القافلة.. العزم والجزم والحزم

القافلة.. العزم والجزم والحزم

أكد المدير العام لمكافحة المخدرات بالإنابة أن المملكة العربية السعودية - بفضل من الله - لا تعاني من مشكلة المخدرات؛ فهي لا تنتج المخدرات، ولا تصنع المخدرات، ولا تصدر المخدرات (الخام والمصنعة)، ولا تستورد المخدرات..وما تقوم به المملكة من حملات توعية وملاحقة إنما هي للقضاء على نماذج لا تشكل ظاهرة بالمجتمع السعودي، ولا يعني هذا انعزال هذا المجتمع عن القرية التكنولوجية التي تحوَّل إليها العالم، فهناك نماذج - على قلتها وضآلتها في هذا المجتمع - ربما تأثرت بهذه الظاهرة، إما عن طريق الاحتكاك بالآخرين خارج البلاد، وإما نتيجة احتكاك الآخرين من خارج البلاد بالمجتمع عن طريق الاستعانة ببعض العاملين في الأعمال التي تَعِج بها البلاد، فيستغل بعض من هؤلاء وجوده ويحاول الثراء السريع والمحرم عن طريق الترويج.

وقد انطلقت يوم السبت الماضي الموافق 1/ 7/ 1410هـ قافلة التوعية بأضرار المخدرات على النفس وعلى المجتمع تجوب البلاد، وسطها وشرقها وغربها،وهي فكرة فريدة تبناها الأهالي من خلال اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، ورعَتْها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بالتنسيق والتعاون مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، ورأينا جزءًا من الحملة - وفيها مجموعة من الشباب - يدب فيها الحماس والعزم على أن يصلوا إلى كل منزل وإلى كل شاب وشابة،وهذ فكرة طيبة تنبه الغافل، وتذكر الناسي، وتثير الفضول لدى الجاهل، وتؤكد ما لدى العالم...فالمخدرات همٌّ يهدد مجتمعات ويهدد جيلًا كاملًا، ويهدد الأمة..وكل شاب معرض للوقوع في حبائل هذا الطاعون ما لم تتخذ الاحتياطات الوقائية، التي يأتي على رأسها الفتوى التي صدرت عن هيئة كبار العلماء بالإجماع، والتي - هذه الفتوى - تقضي بقتل مهرب المخدرات،وإنزال أقصى العقوبة بالمروج الذي يسعى بالفساد بين الناس، وكان من أثر هذه الفتوى:

1- انحسار انتشار المخدرات وتهريبها بمعدل 40% بعد صدور القرار.

2- ارتفاع قيمة المخدرات ارتفاعًا باهظًا، وهذا يوحي بزوال وجودها.

3- الزيادة في وعي الناس تجاه المخدرات وإدراكهم لمدى خطورتها.

4- إحجام بعض من تسول لهم أنفسهم التهريب أو الترويج.

ويشير الدكتور إبراهيم بن مبارك الجوير في بحث قدمه في "ندوة آثار الأمر السامي بتوقيع عقوبة الإعدام على مهربي المخدرات" وعنوانه (المخدرات: المشكلة والعلاج) وأصدرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وصدر في رمضان سنة 1408هـ إلى إجراءات بنائية يقترح مراعاتها للحد من انتشار المخدرات ترويجًا وتهريبًا ويدخلها في الأسس التربوية لتكوين شخصية المسلم،ومن هذه الإجراءات باختصار:

1- الحد من استيراد العمال الأجانب - ويعبر عنه البعض بالعمالة الأجنبية.

2- الحد من السياحة السيئة - وقصد بها السياحة خارج البلاد.

3- وبالمقابل تشجيع السياحة الداخلية في مدن المملكة ومناطقها.

4- الدقة في الجمارك.

5- زيادة التعاون الفعال مع الدول - الدولة السعودية هنا - في مكافحة المخدرات.

6- القضاء على المخدرات في مراكز إنتاجها - وإبدال نشاط من يزرعها في تلك البلدان بما ينفع من المحصول.

7- تربية الشعور الإيماني في النشء والشباب والعامة.

8- توجيه أنظمة التربية والتعليم والتركيز على الشعور بالانتماء العقيدي والانتماء للأمة.

9- توجيه أجهزة الإعلام نحو الإسهام بقيام الأجهزة بأثر بناء وفعَّال وفي المجتمع.

10- التوعية بأضرار المخدرات إعلاميًّا معهودًا وإعلاميًّا غير معهود كالقافلة مثلًا.

11- قيام الأسرة بواجبها.

12- القدوة الحسنة - في الأقران والأساتذة والرؤساء - والمحيط كله.

13- استغلال أوقات الفراغ لدى الشباب.

14- الاهتمام بأثر المسجد التربوي والروحي والاجتماعي.

15- القوة في بناء الشباب عقليًّا وجسميًّا وعاطفيًّا.

16- التحكيم الصادق والكامل للإسلام، والفتوى برهان على ذلك.

17- إقامة المعارض المتنقلة التي تجوب المدن والقرى، والقافلة مثال على ذلك.

ولم يهمل المؤلف الأسلوب العلاجي لمن تورطوا في المخدر..والنتائج التي يقوم بها هذا الأسلوب توحي وتبشر بخير بإذنه تعالى.

ويقترح الدكتور أحد محمد البناني في بحث سماه "المخدرات ومنطلقات الأمر السامي"، وطبع كما سالفه - أربعة اقتراحات خرج بها من بحث مطول حول المنطلقات الدينية والأمنية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، وهذه المقترحات تتلخص في التالي:

1- العمل بالخيارات كلها التي أتت بها الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]، وذلك بحسب حالة المهرِّب أو المروِّج.

2- نشر الوعي للتدين الصحيح المبني على العلم والتعقل واحترام المتدينين من الشباب والشابات والرجال والأطفال بحيث يصبحون قادرين على تبوء مكانة القدوة.

3- تحديد مكافآت مقطوعة - تحكمها لائحة - أو دائمة للمشاركين في عمليات الكشف عن المروجين والمهربين، وكل حالة بحسبها.

ويذكر الدكتور موسى بن سليمان الدويش في بحث عنوانه: "أثر المخدرات على الضرورات الخمس" نشرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المناسبة نفسها - قوله:

"..فضرر المسكرات واضح للعيان، أما المخدرات فإن ضررها أعظم؛ لأنها صنعت خصيصَى لهذا الغرض المدمر.

لذا فإن أفضل علاج هو حسم الشر من بدايته قبل أن يستفحل بأفضل العقوبات الرادعة.

ويجب أيضًا تقوية الوازع الديني في نفوس الناس، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن النكر، واستعمال أفضل الأساليب في توجيه النشء وتربيتهم تربية إسلامية سليمة، فكلما قوي الإيمان في نفوس الناس ابتعدوا عن تلك الخبائث، ويجب ألا ننسى موقف المسلمين من الخمر عندما جاء تحريمها في نهاية الأمر حيث أريقت الخمر الموجودة عند الناس، استجابة لنداء الله".

وفي بحث تحت عنوان: "أثر المخدرات على الأمة وسبل الوقاية منها" يقدم الباحث الدكتور أحمد عطية بن علي الغامدي جملة من الاقتراحات في سبيل الوقاية والعلاج من هذه البلوى،ومجمل هذه الاقتراحات كالتالي:

1- دعوة الأسرة إلى النهوض بواجبها في إعداد النشء ورعايته وفقًا لأسس التربية الإسلامية الصحيحة.

2- العمل على التوسع في تشجيع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أفراد المجتمع.

3- تنقية المجتمع المسلم من كل ألوان الفساد والانحراف ومقاومة جراثيمه والقضاء على أسباب الجريمة.

4- العناية بالجانب السلوكي لدى الطالب عند إعداد مناهج التعليم في جميع مراحله وفقًا لمبادئ الإسلام الخالدة.

5- عرض البراهين الإسلامية في التحذير من المسكرات والمخدرات في مناهج التعليم في المراحل المختلفة، وشرح أضرارها التي تهدد العقل والخُلق.

6- وضع خطة شاملة لمعالجة مشكلات الشباب النفسية والاجتماعية والسلوكية في ضوء أحكام الإسلام وتوجيهاته، وتقوم بهذا الجهاتُ المَعْنية برعاية الشباب.

7- عدم الفصل بين المسكرات والمخدرات؛ نظرًا للترابط الوثيق بينها، فتحاربان بالحزم والقوة نفسها.

8- التركيز في معالجة المدمنين على العلاج النفسي، وتطوير أساليب هذا العلاج، والحد من استعمال العقاقير.

9- قيام المجتمع بمسؤوليته تجاه أفراده وأمته بعدم التستر على كل من له أثر في نشر المخدرات بالتهريب أو الترويج أو التعاطي.

10- التحذير من صحبة الأشرار ورفقاء السوء من المتعاطين والمروجين والمهربين ببيان خطرهم وفضح أساليبهم.

11- إحكام الرقابة على المادة الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام، بحيث تكون بناء تسهم في جلب النفع للمجتمع في المجالات الثقافية والأخلاقية والصحية.

12- العناية بأسر من يقعون فريسة للمخدرات والمسكرات ورعايتهم دينيًّا واجتماعيًّا وماديًّا؛ حماية لهم من الضياع والانحراف.

13- إقامة معارض طبية متنقلة في أماكن تجمعات الشباب توضح الغوائل الناشئة عن تعاطي المسكرات والمخدرات.

14- التدقيق في شخصية كل من يستقدم للعمل في المملكة، ومحاولة معرفة ماضيه السلوكي، والحد من استقدام العاملين من الخارج.

15- إجراء فحص طبي دقيق على كل من يتقدم بطلب رخصة قيادة أو جواز سفر أو بطلب الالتحاق بالوظيفة للتأكد من عدم تعاطيه لأي مسكر أو مخدر.

16- الدعوة إلى تعاون وثيق بين أقطار الأمة الإسلامية كافة من أجل محاربة المخدرات، والبحث عن طريق المؤتمرات عن السبل الكفيلة بتحقيق هذا التعاون.

وبعد، فهذا عرض سريع لأربعة أبحاث تدور حول آثار الأمر السامي بتوقيع عقوبة الإعدام على مهربي المخدرات، وتبقى أربعة أخرى يتم عرضها في وقفة قادمة - إن شاء الله - ثم نخرج بنتيجة عامة حول وجهة هذه الأبحاث، وسنلحظ أن العزم والجزم والحزم التي انطلقت بها القافلة تتمثل في مجموع هذه الأبحاث،وفَّق الله العاملين على هذه القافلة من المسؤولين والشباب المهتمين والمخلصين، وكان الله في عون الجميع!

الجزيرة - العدد 6338. الأحد 9 رجب 1410هـ - 4 فبراير 1990م.