• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   الملف الصحفي   مواد مترجمة   كتب   صوتيات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ملف تفاعلي لكل بيت مسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالقرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: أذكار الصباح والمساء
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    بطاقة: الرقية بالسنة النبوية
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    تيسير السيرة على صاحبها أزكى الصلاة وأتم السلام ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    القيادة الإدارية من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل المعتمر (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    خلق المسلم (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    أخلاقيات الإدارة من المنظور الإسلامي والإداري ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية الموجزة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية المتوسطة
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    دليل الحاج، ويليه: دليل الحاج المصور (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    ورد اليوم والليلة (PDF)
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الجريسي: سيرة ومسيرة عبدالرحمن بن علي الجريسي ...
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
  •  
    الرقية الشرعية من القرآن الكريم
    د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

{لقد خلقنا الإنسان في كبد} (خطبة)

{لقد خلقنا الإنسان في كبد} (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/7/2022 ميلادي - 28/12/1443 هجري

الزيارات: 55611

حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ وَابْتَلَاهُ بِالتَّكْلِيفِ؛ فَحَمَّلَهُ الْأَمَانَةَ فَحَمَلَهَا، وَكَلَّفَهُ بِالدِّيَانَةِ فَقَبِلَهَا، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لِيُقِيمَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ؛ ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 72]. وَبِهَذَا التَّكْلِيفِ كَانَ الْإِنْسَانُ أَعْلَى الْخَلْقِ قَدْرًا إِنْ قَامَ بِهِ، وَأَحَطَّهُمْ مَنْزِلَةً إِنْ فَرَّطَ فِيهِ، وَهُوَ فِي كَبَدٍ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يَمُوتَ. ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [الْبَلَدِ: 4]، «أَيْ: فِي شِدَّةٍ وَنَصَبٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُكَابِدُ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: يُكَابِدُ الشُّكْرَ عَلَى السَّرَّاءِ، وَيُكَابِدُ الصَّبْرَ عَلَى الضَّرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ يَمَانٌ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقًا يُكَابِدُ مَا يُكَابِدُ ابْنُ آدَمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَضْعَفُ الْخَلْقِ».

 

وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ كَابَدَ مِنَ الْبَشَرِ حِينَ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَكَابَدَ مُصِيبَةَ الْمَعْصِيَةِ، وَكَابَدَ التَّوْبَةَ حَتَّى تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَكَابَدَ الْهُبُوطَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَابَدَ فِي الْأَرْضِ هُوَ وَذُرِّيَّتُهُ إِلَى الْمَوْتِ، بَلْ وَإِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ؛ ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 35-39]. وَكَابَدَ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ مَكَائِدَ الشَّيْطَانِ وَأَحَابِيلَهُ وَوَسَاوِسَهُ، وَصَارَ بَنُو آدَمَ فِي كَبَدٍ مُتَوَاصِلٍ إِلَى أَنْ يَزُولَ كَبَدُ الْمُؤْمِنِينَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيَزِيدَ كَبَدُ الْكَافِرِينَ بِدُخُولِ النَّارِ.

 

إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ كَبَدٍ لِبَنِي آدَمَ؛ فَيَسْتَهِلُّ الْمَوْلُودُ الْخُرُوجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ يُكَابِدُ فِي طُفُولَتِهِ لِيَعِيشَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ الْمَخَاطِرَ، وَلَا يَجْلِبُ لَهَا الْمَصَالِحَ، فَكَانَ فِي رِعَايَةِ وَالِدَيْهِ، وَمَنْ أَصَابَهُ الْيُتْمُ كَانَ كَبَدُهُ أَشَدَّ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ كَابَدَ فِي التَّعَلُّمِ وَاكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ فِي شُئُونِهِ الْخَاصَّةِ. ثُمَّ يُكَابِدُ مَرْحَلَةَ الْبُلُوغِ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ تَغْيِيرَاتٍ، وَيَكُونُ بَعْدَهَا مَسْئُولًا عَنْ نَفْسِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَامَ وَالِدَيْهِ وَالنَّاسِ؛ إِذْ بِبُلُوغِهِ يَجْرِي عَلَيْهِ قَلَمُ التَّكْلِيفِ. وَحِينَهَا يُكَابِدُ فِي إِرْضَاءِ وَالِدَيْهِ، وَيُكَابِدُ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ عَلَى شَهَوَاتِهَا؛ فَإِمَّا انْتَصَرَ عَلَيْهَا فَأَفْلَحَ، وَإِمَّا انْسَاقَ لَهَا فَفَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ أَبْوَابًا جَدِيدَةً مِنَ الْكَبَدِ وَالْمُعَانَاةِ وَالْآثَامِ. وَيُكَابِدُ فِي دِرَاسَتِهِ لِيَنَالَ شَهَادَةً تَضْمَنُ لَهُ وَظِيفَةً مُرِيحَةً تَدِرُّ عَلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَالِ، وَفِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ يَبْحَثُ عَنِ الرَّاحَةِ وَلَكِنَّهُ يُفَاجَأُ بِأَبْوَابٍ مِنَ الْكَبَدِ تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. وَإِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ تَزَوَّجَ لِيُعِفَّ نَفْسَهُ، وَيُكَوِّنَ أُسْرَتَهُ، فَيُكَابِدُ فِي مُعَامَلَةِ زَوْجَتِهِ، وَتُكَابِدُ هِيَ فِي مُعَامَلَتِهِ، إِلَى أَنْ يَفْهَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. ثُمَّ يُكَابِدُ لِيُرْزَقَ الْوَلَدَ، وَإِذَا رُزِقَ الْوَلَدَ كَابَدَ لِضَمَانِ مَعِيشَةِ أُسْرَتِهِ وَرَاحَتِهَا، وَصَارَ يُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ نَفْسِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. وَحِينَهَا يَنْتَقِلُ مِنْ كَبَدِهِ فِي إِرْضَاءِ وَالِدَيْهِ وَبِرِّهِمْ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِمْ إِلَى مُكَابَدَتِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ، وَقَدْ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى لِأَجْلِهِمْ، إِمَّا لِإِرْضَاءِ نَزَوَاتِهِمْ، وَإِمَّا خَوْفًا عَلَى مُسْتَقْبَلِهِمْ؛ فَيَجْمَعُ الْمَالَ الْحَرَامَ لِأَجْلِهِمْ، فَيُوبِقُ نَفْسَهُ بِسَبَبِهِمْ؛ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَدِ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التَّغَابُنِ: 14]. وَيُكَابِدُ فِي مُعَامَلَتِهِ مَعَ مُدِيرِهِ وَزُمَلَائِهِ فِي الْعَمَلِ، وَيُكَابِدُ فِي صِلَتِهِ لِأَرْحَامِهِ، وَفِي إِحْسَانِهِ لِجِيرَانِهِ، وَفِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ؛ إِذْ تُفْتَحُ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ مِنَ الْكَبَدِ لَا يَكَادُ يُحْصِيهَا. وَحِينَ يَصِلُ أَوْلَادُهُ حَدَّ الْبُلُوغِ يُكَابِدُ فِي تَرْبِيَتِهِمْ، وَفِي صَلَاتِهِمْ، وَفِي دِرَاسَتِهِمْ، وَفِي أَصْدِقَائِهِمْ، وَفِي السَّيْطَرَةِ عَلَيْهِمْ، وَحِفْظِهِمْ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ؛ كَمَا كَابَدَ وَالِدَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي تَرْبِيَتِهِ وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ، وَرَدِّهِ عَنْ طُرُقِ السُّوءِ.

 

وَمَعَ كِبَرِهِ وَشَيْخُوخَتِهِ قَدْ تَضْعُفُ قُوَّتُهُ، وَتَعْتَلُّ صِحَّتُهُ، فَيُكَابِدُ أَمْرَاضَهُ وَآلَامَهُ، وَيُشْغَلُ بِنَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الرُّومِ: 54]، وَقَدْ يَصِلُ إِلَى مَرْحَلَةِ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ فَيُكَابِدُ ذَهَابَ ذَاكِرَتِهِ، وَضَعْفَ عَقْلِهِ؛ ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النَّحْلِ: 70].

 

وَهُوَ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا يُكَابِدُ كُرُوبًا وَهُمُومًا هَاجِمَةً، وَيُكَابِدُ مَصَائِبَ وَأَحْزَانًا مُفَاجِئَةً؛ فَإِمَّا صَبَرَ وَأُجِرَ، وَإِمَّا جَزَعَ وَوُزِرَ؛ ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التَّغَابُنِ: 11].

 

وَمُنْذُ تَكْلِيفِهِ إِلَى وَفَاتِهِ وَهُوَ يُكَابِدُ تَسَلُّطَ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، وَقَرِينَهُ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ؛ فَيُزَيِّنُ لَهُ الْمَعَاصِيَ، وَيَصْرِفُهُ عَنِ الطَّاعَاتِ. كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَيُكَابِدُ عِنْدَ الْمَوْتِ حُزْنًا عَلَى تَفْرِيطٍ فِي طَاعَاتٍ، وَوُقُوعًا فِي مُحَرَّمَاتٍ، وَيَنْدَمُ عَلَى عَدَمِ اكْتِسَابِ الْمَزِيدِ مِنَ الْحَسَنَاتِ. وَيُكَابِدُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَشِدَّتَهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ «كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

فَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ كَبَدٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ لِأَجْلِهَا، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِدَارِ النَّعِيمِ الَّتِي يُخَلَّدُ فِيهَا، وَلَا يَجِدُ فِيهَا كَبَدًا؛ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 130-132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ؛ ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [الْبَلَدِ: 4]، لَمْ يَحْزَنْ عَلَى فَوَاتِ مَطْلُوبٍ، أَوْ وُقُوعِ مَكْرُوهٍ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا دَارُ كَبَدٍ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِيهَا لِيَعِيشَ حَيَاةَ الْكَبَدِ. بَيْدَ أَنَّ الْخُسْرَانَ الْأَعْظَمَ، وَالْخِذْلَانَ الْأَكْبَرَ أَنْ يُجْمَعَ لِلْعَبْدِ كَبَدُ الْآخِرَةِ مَعَ كَبَدِ الدُّنْيَا، بِإِعْرَاضِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَلَا يَسْلَمُ مِنْ كَبَدِ الدُّنْيَا، وَيُخَلَّدُ فِي كَبَدٍ أَعْظَمَ فِي الْآخِرَةِ. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: «مَتَى يَجِدُ الْعَبْدُ طَعْمَ الرَّاحَةِ؟ قَالَ: عِنْدَ أَوَّلِ قَدَمٍ يَضَعُهَا فِي الْجَنَّةِ». هُنَالِكَ فَقَطْ يَنْتَهِي الْكَبَدُ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ، وَيُخَلَّدُ الْمُؤْمِنُ فِي نَعِيمٍ لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

 

وَفِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَبِدَايَةِ آخَرَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِسُرْعَةِ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَانْقِضَاءِ الْأَعْوَامِ الْأَعْمَارِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَهْمَا طَالَ عُمْرُهُ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ رَاحِلٌ عَنْهَا إِلَى دَارِ الْقَرَارِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ابْنَ آدَمَ، طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَ يَوْمٌ يَأْتِي مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَّا يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَأَنَا عَلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيَّ شَهِيدٌ، وَإِنِّي لَوْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

 

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يُكَابِدْ فِيهَا بِإِرَادَتِهِ، وَيَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. وَكُلُّ هَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى أَنَّ لَهُ رَبًّا خَالِقًا مُدَبِّرًا، يُقَدِّرُ عَلَيْهِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْمَقَادِيرِ، وَيُصَرِّفُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ، وَيَعْلَمَ مُرَادَهُ مِنْهُ، وَيَعْمَلَ بِمَا يُرِيدُ لِيَسْعَدَ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ وَرَزَقَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، وَيُمِيتُهُمْ ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ وَيُحَاسِبُهُمْ وَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ سِوَى عِبَادَتِهِ بِالدَّيْمُومَةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56-58].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعةأرسل إلى صديقتعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون)
  • تفسير: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)
  • تفسير: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)
  • {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (خطبة)
  • لماذا خلقنا الله؟ (خطبة)
  • لهذا خلقنا

مختارات من الشبكة

  • لقد خلقنا الإنسان في كبد ( بطاقة دعوية )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لقد خلقنا الإنسان في كبد(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال التسخير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حين يكبر معنى الرزق في قلب الإنسان(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • التوازن في حياة الإنسان: نظرة قرآنية وتنموية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدماغ: أعظم أسرار الإنسان(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ما يلقاه الإنسان بعد موته(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شناعة جحود النعم وقوله تعالى (إن الإنسان لربه لكنود)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستقامة طريق السلامة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • سلسلة ورش قرآنية جديدة لتعزيز فهم القرآن في حياة الشباب
  • أمسية إسلامية تعزز قيم الإيمان والأخوة في مدينة كورتشا
  • بعد سنوات من المطالبات... اعتماد إنشاء مقبرة إسلامية في كارابانشيل
  • ندوة متخصصة حول الزكاة تجمع أئمة مدينة توزلا
  • الموسم الرابع من برنامج المحاضرات العلمية في مساجد سراييفو
  • زغرب تستضيف المؤتمر الرابع عشر للشباب المسلم في كرواتيا
  • نابريجني تشلني تستضيف المسابقة المفتوحة لتلاوة القرآن للأطفال في دورتها الـ27
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/7/1447هـ - الساعة: 16:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب