الحلقة التمهيدية لبرنامج (فقه الأسرة) الإذاعي

برنامج فقه الأسرة

الحلقة التمهيدية

الحمدُ لله نحمده، ونستعينه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله تعالى من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبدُه ورسوله.

أمَّا بعدُ:

فمرحبًا بكم مستمعيَّ الكرام في فاتحة هذا البرنامج الأسبوعي الذي أسألُ الله تعالى أنْ ينفَع به مَن أعدَّه وقدَّمَه، ومَن شارَك في تنفيذه وإخراجه، وكلَّ مستمعٍ له، وأسألُه - سبحانه وتعالى - أنْ يُبارك في هذه الإذاعة المباركة المشرقة بذِكر الله تعالى وتِلاوة آياته، وأنْ يُثيب القائمين عليها خيرَ الجزاء، وأسألُه - جلَّ وعلا - أنْ يرزُقنا الإخلاص والسداد في القول والعِلم والعمَل.

• مستمعيَّ الكرام، ما أحوَجَنا إلى التَّفقُّه في دين الله تعالى، وما أعظم أجر المتفقِّهين والعُلَماءِ في دِين الله تعالى! عن أبي الدَّرداء - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن سلَك طريقًا يبتَغِي فيه علمًا سلَك الله به طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لتَضعُ أجنحتَها رضًا لطالب العلم، وإنَّ العالم لَيَستغفرُ له من في السَّماوات ومَن في الأرض، حتى الحِيتان في الماء، وفضْل العالم على العابد كفضْل القمر على سائر الكواكب، إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمَن أخَذ به أخَذ بحظٍّ وافر))؛ أخرجه الإمام أحمد والترمذيُّ وأبو داود وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.

وقال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وقد أمَر الله تعالى نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنْ يسأَلَه الاستزادةَ من العلم، وكفى بذلك منقبة عظيمة للعلم وأهله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، قال القرطبي: فلو كان شيءٌ أشرف من العلم لأمَر الله تعالى نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يسأله المزيد منه.

وأخبَرَ الله تعالى عن رِفعة درجة أهل العِلم والإيمان خاصَّة؛ فقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ومَن رُزق فِقْهًا في الدِّين فذاك الموفَّق على الحقيقة، فالفقه في الدِّين من أعظم المِنَن؛ عن معاوية - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين))؛ متفق عليه.

وأهل العلم الذين يُبلِّغون الناس شرعَ الله تعالى هم أنضَرُ الناس وُجوهًا، وأشرفهم مقامًا بدُعاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فبلَّغَها))؛ أخرجه ابن ماجه وغيرُه، وهو حديث مُتواتر.

وقال علي بن أبي طالب - رضِي الله عنه -: "مِن شرف العلم وفضله أنَّ كلَّ مَن نسب إليه فَرِحَ بذلك وإنْ لم يكن من أهله، وكلَّ مَن دُفع عنه ونُسِب إلى الجهل عَزَّ عليه ونال ذلك من نفسه، وإنْ كان جاهلاً".

وقال مُعاذ بن جبلٍ - رضِي الله عنه -: "تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومُدارسته تسبيحٌ، والبحث عنه جِهادٌ، وتعليمَه لِمَن لا يعلمه صدقةٌ، وبذله لأهله قُربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدَّليل على السَّرَّاء، والمُعين على الضَّرَّاء، والوزير عند الأخلاَّء، والقريب عند الغُرَباء، ومَنار سبيل الجنَّة، يرفَعُ الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادةً وسادة يُقتَدَى بهم، أدلةً في الخير، تُقتَفى آثارهم وتُرمَق أفعالهم".

والحديث في هذا الجانب يطولُ، وإنما المقصود من ذلك التمهيد لهذا البرنامج الذي يعرضُ لجزءٍ مهم في حياة المسلم، ويُبيِّن أهمَّ الأحكام التي جاء بها الشرع المطهَّر تنظيمًا للأسرة ورعايةً لها، وبيانًا لِحُقوق أفرادها.

• مستمعيَّ الكرام، برنامجكم (فقه الأسرة) برنامجٌ مُتخصِّص في بيان الأحكام الفقهيَّة في الجوانب الأسريَّة على حلقاتٍ مُتَواصلة، ويتطرَّق إلى أهمِّ الأحكام والمسائل التي تهمُّ الأسرة المسلمة في جوانب وموضوعات مختلفة؛ منها: فضائل النكاح وحُكمه وفوائده، وأحكامِ الخِطبة، وعقدِ النكاح وأركانه وشُروطه، ويُناقش الشُّروط التي يشترطها الزوجان في عقد النكاح، والعيوبَ المؤثِّرة في النِّكاح وأحكامَها، وأحكامَ الصَّداق ووليمة العُرس، ويعرضُ الأحكام المتعلِّقة بعِشرة النِّساء؛ كحقوق الزوجين وواجباتهما ومُعالجة النُّشوز والشِّقاق بينهما، وأحكامَ تعدُّد الزوجات، وأنواعَ المفارقة من خلعٍ وطلاق وما يتعلَّق بذلك من أحكام، ويُذكِّر بأهم أحكام النفقة على الزوجة والأولاد والأقارب، وأحكام الحَضانة ومَن الأحقُّ بها، وغيرِ ذلك من المسائل التي يتعرَّض لها العلماء في كتب الفقه في أبواب النكاح والطلاق وتوابعهما والنفقات والحضانة، ويهدفُ هذا البرنامج إلى تحقيق أهداف؛ منها:

1) التَّعريف والتَّذكير بالأحكام الشرعيَّة التي تهمُّ الأسرة وتُنظِّم شؤونها وتضبطُ العلاقة بين أفرادها.

2) بَيان محاسن الدِّين الإسلامي في الأحكام الشرعيَّة عامَّة، وفي أحكام الأسرة خاصَّة.

3) كشْف بعض الأخطاء والمظالم التي تقعُ على المرأة والأولاد بسبب الجهل بالأحكام الشرعيَّة، فمن الأسباب التي دعت إلى طرْق هذه الموضوعات في هذا البرنامج الحاجةُ إلى إشهار الأحكام الشرعيَّة التي شرعها الله - عزَّ وجلَّ - لحماية الأسرة وتكريمها، وتنظيم العلاقة بين أفرادها، وبالتأمُّل في كثيرٍ من المشكلات الأسريَّة والمظالم التي تقعُ في حقِّ المرأة والأولاد يتبيَّن أنَّ مَرَدَّها الجهلُ بالأحكام الشرعيَّة وضعفُ الوازع الإيماني لدى بعض المسلمين.

ولا ريب أنَّ لهذه الموضوعات أهميَّتها، ولكن ضِيق وقت البرنامج يُحفِّزني على الاختِصار فيها والتركيزِ في مسائلها، والعنايةِ بأمَّهات المسائل والقواعد الشرعيَّة التي تضبطُ كثيرًا من فُروع المسائل الفقهيَّة، ولعلِّي أُعطِّر هذا البرنامج وأحليه بالاستِدلال بالقُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة المطهَّرة في المسائل والأحكام؛ إذ لا غنى لكلِّ مسلم سواء كان عالمًا أو مُتعلِّمًا عن الرُّجوع إليهما، فهما اليَنبُوع الصافي والمَعِين العذْب الذي لا ينضبُ، وقد تعبَّدَنا الله تعالى بامتِثال أمرِه في كتابه الكريم، وأمَرَنا بالتأسِّي بنبيِّه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول - تبارك وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ويقول تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

وإنَّ التالي لكتاب الله تعالى لَيَمُرُّ بالمئات من الآيات الكريمة التي تُعالج أمورَ الأسرة وتُبيِّن الحقوق والواجبات والآداب التي ينبغي التقيُّد والتأدُّب بها، وفي السُّنَّة النبويَّة من ذلك الكثير من الأحاديث، وما أكثرَ ما أُثِرَ عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - وما ورَد من سلف هذه الأمَّة وما دوَّنَه العُلَماء والفُقَهاء في مُصنَّفاتهم في هذا الجانب، وفي ذلك كلِّه دلالةٌ على عناية الشريعة الإسلاميَّة بالأسرة وأفرادها، وما تستحقُّه من عنايةٍ واهتمام.

وفي ختام هذه الحلقة الأولى من هذا البرنامج أحيطُكم مستمعيَّ الكرام بسَعادتي بكلِّ مقترحٍ أو ملحوظةٍ أو إفادة تثري هذه الموضوعات، وتُساعد في تحقيق الأهداف المقصودة من طرحِه على قُلوبكم ومَسامعكم عبر بريد إذاعة القُرآن الكريم.

ولله تعالى الحمد أولاً وآخِرًا، وهو سبحانه المسؤول أنْ يرزُقَنا الفقه في الدِّين والثَّبات على الحقِّ، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.