الأحاديث والآثار الواردة في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد

ملخص الرسالة

الأحاديث والآثار الواردة في كتاب "الطبقات الكبرى"؛ لابن سعد

من أول ترجمة أبي سعاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ترجمة أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها

(دراسةً وتخريجًا)

المقدمة:

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإنَّ علم الحديث النَّبوي من أجَلِّ علوم الشريعة وأفضلِها فمنه بعد القرآن تَستقي الأحكام وقد تكَفَّل الله عزَّ وجلَّ للقرآن بالحفظ إلى يوم القيامة فقال الله جلَّ ذكره: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

ومِن حِفظ القرآن الكريم حِفظ السنَّة النبوية، وقد قيَّض الله لحفظ السنَّة رجالًا، وهيَّأ لتمييز صحيحها من سَقيمها أعلامًا نقَّادًا، وللذَّود عن حياضها جهابذةً وفرسانًا، فبذلوا جهودَهم، وأفنوا أعمارَهم، وهجروا بلادَهم، وفارقوا أهلَهم وعشيرتهم في سبيل نقلها وضبطها، وحفظها والاعتناء بها، ونشرها وإشاعتها، فخلَّفوا لمن بعدهم ثروةً عظيمة من المصنَّفات، والمؤلفات، التي هي بحقٍّ مفخرة للأمَّة.

وقد اعتنى الأئمَّة رحمهم الله بالتصنيف في تَمييز رواة السنَّة ونقَلتها، وبرعوا في جمعه وتبويبِه وتقسيمه في مختلف العصور، وسلكوا في ذلك طرائقَ مختلفة؛ فمنهم من صنَّف على الوفيات، ومنهم من صنَّف على التواريخ والأحداث، ومنهم من صنَّف على الأسماء والمسانيد، ومنهم من صنَّف على الطَّبقات، وهذه الطَّريقة - أعني التصنيف على الطَّبقات - تعدُّ من أشهر وأقدم طُرُق التصنيف في الرِّجال، وقد صنَّف عليها عددٌ من الأئمة عليهم رحمة الله كتبَهم.

ومن أبرز هؤلاء الأئمَّة الذين صنَّفوا في الطبقات الإمام محمد بن سعد بن منيع عليه رحمة الله؛ فإنَّ كتابه "الطبقات الكبير" يعدُّ من أنفَس وأقدَم كتب الطَّبقات التي وصلَت إلينا، وهو من الكتب التي جمَع فيها مصنِّفوها بين تراجم كثيرٍ من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وتراجِم مَن بعدهم، بل إنَّ أول الكتاب يَختصُّ بذِكر نسَب النبي صلَّى الله عليه وسلم وسيرته، وحياته وغزواته، وغير ذلك ممَّا يتعلَّق بالنبي عليه الصلاة والسلام ثم ثنَّى بذِكر الصحابة الكرام رضي الله عنهم بعد ذلك، ورتَّبهم على حسب أنسابهم أو بلدانهم، ثمَّ ذكر التابعين كذلك، ثمَّ مَن بعدهم إلى زمنه عليهم جميعًا رحمةُ الله.

وهذا الكتاب مع كونه من أشهَر وأقدَم كتب الطَّبقات - كما ذكرتُ - فهو أيضًا من كتب الرِّجال التي اعتنى بها العلماء، ونقلوا عنها واعتمدوا عليها منذ زمن هذا الإمام عليه رحمة الله إلى زمننا، حتى أصبح هذا الكتاب عمدةً في معرفة الأخبار والتراجم والسِّيَر.

بل إنَّ كثيرًا من أئمَّة الحديث والفقه وغيرهم يَعتمدون في رواية الأحاديث وعزوِها على هذا الكتاب الجليل؛ لما تمَيَّز به مصنِّفه من ضبطٍ وإتقان بشهادة أئمَّة الجرح والتعديل.

وكذلك لِما اشتمل عليه الكتاب من الأحاديث والآثار الكثيرة المرويَّة بالأسانيد المتَّصلة إلى أصحابها.

ولأهميَّة كتابه الطَّبقات، وكونه من المشاريع العلميَّة المقبولة لدى قِسم السنَّة بكلية أصول الدين بالرياض، وقد سبَق التسجيل فيه من قِبَل الباحثين - وقع اختياري على دِراسة بعض أحاديثه وآثارِه؛ وذلك لتسجيل رسالة الدكتوراه في السنَّة وعلومها بعنوان:

(الأحاديث والآثار الواردة في كتاب "الطَّبقات الكبرى"؛ لابن سعد - من أول ترجمة أبي سعاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى آخر ترجمة أم المؤمنين صفية بنت حيي - دراسةً وتخريجًا)

ومن الأسباب التي دعَتني إلى اختيار هذا الموضوع مع ما سبق:

1- أنَّ هذا العمل يتعلَّق بأثرٍ من آثار أسلافنا الكرام، وفيه مساهمة في نَشر كتبهم وبيان جهودهم، وحِفظ آثارهم.

2- الحاجة الماسَّة إلى إخراج مثل هذه الكتب بعد خِدمتها الخدمة التي تليق بها؛ ومن ذلك تخريجُ الأحاديث والآثار التي فيها، والحكم عليها، وبيان درجتها من الصحَّة والضعف وغير ذلك.

3- منزلة هذا الإمام عليه رحمة الله، والحاجة إلى كَشف بعض الأمور التي تتعلَّق بترجمته ممَّا أهمله بعضُ مَن ترجم له، وبيان بعض ما انتقد به، وأنَّ ذلك مردود لا يؤثِّر في عدالته.

4- تقدُّم عصره، وعلوُّ إسناده، وقربه من مصادر الرِّواية الأولى.

5- مَنزلة الكتاب العلميَّة كما تقدَّمَت الإشارةُ إلى شيء من ذلك.

6- أنَّ هذا الكتاب يَشتمل على كمٍّ هائل من الأحاديث والآثار المسندة؛ كما أسلفتُ، وقد بلغَت في هذا القسم الذي أريد تخريجه إن شاء الله - على سبيل المثال - أكثر من خمسمائة حديثٍ وأثَر.

ولا يَخفى ما لتخريج هذه الأحاديث والآثار من أهميَّةٍ كبيرة، لا سيما بالنِّسبة للكتب الأصول.

هذه أهم الأسباب التي دعَتني للعمل في تَخريج هذا الجزء من الكتاب، ولو لم يكن في هذه الأعمال وما شاكلها إلَّا إبراز هذه الكتب القيِّمة وإخراجها بدراسة نصوصها وتخريجها لكان كافيًا.

الدراسات السابقة:

قام الدكتور/ زياد منصور بتحقق ودراسة "القسم المتمِّم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم"، وطُبع بمطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة (3401 هـ).

كما حقَّق الدكتور/ عبدالعزيز بن عبدالله السلومي الطبقة الرَّابعة من الصحابة، في جامعة أم القرى.

وكذلك حقَّق الدكتور/ محمد بن صامل السلمي الطبقة الخامسة من الصَّحابة، في جامعة أم القرى.

وسجل الكتاب في قِسم السنَّة وعلومها كمشروعٍ بحثي يُعنى بتخريج آثار الكتاب، وقد شارك فيه عددٌ من الباحثين في القسم، وهم:

د. صالح بن هادي الشمراني: من أول الكتاب إلى آخر الوفود.

د. قاسم القاسم: من بداية ذِكر صِفة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل إلى نهاية صفة أزرته صلى الله عليه وسلم.

د. فهيد الهويمل: من بداية ذِكر قَناعته صلى الله عليه وسلم بثوبه ولباسه القميص، إلى نهاية غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيبر.

د. أحمد بن محمد الحميد: من أول باب ذِكر سريَّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى نهاية باب ذكر القميص.

د. عبدالكريم البديوي: من ذِكر غسل الرسول صلى الله عليه وسلم وتسميته من غسله إلى ذكر الشورى.

