أبو البقاء العكبري صرفيا

ملخص الرسالة

أبو البقاء العكبري صرفيًّا

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على النّبيّ الأمين محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطّيبين الطّاهرين وصحبه الغرّ المنتجبين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد:

فقد شاء الله تعالى أنْ تكون دراستي في البحث المعد لنيل درجة الدكتوراه دراسةً تتناول الجانب الصّرفي عند عالم من أعاظم علماء العربيّة، وأكابر أئمّتها، نبغ في علوم شتّى كاللّغة والنّحو والصّرف والفقه والقراءات والحديث والحساب، فأُوتي من كلِّ هذا حظًّا كبيرًا، ومكانةً عظيمة أهّلته لأنْ يكون واحد زمانه وقريع دهره، ذلك أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبريّ (ت 616هـ)، ولمّا قرأت كتبه التي حوتْ مادّته الصّرفيّة، اقتضت طبيعة البحث أنْ يقسم على تمهيد وأربعة فصول وخاتمة.

فأمّا التّمهيد فقد تحدّثتُ فيه عن الدّرس الصّرفي حتّى زمن العُكبريّ، ولم أفصّل القول في حياته لأن ّ الباحثين لم يبقوا لنا شيئًا نقوله في هذا الميدان.

وجعلت الفصل الأول شاملًا منهج أبي البقاء ومصادره وضمّ مبحثين، عرضتُ في الأوّل منهما طرائق العكبري في إيراد مادّته الصّرفيّة، وعرضت في الثاني مصادر العكبريّ من الأعلام والكتب، وكان عنوان الفصل الثاني أدلّة الصناعة والعلّة عند العكبري، وضمّ أربعة مباحث تحدثتُ في الأول منها عن السّماع وفي الثاني عن القياس وفي الثالث عن العلّة، وفي الرّابع عن استصحاب الحال، وجعلت الفصل الثّالث للموضوعات الصّرفيّة التي كان للعكبريّ فيها موقف واضح، يناقش ويحلل ويرجح ما يرتضي ويردّ ما لا يرتضي، وتحدّثت فيه عن الميزان الصّرفي، وأبنية الأسماء، والمصادر، والنّسب والتّصغير والإبدال والإعلال وأبنية الأفعال.

أمّا الفصل الرّابع فقد تحدّثت فيه عن شخصية العكبريّ العلميّة، وضمّ خمسة مباحث، جعلت الأول منها لآراء العكبريّ الّتي انفرد بها، والثاني لموقفه من مسائل الخلاف الصّرفيّ بين البصريّين والكوفيّين والثالث لقدرته على المحاججة والمناقشة.

وعرضت في المبحث الرابع لتأثره بالعلماء الأقدمين وتأثيره فيمن جاء بعده، أمّا المبحث الخامس فقد سجّلتُ فيه ما أخذ على أبي البقاء من مآخذ. وضمّت الخاتمة أهم النّتائج التي توصّل إليها البحث. وقد أفدت في عملي هذا من عدة مصادر، كان في مقدّمتها كتاب سيبويه، والمقتضب، والأصول، والتكملة والخصائص والمنصف وإعراب القرآن للنحاس، وشروح الشافية والممتع، وغيرها.

وتقتضي الأمانة العلميّة أنْ أُشير إلى أنّني أفدت من الرّسائل العلميّة في هذا الميدان كان في مقدّمتها رسالة الدكتور خليل بنيان الحسون الموسومة: بـ((اللّباب في علل البناء والإعراب لأبي البقاء العكبريّ دراسة وتحقيق)) ورسالة الدكتورة نهاد فليح حسن الموسومة بـ ((الدراسات الصّرفيّة عند العرب منذ نشأتها حتى القرن الرابع الهجري))، ورسالة الدكتور عبد الجبار النّايلة الموسومة بـ((الدراسات الصّرفيّة عند ابن جني)) ورسالة الدكتور كاطع جار الله الموسومة بـ(( الخلاف الصّرفيّ في ألفاظ القرآن الكريم)) ورسالة الماجستير للباحث سالم جاري الموسومة بـ((ابن مالك صرفيًا)) وغيرها.

وبعد:

فلا يسعني ألاّ أنْ أتقدّم بالشّكر الجزيل إلى أستاذي المشرف الدكتور هاشم طه شلاش الذي كان وراء إنجاز هذا البحث عنايةً وإرشادًا وتقويمًا، فجزاه الله عنّي خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخاتمة:

بعد هذه الرّحلة الممتعة مع أبي البقاء العكبريّ وتتبّع جهوده الصّرفيّة نبيّن أهم النتائج التي توصّل إليها البحث:

1- يُعد المازنيّ أوّل مَنْ وضعَ تأليفًا مستقلًا في علم الصّرف، وكان قبل ذلك مندرجًا في علوم اللّغة الأخرى فقد تمكّن من أنْ ينظّم قواعد هذا العلم، وأصوله ويفرزه من غيره من العلوم اللغويّة الأُخرى، ليقيمه علمًا مستقلًا بأبنيته وأقيسته وأصوله.

2- أبو البقاء العكبريّ عالمٌ في اللّغة والنّحو والصّرف والعروض إمام في الفقه والفرائض، وإذا عُدّ العلماء كان من أعاظم علماء عصره، وأكابر لغويي دهره، وإذا عُدّ الفقهاء كان إمام زمانه، وقريع دهره، ولم يمنعه ذهاب بصره من التّزوّد بالعلم والمعرفة، لأنّ الله تعالى عوّضه ببصيرة ثاقبة، وعقل واعٍ، وحافظة قويّة.

3- اعتمد أبو البقاء على مصّادر متنوعةً تمثّلت بالأعلام والكتب، فقد أفاد من مجموعة كبيرة من الشيوخ الذين سبقوه، فاستقى منهم مادّته الصّرفية، واعتمد على عدّة مصنّفات، لأنّ كثرة المصادر تعطي فرصة للمصنّف أن يحلل المسائل ويعرض الآراء، ويبين الوجوه المحتملة في المسألة الواحدة.

4- لأبي البقاء عدّة طرائق في إيراد مادّته الصّرفية كالتقسيم والاحتجاج والاستنتاج والتكرار، وكثرة التّعريفات، والاستطراد، وتأثره بالفقه وأصوله والمنطق وكثرة التّعليل، واهتمامه بمسائل الخلاف الصّرفيّ.

5- تمثّلت أدلّة الصّناعة عند العكبري بالسّماع والقياس واستصحاب الحال، ومصادر السّماع عنده الشّواهد الّتي اعتمد عليها في تعزيز أقواله وتوثيقها، وهي القرآن الكريم والقراءات القرآنية والحديث النبويّ الشريف وكلام العرب من شعر ونثر وكان القياس عنده يتمثل بقياس الطّرد، وقياس الشبه، وقياس العلّة.

6- انفرد أبو البقاء العكبريّ بمجموعة الآراء الصّرفيّة الّتي خالف فيها السّابقين، فقد ذهب إلى أنّ كلمة " ضِيْزى " أصلها " ضُوزى " مثل طوبى، كُسِر أَوّلها فقلبت الواو ياءً، ورفض ما ذهب إليه الجمهور من أنّ الأصل فيها " ضُيْزى " وقلبت ضمّة الفاء كسرة لأجل الياء. وله رأي في تصغير اسم الإشارة المبنيّ " ذا "، إذْ يرى أنْ تجعل ياء التّصغير ثانية، فتصبح "ذيَا" وتجعل بدل الألف ياء متحرّكة، فتصبح الكلمة " ذَيّ " ثُمّ يؤتى بالألف بدلًا من الضمّة بعد الياء الأخيرة، فتصبح " ذَيّا " وذهب إلى أنّ الأصل في كلمة "هناه" هو "هَنٌ" أُضيفت إلى ياء المتكلّم، ثمّ نادى، ففتح ما قبل الياء، وأُبدلت الياء ألفًا، لأنّها أخفّ، وذلك أنّهم استثقلوا الياء وقبلها كسرة فيما كثُر استعماله، وهو النّداء، فأبدلوا الكسرة فتحة، وكانت الياء متحرّكة، فانقلبت ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فقالوا: يا هنا، وإذا وقفوا ألحقوه الهاء للسكت.

7- كان العكبريّ بصريّ المذهب، إذ وافق البصريّين في معظم المسائل الصّرفيّة الّتي تناولها، وعلى الرّغم من بصريته كان صاحب رأي، يناقش، ويحلّل، ويردّ. وقد تأثر أبو البقاء بمن سبقه من علماء العربية، لأنّه وجد في كتبهم ضالّته وبغيته، إذ وجدناه يردد آراء الخليل وسيبويه والكسائي والفرّاء والأخفش والمازني والمبرّد وابن السّراج، وأبي علي الفارسي وابن جني وابن الخشاب والزمخشري وغيرهم.

