الجهود اللغوية والنحوية للإمام الشوكاني (ت 1250 هـ) في كتابه (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول)

ملخص الرسالة

الجهود اللغوية والنحوية للإمام الشوكاني (ت 1250 هـ)

في كتابه

(إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول)

المقدمة:

الحمد لله الذي بنور رحمته تطمئنُّ القلوب، وبفيض قدرته ترتفع النفوس والهمم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن من نِعَمِ الله سبحانه وتعالى على عباده أنْ جعل النصح والإرشاد والمشورة من دواعي توفيق البشر، ومن توفيقه سبحانه عليَّ إشارة أخي الفاضل (مصطفى كامل) دراسة أحد كتب أصول الفقه التي تُعنى باللغة والنحو.

ويعد البحث في كتب أصول الفقه من البحوث الشاقة؛ لأن علم أصول الفقه من علوم الآلة التي ابتكرها المسلمون لتنظيم عملية استدعاء النصوص، وتنزيلها على واقع الحال؛ ليتبين الحرام من الحلال.

لذا قد شمرت عن ساعد الجد، وأحصيت أكثر كتب أصول الفقه بكد، ووقع الاختيار على (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول) للإمام الشوكاني.

ويرجع اختياري لهذا الكتاب لعدة أسباب، أهمها:

• أن الإمام الشوكاني نشأ وقَوِيَ عودُه في وقت بلغت فيه العلوم - ولا سيما علوم العربية والفقه وأصوله - نضجًا كبيرًا وصل إلى حد الاستواء.

• الدراسات الكثيرة التي تناولته جعلت منه علمًا من أعلام القرن الثالث عشر الهجري، فقد درست مباحثه اللغوية والنحوية في "فتح القدير"، ودرس مؤرخًا في "البدر الطالع"، ودرس منهجه - الأدلة والأحكام - في "إرشاد الفحول"، وغيرها من الدراسات الأخرى.

• اقتناعي بالمادة اللغوية والنحوية الموزعة في هذا المصنَّف لتثبيت دعائم الاستنباطات الفقهية.

لذا جاء مشروع الأطروحة بعنوان (الجهود اللغوية والنحوية للإمام الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول).

وقد أيَّد هذا المشروعَ كلٌّ من الأساتذة الكرام شيخ العربية المعاصر الأستاذ الدكتور رشيد العبيدي، الأستاذ الدكتور حمودي زين الدين رحمه الله، الأستاذ الدكتور خالد المشهداني.

عقدت العزم - بعد التوكل على الله - على النهوض به مبتغيًا وجه الله تعالى فيه، وقد اقتضت طبيعة الدراسة أن تنظم في أربعة فصول، يتقدمها مقدمة وتمهيد، وتنتهي بالخاتمة والمصادر.

تكفل التمهيد بإلقاء الضوء على (حياته وجهوده العلمية)، ذكرت فيه اسمه، ونسبه، ونشأته وعصره، وطلبه للعلم، وشيوخه، وتلامذته، وآثاره العلمية، وتوليه القضاء الأكبر ووفاته، وكتابه بصورة موجزة؛ لأن ثمة باحثين أفاضل ذكرتهم كتبوا في هذا الأمر وأفاضوا في الحديث عنه.

جاء بعده الفصل الأول الذي خصص (لدراسة موارد الإمام الشوكاني)، وجعلته في أربعة مباحث: المبحث الأول: درست فيه أساليبه في نقله من موارده، واشتمل النقل الحرفي، والنقل بالمعنى. والمبحث الثاني: تكلمت فيه عن منهج الشوكاني في هذا النقل. أما المبحث الثالث: فذكرت فيه موقفه من هذا النقل. والمبحث الرابع: عقدته لإحصاء أهمِّ موارده اللغوية والنحوية، باعتبارهما المعين الذي عالج المؤلف به الموضوعات، واشتمل النقل من الكتب، والنقل عن الأعلام.

والفصل الثاني: خصصته للكشف عن موقفه من (أدلة الصناعة)، وقسمته على ثلاثة مباحث: تناولت في المبحث الأول: السماع وموقفه منه، وتحدثت فيه عن استدلاله بالقرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر والأمثال، مع عرض أمثلة موجزة لتلك الاستدلالات ومواضع الاحتجاج بها. وفي المبحث الثاني: تحدثت فيه عن القياس وموقفه منه. أما المبحث الثالث: فقد كشفت فيه عن موقفه من العلة، مع ذكر أهم مسالك العلة وقوادحها.