د. محمد الشهري: من بداية بيعة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه إلى نهاية ترجمة طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه.

د. عبدالله الشهري: من أول ترجمة صهيب بن سنان رضي الله عنه إلى نهاية حديث المطلب بن عبدالله بن حنطب قال: لمَّا أرسل عمر إلى عائشة فاستأذنها أن يُدفن مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

د. جمال صاولي: من أول حديث عائشة رضي الله عنها: "ما زلتُ أضع خماري..."، إلى نهاية ترجمة "أسعد بن زرارة".

د. عبدالرحمن مدخلي: من قوله: "ومن بلحارث بن الخزرج رجلان... إلى نهاية حديث ابن عمر: إني لأخرج إلى السوق...".

الشيخ خالد البكر: من أول حديث محمد بن قيس رضي الله عنه: رأيتُ ابنَ عمر واضعًا إحدى رجليه... إلى نهاية حديث ضمضم بن جوس رضي الله عنه: دخلتُ مسجدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من ترجمة أبي هريرة.

د. علي الشمراني: من أول حديث عثمان بن عبيدالله من ترجمة أبي هريرة، إلى آخر تَرجمة أبي الجعد الأسلمي رضي الله عنه.

د. علي العطيف: من أول ترجمة أبي ليلى الكندي، إلى آخر ترجمة أبي جمعة رضي الله عنه.

د. محمد المعدي: من أول ترجمة ريحانة بنت زيد رضي الله عنها، إلى آخر ترجمة أم خالد أمَة بنت خالد بن سعيد رضي الله عنه.

د. عبدالله الحرى: من أول ترجمة هند بنت عتبة رضي الله عنها، إلى آخر الكتاب.

وخطَّة البحث التي سِرت عليها هي كما يلي:

يَشتمل البحث على مقدِّمة، وتَمهيد، وقسمين، وخاتَمة، وفهارس.

المقدِّمة: وفيها بيان أهميَّة الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، وخطَّة البحث، والمنهج المتبع.

التمهيد: وفيه ترجمة موجزة للإمام ابن سعد.

القسم الأول: دراسة عن الكتاب، وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلِّف.

المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية.

المبحث الثالث: منهج المؤلِّف في سياق الأحاديث والآثار.

المبحث الرابع: بيان موارده في هذا القسم.

المبحث الخامس: بيان زوائده على الكتب الستة.

القسم الثاني: دراسة وتَخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب "الطبقات الكبرى"؛ لابن سعد - من أول ترجمة أبي سعاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى آخر ترجمة أم المؤمنين صفيَّة بنت حُيَي - رضي الله عنها.

الخاتَمة: وتتضمَّن أبرَز نتائج البحث، وتوصياته.

الفهارس: وتشمل الفهارس اللازمة.

المنهج المتبع في الدراسة والتخريج:

أولًا: الدراسة:

• ادرس الكتاب باتِّباع المنهج العلمي في إثبات اسم الكتاب وتوثيق نسبته لمؤلِّفه؛ من خلال الرجوع للمخطوطات، وكتب الفهارس والأثبات، والمصادر التي نقلَت عنه، وفيما يتعلَّق بمكانة الكتاب العلمية؛ فأذكر أقوالَ العلماء وعنايتهم بالكتاب.

كما أقوم بالتتبُّع والاستقراء لمنهج المؤلِّف في سياقه للأحاديث والآثار من خلال عرض طريقته في إيراد الأسانيد والمتون، وأيضًا حصر موارده التي يَنقل عنها، وجمْع الأحاديث الزَّوائد التي تفرَّد بإخراجها دون أصحاب الكتب الستَّة، وكذا الرُّواة الذين ليس لهم رِواية في الكتب الستة.

ثانيًا: دراسة الإسناد:

• أدرس إسناد المصنِّف، وأحكم على الحديث باعتبار هذا الإسناد؛ فإن كان صحيحًا اكتفيتُ به، وإن كان حسنًا فما دونه فإنِّي أدرس ما وجد له من متابعاتٍ وشواهد يرتقي بها الحديث من الحسَن إلى الصحيح لغيره، أو من الضَّعيف إلى الحسن لغيره.

• إذا كان الرَّاوي من المتفق عليهم تعديلًا أو تجريحًا - من حيث الجملة - فأذكر من عناصر ترجمته ما يميِّزه؛ من الاسم واللَّقب والكُنية، مع ذكر اثنين من شيوخه، واثنين من تلاميذه، ثم أذكر خلاصةَ حاله من التوثيق أو التضعيف.

• أمَّا إنْ كان الراوي مختلفًا في حاله فأذكر العناصرَ المميزة له كما سبق، وأتوسَّع في نقل أقوال المعدِّلين له فالمجرِّحين، ثمَّ أختم بما يترجَّح لديَّ؛ مقرونًا بما ظهَر لي من دليل أو تعليل في ضوء قواعد الجرح والتعديل.

• إذا تكرَّر الراوي خلال الرِّسالة فإنِّي أحرص على توفية تَرجمته في أول موضع يُذكر فيه، ثم أُحيل عليه عند تَكراره بتحديد الموضع الذي تقدَّمَت ترجمتُه فيه، مع ذِكر خلاصة حاله التي تقدَّمَت.

ثالثًا: تخريج الأحاديث:

• أبدأ بتخريج الحديث من المصادر التي خرَّجَت الحديثَ من طريق المصنِّف، ثمَّ مَن تابع المصنِّفَ على شيخه ثمَّ شيخ شيخه، وهكذا.

• إذا كثرَت المصادر التي خرَّجَت الرواية فإنَّني أقتصر على تَخريج أحاديثها من الكتب التسعة التي شملها المعجمُ المفهرس، مع الإشارة في مَطلع الرِّاوية إلى وجوده في مصادر أخرى، ثمَّ إذا كان في الروايات التي في غير المصادر التسعة فائدة تجبر قصورًا، أو تدفع إشكالًا - سواء من جهة السند، أو من جهة المتن - ففي هذه الحالة أخرجه من تلك المصادر التي تَفي بهذا الغرَض، وكذا أصنع في شواهد الحديث؛ بحيث أختار منها ما يكون لفظه أقربَ للحديث المخرَّج، وما تكون درجته أقوى.

• أعتني في تَخريج الروايات عمومًا ببيان الفروق المؤثِّرة بين ألفاظ الرِّوايات مستعملًا العبارات الاصطلاحيَّة التي تدلُّ على تلك الفروق، مثل: بنحوه، أو بمثله، وقد أسوق الألفاظ إذا دعَت الحاجة إلى ذلك.

• إذا كان الحديث مختلَفًا فيه أو مُعلًّا فإنِّي أبيِّن أوجه اختلاف الرُّواة فيه، وأبيِّن الراجحَ منها، مع ذِكر ما يؤيِّدها من أقوال العلماء.

• أُبيِّن درجة الحديث من وجهه الرَّاجح؛ فإن كان مخرَّجًا في الصَّحيحين أو أحدهما فإنني أكتفي بذلك حكمًا على الحديث، وإلَّا أحكم عليه من خلال دراسة إسناده عاضدًا ذلك بما أقف عليه من أحكام الأئمَّة النقَّاد على الحديث.

رابعًا: التعليق على الحديث:

1- أُعرِّف بالأعلام الذين يرِدون في غير الأسانيد، وأُعرِّف بالأماكن والبلدان.

2- إذا كان في الحديث لفظٌ غريب يَحتاج إلى بيان فإنِّي أبيِّنه، معتمدًا في ذلك على كتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، والشروح الحديثية.

وبعد:

فهذا جهد المُقلِّ، أفرغتُ فيه طاقتي، وبذلتُ ما في وسعي، فما كان من صوابٍ فهو من توفيق الله جلَّ وعلا، فله الحمد والمنَّة، وما كان من خطأ أو زلَلٍ أو سهو فمنِّي ومن الشيطان، وأستغفر اللهَ من ذلك وأتوب إليه.

فهرس الموضوعات