تبصير الأنام بتفسير آيات الأحكام من تفسير العلامة السعدي رحمه الله (PDF)

حثت نصوص الشريعة على التفقه في الدين، وبينت فضله ومنها قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة» رواه مسلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» رواه البخاري ومسلم.

فمن تفقه في الدين، زادت لله خشيته، وسلمت عقيدته، وصحت عبادته، والقرآن الكريم أعظم ما ينبغي للعبد أن يتفقه فيه، فهو أول مصادر التشريع، ولذا اعتنى به العلماء قديماً وحديثاً، إلا أن آيات الأحكام حظيت بمزيد عناية، فقد عدوها وجمعوها ورتبوها وفسروها وأفردوها بالتأليف، وكانت تفسر آيات الأحكام وترتب بحسب ترتيب المصحف، فنجد على سبيل المثال آية في أحكام الطلاق في سورة البقرة، وآية في أحكام الطهارة في سورة المائدة، فجاءت فكرة ترتيب آيات الأحكام على الأبواب الفقهية، ومن أوائل من رتبها من المتقدمين الإمام المحدث الفقيه المعروف بالطحاوي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة ابن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري (المتوفى: 321هـ) في كتابه أحكام القرآن الكريم، وهذا الكتاب لم يطبع كاملاً؛ لأن بعض أجزائه مفقود.[1]

ثم درج على ذلك بعض العلماء، وقد وقع بين يدي بعض الكتب المعاصرة التي عنيت بترتيب آيات الأحكام على الأبواب الفقهية، أذكرها مرتبة بتاريخ الطبعة الأولى:

1- (فتح العلام في ترتيب آيات الأحكام) للشيخ صباح بن عبدالكريم العنْزي. الطبعة الأولى عام 1425هـ إصدار المراقبة الثقافية إدارة مساجد محافظة الفروانية.

2- (نيل المرام من أدلة الأحكام) للشيخ الدكتور طارق بن محمد بن عبدالله الخويطر: الطبعة الأولى عام 1428هـ دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع.

3- (الإتمام بجمع آيات الأحكام) للشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي: الطبعة الأولى عام 1430هـ المعارف القرآنية.

وقد وجدت اختلافاً بين هذه الكتب في التبويب والترتيب وفي عدد آياتها، ووجه الدلالة منها، وهذا مما تتفاوت فيه الأفهام، واكتفى أصحابها بذكر الأبواب والفصول والآيات دون تفسيرها، إلا صاحب (فتح العلام في ترتيب آيات الأحكام) فقد كتب وجه الدلالة لبعض الآيات، وأما صاحب (نيل المرام من أدلة الأحكام) فقد جعل حاشية لكل آية يذكر فيها مراجع لتفسير الآية حتى يسهل الرجوع إليها، وجهدهم جميعاً يشكر ويذكر، إلا أن القارئ بحاجة لمطالعة تفسير هذه الآيات، ولا يكفي في ذلك وجه الدلالة أو الإحالة، فجاءت فكرة جمع آيات الأحكام وترتيبها على الأبواب الفقهية مع تفسيرها، وقد يسرها الله في هذا الكتاب المسمى:( تبصير الأنام بتفسير آيات الأحكام )

وطريقة جمعه وترتيبه وتخريجه كما سيأتي :-

الأبواب والفصول وترتيبها:

جمعتها من الكتب المعاصرة التي سبق ذكرها، وقد وجدت فيها اختلافاً يسيراً في تسمية الأبواب والفصول، وكذلك في ترتيبها فأثبت ما اتفقوا عليه، واجتهدت فيما اختلفوا فيه.

آيات الأحكام وترتيبها:

جمعتها مما سبق ذكره، واقتصرت على وجه الدلالة من الآية، إلا إذا اختل معنى الآية بهذا الاقتصار فإني آتي بوجه الدلالة مع زيادة في أولها أو آخرها أو كليهما، وترتيبها تحت الأبواب والفصول، باعتبار قوة وجه الدلالة من ضعفها، وهذا الاعتبار يختلف باختلاف الأنظار، وأما بعض الآيات التي يستدل بها على عدة أحكام فإن تكرارها قد يكون كلياً أو جزئياً بحسب الحاجة.

تفسير الآيات:

أولاً/ اقتصرت على تفسير العلامة السعدي / وأخذت تفسيره للقرآن من كتابين هما:

(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى 1420هـ.

(تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن) الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ.

والأسباب في اختيار تفسير ابن سعدي رحمه الله هي:

1/ موافقته لعقيدة السلف الصالح، مع أن الآيات في هذا الكتاب مختصة بالأحكام الفقهية إلا أن بعضها لا يخلو من مسائل في العقيدة كالأسماء والصفات وغيرها من المسائل فنجده يفسرها على منهج السلف الصالح، ويرد على المخالفين، كما في قوله تعالى: ﮋﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﮊ [سورة التوبة: 6].

2- رسوخ العلامة السعدي / في العلم وسيأتي شيء من ذلك في ترجمته.

3- القبول الذي جعله الله لهذا التفسير عند الناس، فلا تكاد تجد مسجداً أو مدرسةً أو بيتاً خلا من هذا التفسير العظيم، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

4- ثناء العلماء على تفسيره بأمور كثيرة، وأكتفي بالنقل عن شيخين جليلين من تلامذته.

قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -: فإن تفسير شيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله - المسمى (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) من أحسن التفاسير حيث كان له ميزات كثيرة:

منها سهولة العبارة ووضوحها، حيث يفهمها الراسخ في العلم ومن دونه.

ومنها تجنب الحشو والتطويل الذي لا فائدة منه إلا إضاعة وقت القارئ وتبلبل فكره.

ومنها تجنب ذكر الخلاف إلا أن يكون الخلاف قوياً تدعو الحاجة إلى ذكره، وهذه ميزة مهمة بالنسبة للقارئ حتى يثبت فهمه على شيء واحد.

ومنها السير على منهج السلف في آيات الصفات، فلا تحريف ولا تأويل يخالف مراد الله بكلامه، فهو عمدة في تقرير العقيدة.

ومنها دقة الاستنباط فيما تدل عليه الآيات من الفوائد والأحكام والحكم، وهذا يظهر جلياً في بعض الآيات، كآية الوضوء في سورة المائدة؛ حيث استنبط منها خمسين حكماً، وكما في قصة داود وسليمان في سورة ص.

ومنها أنه كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة، كما يتبين في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

ومن أجل هذا أشير على كل مريد اقتناء كتب التفسير أن لا تخلو مكتبته من هذا التفسير القيم. انتهى[2].

وقال الشيخ عبدالله بن عقيل – رحمه الله -: كان لشيخنا العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله - من ذلك حظ وافر وذلك بتفسيره المسمى: (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) حيث جاء هذا التفسير سهل العبارة، واضح الإشارة، وصاغه على نمط بديع بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض، فهو يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بكلام مختصر مفيد، مستوعب لجميع ما تضمنته الآية من معنى أو حكم، سواء من منطوقها أو مفهومها، دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات، أو حكاية أقوال تخرج عن المقصود، أو ذكر أنواع الإعراب إلا في النادر الذي يتوقف عليه المعنى، بل يركز على المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة يفهمها كل من يقرؤها مهما كان مستواه العلمي، فهو في الحقيقة سهل ممتنع يفهم معناه من مجرد تلاوة لفظه، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السلفية، والتوجه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية إلى غير ذلك من الفوائد. انتهى[3].

ثانيا: بما أن التفسير مرتبط بالآيات فيقال فيه ما يقال فيها من جهة الاقتصار والتكرار، فإن الأصل الاقتصار على تفسير وجه الدلالة من الآية إلا إذا اختل معنى التفسير بهذا الاقتصار فإني آتي بتفسير وجه الدلالة مع زيادة في أوله أو آخره أو كليهما.

وأما التكرار فإن كان كلياً وطويلاً فإني أحذفه مع الإحالة إليه، وإن كان التكرار جزئياً تركته للحاجة إليه في موضع دون موضع، وأما الواو بين معكوفتين (و) فهي من كلامي وعبرت عن الكلام المحذوف بثلاث نقاط... وهذا التصرف لا يزيد على عدد الأصابع.

الآيات القرآنية:

جعلت كتابة الآيات القرآنية وفق الرسم العثماني في كل موضع في الكتاب، كما خرجت الآيات، بذكر اسم السورة، ورقم الآية.

تخريج الأحاديث النبوية:

إن كان الحديث مخرجاً في الصحيحين قدمت من وافق باب حديثه باب هذا الكتاب حتي يستفيد القارئ من بقية أحاديث الباب في كتاب المحدث إذا رجع إليها، والبخاري مقدم على مسلم إذا اتفقت أو اختلفت الأبواب جميعاً، وإن كان الحديث عند أهل السنن والمسانيد وغيرها اعتمدت على تصحيح وتضعيف الألباني والأرنؤوط والفحل – إن وجد-، فإن صح الحديث في أكثر من كتاب قدمت من وافق باب حديثه باب هذا الكتاب حتي يستفيد القارئ من بقية أحاديث الباب في كتاب المحدث إذا رجع إليها، والأحاديث التي خرجتها على ثلاثة أضرب:

1- ما نص الشيخ على أنه حديث، كأن يقول: قال - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول: في السنة كذا وكذا، وترك تخريجه.

2- ما أشار إليه الشيخ كأن يقول: ودليل هذا الحكم في السنة.

3- ما أدرجه الشيخ في سياق كلامه، كأن يقول: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً دون أن ينسبه للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

تخريج الإجماعات:

إذا نقل الإجماع غير واحد قدمت نقل المتقدم على المتأخر إلا أن تكون عبارة المتأخر أصرح وأوضح فهو أولى.

تخريج مسائل الجمهور:

أنقل مسألة الخلاف مع تسمية القائلين به من الجمهور ومن تابعهم ومن خالفهم.

الفهرس:

اكتفيت بفهرس الموضوعات وفيه العناوين الواردة في الكتاب.

هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل مباركاً ونافعاً لي ولوالديّ ولمن قرأه، وأن يغفر لي ولوالديّ ولمشايخي ولجميع المسلمين.