حقيقة المحبة في العقيدة الإسلامية

ملخص الرسالة

حقيقة المحبة في العقيدة الإسلامية

مقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.

أما بعد: فإن من أعظم الأمور في الحياة وجود المحبة، وأعظم ما فيها أنها من صفات الله عزَّ وجلَّ فسبحانه يحب ويبغض، وهذا من كماله عزَّ وجلَّ، وإن من أعظم الأمور التي تحصل للعبد أن يحبه ربه فينال بها خير الدنيا والآخرة، وإن من أعظم النقم التي تحل بالعبد أن يكون ممن لا يحبه ربه فتحل عليه الصواعق في الدنيا والآخرة.

وقد فطر الله القلوب على المحبة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، ولكن القلوب قد تنجرف نحو هذه المحبة بما لا يليق بها فتهوي بها في جرف هار من العذاب في الدنيا والآخرة، وهنا تجلَّت عظمة هذه العقيدة الإسلامية التي خاطبت الإنسان كله عقله وقلبه وخاطبت كلًا بما يناسبه، فجعلت هذه المحبة أسماها ما كان في الله ومن أجله، وأنارت له السبل في التعامل مع البشر فلا يزيغ قلبه نحو حب من لا يحبه الله فيعطيه شيئًا من محبته، ولا يغلو في حبِّ أحدٍ من خلقه حتى يؤلهه فينقض توحيده، فسبحان الله تعالى ما أعظمه وأرحمه جعل القلوب مجبولة على حبه، وهداها وبين لها ما يحبه، وأسباب تحصيل حبه، وكيف بمحبته ينال أعلى درجات الجنان.

ومن هنا فإنَّ هذا البحث جاء يعالج موضوع المحبة ببيان حقيقتها في العقيدة الإسلامية ويحاول تقديم دراسة علمية حول هذا الموضوع باعتبارين أساسيين وهما:

أولًا: المحبة صفة لله عزَّ وجلَّ ثابتة بالأدلة الشرعية، والرد على من نفاها أو تأولها من أهل الكلام، ثم تعرض هذه الدراسة أسباب محبة الله عز وجل للعبد وأثرها على حياة العبد في الدنيا والآخرة، إلى جانب هذا فإن الدراسة تعرض محبة العبد لربه ببيان أسبابها وآثارها ومظاهرها، وتعمل على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت حول هذا الموضوع.

ثانيًا: إن المحبة من أعظم وأهم أعمال القلوب، وهي في ذات الوقت من أهم ركائز عقيدة الولاء والبراء وعلامة على صحة الإيمان، خاصة إذا تبين لنا حدوث خلل واضح اليوم في المجتمع المسلم في صرف المحبة لمن لا يستحقها من الخلق، مما يسبب شرخًا كبيرًا في عقيدته؛ بل وقد يظن البعض أن في صرفها إلى أحد من الناس بالغلو والإفراط - وإن كان من الصالحين- فإن هذا في نظرهم علامة على صحة الإيمان وقوته، فانظر إلى الصوفية حين جعلت غلوها في حبِّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - سببًا في ابتداع أمور في الدين ما أنزل الله بها من سلطان، ثم انظر إلى فئة أخرى تنسب نفسها إلى الإسلام وهم الشيعة الذين زعموا أن حب آل البيت لا يجتمع في قلب مع حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فغالوا وأفرطوا في حب هذا وبغض ذاك حسب أهوائهم فزلت بهم الأقدام.

إنَّ موضوع المحبة وعلائقها من الأمور الدقيقة التي لا يمكن أن يعيش المرء بدونها؛ لذلك كان الضروري أن يفرد لها بحث يبينها، فكان هذا البحث كمساهمة مني في بيان حقيقتها، خدمة للإسلام والمسلمين، وهو تحت عنوان: (حقيقة المحبة في العقيدة الإسلامية). فنسأل الله عزَّ وجلَّ التوفيق والسداد.

أولًا: أسباب اختيار الموضوع:

1) تقديم تصور إسلامي واضح المعالم حول حقيقة المحبة باعتبارها صفة لله عز وجل والرد على من حاول تأويلها أو فهمها بشكل خاطئ، وباعتبارها عملًا من أهم أعمال القلوب.

2) تعلق المحبة بأمر من أهم أمور الدين ألا وهو الولاء والبراء، باعتبارها أساسًا لصحة هذا المبدأ، فهي أوثق عرى الإيمان، وسبب لتذوق حلاوته.

3) اختلاط المفاهيم لدى المجتمع اليوم مما جعل الحاجة ماسة لتصحيح هذه المفاهيم ووضعها في إطارها الصحيح.

4) طغيان المادة على المجتمعات مما دفعنا إلى البحث عما يرقق القلوب ويعيد وصلها بربها، ويوثق عرى اتصالها بالمؤمنين على أساس سليم.

ثانيًا: الدراسات السابقة:

أ- الرسائل العلمية:

1) بحث محكم بعنوان: صفة المحبة الإلهية - إثباتها وثمرات الإيمان بها، د.صالح الرقب، بجامعة الأقصى 1431 هـ، 2010 م.

2) رسالة ماجستير: الحب الإلهي بين السلف والصوفية، لطف الله بن ملا خوجة، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، 1431 هـ، 2009 م.

ب- الكتب:

1) الحب بين الله وعباده، نبيل عطوة.

2) المتحابين في الله، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي.

3) الحب والمحبة الإلهية، محي الدين ابن عربي

4) الحب الإلهي، عند رابعة العدوية والصوفية، د. جبر خضير البيتاوي

وقد تميزت هذه الدراسة عما سبق بالآتي:

1) جمعت هذه الدراسة الموضوعات السابقة بالإضافة إلى عدة موضوعات ذات العلاقة في بحث واحد.

2) أنها تظهر منهج أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع وترد على شبهات المخالفين بأسلوب علمي.

3) تناولت الدراسة أثر الغلو في المحبة على عقيدة المسلم.

4) تناولت مفاهيم المحبة المختلفة مع بيان العلاقة بين هذه المفاهيم وبيان ما يجوز منها وما لا يجوز.

5) اعتمدت الدراسة أسلوب البحث العلمي ولم تقتصر على الجانب الدعوي الذي يغلب على الكتب التي تكلمت في هذا الموضوع.

ثالثًا: منهج البحث:

اعتمدت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي.

رابعًا: طريقة البحث:

1) توثيق الآيات القرآنية في الحاشية بذكر اسم السور ة، رقم الآية، وتمييز الآيات القرآنية بوضعها بين هلالين بهذا الشكل ﴿ ﴾.

2) تخريج الأحاديث النبوية وذلك ب عزوها إلى مظانها من كتب السنة، ونقل حكم العلماء عليها، باستثناء ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهم ا أو أحدهما وتمييز الحديث النبوي الشريف بوضعه بين هلالين بهذا الشكل ( ).

3) توثيق المعلومات في الحاشية على النحو التالي: ذكر اسم الكتاب، اسم المؤلف، اسم المحقق إن وجد، رقم الطبعة، دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر، رقم الصفحة ورقم الجزء إن وجد. إذا تكرر الاقتباس من المرجع أكثر من مرة فإنه يتم اختصار التوثيق بذكر اسم الكتاب، ورقم الصفحة.

4) حين الاقتباس من مواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، يوم وتاريخ البحث، اسم الموقع الذي تم الاقتباس منه، وإذا تكرر الاقتباس من نفس الموقع، أكتفي بذكر اسم الموقع فقط.

5) الفهارس: وضع فهارس للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والأعلام المترجم لها، والمراجع العامة والموضوعات.

خامسًا: خطة البحث:

قد قسمت البحث إلى: مقدمة، وثلاثة فصول ومباحث ومطالب، وخاتمة تتضمن أهم النتائج والتوصيات.

المقدمة: تشتمل على أسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومنهج الباحثة فيه، وخطة البحث.

الفصل الأول: صفة المحبة عند السلف والمخالفين.

ويتكون من ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مفهوم المحبة، وعلائقها.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المحبة. المطلب الثاني: العلاقة بين مفاهيم المحبة.

المبحث الثاني: صفة المحبة الإلهية عند السلف.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: الأدلة الشرعية على إثبات صفة المحبة. المطلب الثاني: مفهوم المحبة الإلهية عند السلف.

المبحث الثالث: صفة المحبة الإلهية عند المخالفين.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: صفة المحبة الإلهية عند المتكلمين. المطلب الثاني:الفرق بين المحبة الإلهية والإرادة الشرعية والإرادة الكونية.

المبحث الرابع: أسباب حصول محبة الله عز وجل للعبد، وثمراتها، وموانع حصولها.

وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أسباب حصول محبة الله عز وجل للعبد.

المطلب الثاني: ثمرات محبة الله عز وجل للعبد.

المطلب الثالث: موانع حصول محبة الله للعبد.

الفصل الثاني: محبة العباد لربهم بين الاعتدال والغلو.

ويتكون من مبحثين:

المبحث الأول: محبة العباد لربهم أسبابها، وثمراتها.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: أسباب محبة العبد لربه. المطلب الثاني: ثمرات محبة العبد لربه.

المبحث الثاني: محبة الله عز وجل عند الصوفية.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: انحراف الصوفية في باب المحبة وغلوهم فيها. المطلب الثاني أقسام المحبين عند الصوفية.

الفصل الثالث: محبة العباد وعلاقتها بالولاء والبراء.

