• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري / تفسير القرآن العظيم
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 207 : 209 )

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 207 : 209 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2013 ميلادي - 18/12/1434 هجري

الزيارات: 41488

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات ( 207 : 209 )


قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 207 - 209].

 

تنبيه منه سبحانه وتعالى على الصنف الثاني المؤمن المتجرد عن أغراضه وحظوظ نفسه، الذي يعرف واجبه أمام الله، فيبيع نفسه عليه، ابتغاء مرضاته، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ يَشْرِي نَفْسَهُ ﴾، فهذا الفريق المؤمن مخالف للفريق الأول تمام المخالفة.


فهذا الفريق قد باع نفسه لله لا يبغي لها ثمناً غير مرضاة الله، والفوز بوعده العظيم، فلا ينشغل إلا بالعمال الصالح، والكلام الطيب مع صدق الإخلاص في القلب، فشخصيته واحدة، ووجهته واحدة، فلا يقابل الناس بوجهين، ولا يتكلم بلسانين، ولا يؤثر عرض الحياة الدنيا على ما عند الله، ولا يتزلف إلى رئيس أو كبير.


وفي قوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ عدة فوائد واعتبارات:

أحدها: أنه لا يلزم من بيع الإنسان نفسه ابتغاء مرضات الله أن يحرم نفسه من ملذات الدنيا، أو أن يهجرها فهذا شيء مبتدع في الدين، مخالف لرأفة الله بعباده.


ثانيها: أن من يبيع نفسه ابتغاء مرضات الله لا يتهور حتى يلقي بنفسه في التهلكة، بل عليه أن يسلك الحكمة المطلوبة بتقدير الأمور مقاديرها، وتنزيلها منازلها اللائقة بها، إذ ليس المقصود من ذلك إهانة النفس وإذلالها، وإنما المراد أن يسلك بها مسالك العزة والكرامة.


ثالثها: بيع النفس ابتغاء مرضاة الله لا ينافي آية الدعاء السابقة بطلب الدنيا من الوجوه الحسنة شرعاً.


رابعها: ذكر بعض المفسرين أسباب نزول هذه الآية، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.


خامسها: أن إهمال الدنيا وتركها من إلقاء النفس إلى التهلكة.


سادسها: مقتضى الآية أن من لم يبع نفسه ابتغاء مرضاة الله فلا بد أن يبيعها على أعداء الله وأعدائه.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [208، 209].


هذه الآيات الكريمات أتى بها الله سبحانه بعد الآيات الأربعة المتضمنة لحالتي المنافقين والمؤمنين ممن يعجبك قوله في الحياة الدنيا وأعماله مخالفة لأقواله، إذا ظفر بما يريد أظهر الكفر العملي والتكبر عن سماع الحق، وممن يعمل لله بلا تبجح ولا دعوى، بائعاً نفسه ابتغاء مرضاة الله.


أقول: بعد تفصيل الله حالة الفريقين نادى الجميع بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ أي ادخلوا بكليتكم في الإسلام، منقادين لجميع شرائعه، ولا تخرجوا عن شيء منها بتأويل أو تقليد لما أنتم عليه سابقاً، فالنداء نداء عام من الله لمن دخل في الإيمان دخولاً كاملاً ليثبت عليه بالانقياد لجميع الشعائر الإسلامية، ولمن لم يتمكن الإيمان منه أن يسير على طريق الكمال بالاستسلام لجميع أوامر الله ولمن آمن من أهل الكتاب وعنده التفات إلى ما في التوراة من تعظيم السبت وتحريم لحوم الإبل وغير ذلك، ولمن آمنوا بألسنتهم أن يحققوا الإيمان في قلوبهم بتحقيق العمل بشرائع الإسلام وأحكامه، وأن يستديموا عليه طيلة عمرهم ويجعلوه الأصل والحكم والمرجع ولا يلتفتوا إلى سواه، فيعظموا ما عظمه من يوم الجمعة، ويهدروا ما أهدره وأبطله من السبت، ويحلوا حلاله ويحرموا حرامه دون التفات إلى ما حرمه سواه من دين موسى وغيره، فنداء الله للمؤمنين عامة أن يدخلوا في السلم كافة معناه أن يدخلوا في الإسلام بالانقياد لجميع أوامره كافة واجتناب نواهيه كافة.


هذا على تفسير السلم بالانقياد والتسليم وأما على تفسيره بالصلح والمسالمة فهو أمر من الله للمؤمنين بالتزام الاتفاق والمسالمة للوحدة في العقيدة وترك الخلاف والشقاق ما دامت العقيدة واحدة، وليس في أمر الله للمؤمنين بالتزام الإسلام والاتفاق عليه أي إشكال لأنه خطاب متنوع يعم صنوف المؤمنين ممن سكن بلسانه وقلبه وأعماله جملة وتفصيلاً، كقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 1] فقد أمره بالتقوى، وهو أهل التقوى والداعية إلى التقوى، كما يتناول أنواع المؤمنين ممن فصلناهم، فهو أمر لكل من يؤمن بالله أن يدخل في الإسلام على حقيقته بتطبيق شرائعه كافة.


ومن الشواهد الشعرية على تسمية الإسلام بالسلم - بكسر السين - قول امرئ القيس بن عابس:

فلست مبدلاً بالله رباً
ولا مستبدلاً بالسلم ديناً

 

وقول أخي كندة:

دعوت عشيرتي للسلم لما
رأيتهمو تولوا مدبرينا

 

وليس في قوله تعالى ﴿ ادْخُلُوا ﴾ إشكال لأنه يأمرهم بمداومة الدخول فيه في الاستقبال كما هم عليه في الحال، لأن المؤمن قد يخرج من الإيمان بموجبات الردة والفسوق إذا لم يداوم على الاستسلام والطاعة، فمعنى الآية الكريمة: استسلموا لله وأطيعوه بجميع أوامره كافة ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه لأغراضكم وشهواتكم فتخلوا من الإيمان، ولهذا قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ يعني طرقه التي يزين فيها صنوف الشر، فإن اتباع الخطوات هو اقتفاء الآثار في الأصل اللغوي. يعني لا تسيروا سيره ولا تتبعوا خطاه.


وللآية وجه آخر في التفسير للدخول في السلم ولكنه مرتبط بالأول ومتوقف حصوله على حصوله بحيث يعتبر مركباً من شيئين متلازمين، وذلك أن السلم إذا أريد به المسالمة والوفاق مع المؤمنين ورفع الشقاق والتنازع فيما بينهم لوحدة العقيدة ووحدة هدف الدين ووحدة المرجع الذي هو وحي الله، فإنه يتوقف على الوجه الأول، وهو أخذ الدين بجملته، لأنه مرتبط به تمام الارتباط، فمن حقق الاستسلام لأوامر الله جملة وتفصيلاً فقد أخذ بأواصر الإخاء والمحبة والاتفاق والمسالمة الودية مع جميع المسلمين، هذا كقوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].


تلك الآية العظيمة التي يلوكها الكثير من الشاردين عن الدين والباترين لحبل الله برفض العمل به لخداع المسلمين كي ينصهروا في البوتقة العلمانية المنافية لهذه الآية خاصة ولجميع القرآن عامة.


فدخول المسلمين في السلم الوفاقي والوحدة المحمدية لا يحصل إلا بتحقيق استسلامهم لله. فالسلم الديني العملي هو الذي يوحد المسلمين على الجنسية الدينية، وأما الذي يدعو إليه أفراخ الماسونية وتلاميذ الاستعمار من الوحدة العصبية مع الاختلاف في الدين، فهذا يستحيل وقوعه بصفة شاملة، ولو وقع بصفة جزئية لم يلبث إلا قليلاً ثم ينقلب إلى فرقة شنيعة وشقاق بعيد، كما قضى الله به، ولا مبدل لكمات الله.


وقد شاهدنا ذلك في عصرنا الذي اكتنفه من عظيم الدعاية وانتفاخة الغرور ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].


طريق الحق هو الوحدة والإسلام، ولا يحصل السلم الذي هو الوفاق إلا بالاتفاق على مبادئ الإسلام وتطبيقه، ولا يحصل هذا إلا بتخليص العقيدة الإسلامية مما شابهها من صنوف الوثنية والتخريف والدجل، فما دام الرب واحداً، والرسول واحداً، ووحي الله واحداً، والرب سبحانه قريباً مجيباً، أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، ويقول: ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [السجدة: 4].


ويرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].


ويقول لعشيرته الأقربين: ((لا أغني عنكم من الله شيئاً))، بل يقول لبنته وكريمته فاطمة: ((سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً))[1].


ونصوص الوحي من الكتاب والسنة كثيرة مستفيضة، فمن أين جاء تقديس الأضرحة وسؤال الأولياء بل والمجذوبين؟ ومن أين ظهرت هذه الفرق والملل والنحل من تيجانية وقاديانية وبهائية ودروز وبابية وغيرها من الفرق التي لم تعرف في القرون الماضية المفضلة؟ وكيف يسمى المتمسك بالنصوص المحمدية وهابياً ولا يسمى محمدياً؟ إلى غير ذلك مما ينبغي العمل لإزالته وتصفية أدمغة المسلمين منه ليحققوا ما يطلبه الله منهم من الاستسلام لوحيه ورفض ما سواه حتى يتسنى لهم الدخول في السلم الثاني الذي هو الوفاق، إذا دخلوا في السلم كافة كما أوضحناه، فالمسائل الأصولية في الدين يجب الاتفاق عليها وحسن النية فيها، وأن يعمل ولاة الأمور من الحكام والعلماء محاضر علمية على مستويات عالية لبحث الملابسات والدسائس اليهودية التي أدخلت في الإسلام ما ليس منه، بل ما هو بعيد عنه، وأن يكون كل فريق ملزماً بما تصدره هذه المحاضر التي تقوم على كل حجة ناصعة وحرية صحيحة تجعل ممثليه أحراراً فيما يدلون به من الحجة أو الشبهة، ومن انقطعت حجته وجب عليه الخضوع للحق الذي ظهر على لسان مقابله وفي جانبه وهناك ينحسم الخلاف.


إن نداء الله للمؤمنين أن يدخلوا في السلم كافة يعني الإسلام يقتضي ألا يكون للمسلمين جنسية غير الإسلام، ويرفضون أي جنسية غيره من عصبيات السوء، فلا ينتحل هذا جنسية عربية، وهذا تركية، وهذا بربرية، وهذا هندية، وهكذا، بل يجب أن تنصهر جميع الجنسيات والوطنيات في الدين الإسلامي، وأن تكون الدعوة باسمه، والانتساب إليه، والعمل له، حسبما شرعه الله، والجهاد من أجله، والبذل والتضحية في سبيل الله لرفع شأنه، وأن يقمع كل من دعا إلى غير هذه الرابطة قمعاً لو يؤدي إلى القتل والقتال، وألا يتبعوا خطوات الشيطان بالالتفات إلى أي دعوة عصبية، لأنها تكمن فيها بذور الخلاف والشقاق، ويلابس أهلها الزهو والكبرياء والتيه الشنيع، فلا تحصل وحدة ولا اتحاد إلا بالتمسك بالدين واتباع حبل الله الذي هو القرآن، فمن تمسك به حصل على الوحدة والعزة والسعادة، ومن أضاع تعاليمه وانحاز إلى الجنسيات فقد كسبته اليهودية العالمية كسباً رخيصاً وصار من أتباع شياطين الإنس.


وقد أثبتت التجارب الواقعية في كل زمان ومكان بأن المتعصب لجنسه منهم يتيه في مفاخر قومه، ويغضب لما يمسهم حتى يقتل دون إحساس، وقد لعبت الماسونية اليهودية في هذه العصور على أكثر الأمم والشعوب حتى وزعتهم إلى دول قومية عصبية بدعوى أن يكون كل قبيل منهم بقوة أفراده المتلاحمة قادراً على صيانة منافعه وحفظ حقوقه من تعدي القبيل الآخر لأنها خوفت بعضهم من بعض أزود مما يخافه من الكافر الأجنبي، ثم تجاوزت بهم من ذلك الحد إلى حد آخر تقتضيه الأنانية التي عمل الإسلام على محوها، وهي أن يأنف كل قبيل من الآخر حتى ولو كان عادلاً، فإنهم فرضوا الذل في قبول نفوذه، والإنسان في كل أرض له حاجات جمة وفي أفراده ميل إلى الاختصاص والاستئثار بالمنفعة، فإذا لم ينصبغوا بتربية دينية ولم يعرفوا واجب الله في الدخول في السلم بإقامة وحدة إسلامية تحت حكم واحد تتصاغر لديه القوى، وتخضع لسلطته النفوس، وتكون الأمة تحت هذا الحكم متساوية الأقدام على ما شرعه الملك القهار، ملك السماوات والأرض، وتكون جميع الشخصيات خاضعة لحكمه جل وعلا، ليسلموا من شرور الكبر والأنانية فإذا لم يحصل ذلك صار بعضهم عرضة لاعتداء بعض، وتسلط بعض على غير هدى من الله.


وهذا هو السر في نجاح المسلمين أوائل عصورهم، لإعراضهم على اختلاف أقطارهم عن اعتبار الجنسيات، ورفض أي نوع من أنواع العصبيات ما عدا عصابتهم الإسلامية.


فإن المؤمن بالدين الإسلامي متى رسخ في قلبه حب الله وتعظيمه وحب رسوله وتعظيمه صلى الله عليه وسلم وانطبع بامتثال أوامر الله والاقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عن جنسه وشعبه، ويرفض العلاقة الخاصة إلى العلاقة العامة التي هي علاقة المعتقد، ولهذا ختم الله هذه الآية بالتحذير عن خطوات الشيطان.


وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ تقدم تفسير الخطوات، والمعنى لا تتبعوا وساوسه، وساوس شيطان الجن، ولا تصغوا إلى ما يمليه إليكم ويبثه عليكم شيطان الإنس الذي فتنته وشره أفظع وأشنع من فتنة شيطان الجن، فلا تسيروا سيره فإن باتباعه يحصل التفرق والشقاق والعداوة والتنافر، كأنكم لستم على دين واحد، وسبل الشياطين وطرقهم هي كل شيء يخالف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.


وقد حذر الله منها في الآية [153] من سورة الأنعام بقوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ فطرق الشيطان كثيرة، كان من الجن أو من شياطين الإنس، ولا منجاة منها إلا بالعض الشديد على هذه الآية وعلى الآية [59] من سورة النساء: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59] ووحي الله يفسر بعضه بعضاً إذا سلمت المقاصد لوجه الله، لأنه ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1] وطرق الشيطان منارات الفتن والخصام، وكل بلية وقعت فيها هذه الأمة ترجع إلى تضييعها أوامر الله في هاتين الآيتين خصوصاً ونصوص وحي الله عموماً، وقد سبق تفصيل أضرار اتباع الشياطين عند الكلام على الاستعاذة أول التفسير، كما أوضحت بعده في خلال الآيات ما يغني عن إعادته هاهنا.


وقد ذكرنا الله بعداوته في هذه الآية وآية قبلها وآيات بعدها، وفي هذه الآية قال: ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾. وليس أبلغ من هذا التحذير شيء، إذ ما أسخف عقل من يستجيب لعدوه أو يجنح لعدوه، أو يقتنع من عدوه، أو يثق بعدوه خصوصاً وقد أوضح لنا أصالة عداوته مع أبينا آدم.


فكيف نصغي إليه أو نرتاح له؟ وعداوته ظاهرة مبينة لا تخفى على أحد وإن كان لا يرى بعينه، لكنه قد يتمثل بصورة شخص لغرور المسلم وغشه، كما تمثل لأبينا إبراهيم عليه السلام في طريق منى فعرف أنه شيطان لأنه يحاول صده عن تنفيذ أمر الله، فرجمه كما أسلفنا قصته.


وقد يتمثل لبعض العباد والزهاد ليفتنهم عن صراط الله، وقد يزعم لبعضهم أنه الخضر ليغشه بحياته وهو ميت حتى يعتقد خلاف وحي الله، وقد يبدو من بعض الصوفية شطحات وأقوال بشعة بسبب تمثل الشيطان ومخاطبته لهم، فيظنون أن المخاطب هو الله أو الرسول، خصوصاً من يأوي منهم إلى مواقع الشياطين، كالمغارات والمزابل ونحوها.


وقوله تعالى: ﴿ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ يحتمل معنيين: أحدهما أن عداوته ظاهرة لا إشكال فيها ولا تحتاج إلى دليل. وثانيهما: أن القطع في الأصل هو الإبانة. وسمي البيان بياناً لقطعه بعض الاحتمالات عن بعض، فيكون المعنى: أنه يقطع المكلف بوسوسته عن طاعة الله وثوابه، فهو عدو لنا من كل وجه يحاول إيصال الآلام إلينا والمكارة ليقطعنا بها عن طاعة الله ويبغضها لبعضنا بسبب ذلك، ولكن الله يمنعه في الغالب ويرد كيده إلى الوسوسة التي يزين لنا بها المعاصي بكافة وسائل الإغراء الخفية، ويعمل على تهيئة ذلك في الجنسين، ويزين لنا بإلقاء الشبهات المختلفة ما يقطعنا به عن طاعة الله أو عن تحصيل الفضيلة، فمثلاً من لم يقدر على إغوائه بترك الصلاة يزين له التأخير عن المسجد أو تأخير فعلها حتى يقطعه عن تحصيل الفضيلة.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209] يعني إن أخطأتم الحق وتعديتموه، وحدتم عن صراط الله وهو السلم الذي هو استسلام لله بجميع أوامره ومراضيه التي تحصلون بها على حقيقة السلم الذي هو الوفاق والاتحاد على الدين، فاستزلكم الشيطان إلى خطواته التي تحرمكم من ذلك، وتوقعكم في صنوف الخلاف والشرور ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ من بعد ما أبان الله لكم بيانه الواضح بحقيقة سبيله، ولا بحكم الوفاق والوحدة في تحصيله، وتحذير الله لكم من عدوكم المبين، فإذ لم يجد معكم كل ذلك فاعلموا أن الله لكم بالمرصاد وأنه لا يترك لكم هذه الزلة العظيمة.


إن في قوله سبحانه: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ تهديداً بالغ الخطورة، لأن عزته سبحانه تقتضي أنه لا يترك المخالف بدون إنزال عقوبة، خصوصاً بعد التبليغ والإنذار، وقد سلك الله أوضح المسالك وأقواها في البلاغ والتحذير والبيان، فالمخالف لأوامر الله وإرشاداته مستخف لجنابه، مستهين بعزته، غير مبال بتحذيره ولا ببيانه.


لهذا كان من لوازم عزته سبحانه عقوبة المخالف عقوبة عاجلة بما يفرضه عليه من العقوبات الشرعية حدوداً وتعزيراً، أو بما يجريه عليه من العقوبات القدرية الكثيرة المتنوعة التي لا تحيط العقول بها والتي سنذكر طرفاً منها في تفسير الآية [211] أي بعد آيتين، وإما بالعقوبات الآجلة في البرزخ من شدة الموت وهول المنظر وعذاب القبر وشدة الموقف ومناقشة الحساب يوم القيامة إلى التعثر على جسر جهنم حتى يهوي فيها ويمكث بها ما شاء الله لتطهيره فيها ثم إن كان فيه شيء من التوحيد أخرجه الله به منها بعد تطهيره وإن أحاطت به خطيئته لارتكاسه في الشرك ارتكس في النار خالداً مخلداً. فمعنى قوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [209].


العزيز: اسم من أسماء الله الحسنى التي يترتب عليها مقتضياتها، ويجب على العباد أن يعاملوه بمدلولها.

فمعنى العزيز يعطينا عدة معان عظيمة:

أحدها: العزيز الذي لا يرام جنابه، فهو عزيز عزة لا يصفها الواصفون ولا يرومها أحد.


ثانيها: أنه العزيز القاهر الغلاب الذي لا يغالب ولا يطمع أحد في قهره، فهو الغالب على أمره، القاهر فوق عباده، سبحانه وتعالى.


ثالثها: أنه العزيز بقوة هي وصف لازم لذاته. قال في الكافية الشافية:

وهو العزيز فلن يرام جنابه
أني يرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب
لم يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه
فالعز حينئذ ثلاث معان

 

فمن لم يعامل الله بمقتضى عزته كان مستحقاً لأنواع العقوبات والعياذ بالله، إذ من لوازم اسمه العزيز سبحانه أن يكون مرهوب الجانب عند عبده، يرهب عزته ويخشى غضبه وسطوته، فيلتزم الذلة والمسكنة في عبادته ويخشع عند تلاوة كتابه، يكون ملتزماً لأوامره، متقيداً بشريعته، واقفاً عند حدوده، غيوراً على دينه، مبغضاً لأعدائه، ومبتعداً عنهم، ومحارباً لهم، وهذا يستلزم كمال الطاعة وقوة الانقياد، والمسارعة في مرضاته، وبذل غاية جهده في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.


ومعنى اسمه (الحكيم) الذي ينزل الأشياء منازلها، ويضعها في مواضعها، ويربط الأسباب بمسبباتها.


ولهذا فإن قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ يعني اعلموا أن أمامكم أمراً عظيماً من عزيز حكيم، لا ينسى من تناسى أوامره، ولا يهمل من تهاون بجانبه، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر.



[1] أخرجه البخاري، كتاب: الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد والأقارب، [2753]، ومسلم: [206].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 199: 202 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (203)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 204 : 206 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (210 : 211)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (212)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (213)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (214)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب