الحياة الاقتصادية وأثرها في الشعر الأموي

ملخص الرسالة

الحياة الاقتصادية وأثرها في الشعر الأموي

يعتبر العصر الأموي مرحلة ذهبية لدراسة الحياة الاقتصادية وأثرها في الشعر، كون العرب انطلقوا انطلاقة ضخمة خارج الجزيرة العربية بفعل الفتوح، وتمصير المدن في المناطق المفتوحة كالكوفة والبصرة وواسط والرُّصافة والرملة، وبفعل ذلك تغيرت ألوان الإنتاج في بيئات الشام والعراق والحجاز وللصلة الوثيقة بين الظروف الاقتصادية، وكل إنتاج أدبي سادت ظواهر أدبية مميزة، منها؛ ظاهرة التكسب التي شاعت في العراق وبين البداوة فوفد الشعراء إلى مراكز الثراء متكسبين ثم دخلوا منطقة الإعلام، وحمل بعض شعر الفتوح ملمحًا اقتصاديًّا، بدا ذلك في كثير من قصائد المادَّحين والهجَّائين والمستجدين والشعراء الجند، وبدت ظاهرة شكوى الفقر والاحتجاج الاقتصادي، والتي نلمح فيها هموم الإنسان العربي في الفترة الأموية، وما يعانيه من ضيق اقتصادي بفعل البيئة أو بفعل سياسة الحكومة، خاصةً في نظام توزيع العطاء، وجبي الصدقات، وكثرة الضرائب الباهظة.

ولم يخل شعر الغزل بأنواعه أبدًا من تفسير اقتصادي ذي ارتباط وثيق بالبيئة الاقتصادية، والأحوال الحضارية والاجتماعية.

المقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: فقد بدأت صلتي بهذا النوع من الدراسات عند تحضيري رسالة الماجستير التي درست فيها وجهين من وجوه الشعر؛ وهما الوجهان السياسي والاجتماعي في شعر الشريف الرضيّ، أحد شعراء العصر العباسي، ولتكتمل رؤيتي العامة في العلاقة بين الشعر والمجتمع كان لابد من دراسة الوجه الاقتصادي، وأثره في الوجهين السابقين، وأثرهما معًا في الوجه الاقتصادي ومن ثم أثره في الشعر. ولذا استقر رأيي بمعونة أستاذي على توسيع دائرة البحث، واختيار منطقة مضيئة من مناطق الحضارة العربية، وهي العصر الأموي، فكان عنوان البحث: (الحياة الاقتصادية وأثرها في الشعر الأموي).

واخترت المنهج الاجتماعي في دراسة الشعر، وهو المنهج الذي يرى الصلة الوثيقة بين الأحوال الاجتماعية والظروف الاقتصادية من جهة، وكل إنتاج أدبي من جهة ثانية، لا، بل لهذا المنهج صلة وثيقة بمعظم ألوان النشاط الإنساني، وقوى الإنتاج الاقتصادي.

وانكببتُ أجمع المادة من كتب التاريخ والأخبار، وكتب المغازي والسير، والتراجم، ودواوين الشعر المجموعة، والمجموعات الشعرية وغيرها، حتى اكتلمت المادة لديَّ، ثم بدأت بدراستها من الداخل. ومما لفت نظري لدى دراستي هذه؛ أن الحياة الاقتصادية تبدو أكثر وضوحًا في المادة النثرية منها في الشعر، وأشد سطوعًا، مما جعلني أستعين بالروايات التاريخية والخطب والرسائل الديوانية لإضاءة البحث، ثم استقر لديّ - بعد النظر في المادة المتوفرة - أن أجعلها في هذه المقدمة، وستة فصول، وخاتمة عرضت فيها ثمار البحث.

أما الفصل الأول فعنوانه: (البنية الاقتصادية) ومحاورها:

أ- البيئات الاقتصادية - الجغرافية منها، ودورها في سيادة نظامها الاقتصادي، وبينت الخراج الذي جبي من بعض البيئات، وكذلك أنواع الإنتاج.

ب- الفتوح: على أنها عامل مهم في تطور الاقتصاد الأموي، ونظرة القادة والولاة والدولة والجند لها، وتنبه الدولة إلى دور الغنائم في الاستمرار بالفتوح، وما لها من دور مهم في الاتجاه نحو المدنية والاستقرار، وتنشيط حركة التجارة.

جـ- الأنظمة الاقتصادية: من زراعة وتجارة وكلأ وصناعة وحرف، وقد عرضت لنظام الإقطاع ومشكلة ملكية الأرض، وتوحيد العملة والمكاييل وإيجاد مراكز العشور، وتدشين المنشآت الحضرية الجديدة وربطها بالبيئة الاقتصادية.

الفصل الثاني وعنوانه: (البنية الاجتماعية):

وتتشكل من محورين:

1- الفئات الاجتماعية من عرب وموالٍ ورقيق؛ وأثرها في التطور الاقتصادي.

2- ومستوى المعيشة ومحاورها:

أ- الطعام والشراب.

ب- واللباس والزينة.

جـ- واللهو والغناء والترف.

د- وحركة البناء والعمران.

والفصل الثالث بعنوان: (ظاهرة التكسب في الشعر الأموي) وجاءت في أربعة محاور:

1- بيئات التكسب.

2- السياسة والتكسب.

3- والبناء الاقتصادي والتكسب.

4- والتكسب المبتذل والقيم.

أما الفصل الرابع فعنوانه: (أثر الحياة الاقتصادية في شعر الفتوح).

وتناولت فيه ظاهرتين:

1- الظاهرة الأولى: شعر الفتوح الذي أبرز الحياة الاقتصادية تحت مظلة الفتح إلى جانب الكسب، وظهرت فيه صورة الإنسان العربي المنطلق ينشد الرسالة الإسلامية ويقوم بواجب الجهاد ويجلب الغنائم بعد النصر، وفي الوقت ذاته يخسرون الجنود وعدة القتال، وهم يبنون الدولة الفتية، ونجدها في عدة مظاهر.

2- والظاهرة الثانية: شعر الفتوح الذي غلبت عليه جوانب الكسب، ونجدها في مجالس التكسب، وعلاقة الراعي بالرعية، والاحتجاج الاقتصادي، وشعر الحنين إلى الوطن، وشكوى الغربة والجوع، ورفض التجمهر في المناطق المحاصرة، والحديث عن الفيء والغنائم وغيرها.

والفصل الخامس وعنوانه: (شكوى الفقر والاحتجاج الاقتصادي في الشعر الأموي) بدت فيه هموم الشاعر، وسجل فيه الشعراء علاقة الحكومة بالشعب من خلال أنظمة الإنتاج.

أما الفصل السادس فعنوان: (التفسير الاقتصادي لشعر الغزل) وفيه أنواع الشعر وأمكنة انتشارها، وربطها بالبيئة الاقتصادية:

1) الغزل الحضاري.

2) والغزل السياسي.

3) والغزل العذري.

4) وصورة الغزل عند شعراء البلاط.

وقد تناولت هذا الشعر من جانب اقتصادي، ورأيت العلاقة الاقتصادية بادية في هذا الشعر، فالشعر الغزلي الذي ساد في مدن الحجاز يختلف عن الشعر المباشر وبعضه كان للاقتصاد أثر غير مباشر في وجوده ومميزاته.

ثانيًا: أهم المصادر والمراجع:

إضافة إلى مناقشاتي مع أستاذي الجليل الدكتور هاشم ياغي، وما فيها من مصادر وآراء قيمة، وإشارات لامعة، واستبصار قويم، فإنه لن يفوتني أن أشير إلى أهم مصادري التي اعتمدت عليها، وانتفعت بها:

1- أحمد بن يحيى البلاذري في كتابيه "أنساب الأشراف" و"فتوح البلدان"، تميز الكتابان بعرضهما الدقيق للبنية الاقتصادية، ومقدار الخراج الذي جبي من كل فتح، وتمصير المدن، والبيئات الاقتصادية، والاصطلاحات الزراعية وغيرها.

2- محمد بن جرير الطبري وكتابه "تاريخ الرسل والملوك" المشهور بتاريخ الطبري كان من أهم الكتب التاريخية التي اعتمدتُ عليها في فصل البنية الاقتصادية.

3- أبو عبيد القاسم بن سلَّام وكتابه "الأموال"، اعتمدت عليه كثيرًا في الأمور الفقهية والمالية من صدقات وفيء وغنائم وعشور ومكاييل وحمىً وخراج وإقطاعات، وما لها من دور في تطوير الحياة الاقتصادية.

4- قدامة بن جعفر وكتابه "الخراج".

5- أبو يوسف وكتابه "الخراج"، اعتمدت على هذه الكتب في الفصل الأول اعتمادًا كبيرًا.

6- المسعودي "مروج الذهب ومعادن الجوهر" عرض فيه مؤلفه نتفًا رائعة ومتميزة لمصادر الغنى والترف والمال ولكنه كان مبالغًا جدًا، ولذا كنت على حذر وأنا أعتمد كتب المسعودي.

7- اليعقوبي وكتابه المعروف بـ "تاريخ اليعقوبي" تميز صاحبه بالمبالغة الشديدة لتحامله البين على الأمويين.

اعتمدت الكتب السابقة كثيرًا في الفصلين الأولين، أما في الفصول الأربعة الأخرى فكان جل اعتمادي على دواوين الشعر المجموعة، والمجاميع الشعرية كـ "المفضليات"، و"حماسة أبي تمام" بشروحها، وكتب الأدب كـ "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، و"الكامل" للمبرد، "والحيوان" و"البيان" للجاحظ.

وأما مراجعي الحديثة فكانت في اتجاهين:

1- الكتب ذات النهج الاقتصادي البحت، منها:

أ- أبحاث الدكتور صالح العلي الاجتماعية والاقتصادية لتاريخ الاقتصاد العربي في المراحل الإسلامية؛ صدر الإسلام، والدولة الأموية، والدولة العباسية.

ب- وأبحاث الدكتور عبد العزيز الدوري المتعددة والمتميزة في التاريخ الاقتصادي العربي، سواء كانت كتبًا أو أبحاثًا وقد كثر عددها وتنوعت فوائدها.

2- والكتب ذات النهج الأدبي، وكانت كثيرة ومتعددة، بعضها شكل محورًا مهمًا في رسالتي، وبعضها أفدت منه كثيرًا، ولكني لم أجعله مرجعًا في رسالتي لعدم اتفاقه وعنوان البحث، وغاياته.

ومن النوع الأول:

أ- إبراهيم الغماري المغربي "شعر الفتوح الإسلامية في العصر الأموي" رسالة ماجستير أفدت منها كثيرًا في الشعر المجموع، ولكني اختلفت مع صاحبها في نهج الدراسة وغايتها ونتائجها.

ب- طه حسين "حديث الأربعاء" تضمن إشارات جيدة للعلاقة بين الغزل والاقتصاد، اتفقت معه في بعضها، واختلفت معه في بعضها الآخر.

جـ- مخيمر صالح "شعر الاحتجاج الاقتصادي في العصر الأموي" كتاب قيم على صغر حجمه، ولكن صاحبه اقتصر فيه على تناول نصين اقتصاديين - إن جاز التعبير - وتجاوز عن أشياء كثيرة، واتفقت معه في عنوان أحد فصول البحث.

د- نبيل خانجي "أثر الحياة الاقتصادية في شعر البداة في العصر الأموي" رسالة ماجستير، فعلى إفادتي الكبيرة منها إلا أنها اقتصرت على بيئة البادية وشعرها، فكانت رسالتي إضافة إلى هذه الرسالة.

ومن النوع الثاني:

1- أحمد كمال زكي: الحياة الأدبية في البصرة حتى نهاية القرن الثاني للهجرة.

2- حسين عطوان:

أ- الشعراء الصعاليك في العصر الأموي.

ب- والوليد بن يزيد، عرض ونقد.

جـ- الشعر بخراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي.

3- شوقي ضيف:

أ- العصر الإسلامي.

ب- التطور والتجديد في الشعر الأموي.

جـ- الشعر والغناء في المدينة ومكة.

4- النعمان القاضي "شعر الفتوح الإسلامية" التي اقتصرت على الفترة الراشدية.

5- هاشم ياغي "معاناة ومعايير من جمال في طائفة من القصائد الجاهلية والمخضرمة" أفدت منها كثيرًا في الرؤية وطريقتها في التناول لا سيما دراسة نص عبدة بن الطبيب.

6- يوسف خليف "حياة الشعر في الكوفة حتى نهاية القرن الثاني الهجري" وإلى ما سبق درست كمًا كبيرًا من الدراسات ذات العلاقة ببحثي، سواء كانت في صميم البحث، أو في المنهج وطريقة التناول، أو في عصر البحث، ومن هنا كان مرجعي الأول والأخير هو الشعر فهو الخصم والحكم. وأخيرًا أرجو ألا أكون قد ابتعدت عن العمق والموضوعية، وحملت النصوص الشعرية فوق طاقتها، والحمد لله رب العالمين.

فهرس المحتويات