أما الفصل الثالث: فقد عقدته (لتبيان مباحثه اللغوية غير الدلالية، والدلالية)، وكان في خمسة مباحث: المبحث الأول: تحدثت فيه عن مباحثه اللغوية غير الدلالية، واشتمل ماهية الكلام، ووضع الألفاظ بإزاء الماهيات، والغرض من وضع الألفاظ، ونشأة اللغة. والمبحث الثاني: تحدثت فيه عن مباحثه اللغوية الدلالية، واشتمل: الاشتقاق، والترادف، والمشترك اللفظي، والمعرب. والمبحث الثالث: كان عن جهود الشوكاني في الحقيقة والمجاز. وختم هذا المبحث بالأمور التي يعرف بها المجاز.

أما المبحث الرابع: فتحدثت فيه عن دلالة ألفاظ العموم عند الشوكاني، وقد اشتمل تعريف العموم، وألفاظه، وما اختلف فيه من العموم، والاختلاف في دلالة أقل الجمع، والمبحث الخامس: تحدثت فيه عن معاني الحروف عند الشوكاني.

والفصل الرابع خصصته لدراسة (أساليبه ومفاهيمه النحوية)، وكان في خمسة مباحث:

المبحث الأول: تكلمت فيه عن أسلوب الأمر، الذي أفاض فيه كثيرًا بخلاف بقية الأساليب؛ لأن وظيفته الأساسية هي تجلية كل ما يتعلق بالاستنباط للأحكام الشرعية التي قوامها الأوامر والنواهي، وقد اشتمل: تعريفه، وصيغه، ودلالة صيغه، ومعاني صيغه، ودلالته على المقدار، وزمن فعله، والأمر بالأمر بالشيء.

والمبحث الثاني: تكلمت فيه عن أسلوب النهي، وكان أقل من سابقه؛ وذلك لتقارب علل الاستنباط، وقد ذكرت فيه: تعريفه، وصيغه، ومعانيه، وحكمه، واقتضاءه للفساد.

أما المبحث الثالث، فقد خصص للاستثناء بوصفه أحد المخصصات المتصلة التي وظفها لإثبات الاستنباطات الأصولية، وقد اشتمل: مفهوم الاستثناء المنقطع، وحكم وقوعه في لغة العرب والقرآن الكريم، وشروط صحته، وحكمه من النفي وبالعكس، والاختلاف في عود الاستثناء عقيب جمل متعددة.

والمبحث الرابع: كان لمخصص آخر، وهو الشرط، واشتمل: تعريفه، وأقسامه، وأحكامه.

والمبحث الخامس: تكلمت فيه عن أنواع مفهوم المخالفة، وذكرت منها الصفة، والعلة، والشرط، والعدد، والغاية، واللقب، والحصر.

وفي الخاتمة أوجزت أهم النتائج التي توصلت إليها.

أما منهجي في البحث، فقد حاولت أن أقارب بين النظرة اللغوية والنحوية من جهة، ونظرة الإمام الشوكاني من جهة أخرى، مع مناقشة هذه النظرة، وتعيين الراجح في بعض المواطن، فهي دراسة أقرب إلى الوصف التوفيقي بين علماء اللغة والنحو والإمام الشوكاني.

وأما معوقات البحث التي واجهتني، فهي عديدة، لكن أهمها (الوضع الأمني) الحرج جدًّا خاصة في مدينتنا العزيزة (الرمادي)، الذي أدى إلى انقطاعي عن البحث مدة ليست بالقصيرة؛ بسبب عدم الوصول إلى المكتبات...... ومنها أيضًا قلة البضاعة العلمية لديَّ في علم أصول الفقه بالمستوى الذي يكفي لخوض غمار البحث، مما حدا بي أن أبذل جهدًا مضاعفًا لتأسيس أرضية لا بأس بها.

ولما كان البحث يتضمن دراسة الجهود اللغوية والنحوية، فقد نهل من مصادر متنوعة وكثيرة، تتمثل في كتب اللغة والنحو والفقه وأصوله والتفسير وعلوم القرآن والحديث الشريف وكتب التراجم والسير إلى غير ذلك.

وبعد:

فإني لا أزعم أن بحثي قد برئ من الهنات؛ فإن الزلل والنسيان سمتان للإنسان، وما جاء من ذلك في هذا البحث فإني أسأل الله أن يوفق أساتذتي وآبائي الأفاضل الكرام أعضاء لجنة المناقشة، إلى إكماله وتقويمه.

وحسبي أن أخلصت النية لله سبحانه وتعالى، وبذلت من الجهد ما استطعت في البحث والتتبع.

والله أسأل أن يوفقنا لخدمة لغة القرآن الكريم، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم