انتقاء الجليس

لم يخطئ الشعراءُ العرب عندما أكَّدوا على اختيار الجليس والقرين والبطانة، فكم شخصًا تراه متَّزنًا عاقلاً ذكيًّا، فتفاجأ ببعض ما يصدر عنه مناقضًا لما تعهده فيه، وما يتميَّز به من الحنكة والعقل! وإذا بحثتَ عن الأسباب، فكثيرًا ما تجدها نتيجةً لمشورة الرفقاء والجلساء، الذين قد يكونون على عكس آرائه وما يؤمن به، وإذًا فتلك التصرفات تأتي منه مطابقةً لما أشار به أولئك الذين يعطون مما يجدون، وفاقد الشيء لا يعطيه، وماذا ننتظر أن يصدر من السفيه إلا السفاهة، ومن الغبي إلا البلادة، ومن الموسوس إلا الهذيان، ومن المخرِّب إلا الهدم؟

 صور قد لا تحتاج إلى كبير عناء في مشاهدتها، وإدراك أسبابها وعللها، ومن ثم فإن من اللازم أن يكون المرء دقيقًا في انتقاء صديقه وجليسه ومشيره؛ فذلك عنوانٌ لذكائه وحصافته وسلامة قراراته، وقديمًا قال الشاعر:

عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمَقَارَنِ يَقْتَدِي

وقول الله أبلغ: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].