفراد بني بكر بن وائل بالإمالة، وانفراد بني عبد القيس بالقلب المكاني، فضلًا عن صور كثيرة من الانفراد الوارد في المستوى الدلالي.

9. لم تأخذ لغة ربيعة مكانها المناسب في معجمات اللغة، فعلى الرغم من كثرة ورود الظواهر اللهجية في المعجمات اللغوية، فإن نصيب ربيعة قليل قياسًا على القبائل الأخرى، إلا ما ورد في معجم الجيم، لأبي عمرو الشيباني، الذي كان بحق سجلًا حافظًا لكثير من اللهجات التي أهملتها المعجمات، وقد بينت ذلك في مخطط بأعداد ورود لغات ربيعة في المعجمات التي عدت إليها.

10. اقتحمت لغة ربيعة أو أحد بطونها أسوار اللغة القرآنية، فقد ذكر بعض العلماء أن لغة ربيعة إحدى اللغات المشمولة بقول الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إنما انزل هذا القرآن على سبعة أحرف )، على رأي من قال: سبع لغات، وقد وجدت نصوصًا تشير إلى أن القرآن متضمن لمجموعة من لغات ربيعة، كلفظة (الكنود) في قوله ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ [العاديات: 6]، أو لغة تغلب كلفظة (الأحقاف) في قوله ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ﴾ [الأحقاف: 21]، أو لغة حنيفة كلفظة (الرهب) في قوله ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ [القصص: 32].

11. دخلت لغة ربيعة مجال الشعر، فوردت في مجموعة لا بأس بها من الشواهد اللغوية، وقد رأيت أن هذه الشواهد تنقسم على قسمين:

أ‌. ورودها في أشعارهم: وردت إلينا مجموعة من الشواهد الشعرية لشعراء ربيعة تمثل صورة صادقة لنطقهم، من ذلك قول الأعشى (ميمون بن قيس):

إِلى المَرءِ قَيسٍ أُطيلُ السُّرَى وَآخُذُ مِن كُلِّ حَيٍّ عُصُم

ولم يقل: (عصما)، لأنها لغة خاصة بهم.

ب‌. ورودها في أشعار غيرهم: وردت إلينا مجموعة من الشواهد الشعرية التي تنسب إلى شعراء من قبائل بعيدة عن ربيعة نسبًا، تحمل هذه الشواهد ظواهر لهجية منسوبة إلى ربيعة، كقول الحطيئة:

وَإِن قالَ مَولاهُم عَلى جُلِّ حادِثٍ مِنَ الدَّهْرِ رُدّوا فَضْلَ أَحلامِكِم رُدّوا

فاتبع حركيًّا في (أحلامكم)، وليست لغة قومه.

فهرس تفصيلي بمحتويات الأطروحة