ويتكون من ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: محبة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -

وفيه مطلبان: المطلب الأول: محبة النبي - صلى الله عليه وسلم – لأمته. المطلب الثاني: محبة الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث الثاني: المحبة بين الناس في ضوء عقيدة الولاء والبراء

وفيه مطلبان: المطلب الأول: المحبة بين المؤمنين. المطلب الثاني: المحبة بين المؤمنين والمشركين.

المبحث الثالث: الغلو في محبة بعض العباد وأثره على عقيدة المسلم

وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: غلو الصوفية في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والشيخ.

المطلب الثاني: غلو الشيعة في حب آل البيت والأئمة

المطلب الثالث: غلو بعض المسلمين في محبة بعض الأشخاص

الخاتمة: وفيها النتائج التي توصلت إليها الباحثة من خلال هذه الدراسة، وأهم التوصيات التي تخدم غرض البحث.

الفهارس العامة:

أولًا: فهرس الآيات القرآنية.

ثانيًا: فهرس الأحاديث النبوية.

ثالثًا: فهرس الأعلام المترجم لها.

رابعًا: فهرس المصادر والمراجع.

خامسًا: فهرس الموضوعات.

الخاتمة

من خلال بحثي هذا توصلت إلى مجموعة من النتائج والتوصيات:

أولًا: النتائج:

1) المحبة صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة والإجماع والعقل، وهذا هو مذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة.

2) خالف أهل الكلام أهل السنة في صفة المحبة، فنفتها الجهمية، وأولتها المعتزلة بالإرادة الشرعية، وأولتها الأشاعرة بالإرادة الكونية.

3) من أسباب محبة الله عز وجل للعبد اتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والإتيان بالطاعات، ومن ثمرات محبة الله عز وجل للعبد حب أهل السماء والأرض له، ومعية الله عز وجل، وحسن الخاتمة، ومن موانع تحقق هذه المحبة الشرك والمعاصي.

4) من أسباب محبة العبد لربه الفطرة وإنعام الله على العبد والتفكر في أسماء الله عز وجل وصفاته، والعباد في محبة الله على مرتبتين: مرتبة والمقتصدين ثم مرتبة السابقين.

5) أنواع المحبة عند الناس: محبة طبيعية فطرية، ومحبة نافعة، محبة ضارة.

6) من ثمرات محبة العبد لربه: تحقيق التوحيد، والإتيان بالطاعات ونبذ السيئات، وطمأنينة القلب، والتوبة من الذنوب، والصبر على المصيبة، وحب لقاء الله عز وجل.

7) انقسمت الصوفية في محبة الله عز وجل إلى قسمين: جماعة وافقت أهل السنة والجماعة، وأخرى غلاة قالوا بالاتحاد والحلول، وهؤلاء قسموا الناس في المحبة إلى عوام، وخواص، ومن أهم أسباب ضلال الصوفية هنا هو: الجهل، والتقليد، واتباع الهوى.

8) تقوم محبة العباد بين بعضهم البعض على مبدأ الولاء والبراء، فمحبة المؤمنين واجبة، ومحبة المشركين محرمة، ولذلك فعلى المسلم في باب المحبة أن يجيب في محبته على ثلاث تساؤلات لينج:

9) من تحب ؟ لأن المرء مع من أحب.

- لماذا تحب ؟ لأن المتحابين في الله لهما الجنة.

- وكيف تحب ؟ لأن الغلو في الحب بغير الحق أهلك أممًا شتى.

- ضلت الصوفية في غلوها بغير الحق في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والشيخ، وخالفت بطريقتها هذه سائر الأمة.

10) ضلت الشيعة في غلوها في محبة آل البيت بغير الحق وبغض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابتدعوا لذلك امورًا لم ينزل الله بها من سلطان، فضلوا وأضلوا كثيرًا.

ثانيًا: التوصيات:

1- أوصي الباحثين وطلاب العلم بإعداد دراسة تفصيلية تتناول شرح صفات الله عز وجل على مذهب أهل السنة؛ إذ اشتهرت دراسة أسماء الله عز وجل، ولم تحظ الصفات بذات الأمر إذ ليس في الباب إلا دراسات قليلة مختصرة لم تتناول كل الصفات، واُقتصر التركيز في كثير من الأحيان على شرح توحيد الأسماء والصفات.

2- أوصي الباحثين وطلاب العلم بإعادة دراسة الولاء والبراء وفق مستجدات واقعنا المعاصر، فما كتب قديمًا يحتاج إلى تهذيب وتطوير، وجل ما كتب حديثًا سطحي يخدم سياسات واتجاهات بعض الدول، ولذلك نحن في أمس الحاجة إلى دراسة علمية تركز على الواقع وتبين ما على المسلم فيه.

وختامًا.. أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل المتواضع في ميزان حسناتي، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يغفر لي ما وقعت فيه من خلل أو تقصير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.