• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي / مقالات
علامة باركود

أباطيل وأسمار(الحلقة الأولى)

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/7/2010 ميلادي - 24/7/1431 هجري

الزيارات: 15746

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحلقة الأولى

أَبَاطِيلُ وأَسْمَارٌ

سلسلة في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه.

 

أمَّا بعدُ:

كتبتْ تلك الحلقات كرد علمي على رجل عرّف نفسه بـ"المُنْصَف!"، زعم، خلّط فيها في مسائل الأصول الكبار، ولمز شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فكان ما كان من تلك الردود.


الحلقة الأَوَّلَة: (ما ترى! لا ما تسمع!!):
قال أبو تمام [من الكامل]:

وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ
طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ
مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ

فنشكر الأخ "المُنْصَف!" أنه أتاح لنا فرصةً لبيان الحقّ فيما ذكره من أَباطيل وضلالات، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: قد قسم الأئمة الأعلام مسائل الخلاف إلى ما يسوغُ فيه الاختلافُ وما لا يسوغ:
• فسوغوا الخلاف في بعض المسائل لتكافُؤِ الأدلَّة، أو لعدم وُرودِ نصوصٍ صريحة، أو ما شابه ذلك.
• ما لا يسوغُ الخلافُ فيه؛ فالخلافَ فيه يُعتَبَر شُذوذًا؛ لقيامه على شبهات لا دلالات، أو أوهام وخيالات، أو تشهٍّ وذوقيات، أو أحلام ومنامات.


• فأما الأول فلا يُنكَر فيه على المخالف، ولا يكون سببًا للتفرُّق في الدين، ولا يؤدي إلى التنازع والبغضاء، مثل الخلاف في الفروع الفقهيه بين المذاهب، قال الإمام أحمد: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على قوله"، أو في المسائل العقائدية المختلف فيها بين الصحابة السلف وهي مسائل قليلة محصورة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وإني أقرر أنَّ الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يَعُمّ الخطأ في المسائل الخبرية القوليَّة والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكُفْر ولا بفسق ولا معصية، كما أنكر شُرَيْحٌ قِراءَةَ مَن قَرأ: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾ [الصافات : 12] وقال: إن الله لا يَعْجَبُ، فبلغ ذلك إبراهيمَ النخعيَّ، فقال: إنَّما شُرَيْحٌ شاعر يعجبه علمُه، كان عبدُ الله أعلمَ منه وكان يقرأ: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾، وكما نازعتْ عائشةُ وغيرُها من الصحابة في رؤية محمد ربَّه وقالت: "مَن زَعَمَ أنَّ محمدًا رأى ربه فقد أَعْظَمَ على اللَّه الفِرْية". ومع هذا لا نقول لابن عبَّاس ونحوه من المنازعين: إنه مفتَرٍ على الله، وكما نازَعَتْ في سماع الميّت كلامَ الحيّ، وفي تعذِيبِ الميّت ببُكاءِ أهله وغير ذلك. وقد آل الشر إلى الاقْتِتال مع اتّفاق أهل السّنَّة أنَّ الطَّائِفَتَيْن جميعًا مؤمِنَتانِ، وأنَّ الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأنَّ المقاتِل وإن كان باغيًا فهو متأوّلٌ، والتأويل يمنع الفسوق". اهـ.


ولكن لما كان الصحيح من كلام أهل العلم: أن الحق لا يتعدد؛ بل هو واحد في كل مسألة -: وجب على من استبان الدليل توجيه النصح إلى من خالفه.


• أمَّا الثاني حيثُ لا يسوغ الخلاف، وينْكَرُ على المخالف - فيفسق أو يبدع أو يضلل أو يكفر؛ بحسب المسألة التي خالف فيها - فهي المسائل المُجْمَع عليها في العقائدِ والفروع الفقهيَّة، بين أهل السنة والجماعة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾ [النساء: 115]. فهذا النوع يجب فيه الإنكارُ على المخالف؛ والاختلاف معه وهجره ومفارقته - إن أصرَّ وأبى بعد البيان والنصح وإقامة الحجة - ويدخل في ذلك الخلافُ الحادثُ عند المتأخرين في كثير من مسائل أصول الدين، وكان إجماع سلفِ الأمة على خلافِه؛ كالتَّأْويلات الذي لا مُسَوّغَ لها في صفات الله - عزَّ وجلَّ - وأسمائه وأفعاله، وما شابه ذلك البدع الحادثة؛ اعتمادًا على المعقولات الفاسدة، والأقيسة الباطلة، والذوق المعوج، والخيالات الجامحة.


ولا يَعنِي هذا تفسيق المخالف، أو تضليله، أو تبديعه، أو تكفيرَه، حتى تُقام عليه الحُجَّة في هذه المسائل.


لكنَّ تقبُّلَ هذا الخلافِ بغيرِ إنكارٍ وتَبيينٍ للحقّ: يؤدي إلى التباس الحق بالباطل، والسنة بالبدعة، والإيمان بالكفر، والهداية بالضلالة، وإقرارِ الفِرَق الضالَّة المبتدعة على ما عندهم من ضلالات وبدع، وتعطيلِ فريضةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفَى ما في ذلك من الفساد الكبير، والضلال المبين، ومخالفة سبيل المؤمنين، ومتابعة أصحاب الجحيم؛ وبهذا يتبين أنَّ وضع ذاك "المُنْصَف!" لمسائل العقيدة غير المختلف فيها بين السلف أهل القرون الثلاثة المفضلة والمسائل الفقهية التي هي محل خلاف معتبر؛ من عهد السلف إلى يومنا هذا -: هو وضع للأشياء في غير موضعها، وجمع بين المختلفين على تباين ما بينهما؛ فكيف يسوغ لمن ادعى الإنصاف: أن يلحق قطعيًّا بظني، وإجماعيًّا بخلافي؛ فقد أجمع علماء الفرق سنيهم وأشعريهم ماتريديهم ومعتزليهم زيديهم ورافضيهم: أن الخلاف في مسائل العقائد الإجماعية غير سائغ، وأن المخالف في ذلك لا يخلو من بدعة أو كفر، ولم يلحق أحد منهم - فيما نعلم - الخلاف في العقائد والأصول بالخلاف في الفقهيات والفروع؛ فالتسوية بينها مغالطة ظاهرة، ومناورة مكشوفة؛ بل ذلك لعمر الحق عينُ المحال الباطل، والضلال العاطل.


أما الأشاعِرة، ففرقةٌ تَنْتَسِبُ إلى الإمام أبي الحسن الأشعريّ - رحمه الله - وقد مرَّ الأشعريُّ بمراحلَ - كما ذكر ذلك ابن عساكر في "تَبْيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري" وابنُ كثير والزبيدي وغيرُهم - مرحلة "الاعتزال"، ثم "متابعة ابن كُلَّاب"، ثم "موافقة أهل السُّنة والجماعة" على أكثر عقائدهم، وعلى رأسهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل.


وقد صرَّح الأشعريُّ بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: "رسالة إلى أهل الثغر"، و"مقالات الإسلاميين"، و"الإبانة عن أصول الديانة"، وهذا الأخير آخر ما ألف ومنه يؤخذ معتقده الذي مات عليه وبه يلقى الله
- إن شاء الله - فمن تابَعَ الأشعريَّ على هذه المرحلة الأخيرة؛ فهو موافقٌ لأهل السُّنة والجماعة في أكثر المقالات.


ومن لزِمَ طريقَتَهُ في المرحلة الثانية - كما هو حال الأشعريَّة منذ أن حرف الجويني أبو المعالي عقيدة الأشعري ومن بعده الرازي والآمدي والإيجي حتى آخر أشعري في يوم الناس هذا -: فقد خالفَ الأشعريَّ نفسَه، والأشعري من عقيدته براء، وخالفَ - أيضا - أهل السُّنَّة والجماعة في أكثر مقالاتهم.


هذا؛ وقد ردَّ أهل السُّنة عليهم خطَأَهُم، وبيَّنوا مخالفاتِهم، وأظهروا انحرافهم عن ِمُعتَقَد السَّلف الصَّالح أهلِ السنة والجماعة، والطائفة الناجية المنصورة بالأدلة البينات، والبراهين الجليات، والحجج الناصعات؛ وإنك لواجد ذلك - بأجزل عبارة، وألطف إشارة، وأعظم دلالة، وأبين حجة، وأظهر محجة - عند شيخ الإسلام، والعلم الهمام، وبركة الأنام، شيخ الإسلام والمسلمين، إمام الأئمة المهديين، سيد الأولياء، هادي الأتقياء، من قهر الأشاعرة، وألحق بهم سلفهم من المعتزلة والفلاسفة، من جمع بين العقل والنقل بعد أن كانا متعارضين في نفوس أهل الضلالة والمين، من جعل الاعتزال والرفض مذ كان إلى الآن في سفول وخفض، من صير منهاج كرامتهم منهاجا لندامتهم، وان مطهرهم أولى أن يكون ابن منجسهم، كاسر الطواغيت الجامدة للرازي والآمدي، ناقض التأسيس بعد أن أحاط بهم تلبيسُ إبليس، وانظر مجموع فتاواه النفيس، نور القلوب والنفوس؛ ليعلم شانئه أنه من جنود إبليس، من ٌقرأ له علم، ولزم الجادة وسلم، ومن نظر في كتبه، زاد الله في بصيرته وأدبه؛ أتدري من هُوْ؟! ومن أي جهة هَوَاهُوْ؟! قاتل الله شانيه، وأبعد من خالفه فيما لا حجة فيه، إنه شيخ الدنيا بلا منازع، وإن نازع في ذلك من نازع، العلم الخفاق، ومن طار ذكره في الآفاق؛ إنه أبو العباس، وسيد الناس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، ذي الصفات العلية، والنعوت الجلية، العابس في وجوه المبتدعة والجهمية، والحامد لربه ذي الأعطيات السنية، ذي الحلم على البرية، السالم من أعدائه، والمسالم لأوليائه، تُيِّم به أهل السنة النبوية، وأحبه أهل السيرة المرضية والطريقة السوية.


ومن هذه المشكاة المباركة ما دوَّنه اللاَّلكَائِيُّ في "أصول الاعتقاد"، والأصفهاني في "الحُجَّة" ذات العماد، والذهبيُّ في "العُـلُوّ"، لربنا الرحمن ذي العلو، نعني علو الذات، فضلا عن علو القدر والقوات، ومن قبلهم عبدالله بن أحمد، ذو العلم الأحمد، في سنته السديدة - "السُّنة" - وابن خُزَيْمة الهمام في توحيده الإمام - "التوحيد"
- والحبر ابن مَنْدَه، من كل الخير عنده، في كتابه "التوحيد"، الحاوي للعلم الرشيد، و"الرد على الجهمية"، ذوي الخطة الردية، ولا تنس "الشريعة"، لإمام الشريعة، نعني أبا بكر، ذا الفهم والفكر، محمد بن الحسين الآجري، من ألقم المبتدعة بالجَصِّ والآجر، و"الإبانة"، عن أصول الديانة، عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرق الهاوية، لأبي عبدالله الإمام الأواه، ابن بطة العُكبري، ثم الحنبلي، و"الرؤية" و"الصفات" لجامع الحسنات، الحديث والقراءات، والإمام الدارقطنى، من صار أمره إلى بياض القطنِ، و"موقف ابن تيمية من الأشاعرة"، ذوي الأسواق الشاغرة، والأفواه الفاغرة، لعبد الرّحمن بن صالح المحمود، ذي المقام المحمود، عند أهل السنة والجماعة، والخير والضراعة، وغير ذلك من دواوين أهل الإسلام المعتمَدَة عند الأنام؛ حيث بيَّنوا في كتبهم عقيدة السَّلف، وضللوا عقيدة الخلف، من الأشعرية ذوي المواقف المخزية، والشبهات الردية المردية، والعقول الكاسدة، والأقيسة الفاسدة.


على أن الأشاعرة وإن كانوا وافقوا أهلَ السنة في بعض السمعيات، وشيء من مباحث النُّبوَّات، فقد خالفوهم فيما عَداها من العقائد، ولا ينبيك عن هذا مثلُ قولهم: "مذهبُ السلف أسلمُ، ومذهب الخلفِ أعلمُ وأحكمُ"، أي: أن مذهب التأويل الفاسد عند المتأخرين، أعلمُ وأحكمُ مِمَّا كان عليه السادة من الصحابة والتابعين، فبالله عليكم أين العقل الصريح أو النقل الصحيح أو الفطرة المستقيمة أو الهداية المستديمة؟! كيف فاتت السلامة مذهبا جمع العلم والحكمة والبيان، بل كيف حُرم العلمَ والحكمةَ مذهبٌ وصف بالسلامة والجبران؛ أيقبل هذا ذو عقل سليم؟! إن هذه العبارة الردية، والجملة الخلفية، والتي أطبق عليها الخلوف، ودان بها الحلوف - المراد: من استعصى غباؤه"، وأمكن داؤه، فلا يرجى شفاؤه، إلا أن يتداركه الله بالهدايه، ويقصده بالولاية، فيفزع إلى المذكور، في الكلام السابق المزبور
- المكتوب - إن هذه العبارة تنادي على قائلها بالغباوة، وعلى معتقدها بالشقاوة، وتخرجهما من جماعة العقلاء، إلى زمرة الجهلاء، ومن معشر الناس إلى خشاش النَسْنَاس، فإن صدر هذه العبارة يناقض عجيزتها، وعجيزتها تنافر صدرها، فبالله كيف اجتمع النقيضان، وقد أطبق أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم على أنهما لا يجتمعان في آن، كما اتفقوا على أنهما لا يرتفعان، فلا جمع بين النقيضين ولا رفع، إلا عند من أصيب في عقله بالرفع، وحسبك من شر سماعه، وإن فاتك خير فقد ينفعك استماعه.


هذا؛ وكل واحد من أُلَيَّائِكَ المبتدعة، يدعي أن صريح العقل مَعَه، وأن مخالفه قد خرج عن صريح العقل؛ ونحن - في هذه!! - لن نكذِّبَ أحدًا منهم في هذه الدعوى، بل سنصدِّق جميعهم، ونبطل عقل كل فرقة بعقل الفرقة الأخرى، ثم نقول للجميع: بعقلِ مَنْ مِنْكم
- أيها العقلاء! - يوزن كلام الله ورسوله؟! وأيُّ عقولكم تُجْعَلُ معيارًا له؛ فما وافقه قُبِلَ وأُقِرَّ على ظاهره، وما خالفه رُدَّ أو أُوِّل أو فُوِّض؟!


وأيُّ عقولكم هو إحدى المقدمات العشر التي تتوقف إفادةُ كلام الله ورسوله لليقين على العلم بعدم معارضته له؛ أعقلُ أرسطو وشيعتِهِ؟! أم عقل أفلاطون وشيعته؟! أم فيثاغورس؟! أم أنبادقليس؟! أم سقراط؟! أم تامسطيوس؟! أم الإسكندر بن فيلبس؟! أم عقل الفارابي؟! أم عقل ابن سينا؟! أم عقل جهم بن صفوان؟! أم عقل النَّظَّام؟! أم عقل العَلَّاف؟! أم عقل الجُبَّائي؟! أم عقل بشر المِرِّيسي؟! أم عقل الإسكافي؟! أم عقل حسين النَّجَّار؟! أم أبي يعقوب الشَّحَّام؟! أم أبي الحسين الخَيَّاط؟! أم أبي القاسم البَلْخي؟! أم ثُمَامة بن أَشْرس؟! أم جعفر بن مبشِّر؟! أم جعفر بن حرب؟! أم أبي الحسين الصالحي؟! أم أبي الحسين البَصْري؟! أم أبي معاذ التُُّومَني؟! أم مَعْمَر بن عَبَّاد؟! أم هشام الفُوطي؟! أم عَبَّاد بن سليمان؟!


أم ترضون بعقولِ المتأخِّرين - من الأشاعرة - الذين هذَّبوا العقليَّات، ومَحَّضوا زُبْدتها، واختاروا لنفوسهم، ولم يرضوا بعقولِ سائر مَنْ تقدَّمهم؛ فهذا أفضلهم عندكم محمَّد بن عمر الرازي إمام الأشاعرة بلا منازع؛ فبأيِّ معقولاته تَزِنون نصوصَ الوَحْيِ، وأنتم تَرَوْنَ اضطرابَهُ فيها في كتبِه أشدَّ الاضطراب؛ فلا يثبُتُ على قولٍ؛ فعيِّنوا لنا
- أرشدكم الله! - عقلًا واحدًا مِنْ معقولاته ثَبَتَ عليه، ثم اجعلوه ميزانًا؟!


أم تَرْضَوْنَ بعقلِ نَصِيرِ الشرك والكفر والإلحاد الطُّوسي؛ فإنَّ له عقلًا آخَرَ خالَفَ فيه سلفَهُ من الملحدين، ولم يوافق فيه أتباعَ الرسلِ والموحِّدين؟! أم ترضون عقولَ القرامطةِ والباطنيَّة والإسماعيلية؛ أم عقولَ الاتحاديَّة القائلين بوَحْدة الوجود.


فكلُّ هؤلاءِ وأضعافُهُم وأضعافُ أضعافهم، وأذنابهم وأذنابُ أذنابهم يدَّعي أنَّ المعقولَ الصريح معه، وأن مخالفيه
- من مذهبه الذي يعتزي إليه، وغير مذهبه الذي يتبرأ منه- خَرَجُوا عن صريح المعقول، وهذه عقولهم بين أيديكم؛ ألا ترون - بصَّركم الله - أنها تنادي عليهم في كتبهم وكتب الناقلين عنهم، ولولا الإطالة لعرضناها على السامع عقلا عقلا، وقد عرضها المعتنون بذكر المقالات؛ فاجمعوها إنِ استطعتم، أو تخيَّروا منها عقلًا، واجعلوه ميزانًا لنصوص الوحي، وما جاءت به الرسل، ومعيارًا على ذلك، ثم اعْذِرُوا بَعْدُ مَنْ قدَّم كتابَ الله وسنةَ رسوله الذي تسمُّونه الأدلةَ اللفظية على هذه العقولِ المضطربة المتناقضة المتهافتة بشهادة أهلها، وشهادة أنصار الله ورسوله عليها؛ فإنَّ كتاب الله وسنة رسوله يفيد العلمَ واليقينَ واطمئنانَ القلبِ وانشراح الصدر، وأما هذه العقول المضطربة المتناقضة إن أفادتْ فإنما تفيدُ الشكوكَ والحيرة والريبَ والجهل المركَّب.


وأما نحن معاشر أهل السنة فنقول قولًا لا رجعة فيه، نبديه ولا نخفيه: إن الأصل الأصيل، والقول الجميل، هو قانونُ أهل السنة والجماعة، وميزانُ أصحابِ الهداية والضراعة: أنه إذا تعارَضَتْ هذه العقولُ الفاسدة، والآراءُ الكاسدة، مع النقلِ الصحيحِ الصريح - أَخَذْنَا بالنقول، دون هاتيك العقول؛ ورَمَيْنَا بها دَبْرَ آذاننا، وخَلْفَ ظهرنا، بل تحتَ أقدامنا، وحُطَّتْ وأصحابَهَا حيثُ حَطَََّهم اللهُ ورسولُه، كما أخبر الصادقُ المصدوقُ قيلُه؛ حيث قال: كُلُّ أمرٍ من أمورِ الجاهليَّة تحتَ قَدَمي موضوعٌ كله. ويدخُلُ بلا ريب في أمورِ الجاهليَّة هذه: ما ابتدعته تلك الفرق الردية، لا سيما الطائفة الأشعرية، في الإلهيات والنبوات والسمعيات، خاصة في مباحث الأسماء والصفات، وبالأخص صفات الأفعال، لربنا ذي الجمال والجلال، المستوي بذاته على عرشه، العالم بأحوال خلقه من عرشه إلى فَرْشِه، المتصفِ بصفةِ النزول العليَّة، إلى سماء الدنيا الدنية، كما يليق بجلاله، وعظيم سلطانه، الذي يجيء يوم القيامة للحساب والعرض، يوم تبدل الأرض غير الأرض.


وبعد هذه التطوافةِ العطرةِ على رياض أهل السنة الأُنُف، والمرورِ مر الكرام على قلاليطِ أصحابِ البدعِ العُجُف - والقَلَاليط: جمع قَلُّوط، وهو نهرٌ بالشام تجتمع فيه الأنتان - فإنَّنا نذكر - في عُجَالة، تتبعها أضغاثٌ على إبَّالة - الأصول النتنة، التي بنى عليها الزنادقة والمبتدعة، مذاهبهم الفاسدة، وآراءهم الكاسدة.


فدونك أصولَ وبعضَ عقائدِ الأشاعرة، المعتمدة في مذاهبهم المتنافرة، والتي جمعناها من كتب علمائهم المتناحرة؛ فدونك بعض أصول الأشاعرة وعقائدهم؛ فمن تلك الأصول، التي خرجت من هاتيك العقول:
1- تقديم عقولهم على النقل عن الله ورسوله (وضبطوه بقولهم: تقديم العقل على النقل)؛ إذ افترضوا التعارُض بين الأدلَّة النقليَّة والعقليَّة، مما يستدعِي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغَ الأشاعِرَةُ للتعامل مع هذا التعارُض الموهومِ قانونًا قدَّموا بموجبه العقل، وجعلوه الحَكَمَ على أدلَّة الشرع في أصول العقائد وفروعها؛ بدعوى أنَّ العقل شاهدٌ للشرع بالتصديق، فإذا قدَّمنا النقل عليه فقد طعنَّا في صِدق وصِحة شهادة العقل. وهذا يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال؛ وهذا - لعمر الحق، ومن رفع السماء وخفض الأرض -: هو عين الضلال بن التلال.


وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية
- رحمه الله، وطيب ثراه، وقدس روحه، ونور ضريحه - في الرد على هذا "الطاغوت" في كتابه العظيم: "بيان موافقة صريح المعقول لصريح المنقول"، وإن شئت: "درء تعارض العقل والنقل" - والاسم الأول أولى، كما يأتي بيانه - وذلك من أكثرَ من أربعين وجهًا في عشرة مجلداتٍ ضِخَامْ، لا يحسن - علم الله - فهمَهَا - بل لا يمكنُ فَهْمَ بعضها أو بُعَيْضَ بعضِ بُعَيْضِ بعضها - أحدٌ من أولئك المبتدعة الأشعرية الطَّغَام، ضاربًا بهذه الوجوه ذات الوجاهة - بارك الله في يمينِه، وشَلَّّّتْ عِشْرُو شانئِهِ ومُشِينِه - في وجوه تياك الطُّغْمة من المتكلمين - الرازي ومن لفَّ لفه - وأولئك الفلاسفة - ابن رشد ومن جرى جريه، وضلَّ ضلاله - ولخص هذا كله وزاد عليه وحرره ونقحه ونمقه ونسقه، في أكثرَ من ثلاثمائة وجه حالية، مع أمثلة متتالية - عجز الأنام أن يأتوا بمثلها، أو يجيئوا بأشباهها - شيخُ الإسلام، وبركة الأنام، وإنسان عين الإنسان، طبيب القلوب، أحد الموقعين عن علام الغيوب، طيب الله ثراه، وهدانا لهداه، أبو عبد الله، في صواعقه المرسله، على أولئك الجهمية والمعطلة، من أشعري أو معتزلي.


2- والأصل الثاني، وداهية المثاني، عافاكم الله، مما خرج من هذه الأفواه: فقولهم
- شَلَّتْ عَشْرُهم، وخَبُثَ نَشْرُهم - : قولهم: إن أخبار رسول الله الصحيحة التي رواها العدول، وتلقَّتها الأمة بالقَبُول، لا تفيد العلمَ ولا اليقين، وغايتها أن تفيد الظنَّ في الدين؛ فمنعوا الاحتجاج بالأحاديث النبوية، على الصفات المقدسة العلية؛ قالوا: الأخبار قسمان متواتر وآحاد؛ فالمتواتر و إن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة؛ فإن الأدلة اللفظية لا تفيد العلم ولا اليقين؛ فسدوا بذلك على القلوب معرفة الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول، وأحالوا الناس على قضايا وهمية، ومقدمات خيالية، سموها قواطع عقلية، وبراهين نقلية، وهي في التحقيق ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].


وقد نقضه ابن القيم
- رحمه الله - في عشر مقامات واضحات جليات، في صواعقه المرسلة على الجهمية المعطلة، وبين أن خبر الواحد العدل يفيد العلم والصدق؛ بأدلة كثيرة نيفت على العشرين.


3 - وأما ثالثة الأثافي: فهو قولهم: إن الاحتجاج بظواهر الكتاب والسنة كفر!! وأصَّلوا لذلك فقالوا: إن الدليل اللفظي
- يعنون أدلة الكتاب والسنة، المتواتر منها وغير المتواتر - لا يفيد العلم ولا اليقين؛ وغايته أن يفيد الظن، والظنيات لا مدخل لها في العقائد؛ إلا عند تيقن أمور عشرة:
أ‌- تيقن عصمة رواة تلك الألفاظ.
ب‌- تيقن عصمة إعرابها وتصريفها.
ت‌- تيقن عدم الاشتراك.
ث‌- تيقن عدم المجاز.
ج‌- تيقن عدم النقل.
ح‌- تيقن عدم التخصيص بالأشخاص والأزمنة.
خ‌- تيقن عدم الإضمار.
د‌- تيقن عدم التقديم والتأخير.
ذ‌- تيقن عدم النسخ.
ر‌- تيقن عدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح على النقل؛ إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل لافتقاره إليه فإذا كان المنتج ظنيا فما ظنك بالنتيجة؟!


وقد ذكر ذلك وقرره الرازي، في محصَّله ومحصولِهِ، وتابعه عليه الخلوف؛ فجاء شيخ الإسلام، فهدم هذا البنيان؛ وبين أنه مبنيٌّ على شفا جرف هار، وأنَّ محصَّله ومحصولَه إلى انهيار؛ فنقضه مِنْ نيِّف وسبعين وجها، أو أكثر؛ ذكرها في شرحِهِ - رحمه الله - على أربعي الرازي، وأول محصَّله، وحبره من بعده وفصله، تلميذه النجيب، والحبر الأديب شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية في صواعقه التي أرسلها، على الجهمية والمعطلة وأنزلها.


4
- وأما رابع أصولهم الأربعة، والداهية المزمعة، فقولهم: إن آيات الأسماء والصفات والأفعال وأحاديثها، مجازات لا حقيقة لها، وهذا طاغوت لهج به المتأخرون، والتجأ إليه المعطلون وضعته الجهمية والمبتدعة لتعطيل حقائق الأسماء والصفات والأفعال، جعلوه جنة يتترسون بها من سهام الراشقين، ويصدون به عن حقائق الوحي المبين، وقد افترقوا في وقوع المجاز في اللغة ثلاثة فرقا، ففرقهم الله مزقا، وتفرقوا شذر مذر، وذهبت بهم بدعهم شَغَرَ بَغَر.


فالفرقة الأولى: جمهورهم ودهماؤهم، وعليه تتايع جهلاؤهم وعلماؤهم، قالوا: إن أكثر لغة العرب حقيقة ووقع في بعضها المجاز، ومن هذا آيات الأسماء والصفات والأفعال وأحاديثها، وهو قول الفِرق الاثنتين والسبعين فيما بلغنا من قول النقلة واللغويين، وعلى هذا القول جرى أكثر علماء اللغة والبيان والقراءات وتفسير القرآن من الإعجازيين والمفسرين، واللغويين والبيانيين؛ وقد رد هذا المذهب الردي بكل دليل قوي شيخ الإسلام وترجمان القرآن ابن تيمية الحراني في كتابه الإيمان، وفيما رد فيه على السيف الآمدي، في رسالة الحقيقة والمجاز، وفي رسالته الأخرى في الأسماء والصفات، وفي مواضع متفرقة من كتبه وفتاواه الطيبات، وجمع ذلك كله نسقه، وأرسله صواعق محرقة، شيخ الأنام والعلامة الهمام، ابن قيم الجوزية، لازالت سحائب الرحمة عليه مرخية، فأفسدها من خمسين وجها، وطمسها فلا تعرف لها وجها.


وأما الفرقة الثانية: فقد أبعدت النجعة في الرابية، وفاهت بالهذر من القول، فلا قوة إلا بالله ولا حول، هذا قول ابن جني، وقد كان عن الشريعة في اعتزال وكِنِّ، قال، ولبئس ما قال: إن أكثر لغة العرب مجاز، وفي بعضها وقعت الحقيقة، ذكر ذلك في كتابه الخصائص، وهو سفر حسن لولا هاتيك النقائص، فمما قال: بابٌ في المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة: اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة، ثم ساق ما ساق، وجرى على هذا الاتساق، وقد نقض ذلك كله، أبو عبد الله إمام الأئمة الأجلة، وذلك من خمسة وعشرين وجهًا ذكرها في صواعقه، فقضى على هذا المذهب وبوائقه، وقال في طليعة ردوده: الوجه الأول: أن تعلم أن هذا الرجل
- يعني ابن جني - وشيخه أبا علي الفارسي، من كبار أهل البدع والاعتزال المنكرين لكلام الله تعالى وتكليمه، فلا يكلم أحدًا ألبتة، ولا يحاسب عباده يوم القيامة بنفسه وكلامه، وأن القرآن والكتب السماوية مخلوقٌ من بعض مخلوقاته، وليس له صفة تقوم به، فلا علم له عندهم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا إرادة، ولا سمع، ولا بصر، وأنه لا يقدر على خلق أفعال عباده، وأنها واقعة منهم بغير اختياره ومشيئته، وأنه شاء منهم خلافها، وشاؤوا هم خلاف ما شاء، فغلبت مشيئتهم مشيئته، وكان ما شاؤوه هم، دون ما شاءه هو، فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون، وهو خالق عند هذا الضال المضل وعالم مجازًا لا حقيقة، والمجاز يصح نفيه؛ فهو إذًا عنده لا خالقٌ ولا عالمٌ إلا على وجه المجاز، فَمَنْ هذا خَطَؤُه وضلاله في أصل دينه ومعتقده في ربه وإلهه، فما الظن بخطئه وضلاله في ألفاظ القرآن ولغة العرب؛ فحقيقٌ بمن هذا مبلغ علمه ونهاية فهمه: أن يدعي أن أكثر اللغة مجاز، ويأتي بذلك الهذيان، ولكن سنة الله جاريةٌ أن يفضح من استهزأ بحزبه وجنده، وكان الرجل وشيخه في زمن قوة وشوكة المعتزلة، وكانت الدولةُ دولةَ رفض واعتزال، وكان السلطان عضد الدولة بن بُوَيْه، وله صنف أبو علي الإيضاح، وكان الوزير إسماعيل بن عباد معتزليًّا، وقاضي القضاة عبد الجبار معتزليًّا، وأول من عرف منه تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هم المعتزلة والجهمية.


وأما الفرقة الثالثة فقالوا: إن كل اللغة مجاز وهو قول ابن بتوية تلميذ ابن جني تبعه على ذلك قوم شذاذ، فاتبعوا هذا المذهب الفاذ، فأتوا بكل آبقة، نعذ بالله من حالقة، وهو من المذاهب القبيحة، وحكايته تكفيك رده وتضعيفه، ومن هنا أعرض الشيخان عن التفصيل في رده، لظهور فساده وضعفه.


وبقي المذهب الحق، والطريق الصدق، والقول الأدق، والنهج الأرق، وهو إنكارُ المجاز في اللغة أصلًا، وأنها كلها حقيقة، وهو قول أبي إسحاق الإسفراييني، وأبي علي الفارسي، وابن عَقِيل الحنبلي - في أحد قوليه
- وهو ما حرَّره وانتصر له الشيخان أبو العباس ابن تيمية، وأبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، والعلامة الأمين الشنقيطي في رسالته "منع جواز المجاز".


وتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هو - كما قال الشيخان -: لا يصح أن يكون تقسيمًا عقليًّا، ولا شرعيًّا، ولا لغويًّا، وغايته أن يكونَ اصطلاحًا؛ وهو اصطلاح فاسد في نفسه:
• فإن العقل لا مدخل له في دلالة الألفاظ وتخصيصها بالمعنى المدلول عليه حقيقة كان أو مجازا، ولو كان التقسيم عقليًّا لما اختلف باختلاف الأمم، ولا جهل أحدٌ معنى لفظ.


• والشرعُ لم يَرد بهذا التقسيم، ولا دلَّ عليه، ولا أشار إليه.


• وأما أهل اللغة فلم يصرح أحد منهم بأن العرب قسمت لغاتِها إلى حقيقة ومجاز، ولا قال أحد من العرب قط: هذا اللفظ حقيقة وهذا مجاز، ولا يوجد في كلام من نقل لغتهم عنهم - مشافهة ولا بواسطة - ذلك؛ ولهذا لا يوجد هذا التقسيم - نعني تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز - في كلام الخليل، ولا سيبويه، ولا الفراء، ولا الأصمعي، ولا أبي عمرو بن العلاء، ولا أمثالهم؛ كما أنه لم يوجد في كلام أحد من الصحابة، ولا من التابعين، ولا تابعي التابعين، ولا في كلام أحد من الأئمة الأربعة، ذوي المذاهب المتبعة؛ وهذا الشافعي وكثرة مصنفاته ومباحثه مع محمد بن الحسن الشيباني وغيره لا يوجد فيها ذكر المجاز ألبتة؛ وهذه "رسالته" التي هي كأصول الفقه، لم ينطق فيها بالمجاز في موضع واحد. وكلامُ الأئمة مدون بحروفه، لم يحفظ عن أحد منهم تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز.


• بل أول من عرف عنه في الإسلام أنه نطق بلفظ المجاز هو أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه صنف في تفسير الكتاب مختصرًا سماه "مجاز القرآن" وليس مراده بالمجاز قسيم الحقيقة؛ فإن هذا التفسير تفسيرٌ لألفاظ القرآن بما هي موضوعة له؛ وإنما عنى بالمجاز: ما يَعَّبر به عن اللفظ ويُفسَّر به؛ كما سمى غيره كتابه "معاني القرآن"، أي: ما يُعْنَى بألفاظه ويراد بها؛ وكما يسمي ابن جرير الطبري وغيره ذلك تأويلًا.


ونذكر في الحلقات التالية، شيئًا من عقائد الأشعرية البالية
- تأتيكم تباعا، نقدًا ونسيئةً ومشاعا -نبين عوارها، ونكشف مكنونها، نظهر تهافتها، ونجمع اضطرابها، نأتي عليها بالرد والنقض؛ فلا تقوم لها - إن شاء الله - قائمةٌ إلى يوم العرض، كيف وقد أنكرتها القلوب السليمة أشد النكران، فلم تعرفها أيَّ عرفان، فلفظتها لفظ النواة، وألقت بها إلقاءَ الحصاة.


هذا؛ وإن للحديث لبقايا، تأتي على هذا المخالف للحق في العقائد بالبلايا والرزايا؛ فقد كشفت الحرب عن أنيابها، وبان لذوي الألباب حقيقة أمرها، كيف وقد هوجم شيخ الإسلام، وبركة الأنام، وحجة الله على الطغام، فيما هو من أخص خصائص عقائد أهل الإسلام، مما انعقد عليه الإجماع، فلا يقبل من عالم أو جاهل أو مارقٍ فيه نزاع؛ وما حدا بنا إلى ذلك
- علم الله - إلا ظنٌّ فاسد، واعتقاد كاسد: أن أهل السنة ليس في زواياهم خبايا، ولا في تكاياهم رَوَايا، وأن آكامهم قد خلت من الأسود، أو غلب على أهلها النومُ والهجود؛ فَغَرَّ هذا المضادّ، هذا الظنُّ منه والاعتقاد، فنأتي - بحول الله وقوته - على جميع كلام هذا المُنْصَف حرفا حرفا، وكلمة كلمة، وجملة جملة، بل في كل حركة أو سكنة لحرف، ولن نتجاوز النِّصْف - الإنصاف - ولن نترك من كلامه - على تهافته - شيئا، عسى أن يفيء فيئا؛ نَجمع بين عُجَر كلامه وبُجَرِه، وعجزه وصدره، وقَده وقَديده، وقصيره ومديده، وخَطَئِهِ وخِطْئِه، وأصله وفصله، ومرجعه ومرتجعه، ومصدره ومورده، وترهاته وخزعبلاته، ونزغاته ونزعاته، ومبتدعاته وضلالاته، ولا يحسبن حاسب، أو يجدن واجد، أو يخالن خالٍ، أو يظننَّ ظان، أو يذهبن ذاهب: أننا بانشغالنا بما سبق، بالرد على هذا الذي أبق: سنترك ما بين السطور، أو هَجَسَ في تياك الصدور، كلا بل لا نُرى جائزًا لنا أن نترك من تطاول على التِّعِلَّامة، والإمام الفهامة، والحِبْر العلامة،شيخنا وشيخ الدنيا، تقي الدين ذي الخصال العليا، كيف نغفل عمن تستر بالتقية، وزعم أنه من أهل الفرقة المرضية، وما نراه إلا هَيَّ بنَ بَيّ، أو هَلْمَعَةَ بنَ قَلْمَعَة؛ وإلا يكن ذاك - وشر المعارف من آذاك - فليكشف اللثام عن دخيلة أمره، ودسيسة فكره، وخبيئة قلبه، ومكنونات لبه، بالكلام الصريح: حقيقة معتقده، وصريح عقيدته وعقده، وإلا يفعل، ويأتِ بالذي هو أجمل، فلا يظننّ أنّا تاركوه، أو مُخَلُّوه، من هذه المناظرة، وتلك المناورة؛ لزعمه أنها مجرد مناصحة ومحاورة!!


نقول: احذر - يا هذا - ألا تكون أعددت للأمر عدته، أو تجمع للنزال أُهْبَتَه، فقد بدأت الحرب العوان، ونُودي بالأقران، والتقت السيوف، وصفت الصفوف، واصطكت الكتوف بالكتوف؛ فقد أمكنت
- لعمر الجبار المنتقم - من نفسك، وأتيت على مهجتك وحسك، ولا غَرْو؛ فعلى نفسها جنت براقش، وإياك أن تكع أن تناقش، ويداك أوكتا وفوك نَفَخْ، ولن نتلو عليك: بَخْ بَخْ.


ثم نعود إلى القول فنقول، والحقُّ والحقَّ نقول: إنه لن ينجيك منا إلا شاهق جبل، أو ظلمة مغارة، أو نفقٌ في أرض، أو دِهْلِيز قَبْو، أو بطن حوت، أو ظلمة بحر لجيّ، أو أن تأوي إلى قصر مشيد، أو تبرز لنا من وراءك، حتى نناقشه ونفاتشه، ونناظره ونناكشه، اللهم إلا أن تتوب، وتثوب إلى علام الغيوب، فتعود إلى رشدك - وهو والله أحب إلينا- أو تكع عن المناظرة، فلا نراك ألبتة في محاورة أو مداورة؛ تلك عشرة كاملة، ما أشبهها بعشرة الرازي العاطلة، وسنرد بعدل وعلم، وبيان وحلم: على تعليقاتك الساخرة، وتعريضاتك الماكرة، على الإخوة المشرفين والمشاركين، من طلبة العلم والعلماء الربانيين.


وآخر ما نقول: أننا بالله نعتصم، وبه نلوذ مما يشين ويصم؛ الذي لا يترك من استجار بحماه، ودعاه وأخلص له ولم يدع أو يستغث بسواه، ولم يتوسل إلا بما شرعه الله، في كتابه أو سنة مصطفاه. وبيننا وبينك أيامُ الجنائز، ودع عنك يوم الجوائز!


ولله در من قال، وأنشد وأحسن في المقال، من البحر الطويل، ذي الوزن الجميل، والمعنى الجزيل:

ودُونَكَ إِذْ تَرْمِي الظِّباءَ سَوَانِحًا
تَلَقَّ مَرَامِيْهَا (فَمَنْ يَرْمِ يَتَّق!!)

يعني بالكلام المفتشر، والقِيل المشتهر: (ما ترى لا ما تسمع!!)؛ وحينَها لن يَنفعك قولُك أو قِيلك أو مَقالك: دَعْ دَعْ، فالنجاءَ النجاءْ، ودونك الصحراءْ!


هذا ما جرى به القلم، في فجر يوم الخميس؛ فقلنا متفائلين، وبالله مستعينين: الخميسَ الخَمِيس.


وكتباه
(أبو محمد خالد الرفاعي، وأبو العباس حسني بن أحمد الجُهَنِي
)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أباطيل وأسمار(الحلقة الثانية)

مختارات من الشبكة

  • يا دعاة الباطل لا تكونوا كاليهود: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • من أباطيل الجاهلية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أباطيل كارل ساغان: الاستدلال بمحل النزاع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أباطيل كارل ساغان: الاحتجاج بالجهل المطلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أباطيل كارل ساغان: الاستدلال بالعدم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أباطيل كارل ساغان: الاحتجاج بالعواقب غير المرغوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أباطيل ساغان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيضاحات الشافية من القرآن والسنة على أباطيل شرح الاصطلاحات الصوفية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أباطيل شاعر أفاك(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب