• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

النظر إلى المحرمات (1)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: ألقيت بتاريخ: 16/8/1430هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/8/2009 ميلادي - 18/8/1430 هجري

الزيارات: 179219

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النظر إلى المحرمات (1)

التشديد في إطلاق البصر


الحمد لله الخلاَّق العليم، خَلَق البشرَ، ومُطَّلِعٌ على ما تُكِنُّ صدورُهم وما يُعلِنُون؛ ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]،  نحمدُه على نِعَمِه، ونشكرُه على مِنَنِه؛ فهو خالقُنا ورازقُنا وكافِينا ومُمِدُّنا، خَلَقنا في أحسنِ تقويم، ورَكَّب فينا الحواسَّ والعقولَ، وفَضَّلَنا على كثيرٍ ممَّن خَلَق تفضيلاً؛ ﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة:7 - 9].

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له؛ بيدِه أرزاقُنا وآجالُنا، ويَملِكُ أسماعَنا وأبصارَنا، ويُدَبِّرُ أمورَنا، ولا قوَّةَ لنا إلا به، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه؛ بلَّغَ الرِّسالة، وأدَّى الأمانة، ونَصَح الأُمَّة، وجَاهَدَ في الله تعالى حقَّ جهادِه حتَّى أتاه اليقين، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعِه إلى يوم الدين.

أما بعدُ:

فاتَّقوا اللهَ تعالى وراقبُوه، واعلَمُوا أنَّه قادرٌ عليكم، عالمٌ بكم، أقربُ شيءٍ إليكم؛ ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].

أيُّها الناس:
نعمةُ البصرِ مِن النِّعم العظيمة التي امْتَنَّ اللهُ تعالى بها على العباد مع نعمتَيْ السمع والعقل؛ فبها يَنظرون إلى عجائبِ قدرةِ الله تعالى وبديعِ صُنْعِه في البَرِّ والبحر، والأرضِ والسماء؛ ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [يونس: 101]، ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ﴾ [العنكبوت: 20]، وبها يُبصِرُ النَّاسُ العلومَ والمعارفَ ويَقرؤونها، وبها يَتَمَتَّعون بما أودَعَه اللهُ تعالى في الكون من جمالِ الخلق.

والبصرُ قوةٌ للمُبْصِر، لا يَحتاجُ معه إلى دليلٍ في سيره، ويتَّقي به المخاوفَ، وبه يُحرزُ مالَه، ويَدرأُ عن نفسِه، ولا يَطمَعُ فيه الأعادي واللُّصوص. 

امتَنَّ اللهُ تعالى به علينا، وأمَرَنا بشكرِه سبحانه على هذه النِّعمة العظيمة؛ ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، ولكنَّ شكرَ هذه النِّعمةِ في النَّاس قليلٌ؛ ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].

ولعظيم نعمةِ الإبصار، وكثرةِ منافعِها، وشدَّةِ الحاجةِ إليها؛ كان فقدُها مصيبةً كبيرةً، يُعَوِّضُ الله تعالى مَن صَبَرَ عليها الجَنَّة؛ كما في حديث أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إِنَّ اللهَ قال: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ - يُرِيدُ عَيْنَيْهِ))؛ رواه البخاري، فسُمِّيتِ العينان في الحديث حَبِيبَتَيْن؛ لعظمةِ هذه النعمة وفخامتِها.

ولكنْ هذه النعمةُ العظيمةُ تنقلبُ إلى نقمةٍ، حين يُطلقُها صاحبُها فيما حرَّم اللُه تعالى عليه، فَيَكتَسبُ بها آثامًا كثيرة، ويَحملُ بسببِها أوزارًا ثقيلة؛ ذلك أنَّ العبدَ يُسألُ يوم القيامة عن نعمةِ البصر: فِيمَ سخرَّها؟ وكيف انتفع بها؟ فإنْ سخرَّها فيما يُرضِي اللهَ تعالى عادتْ عليه بالخير والأجر، وإنْ سخرَّها في معصية الله تعالى بَاءَ بالإثم والوِزْر؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وأخبرَنا ربنُّا - جَلَّ جلالُه - أنَّ الأبصار َتكونُ من الشهود يوم القيامة؛ ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصِّلت: 20]، وثَبَت في الأحاديث أنَّ العبدَ يُختمُ على فيه وتنطقُ جوارحُه بأعمالِه السَّيِّئة، ومن جوارحِه عيناه تشهدان عليه بما نظر إليه.