8- للعكبري قدرة كبيرة على المناقشة والمحاججة يدلّ على ذلك ما وجدناه في كتبه من مباحث صرفيّة أفصح فيها عن مذهبه الصّرفيّ، وأورد الحجج والأدلة التي تؤيّد انحيازه للمذهب الذي ارتضاه.

9- وممّا يؤخذ على أبي البقاء اضطرابه في نقل آراء العلماء، واضطرابه في مذهبه الصّرفي، إذ نجده يتناقض رأيه أحيانًا في المسألة الواحدة، فيذكر رأيًا في موطن من المواطن، ثمّ يخالفه في موطن آخر، ويأتي برأي يناقضه، وممّا يغفر له هذا الإضطراب أنّه كان ضريرًا يملي كتبه إملاءً فقد تغيب عنه بعض الأفكار، أو يضعف عنده الترابط أو يقع السّهو من تلاميذه، فيدوّنون أشياء لم يقصدها لذاتها، وإنّما يقصد هيئة أخرى.

ومن الله التوفيق..

ABSTRACT

The present study tackles the linguistic efforts in the field of morphology of one of the great Arab scholars, Abul-Baqa’ Abdullah Ibn-ul Hussein Al-Ukbari(d. 606 H), who excelled in many fields of knowledge and became one of the most prominent figures of his times.

The study falls into an Introduction, four chapters and a Conclusion.The Introduction surveys the writings in the field of morphology before Al-Ukbari. Nothing about the life of our scholar is mentioned in the Introduction, since researchers have left us virtually nothing to say in this respect.

Chapter One discusses the method or approach followed by Abul Baqa’ in his morphological studies and the resources he derived his knowledge from. The chapter includes two sections. The first reviews the ways he followed in presenting his morphological material, and the second is a survey of his resources, whether they are the scholars before him whom he studied or the books he consulted.

Chapter Two, which is entitled “Morphological Evidence and Causes” consists of four sections. These sections deal with

such points as heard evidence, following the standard rules of the language, causes of certain morphological phenomena and the consistency.

The third chapter is dedicated to discussing the morphological issues about which Al-Ukbari had a certain attitude and expressed very clear opinions. The chapter discusses his arguments pro and con with reference to the morphological scale nominal forms, infinitives, inversion, verb forms and others.

Chapter Four gives an account of Al-Ukbari’s career. It includes five sections which deal with the following issues respectively: Al-Ukbari’s characteristic opinions; his attitude towards some controversial matters upon which Basra grammarians differed with those of Kufa; his wide knowledge and argumentative power; the influence on him of earlier scholars and his own influence on the ones who followed him; lastly, Al-Ukbari’s shortcomings.

The Conclusion sums up the findings of the study, which can be stated very briefly as follows:

1) Al-Ukbari was one of the greatest and most versatile scholars of his time and was highly talented in many fields of knowledge, despite his blindness. He was well-versed in linguistics, grammar, morphology, and prosody, as well as in theology.

2) The resources of knowledge Abul Baqa’ derived from were varied and they included the most knowledgeable scholars of his age and the best books and writings of the time.

3) Al-Ukbari followed a variety of methods in presenting his morphological material, such as division, argumentation, deduction, repetition, multiple definitions, and his interest in logical reasoning and controversial matters.

4) Al-Ukbari’s morphological evidence consisted of heard evidence, following the standard rules of the language and consistency. His heard evidence included material from the Holy Qur’an, Holy Hadis and Arabic poetry and prose.

5) Al-Ukbari had several opinions in which he differed sharply from other morphologists.

6) Al-Ukbari was a Basri morphologist. He followed the Basra scholars in most of the morphological issues he discussed. However, he was considerably independent and free in expressing a variety of opinions. He was greatly influenced by such outstanding figures as Seebawayh, Al-Kisa’ee, Al-Farra’, Al-Akhfash, Al-Mazini, Al-Mubarrid, Ibn Al-Sarraj, Abu Ali Al-Farisi, Ibn Jinni, Ibn Al-Khashab, Al-Zamakhshari and others.

7) Al-Ukbari possessed a great argumentative skill as well as a great persuasive power. This is obviously shown in most of his writings where he strongly argues for and astutely defends his opinions on certain morphological issues.

8) Al-Ukbari’s writings display several minor shortcomings such as his confusion in presenting his material, his occasional methodological inconsistency. He sometimes contradicts himself in discussing even a single issue, about which we can find an excuse for him in his blindness and in the fact that he dictated his writings to scribners.

فهرس المحتويات