وجاء نهيٌ صريحٌ في القرآن عن الاغترار بزينة الدنيا، وإدامة النظر إلى المباح منها؛ لئلا تتعلَّق القلوبُ بها، فكيف إذن بالمحرمات؟! ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ [طه:131].

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: "يتناول النظر إلى الأموال واللباس والصور وغيرِ ذلك من متاع الدنيا...وذلك أنَّ الله تعالى يمتِّع بالصور كما يمتع بالأموال، وكلاهما من زهرة الحياة الدنيا، وكلاهما يفتن أهلَه وأصحابه، وربما أفضى به إلى الهلاك دُنيا وأخرى. والهَلْكَى رجلان: فمستطيعٌ وعاجزٌ؛ فالعاجزُ مفتونٌ بالنظر ومدِّ العين إليه، والمستطيعُ مفتونٌ فيما أوتي منه، غارق قد أحاط به ما لا يستطيع إنقاذ نفسه منه" ا.هـ.

إنَّ ربَّنا تبارك وتعالى محاسبُنا على أعمالنا، ويُجازينا بها، وقد أمَرَنا بغضِّ أبصارنا عما حرَّم علينا، فخصَّ الرجالَ بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور:30]، وخصَّ النساءَ بقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 31]، فكما أنَّه لا يجوز للرجل أن يقصدَ النظر إلى المرأة التي لا تَحلُّ له، فكذلك المرأةُ لا يجوز لها أن تقصدَ النظرَ إلى الرجال الأجانب عنها؛ قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: "وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنَّه لا يجوز للمرأة أنْ تنظرَ إلى الأجانب من الرجال بشهوة، ولا بغير شهوة أصلاً". 

إنَّ التَّلذُّذ بالنظر المُحرَّم إلى النساء بالنسبة للرجال، أو للرجال بالنسبة للنساء، سواء كان ذلك مباشرة أم في الأفلام، أم في الصور، أم غير ذلك - هو نوعُ زنا يقعُ فيه العبدُ لا محالةَ؛ لقوة الداعي، وضعف النفس،
وغلبة الهوى، وتسَلُّطِ الشيطان، وتعدُّد وسائل الإغراء والإغواء؛ ولذا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((إِنَّ الله كَتَبَ على ابن آدَمَ حَظَّهُ من الزِّنَا، أَدْرَكَ ذلك لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تتمنى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلك كُلَّهُ أو يكذبه))؛ رواه الشيخان.

وقد أخبر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المرأةَ تُقْبِلُ في صورة شيطان، وتُدبرُ في صورة شيطان؛ وما ذاك إلا لعظيم افتتان الرجل بها؛ قال العلماء: "معناه: الإشارة إلى الهوى، والدعاء إلى الفتنة بها؛ لما جعله اللهُ تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء، والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهةٌ بالشيطان في دعائه إلى الشرِّ بوسوسته وتزيينه له، ويُستنبطُ من هذا أنه ينبغي لها ألاّ تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغضُّ عن ثيابها والإعراض عنها مطلقًا".

وفتنةُ الرجل بالنساء أعظمُ من فتنته بأي شيءٍ آخر؛ كما في حديث أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ))؛ متفق عليه.

وهي أوَّل فتنة وقع فيها بنو إسرائيل؛ كما جاء في الحديث.

والاستئذان إنما جُعِل لأجل النظر، ومن تَلصَّصَ على الناس في بيوتهم، فطعَنَه صاحبُ الدَّار، فأذهبَ عينَه - فهو هَدَر، لا قَصَاصَ له ولا دِيَة؛ لما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال أبو الْقَاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بحصاة، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ - لم يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ))؛ رواه الشيخان، وجعل الشارع الحكيم للطريق حقوقاً من أهمِّها غضُّ البصر.

ولأجل هذا التَّشديد في غضِّ البصر عن
محارم الله تعالى كان السلفُ حَذِرين جدًّا من إطلاق أبصارهم، ويُرَبُّون غيرَهم على الاحتراز في النظر؛ طاعةً لله تعالى وشكراً له على هذه النعمة الجليلة، وتسخيرًا لها فيما يُرضيه - سبحانه - وحَذَرًا من اكتساب الآثام؛ قال الحسنُ البصريُّ رحمه الله تعالى: "مَن أطلقَ طَرْفَه كان كثيرًا أَسفُه"، وقال له أخوه: "إنَّ نساءَ العجم يكشفْنَ صدورَهُنَّ ورؤوسَهنَّ، فقال: اصرف بصرَك".

وكان في دار مجاهد رحمه الله تعالى عُلِّيَّةٌ قد بنيت - وهي الغرفة في الأعلى- فبقِي ثلاثين سنة ولم يشعر بها؛ وذلك لمحافظته على بصره وعدم إطلاقه، وخرج حسَّانُ بنُ أبي سنان رحمه الله تعالى يومَ عيد، فلمَّا عاد قالت له امرأته: "كم من امرأة حسناءَ قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذُ خرجتُ من عندكِ إلى أنْ رجعتُ إليك".

وقال خالد بن أبي عمران رحمه الله تعالى: "لا تُتْبِعَنَّ النظرةَ النظرةَ، فرُبَّما نَظرَ العبدُ نظرةً نَغَلَ منها قلبُه كما يَنْغِلُ الأَدِيمُ فلا يَنتفعُ به"؛ أي: يَفسَدُ فسادًا لا صلاحَ بعده، وقال العلاءُ بنُ زيادٍ رحمه الله تعالى: "لا تُتْبِعْ بصرَك رداءَ امرأةٍ؛ فإنَّ النظرةَ تجعلُ في القلب شهوة"، وسُئِل الإمامُ أحمدُ عن الرجل ينظر إلى المملوكة؟ قال: "إذا خاف الفتنةَ لا يَنظر، كم نظرةٍ قد ألقت في قلب صاحبها البلابل!"، وقيل له رحمه الله تعالى: "رجلٌ تابَ وقال: لو ضُرِب ظهرِي بالسِّياط ما دَخَلتُ في معصيةٍ، غيرَ أنَّه لا يَدَعُ النظر، قال: أيُّ توبةٍ هذه؟!".

قال ابنُ الجوزي رحمه الله تعالى: "وإنما بالغ السَّلفُ في الغضِّ؛ حذرًا من فتنة النظر، وخوفًا من عقوبتِه، فأمَّا فتنتُه، فكم من عابدٍ خَرج عن صومعته بسبب نظرة! وكم استغاثَ مَن وَقَع في تلك الفتنة!".اهـ. 

نسألُ اللهَ تعالى أنْ يعفوَ عنَّا وعن المسلمين، وأنْ يهديَ ضالَّنا، وأنْ يُصلِحَ قلوبَنا وأعمالَنا، وأنْ يَرزقَنا غضَّ أبصارِنا عما حرَّم علينا، إنه جَوَادٌ كريم.


وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ تعالى لي ولكم وللمسلمين.

 


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يُحبُّ ربنُّا ويرضى، نحمدُه على ما أعطى، ونشكرُه على ما أَوْلَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ تعالى وأطيعُوه، وراقِبُوه في السرِّ والعلن، واجعلُوه أعظمَ النَّاظرين إليكم؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، قال رجلٌ لوَهِيبٍ بن الورد: "عِظْنِي، قال: اتَّقِ أنْ يكونَ اللهُ تعالى أهونَ الناظرين إليك".

أيُّها المسلمون:
البصرُ هو الباب الأكبرُ إلى القلب، وأَعَمَرُ طرقِ الحواسِّ إليه، وبِحَسْبِ ذلك كثرةُ السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضُّه واجبٌ عن جميع المحرَّمات وكلُّ ما يُخشَى الفتنة من أجله.

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تعالى: "النَّظر داعِيةٌ إلى فساد القلب، قال بعضُ السَّلف: النظر سهمُ سمٍّ إلى القلب".

وكان بعضُ السَّلف يُحاسِبُ نفسَه على هفوةٍ واحدة، ونظرةٍ خاطفة، في حالة ضعفٍ بشري؛ كما رَوَى الأوزاعيُّ رحمه الله تعالى قال: "إن غَزوانَ وأبا موسى الأشعريَّ كانا في بعضِ مغازِيهم، فكشفتْ جاريةٌ، فَنَظَر إليها غزوانُ، فرفع يدَه فَلَطَم عينَه حتى نَفَرت، فقال: إنكِ لَلَحاظة إلى ما يضرُّك ولا ينفعك، فلقِي أبا موسى فسألَه فقال: ظلمتَ عينَك، فاستغفرِ اللهَ وتُبْ؛ فإنَّ لها أوَّلَ نظرةٍ، وعليها ما كان بعد ذلك".

ومن الصالحين من أرجع عقوبةً أصابَتْه إلى النَّظر الحرام؛ قال عمرو بنُ مُرة رحمه الله تعالى: "نظرتُ إلى امرأة فأعجبتني، فكُفَّ بصرِي، فأرجو أن يكون ذلك جزائي".

والعقوبةُ على إطلاقِ البصر في الحرام قد لا تقعُ إلا بعد حين؛ قال أبو عبدالله بن الجلاء: "كنت واقفًا أنظرُ إلى غلامٍ نصراني حَسَنِ الوجه، فمَرَّ بي أبو عبدالله البلخي فقال: إيش وقوفُك؟ فقلت: يا عم، ما ترى هذه الصورة تعذب بالنار! فضَربَ بيدِه بين كَتِفَيَّ وقال: لَتَجِدَنَّ غِبَّها ولو بعد حين، قال ابنُ الجلاء: فوجدتُّ غِبَّهَا بعد أربعين سنة، أُنسيتُ القرآن".

إذا تقرَّر ذلك أيُّها الإخوة وعُلِم ما في إطلاق البصر بالنظر من الخطر على الناس رجالاً ونساءً، فإنَّ المحنةَ بذلك شديدةٌ في هذا العصر، والبلاءَ به عظيمٌ؛ إذ إنَّ من أكبر سماتِ هذا العصر: كثرةُ النساء السَّافرات المتبَرِّجات، وانتشارُ ظاهرةِ العُري والاختلاط في الأرض، ولو قيل: إنَّ أكثرَ معصيةٍ يقعُ فيها الناسُ في هذا الزمن هي إطلاقُ
البصر في المحرَّمات، لما كان ذلك بعيداً؛ إذ إنَّ المحرَّمات تُحاصِرُ الناسَ في كلِّ مكان، فالأسواقُ تَعُجُّ بالمتبرجات المستعرضات اللائي يفتنَّ الناس، والمستشفيات فيها من سفورِ النساء واختلاطِهن بالرجال ما لا يخفى على أحد، وفي المطارات والطائرات ما هو أكثر من ذلك، ومَن سافر خارج البلادِ فلا تكاد عينُه تقعُ إلا على حرام، ولا تسلمُ من ذلك إلا في فترات النوم؛ إذ إنَّ التَّكشُّف والعُرْي هو صفةُ أكثر بلاد الدنيا.

وأعظمُ من ذلك أنَّ معصيةَ النظر إلى المحرمات قد اقتحمَتْ على الناس بيوتَهم، وغَزَتْهم في مجالسِهم وفُرُشِهم؛ حيثُ الفضائيَّات المليئة بأنواع النساء الرخيصات اللواتي يَعرضْنَ أجسادَهنَّ ومفاتِنَهنَّ للمشاهدين في أغانٍ ماجِنة، وأفلامٍ هابطةٍ، وغيرِ ذلك، حتى أضحَتْ صناعةُ الفتنة بالمرأة بِضاعةً رائجةً في الفضائيَّات والمجلاتِ وغيرِها؛ لإفسادِ قلوب الناس، وزيادة آثامِهم، والإمعانِ في إضلالِهم، وكم من قلبٍ سليم معافًى راحَ ضحيةً لهذه الصور والأفلام!فَفَسَد بعد الصَّلاح، وانتَكَسَ بعد الرَّشاد، فلا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله تعالى ولا عصمةَ إلا به سبحانه أمامَ هذا البلاء الذي عمَّ وطمَّ في هذا العصر، فلم يَسلَمْ منه إلا النادرُ من الناس.

وأضحى كبحُ النفس عسيرًا، وغضُّ البصر
ثقيلاً؛ فإنَّ كثرة الإمساس أذهبتْ إحساسَ كثيرٍ من الناس، والواجبُ على العباد مجاهدةُ نفوسِهم على غضِّ الأبصار، ومجانَبَةِ ما يُظَنُّ فيه كثرةُ الحرام قدرَ المستطاع، مع دوام التوبة والاستغفار، وعدم اليأس والاستسلام للشيطان؛ فإنَّه إنْ ظَفَرَ اليومَ بإصرار العبدِ على إطلاق بصرِه في الحرام، والتَّلذُّذ به، قادَهُ غدًا إلى الفاحشة الكبرى، نَعوذُ بالله تعالى من الفواحش ما ظَهَرَ منها وما بَطَن، ونسألُه العصمةَ لنا وللمسلمين أجمعين.

 

وصلُّوا وسلِّمُوا على نبيِّكم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غض البصر ونعمة الوقت
  • من أحكام النظر
  • النظر إلى المحرمات (2)
  • أقوال وحكم عن النظر إلى الحرام
  • لذة النظر
  • التورع عن المحرمات
  • التحذير من المحرمات
  • النهي والتحذير عن كثير من المحرمات التي وقع فيها أكثر الناس

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة النظر في أحكام النظر بحاسة البصر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تنويع زوايا النظر في أمور الحياة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • توجيه النظر إلى قول البخاري وفيه نظر (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أضرار النظر المحرم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لفت النظر إلى الأخذ بالكتاب وسنة سيد البشر لصالح بن حسين العلي المنتفقي العراقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • درر وقع عليها النظر في كتب أهل الأثر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فتنة النظر فيما عند الناس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتنة النظر: أسبابها وعلاجها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النظر إلى المخطوبة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة نخبة النظر شرح نخبة الفكر (النسخة 15)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- اغفر لى يا ارب
عبد تاب - مصر 13-06-2013 04:16 PM

ماذا أقول بحق من قال أنا الله أنا كل معصية نقع فيها هى من العين أنا انسان من المفروض أن أكون ملتزم ولكن أجد صعوبة فى الحفاظ على هذا الالتزام ففى يوم أكون ملاكا ويوم آخر أكون شيطانا ومن العجب أن أحمل التناقض في نفس الوقت أتمنى أن أكون عبدا ربانيا فعلت كل شىء من أجل التوبة كل ما يخطر فى بال الإنسان فعلتة وسرعان ما أتحول كان أجد نفسى أحلم عندما أقع فى المعاصى كأني لا أرى أحد إلا شيطان يوسوس لي ويقول أسرع كمان أفعل لا يحدث شيء وانظر لي ما تتمنى عجبا وبعد لحظات أجد نفسي متغيرا وسبحان مغير القلوب صدقا قال الرسول اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك
ادعوا كل من سولت له نفسه أن يفكر ولو قليلا وينظر ماذا سوف يحدث إدا مات على المعصية ادعوا الله أن يتوب على وعلى كل من آمن وأسلم وجاهد وصبر ودعى ورضى اللهم آمين

1- شكر
mymh1404 - الهند 16-03-2012 11:36 PM

جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب